الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-نهاية الزمن العاقر- لنبيل عودة تجديد روح الثورة والقيامة

نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)

2021 / 5 / 27
الادب والفن


يقوم الأديب بدور قياديّ في مجتمعه، ويبشّر بوعي جديد. فكيف إذا كان نبيل عودة الذي يصوّب على المضامين الإنسانيّة والسياسيّة والفكريّة والأدب؟ وإذا جمعنا مصطلحات السياسة والفكر والأدب، نجدها متلازمة ومتكاملة، تصبّ في غاية النهضة البشريّة من سباتها، والدفع بها قدماً إلى الأمام. وليس أحد مثل الأديب المتنوّر ثقافة وفلسفة، يسعى إلى هذه المهمّة التي تبدو سهلة، ولكنّها صعبة وشاقّة، ويشبه من يؤدّيها مَن ينحت الجبل بإبرة، وكلّه رجاء بأن يزيح الجبل عن صدور أهله، ولو طال الزمان.
نبيل عودة في كتاباته القصصيّة، يحرّضك على النقد، يشدّك من ثيابك وأنت نائم، أو متظاهر بالنوم، لكي تتبعه في طريق الأدب الملتزم والمسؤول. وعندما أقرأ للنبيل، أجد نفسي أمام قامة فكريّة، مؤمنة بعملها ومؤدّاها، خارج الدائرة الأدبيّة التي ضمّت حتّى الآن ملايين الشعراء (قليلاً من الناثرين باعتبار النثر نقصاً خلقيّاً أمام رهبة الشعر). وكلّهم، أي شعراؤنا، يحوزون على تعليقات مثل روعااااتك"، و"حلووووو"… ويخبرونك عن مشاريع ومفاجآت… ولا يصدّقون إلاّ حقيقة واحدة، هي أنّهم مبدعون. ولست أدري من أين نبت كلّ هؤلاء في عالم الأدب، وكيف يجرؤ إنسان على تقويم نصّ، ولا علم له بالأدب، فيرفع وينصبّ ويجرّ كما يحلو له… بينما المطلوب أن نعيد صياغة حركة ثقافيّة مفهومة، لها روّادها وعارفوها والمبشّرون بها، وصولاً إلى حالة مستقرّة، غير فوضيّة، فيُعطى ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
في "نهاية الزمن العاقر"، نقع على ما نبحث عنه في كومة من القشّ، جوهرة الأدب… قصّة قصيرة (طويلة نسبيّاً) كُتبت عام 1978، في إطار رمزيّ، يؤشّر إلى قضيّة شعب. فلو قرأ هذه القصّة امرؤ يعيش في الغابات، ولم تصل إليه أخبار ما يجري في الأرض المحتلّة، لظنّ أنّ القصّة عاديّة، مجرّدة من الرمز، ولصدّق أحداثها كما هي، من غير مقاربة أو مقارنة بوضع قائم. وأعتقد أنّ هذا النوع من الأدب هو من مذهب الرمزيّة - الواقعيّة، أي مرحلة معدّلة من الرمز الغامض، للإشارة إلى واقع. وفي تحليلي الخاصّ، لا أجد هذا النوع خارجاً عن الواقعيّة، فهو كالعملة المعدنيّة له وجهان، والوجه الأكثر إلحاحاً هو الوجه الواقعيّ، بل هو الهدف الأساسيّ للأديب، أمّا الرمز فهو لعبة جميلة، ووسيلة للعبور إلى الجانب الإنسانيّ من القطعة الفنّيّة. ولأنّ نبيل عودة هو ابن الشعب، يجد نفسه في صلب قضيّته ومعاناته وصبره، قبل الولادة والانتصار الحتميّ الذي تؤشّر إليه القصّة. فالنصّ الأدبيّ والحقيقة هما في تواز (Parallelism)، وتلازم (Correlation)، وهذا لا يخفى على عين ناقد بصير.
القصّة باختصار هي عن امرأة عاقر انتظرت عقدين من الزمن لكي تنجب، وزوجها متسلّح مثلها بالأمل. وأسباب العقم كثيرة في نظر العامّة: صيبة العين، عامل صحّي، الرعب… لكنّ الرجاء يتحقّق، والعيون المنتظرة ساعة الولادة يكتنفها الفرح بعد انتظار طويل. وتتداخل في القصّة مشاهد رديفة، من العقل الباطن، أو من المشاهد اليوميّة المألوفة التي دأب نبيل وغيره من الفلسطينيّين على رؤيتها: "تزوجا قبل دخول الاحتلال بليلة واحدة، فحلّت دخلتهما مع دخلته، حاذت نكستهما نكسة عربهم. قضيا أسبوعاً قاسياً، تشرّدا في الخلاء هرباً من القتال الذي حاذى قريتهما. البيانات المذاعة أوصلتهما لوطنهما السليب، حقيقة ما جرى أذهلهما، شملتهما الصدمة، أغرقهما العار، أهاجت الذكريات رعبهما، هو أيضا ارتعب، البلد كلّها ارتعبت، مدد من الخوف والرعب، طوفان من العار..."
أعتقد أنّ هذا المقطع بالذات هو عنصر أساسيّ في البنية والسياق، ويحمل ثلاث وظائف:
1- الوظيفة الزمانيّة: (التوقيت: قبل الاحتلال بليلة واحدة، أي قبل عام 1948).
2- الوظيفة المكانيّة: يختصرها الأديب بكلمة واحدة: قريتهما، لكنّنا نعرف أين تقع هذه القرية، ولا تفاجأنا الأحداث الأليمة التي وقعت بجوارها بعد النكسة (التشرّد، الهروب من القتال، البيانات المذاعة، الوطن السليب… إلخ).
