الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الألقاب مؤشرات مهن أم أوسمة: الأكاديمي نموذجا؟

آزاد أحمد علي

2021 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في زمن التواصل والاتصالات السريعة المعاصر وضمن مجتمعات ازدادت حساسيتها، وبالترابط عضويا مع زيادة التخصصات وتنوع المهن، نلاحظ طغيان للمصطلحات المهنية، بل ثمة مبالغة في استعراض المسميات المرتبطة بالمهن، بعضها مستجد وبعضها الآخر قديم يتم اعادة احيائه، وليس ثمة عيب في تقمص الصفة المهنية، سوى الاستخدام غير المناسب في المكان والزمان غير الضروريين. فما المصطلحات الجديدة الطاغية كالمحلل الاستراتيجي أو السياسي، أو الباحث الاقتصادي، أو الأكاديمي... وحتى آخر القائمة، الا أمثلة تؤكد كل لحظة على الجنوح الى نوع من التباهي بالمرتبة أو درجة التحصيل العلمي… ما شجعني على التذكير بمثالب هذه الظاهرة هو العتب الذي وصلني من بعض الأصدقاء لعدم مشاركتهم في الندوة الحوارية التي نظمها مركز آسو للدراسات الاستراتيجية في عامودا. لقد عقدت الندوة تحت عنوان :"دور الأكاديميين في الحوارات وتعزيز الثقة بين الفاعلين المحليين". الحقيقة عندما تم استشارتي لتوصيف الأكاديميين، لجأت لتصنيف علمي مهني بسيط ومعاصر، يكمن في اعتبار كل من يحمل درجتي الماستر والدكتوراه خريجا أكاديميا، كما يعد كل من عمل في مهنة التدريس في المعاهد والجامعات أكاديميا حتى لو حمل درجة البكالوريوس فقط، كون التعليم الأكاديمي هي مهنته. من جانب آخر يعد كل من يشتغل في حقل البحث العلمي المواز للمعاهد العليا والكليات في إطار مناهج البحث العلمي هو عامل في الحقل الأكاديمي وان لم يدخل قاعة التدريس، وفي المحصلة تصنيف الأكاديمي يستند الى شروط ثلاثة، أولا الشهادة العليا، ثانيا العمل في الحقل الأكاديمي تدريسا أو بحثا، وثالثا وهو الأهم أن يكون له منتج أكاديمي، بمعنى أبحاث علمية سواء على شكل دراسات مختزلة، أو كتب مفصلة.
إن إعطاء بعض الأرجحية للشخصية الأكاديمية في عدد من المحافل والندوات كالتي نظمها مركز آسو للدراسات بمدينة عامودا، أي دعوة الأكاديميين لإبداء الرأي في مواضيع ضمن حقل الشأن العام. ومع ذلك يفترض أن يتم اختيار من يهتم بحقل الشأن العام في المقام الأول، فلم يتم دعوة من يهتم بتخصصه العلمي فقط... ان ظاهرة وجوهر ترجيح وزن الأكاديمي يمكن احالته إلى أن الأكاديمي يفترض أن يمتلك منهجا علميا وله مقاربته وتناوله العلمي المنهجي الدقيق للمسألة العامة موضوع البحث والنقاش، ولذلك تم تجميعهم في جلسة خاصة لرفع سوية المعالجة.
وبهذه المناسبة، ولأن عدم معرفة حدود مصطلح الأكاديمي من قبل الكثيرين، سنذكر بأصل المصطلح ونشأته التاريخية، إذ أن صفة أكاديمي مشتقة من مجمع تعليمي (أكاديمية)، والتي تأسست في اليونان القديمة، حيث اشتق المصطلح في جذره من اسم البطل الأسطوري (أكاديموس)، الذي كان بطلا وإلها للمعرفة، فجذر أكاديمي مقدس مبجل بصيغة ما، لأن اليونان كانوا يقدسون الحكمة، وتم تأسيس أكاديمية أولى في القرن الرابع ق. م، تنسب إلى أفلاطون، الذي جعل الأكاديمية محاطة بالجدران وتحتوي على بساتين مقدسة من شجر الزيتون مخصصة لأثينا إلهة الحكمة. استمرت الحياة الأكاديمية اليونانية التي اسسها أفلاطون حتى سنة 529 ميلادية اذ قام الإمبراطور الروماني جوستنيان بإغلاق الأكاديمية معتبرا إياها من المعاهد الوثنية. وبذلك باتت الحياة الأكاديمية في بمواجهة السلطتين الدينية والدنيوية. لذلك وبصرف النظر عن تحولات الفكر الأكاديمي والعلوم الحديثة، تبقى روح الرفض وعدم الاستسلام للترهات من مكونات الشخصية الأكاديمية. الشخصية التي تلتزم بمنهاج للبحث العلمي التابع لإحدى الجامعات الرسمية، علما أن قواعد هذه الأبحاث الصارمة باتت محل انتقاد من قبل الكثيرين من العلماء والباحثين الذين يفترضون بأن قواعد البحث الأكاديمي تبتعد كثيرا عن البحث العلمي الموضوعي، إذ يعتبرون أن أساتذة الجامعات هم أبعد ما يكون عن التجرد التام والالتزام الدقيق بالمعرفة العلمية، كذلك يعد هؤلاء المنتقدون للحياة الأكاديمية أن آليات البحث الأكاديمي تقلل من رأي الباحث وحرية الرأي، وتمجد من المصادر وترفع من قدسيتها وتغالي في التوثيق على حساب متن البحث نفسه. وأشد المنتقدين لسلبية الأكاديميين كان عبد الوهاب المسيري، لدرجة أن كتب: "كلمة أكاديمي قد فقدت معناها، وأصبحت تشير إلى أي شخص عديم الخيال، يلحق ببحثه قائمة طويلة بالمراجع، ويشرح أطروحته بطريقة مملة، ولا يبدي أي رأي ... والهدف عادة من مثل هذه الكتابات التي يقال لها أبحاث رغم أنها والكلام مازال للمسيري لا تنبع من أي معاناة حقيقية ولا تشكل :بحثا عن أي شيء هو زيادة عدد الدراسات التي تضمها السيرة العلمية للأكاديمي صاحب الدراسة، فتتم ترقيته.. قد تقوم الدنيا ثم تقعد، وقد يقتل الأبرياء وينتصر الظلم وينتشر الظلام، وصاحب (البحث) لا يزال يكتب ويوثق ويعنعن وينشر، ثم يكتب ويوثق ويعنعن وينشر".
ما أردت توضيحه في هذه العجالة أنه مهما ظهرت قوة الألقاب وارتفع رنين معدنها، فهي في المحصلة مؤشر على المهن وليست تكريما أو تشريفا لحاملها، سوى التقدير الموضوعي لتعبه في التحصيل العلمي، واعطاء صفة أكاديمي لشخص لا تتجاوز في جوهرها دلالة حقل عمله وطبيعة مهنته، ومن يفكر خارج ذلك أو يتوهم بقيمة مضافة ومرتبة أعلى من سويات باقي أفراد المجتمع فهو مخطئ والمشكلة ستكون عندئذ في منظومة تفكيره التي ستخرج بالضرورة من الحقل الأكاديمي. وبشكل خاص ثمة من يود اقحام الأكاديميين في صلب الحياة الحزبية، بل ثمة من يود منافسة قادة الكتل السياسية والأحزاب في مواقعهم، داعين الى زحزحتهم لصالح الأكاديميين. أفترض أن أبعد شريحة عن حقل المنافسات الحزبية هي حقا شريحة العلماء والأكاديميين الغارقين في تخصصات علومهم وعوالم معارفهم. وما تصدر شخصيات ضحلة علميا قيادة كبريات دول العالم كترامب وبوتين وأردوغان سوى اشارت ذات مغزى لمن يقرأ المشهد المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي