الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلفيات النصية في قصيدة - مضى وحيدا- للشاعر العراقي محمود فرحان حمادي

فطنة بن ضالي
كاتبة، شاعرة

(Fatna Bendali)

2021 / 5 / 28
الادب والفن


تعد قصيدة " مضى وحيدا " للشاعر العراقي محمود فرحان حمادي تجربة شعرية عبر فيها الشاعر عن انفعاله وحزنه وعن تأمله في الوجود، فهي رؤية شعرية ضمنها رؤاه ، عاطفيا وفكريا وإبداعيا وإيقاعيا.هي مرثية عزيز ذي مكانة رفيعة خاطبه ب ( يا أيها الألق ) و(يا صديق الرؤى ) . ترك الشاعر وحيدا، ومضى هو وحيدا إلى عالم آخر، فلا يمكن أن يُملأ مكانه، وقد استبطن الشاعر نفسه الحزينة و بين ما تقاسيه من أسى ووحدة ووحشة وقلق يقول : (وحدي وأمواج هذا الليل ) ويزيد (أنام في وحشة الأحلام) (أسامر القلق) ، وصف دقيق لحالة نفسية مؤَطرة بفضاء زماني هو الليل وما يحيل إليه كفضاء رمزي ينبئ بالسكون والعتمة و تعميق الوحدة والوحشة، وتذكر الأحبة وأيام الوصل .
وفي اتجاه البحث عن توازن الذات المبدعة الشاعرة التي تكتوي بنار الحزن، كان السبيل إلى الإبداع وإلى بناء عالم رمزي تحقق فيه الذات الشاعرة وجودها الرمزي . مادام الشعر وليد رؤية ورؤيا الشاعر، فقد عبر عن لحظات ليله بين حيرة وضياع ، في قوله :
(تضاءل الموت في حرفي فأورثني*** هذا الضياع ...)
إن الذات الشاعرة تعيش تشظيها في وحدتها وحزنها على من استلهم منه الشاعر تجربته الشعرية وطبيعتها علها تخفف وتهون عليه معاناته وآلامه . ويصبح الشجن والأسى محفزا، يقول :
( يا صديق الرؤى ما طاف لي شجن *** إلا تردد في تصويره الورق )
هكذا يلعب الزمن النفسي في القصيدة دورا مهما جدا ينتظم أبياتها ويشد أوصالها ويعمل على تأزم الحالة النفسية ، إحالة على مرارة الفراق وتطويع اللغة من أجل احتواء معاناته الإنسانية في أعمق صورها . ويظل المرثي منبع القيم والمثل العليا للشاعر من توجيه وهداية ، فمنه تأثر بالشعر يقول : ( من حروفك للعلياء أنطلق ) (من أريجك حلو القول أسترق ). فلم يبق منه إلا تذكر أيامه، وحيث لا يجدي الحزن أمام القضاء والقدر، جمع الشاعر مرثيته سكب فيها عصارة حبه لشخص المرثي وضمنها تساؤلاته حول العيش بعده .
ولقد نوع الشاعر في أساليبه التعبيرية عن هذه المعاناة بين الأسلوب الخبري والإنشائي معتمدا الأسلوب الخبري ، في وصف حالته ، ومؤكدا مصاحبة الحزن والهموم والأرق، كما استعمل الاستفهام الخارج عن مقتضى الظاهر و يريد به التعلل والترجي ( فهل سيورق في مرثيتي القلق)، و التمني في قوله ( وهل ستجمعنا الألحان في لغة ..).
وليصور حزنه في صور معبرة لجأ الشاعر إلى الصور البيانية منها التشبيه في قوله (كأنها عند خيط الفجر تفترق )، كما لجأ إلى المجاز والاستعارة والكناية، صورا أدبية عمقت معانيه وبينت أحوال نفسه المكلومة ، في مثل قوله: (أمواج الليل ) حيث رسم لليل الطويل المليء بالهموم والوحشة وما يسببه من معاناة صورة البحر له موج هدار، يقول : (أنام في وحشتي) إذ الوحشة أصبحت بيتا له يلازمها، و(أسامر القلق) كأنه إنسانا يحاوره من فرط وحدته ، ( يا أيها الألق المسكوب في رئتي ..) إذ جعله كالماء يمكنه أن يسكب والرئة إناء من شدة حبة ومكانته في قلبه فعبر عن ذلك بكونه مسكوبا في رئته ، وعبر بالكناية والاستعارة عن بعد المرثي في قوله: ( حروف أنغامه نامت بلا مقل ) وذلك في الدلالة على أصوات المرثي التي كان يسمعها كأنها نغم والآن لم تعد تسمع ، حيث استعار لها النوم للهدوء وعدم وجود الصوت. (تسمرت حول أسوار لها الحدق) كناية عن استئثار المرثي بالاهتمام والعناية لمكانته وبروزها في المجتمع واغتباط الناس له .
وهكذا وإن كان غرض الرثاء غرضا قديما حديثا فإن الشاعر تفنن في إظهار حزنه وإظهار مكانة المرثي، بصور فنية رمزية إيحائية مكثفة، كما فسرها عز الدين إسماعيل تكون هذه الصور ( نتيجة لعملية التكثيف " للاشعورية ") وذلك للدلالة على تعميق صورة المعاناة والحالة النفسية ، فالشعر إحساس بالحياة ، وبأسئلتها المؤرقة والمتولدة عن العقل، حيث تخلق لدى الشاعر القلق الخصب الخلاق ومنه يتشكل الشعر لغة متميزة بعالمه الدلالي الإيقاعي. والقصيدة عمودية اختار لها الشاعر في صورها الإيقاعية بحرا من البحور الطويلة المركبة، إذ وجده أكثر الأشكال الطبيعية التي تتناسب مع حالته الشعورية وتوافق نغمته الحزينة، كما تتوافق مع الموقف والغرض الرثائي وهو البحر البسيط المكون في أصله من التفعيلتين ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن) مرتين . وقد استعمله الشاعر في أحسن صوره في الشعر العربي ، وهي متفعلن في بداية الشطر وفعلن في نهاية البيت قال عنها إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر أن هذه الصورة جميلة تميل إليها الأسماع وتستريح إليها الأذن .
يندمج الشاعر في كل الأشياء المحيطة به ويضفي عليها مشاعر الحزن ، ويستجلي صوره في علاقته بالمرثي فكانت القصيدة عميقة الصور الدلالية المعبرة عن الفقد والحزن والأسى ، هادئة الإيقاع الداخلي ، تُدخل المتلقي جوها الحزين . وكذلك اختار شاعرنا معجما من الألفاظ ذات الصبغة الذاتية ( القلق ، الوحدة، الأرق، الحلم ..) الدالة على الكآبة والحزن، و تضافرت كل هذه العناصر في نسيج وترابط ووحدة موضوع تنبئ بقدرة الشاعر وكفايته الإبداعية. تعكس القصيدة ذلك التزاوج بين النفسي الواقعي وصوره وذكرياته، فتتفاعل مع المخزون الوجداني العاطفي للشاعر محمود فرحان حمادي ، فأخرجها خلقا جديدا متلائما منسجما قصيدة مؤثرة تجسد الرؤية الفنية للشاعر و تمكنه الثقافي والإبداعي .
مراكش في 12- 11-2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في