3- الوظيفة الدلاليّة: فهذا المقطع هو عصب القصّة، بل هو موجز عن واقعها، ولو ترك النبيل النصّ من غير توضيح، لما فهم المتلقّي أنّه يؤشّر إلى النكسة أكثر ممّا يؤشّر إلى ما تعانيه امرأة عاقر (مؤقّتاً) وزوجها. وهذا التوازي بين النكسة والعقم، هو التوازي بين الرمزيّه والواقعيّة الذي سبق أن أشرنا إليه. ولو أدخلنا النصّ إلى مختبر، وجرّدناه من الإشارات الواقعيّة لأصبح أكثر غموضاً، ولكان على المتلقّي نفسه أن يحلّل، ليصل إلى الأبعاد. وفي رأيي أنّ نبيل، كأديب واقعيّ، يميل إلى التوضيح، ويبتعد عن الرمزيّة الغارقة في الغموض والتعمية، لكي لا يضلّل المتلقي، وليبقيه في إطار الحقيقة. ولذلك تطفو على سطح النصّ إشارات دلاليّة كثيرة، مثل: "منذ دخل الاحتلال في ليلة دخلتهم، وهي تعيش هواجسها ومخاوفها، تصارع مصيبتها، ترزح تحت أرزاء عجزها، تلوك الألسن سيرة جفافها، لا تعرف ما الصلة بين عقرها وبين الاحتلال"، و" لا تعرف لماذا ارتبط الاحتلال بما مرّ عليها. أبسبب المعاناة الخاصّة التي جاءتها بعد الاحتلال؟ كم يؤلمها سقوط الضحايا من الطلاّب والطالبات"، و"تخيّلت طفلها يقذف حجرًا. فأطربتها الفكرة. فولجت فيها حتى نهايتها. رأت نفسها تجمع الحجارة لأطفال الحارة، تواجه البطش، تتحدّى الرصاص، تتلّقى ضربات العصيّ، تتكسّر العصيّ ولا تركع"...
من الواضح أنّ الأديب نبيل عودة، أديب ملتزم، انضوائيّ، مؤيّد لقضيّة شعبه حتّى العظم، وهو من عرب فلسطين، يعيش في الناصرة، مدينة المسيح والمقاومة، وإرادة شعب ترفض أن تنكسر تحت البنادق. وعلى الرغم من أنّ القصّة كتبت في عام 1978، أي منذ 43 عاماً، فلا تزال حيّة ونابضة، كلما انفتح جرح، وأطلقت رصاصة، وارتفعت الرايات والحناجر، وواجه الفلسطينيّ الأعزل بالحجر والمقلاع آلات القمع. فكأنّها كتبت الآن وستكتب غداً، فالمسيرة متواصلة، والطفل الذي تنتظره المرأة يولد من جديد في قلوب الأطفال من الجيل الآتي (الأطفال جعلوه سخرية القدر)، والولادة هي ولادة الحرّيّة، والصبر هو مفتاح الفرج والأمل، وكلّ هذه الألفاظ والمصطلحات تبرز وتتراكم هنا وهناك، ولا تغيب من القصّة، فتركيز النبيل منصبّ عليها وعلى الإنجاب الذي يعتبره "القيامة" وتجلّي العصر". ويرتفع بالمَشاهد ليصل إلى القمّة في المقطع الأخير، حيث في المستشفى، وبينما المرأة في طور الولادة، يُنقل الجرحى الفلسطينيّون، "عشرات الجرحى"، ويرفعون علامات النصر… غير أنّ هذا المشهد الدمويّ ينطوي على فرح وسعادة (أجمل الأحاسيس، مدد من السعادة، دموع الفرح)… فالنبيل يرى في الدماء مطراً على شجرةالحرّيّة، وباباً للانتصار، فللحرّيّة الحمراء باب بكلّ يد مضرّجة يُدقّ، كما يقول الشاعر الكبير أحمد شوقي… لذلك ينظر بطل القصّة، كلّما رأى الدماء، إلى الباب (عيناه تنتقلان بينهم، تبتسمان لهم، ثم تتعلّقان بالباب، حيث الخبر والأمل).
وهنا نصل إلى جوهر القصّة، وختامها العميق… ويبشّر النبيل بزمن هو الأجمل، فبعد المخاض ولادة، وبعد النضال انتصار، مهما طال الزمان.
جميل الدويهي: مشروع "أفكار اغترابيّة" للأدب المهجريّ الراقي - سيدني 2021
***************
اشكره على هذه المراجعة النقدية الهامة لقصة نهاية الزمن العاقر. هذا النص الذي يشكل في مسيرتي الأدبية والقصصية بشكل خاص، نقطة تحول هامة، اذ كنت قد يأست من الكتابة ومن الواقع السياسي العربي بهد النكسة، وغرقت بصمت طويل لفترة تزيد عن الثلاث سنوات، انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، المشهورة باسم انتفاضة الحجارة، أخرجتني عن صمتي فكانت نهاية الزمن العاقر تحمل رمزين هامين، رمز وطني فلسطيني بانتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والمحتلين، ورمز ذاتي عن نهاية زمني الثقافي العاقر ايضا. بان اعادتني الانتفاضة للكتابة القصصية، فصغت أكثر من 30 قصة انتفاضية بزمن قصير جدا، شملت معظمها بكتاب قصصي يحمل أيضا عنوان "نهاية الزمن العاقر" لفتت انتباه ناقد سوري هو محمد توفيق الصواف، فكتب كتابا عن "الانتفاضة في ادب الوطن المحتل" اعطى لثلاث قصص من قصصي حصة الأسد من كتابة والتقييم الأهم فنيا وصياغة. رابط كتاب محمد توفيق الصواف عن الانتفاضة في ادب الوطن المحتل:
http://www.syrianstory.com/comment23-9.htm








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما