الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثيل التطور اللارأسمالي

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2021 / 5 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


هدف هذا المقال تأثيل وتمحيص مفهوم "التطور اللارأسمالي" وبيان طبيعة أزمته وكيفية تجديده.


1- أهمية اللارأسمالية:
إذا كانت اشتراكية التخطيط والبناء نتيجة من لارأسمالية المجتمع والدولة والملكية والإنتاج، فهذا يعني ضرورة بناءهم على قواعد إجتماعية ونشاطهم بآليات وأهداف تساعد وتقوي إشتراك فئات المجتمع في تصميم وتحقيق التغييرات الإقتصادية السياسية والثقافية اللازمة لتحرر المجتمع ومستقبله من الاستغلال والتهميش العالمي والداخلي.


2- بديل عن ضعف الرأسمالية:
مع دخول القرن العشرين وارتفاع رايات الحداثة والتحرر ظهر ضعف البنية الرأسمالية في غالبية بلاد العالم وعجزها البنيوي عن تحقيق تحرر وطني وتقدم اجتماعي متناسق ومن ثم برز سؤال حول كيفية التطور الاقتصادي الاجتماعي؟

(أ) ملخص السؤال: هل بإمكان مجتمعات متخلفة فقيرة المال إصطناع نظم رأسمالية تحقق حداثة تزجي الحرية والإزدهار لجميع السكان؟

(ب) مقلوب السؤال هل بامكان الإمبريالية والرأسمالية أن تحقق التنمية والحرية والازدهار لجميع مجتمعات العالم ولجميع سكان أي بلد بدون ان تضع غالبية مجتمعه في حالة استغلال وتهميش وبدون ان تضع دولته في حالة تسول؟

(ج) بنفس السياق حول العلاقة بين الرأسمالية والإمكانات والحرية من الاستغلال والتهميش، والعدالة في توزيع الموارد تبلور السؤال الوطني: هل بالإمكان تحقيق حداثة الانتاج والمجتمع والدولة بأسلوب اجتماعي بعيد من مظالم الأنانية التجارية؟


3- موانع التطور الرأسمالي:
(أ)الامبريالية كعائق للتطور الرأسمالي:
تمنع السيطرة الامبريالية أي بلد خارج مراكزها من الإزدهار حيث لا تسمح لغالبية دول العالم بأكثر من حالة رأسمالية حقيرة خلاصتها الإستعمار الداخلي والتسول الخارجي.

(ب) البؤس الداخلي:
عدم توفر موارد مالية وظروف موضوعية لخلق رأسمالية عادلة أو رأسمالية وطنية أو حتى رأسمالية فعالة


4- الحل في اللارأسمالية:
إهتمت القوى الثورية بتحقيق الحداثة والتنمية بأسلوب وطني وإجتماعي في غالبيته مع قليل من الدعم الأممي تناله عبر منظومات التعاون والصداقة بين الشعوب.


5- البرجوازية المضادة للرأسمالية:
بعد اختلافات ثورية في مختلف الدول حول نسب مشاركة برجوازية المدن وبرجوازية الريف في عملية التحرر الوطني والاجتماعي تمت تسويات مختلفة لطبيعة التحالفات والشراكات الإجتماعية بعضها بتحالف مع فقراء الريف كما حدث في الجمهوريات السوفييتية، وبتحالف مع البرجوازية الصغيرة في المدن كما حدث في غالبية دول العالم الثالث.

صيغت هذه التحالفات والمشاركات بأسماء سهلة فضفاضة من نوع "التحالف التقدمي"، "التحالف الوطني الديموقراطي"، "التحالف الشعبي"، "تحالف قوى الشعب العاملة"، وسمى أسلوب تطورها بإسم "التطور اللارأسمالي".


6- الضغوط العالمية والأخطاء الداخلية:
في ظروف إستوراد النفط والتركيز على تنمية بنية وخدمات القطاع الحديث تسممت حركة التطور اللارأسمالي في العالم الثالث بأسباب خارجية وبأسباب داخلية.

(أ) من الأسباب الخارجية:
1- رفع أسعار النفط
2- تخفيض الدول الامبريالية حجم وقيمة مشترواتها من خامات كل دولة
3- طرد العملات الافريقية من منطقة الاسترليني،
4- دولرة التجارة الدولية بنظام البترودولار
5- ضغوط امبريالية عسكرية (تمردات انفصالية، غزوات، انقلابات، إغتيالات، مشاكل حدود)

(ب) من الأسباب الداخلية:
1- سبب آيديولوجي بالفصل أو بالتقريب الجزافي الشديد بين التطور الوطني والتطور الإشتراكي،
2- تأجيل تغيير علاقات الانتاج الرأسمالية إلى حين تقدم المجتمع، بينما هي مسممة له،
3- انفراد البرجوازية السياسي ثم التجاري ثم العسكري الدموي بالتحكم في المجتمع والدولة بتهميش وتصفية دور الحركة النقابية والحركة التعاونية والحركة الشيوعية، وابتذال الحركة الثقافية وتعهير الحركة الاعلامية.


7- النتيجة:
أدت الضغوط الخارجية والأخطاء الداخلية إلى إضعاف كل المعالم التقدمية وزيادة التقارب بين برجوازية كل بلد والإمبريالية وتبلور حالة متداخلة من الإفلاس وتكرار الديون والتطور الرأسمالي الطفيلي والفساد وانتصارها على مبادئي وممارسة وأهداف التطور اللارأسمالي.


8- العظة:
لذا بالإمكان القول أن الثقة في الفئات البرجوازية وفي علاقات الانتاج البرجوازية، وفي التحالفات الفوقية، وعدم الارتكاز على حيوية العلاقات التعاونية والشراكات الإنتاجية في بناء قواعد جماهيرية وعملية ديموقراطية متكاملة لإدارة الإنتاج والتنمية أدت مع عدم الارتباط بالمعسكر الشرقي إلى انفرادات البرجوازية وإقصاء التيار الشيوعي، ومن ثم وضع غالبية دول العالم في أتون ديكتاتورية السوق وسيطرة تماسيحه على معيشة الناس، أتون الإستعمار الداخلي والتسول الخارجي.


9- مقدمة التجديد:
فشل علم دراسي لا يعني فشل التعليم، وفشل زراعة معينة لا يعني ترك الزراعة، وتهدم مبنى أو خراب آلة لا يعني فشل الهندسة، لذا بالإمكان الاتعاظ بأخطاء أسلوب التحرر الوطني والإجتماعي وتجديد نضالاته.


10- مقومات التجديد:
(أ) من أهم مقومات تجديد أسلوب "التطور اللارأسمالي" تحسين بناءه التنموي والديموقراطي لكن الأهم تحسين تصور التقدميبن الذهني لطبيعته، حيث يحدد الواقع والتنظير طبيعة تعبيرات واسعة من نوع "نظام ديموقراطي"، "تنمية متوازنة"، "نظام لارأسمالي".

(ب) تؤثر بعض العوامل على وصف أو تسمية النظم الإقتصادية، أيضاً على فرز المتشابه منها حسب: حجم كل مكون من مكوناتها ودور بعض هذه المكونات، وطبيعة وإتجاه الدولة والحركة الاقتصادية فيها، ما يشمل: 1- بنية الاقتصاد وفق أنواع التملك المختلفة: النسبة المئوية للملكية العشائرية ما قبل الرأسمالية للأراضي والقطعان، نسبة الملكية الحكومية/القطاع العام، النسبة المئوية لملكية القطاع التعاوني، نسبة الملكية الرأسمالية، نسبة الملكية المختلطة، في الجزء الوطني، ثم النسبة المئوية للقطاع الأجنبي الملكية، 2‐ الطبيعة السياسية الإجتماعية للدولة:هل هي دولة ليبرالية تعمل لمصلحة الطبقة الرأسمالية أو هي دولة ذات ديموقراطية شعبية تعمل لمصلحة الشعب. 3- إتجاه الدولة الطبقي، بمعنى ارتباط الدولة إما بهدف تغيير علاقات الإنتاج والبنية الاجتماعية للاقتصاد، أو ارتباطها بإستدامة سيطرة البنى الرأسمالية على الإقتصاد حاضراً ومستقبلاً؟


11- مهمات فعالة في تحقيق التطور اللارأسمالي:
1- إرجاع دخل صادارات الأقاليم اليها (بنفس العملة الصعبة التي تم على أساسها التصدير)، 2- تحويل هيئات الحكم والوزارات إلى تنسيقيات صغيرة، 3- تحويل المشروعات إلى شراكات عامة وتعاونيات، 4- قيام مسؤولي كل مجال عمل بانتخاب رؤوساءهم، 5- قيام برلمان متكامل تمثل فيه مع الأحزاب قوى العمل (الرعاة والزراع والحرفيين والعمال والمهنيين) + تمثيل مجتمعات العمل العام: (المجتمع الأكاديمي، المجتمع التجاري، المجتمع العسكري ومجتمعات تنظيمات النساء، الشباب، المعاشات، الحركة التعاونية، الدبلوماسيين، الإعلام، إلخ) + تمثيل الأقاليم، 6- إشراف ممثلي هيئات الإنتاج الكبرى وممثلي هيئات الاستهلاك الكبرى على السياسة المالية للدولة والبنك المركزي،7- إشتراك ممثلي النقابات والهيئات التقنية المدنية في الإشراف على سياسات الهيئات الحكومية المقابلة لهم. 8- ضبط التعامل الدولي وفق خطة التنمية.


12- طبيعة التغيير:
أول مراحل التغيير الثوري للأوضاع الرأسمالية هي مرحلة وطنية ديموقراطية، تخفض النفوذ الأجنبي وتكسر الجبروت الرأسمالي، وتقوي النشاط الشعبي في مجالات تنظيم الإنتاج والمعيشة والادارة، وتحقق هذا التغيير بتفكيك وبناء:

(أ) تفكيك سيطرة الرأسمالية على الإقتصاد والدولة والمجتمع وتبديلها بسيطرة المجتمع على الدولة وسيطرة الدولة على الأنشطة الرأسمالية الرئيسة (الإستوراد والتصدير والبنوك والمشروعات الكبرى)

(ب) بناء تنظيمات الحكم الشعبي في كل منطقة ومشروعات إقتصادية لارأسمالية الملكية ولارأسمالية الهدف، بل تعاونية، وحكومية وشراكات، والعناية بتطوير التنظيمات الأهلية التقليدية غير الرأسمالية لتملك الأراضي والقطعان.

13- جوهر التغيير:
يبدأ التغيير الوطني الديموقراطي بتفكيك سيطرة القطاع الرأسمالي على عمليات الإستوراد والتصدير والبنوك والتجارة الداخلية والخدمات، ومن ثم بهذا التفكيك تأخذ هذه المرحلة الأولى سمة اللارأسمالية، رغم وجود علاقات إنتاج رأسمالية داخل قطاعات الإنتاج والخدمات إلا إن دولة المرحلة الوطنية الديمقراطية ليست رأسمالية الهدف وليست رأسمالية التنظيم، بل إشتراكية الهدف ولارأسمالية التنظيم والنشاط، ولهذا ساد في القرن العشرين بين العلماء والمنظرين والزعماء الثوريين وصف هذا النمط الإقتصادي ب"اللارأسمالي" وب"الوطني الديموقراطي".


14- أثر التغيير على رأسمالية الدولة وعلى التطور الديموقراطي:

،(أ) ظهور نوع جديد من "رأسمالية الدولة" بتأثير تغييرات السياسة والاقتصاد وطبيعة الدولة وهدفها. فالنوع القديم من رأسمالية الدولة يرتبط بدولة رأسمالية البنية والنشاط والهدف، مثل أي قطاع عام في دول أميركا أو أوروبا، أما النوع الجديد فهو رأسمالية دولة إشتراكية الاتجاه والهدف ولارأسمالية التنظيم، كالقطاع العام في الصين وفيتنام وكوبا وبعض الدول الإفريقية والآسيوية كمصر والجزائر والعراق وسوريا بين الستينيات والتسعينيات.

(ب) كلما زادت ديموقراطية الدولة واقتصادها وصرفها الاجتماعي إنخفضت في قطاعها العام سمة "الرأسمالية" وإنحسر التناقض بين (ربح) الدولة وجهد العاملين، وأيضاً ترتبط ديموقراطية الإقتصاد بزيادة التعاونيات.

(ج) مع وجود مجلس شعب تتمثل فيه مع ¹الأحزاب ² قوى العمل، و³ مجتمعات العمل العام و⁴ الأقاليم ، تتطور الديموقراطية أيضاَ كحكم شعبي للإقتصاد وتنظيم موارده وتوزيع ثمراته عبر نشاط الهيئات الديموقراطية لغالبية الكادحين في مجالات عملهم ومناطق سكنهم وقيام هذه الهيئات بتنظيم وتلبية الحاجات والمطالب عبر عملية التنمية وتنظيم النشاط الرأسمالي والسوق حسب حاجات غالبية الكادحين.


15- الختام:
إن مرحلة التغيير الوطني الديموقراطي لبنية الدولة والإقتصاد وعلاقات الانتاج، كمرحلة انتقالية لن تكون مرحلة رأسمالية صرفة، ولن تبلغ حال البناء الإشتراكي الكامل في فترة قصيرة، جداً بل أهم معالمها ان تكون متناقصة العلاقات والأنشطة الرأسمالية متزايدة النشاطات والعلاقات غير الراسمالية الإجتماعية والتعاونية الاشتراكية.

بالتغيير الديموقراطي الشامل لعلاقات الحكم وطبيعة الاقتصاد تنطفي السيطرة الرأسمالية على الاقتصاد والدولة والمجتمع ومن ثم سيكون الوضع الجديد "اللارأسمالي" بديلاً للوضع المأساوي الذي كانت ولم تزل فيه معيشة غالبية الكادحين والتجار تُنظم وفق مصلحة كبراء السوق والرأسمالية الأجنبية.

_________________________________________________________________________

Alternatives to Capitalism: Proposals for a Democratic Economy
Erik Olin Wright & Robin Hahnel, 2016
books.google.com/books/about/Alternatives_to_Capitalism.html?id=CB8ZDAAAQBAJ&-print-sec=frontcover&source=kp_read_button&newbks=1&newbks_re-dir-=0&gboemv=1

theguardian.com/commentisfree/2012/jun/24/alternative-capitalism-mondragon

encyclopedia2.thefreedictionary.com/Noncapitalist+Path+of+Development
The Great Soviet Encyclopedia, 3rd Edition (1970-1979)

ciesas.edu.mx/publicaciones/clasicos/00_CCA/Articulos_CCA/CCA_PDF/035_CHAYANOV_On_the_theory.pdf

More on the Non-Capitalist Path of Development
R. G. Landa, 1967








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا


.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي




.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل