الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ترى ماذا يريد الشعب اليمني؟ (2/2)

منذر علي

2021 / 6 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الشعب اليمني يسعى لتجاوز كابوس التخلف المرعب الذي يرزح تحته، والخروج من القبور المظلمة التي أقامها له المتخلفون، ويتطلع إلى العدالة والحرية، والانعتاق من أوهام المتخلفين. الشعب يتوق لأن يعيش عصره مثل كل البشر الأسوياء على وجه البسيطة في القرن الواحد والعشرين. لم يعد في مقدور الشعب اليمني أنْ يتعايش مع الحرب والمرض والموت والانهيارات والنزعات الطائفية والمناطقية والجهوية والقبلية والفساد وكل صور الانحطاط التي لم يشهد اليمن لها مثيلًا في تاريخه الطويل.

***
ليس المهم اليوم أن نغرق في الصراعات الدموية بشأن أفضلية الوحدة أو الانفصال، أفضلية ولاية الفقيه، أو الخلافة الإسلامية، ولكن الأهم هو أن نفكر بالمضمون الإنساني للحكم وكفاءة الحاكمين، وأعني أنْ نفكر بطبيعة الحكم ونوعية الحكام من أجل صناعة المستقبل المشرق لشعبنا.
الشعب اليمني سيكون مع الانفصال في ظل حكم وطني تقدمي ديمقراطي نموذجي لليمن كله كالذي ساد بين 1967 - 1985، وعلى وجه الخصوص في عهد قحطان وفيصل وسالمين وفتاح والمرحلة الأولى من حكم علي ناصر محمد. ولكن الشعب اليمني سيكون ضد الانفصال في ظل نظام فيدرالي رجعي يكون على رأسه أمثال هاني بن بريك وأشياعه ليعودوا بنا إلى العهد الإقطاعي والاستعماري الغابرين.
والشعب اليمني سيكون مع الوحدة حينما تحظى بقادة وطنينين حقيقين، أمثال عبد الله السلال، وإبراهيم الحمدي، وسالم ربيع، وعبد الفتاح إسماعيل، وجار الله عمر، وعلي صالح عباد مقبل، ولكن الشعب سيكون ضد الوحدة حينما يحكمها رجل مثل عبد الملك الحوثي، ومهدي المشاط، وأبو علي الحاكم، الذين يجسدون التوجه العنصري، والانفصال عن الشعب ومصالحه الجوهرية، ويسعون للعودة بنا إلى العهد الإمامي الغابر.
والشعب اليمني سيكون مع دخول اليمن ضمن الخلافة الإسلامية إذا قُدِّر للخلافة الجديدة أنْ يكون على رأسها رجال أمثال أبوبكر الصديق، أو عمر بن الخطاب، أو علي بن أبي طالب، أو عمر بن عبد العزيز، ولكن الشعب سيكون ضد الخلافة إذا كان الخليفة سيكون من نمط عبد الله العديني، أو عبد المجيد الزنداني، أو عبد الله صعتر. أو أبوبكر البغدادي.

***
وبما أنَّ هذه فرضيات لن تتحقق، وبما أنَّ التاريخ لا يُصنع بأثر رجعي، ولا يُقام وفقًا للأهواء والامنيات الصبيانية، ولا يكرر نفسه إلاَّ على شكل مأساة أو ملهاة، كما قال أحد المفكرين العقلانيين في القرن التاسع عشر، فإنَّ الشعب اليمني معني بعصره، وبالمضمون الإنساني والطبقي للحكم المأمول. وبتفصيل أكثر وضوحًا، فأنه معني بمضمون الحكم والآليات القانونية السليمة التي تنظم القوة وتحتكرها، وتضمن سيْر العملية السياسية واستمراها، وتفسح المجال، بشكل شرعي، لحاكم مقتدر ينبثق من الشعب ويعبر عن ضميره، لا عن فئة ضيقة في المجتمع، ولا عن قوى خارجية تستهدف الكيان الوطني.
إنَّ الإعلانات المتكررة لنفير الحرب في اليمن، والاستعراضات العنترية، الناجمة عن "الانتصارات" المؤقتة، ضد هذه الجماعة او تلك التي نراها هنا أو هناك، ماهي إلا استلهامًا، غير معلن، لتجربة قلب الدين حكمتيار، وأحمد شاه مسعود، وعبد الرشيد دوستم، وبرهان الدين رباني، والمُلا عُمر في أفغانستان، وهي لن تجدي نفعًا في اليمن كما لم تجدِ نفعًا في أفغانستان، وستقود اليمن إلى ما هو أسوأ من أفغانستان.

***
نخلص إلى القول: إنَّ الشعب اليمني يريد دولة عصرية، قائمة على عقد اجتماعي جديد، New social contract، أو دستور عصري جديد، يفصل بين السلطات الثلاث، ويميز بين الأبعاد التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويجسد العدالة والحرية والمواطنة المتساوية لجميع المواطنين.
الشعب اليمني يريد دولة تتلافى التقاسم الطائفي والجهوي، وتتجنب المركزية المفرطة التي أفضت إلى الهيمنة الطائفية والقبلية والجهوية كما كان عليه الأمر قبل 2012، وتتحاشى الانفلات الفيدرالي، الذي أفضى إلى التفتت السياسي والعسكري والطائفي والجهوي كما نراه اليوم، بل و إلى مزيد من التمزق في المستقبل، كما تكشف المؤشرات وتوحي الأحداث السياسية المتلاحقة.
وهذا النموذج السياسي المُقترح ليس استثناءً في التاريخ ولكنه نموذج قائم في أكثر من 165 بلدًا من بين 193 بلدًا في العالم، منها الصين، وفرنسا، والسويد، والدنمارك، وهولندا، ونيوزيلندا، وكوريا الجنوبية، وتشيلي، وتونس، والمغرب، ومصر وغيرها من دول العالم.
إذن لا ينبغي أن نسعى للخروج من مشكلة المركزية والولوج في الفيدرالية، أي الدخول في مشكلة أكبر. وأعني لا يجب علينا أن نقلِّد أنظمة الحكم في البلدان المنقسمة عرقيًا ودينيًا ولغويًا، مثل الهند والبرازيل وروسيا والعراق، وأثيوبيا. ثمة من يرى أنَّ الإمارات العربية المتحدة تشكل نموذجًا للدولة الفيدرالية الناجحة، وينبغي أنْ يُقتدى بها، ولكن الحقيقة هي أنَّ الإمارات العربية المتحدة، لم تنتقل من الدولة المركزية إلى الدولة الفيدرالية. الإمارات دولة طارئة تشكلت على أساس فيدرالي، بسبب نشأتها الخاصة في حضن الاستعمار البريطاني، وهي ، وهي قابلة للابتلاع من محيطها القريب أو البعيد، كما أنها معرضة للتفتت ولو بعد حين، وبالتالي فهي ليست نموذجًا لليمن، ولا ينبغي أن تكون. وأعني أننا لا نريد أن نعمق الانقسامات الطائفية والجهوية القائمة في بلادنا، ولكننا نريد تجاوزها من خلال بناء دولة حقيقة تلبي حاجات الشعب اليمني في التنمية والعدل والحرية.
إنَّ الأمر المهم والمٌلح هو أنْ يكون لدينا دولة تديرها نخبة سياسية وطنية يمنية مقتدرة، سلاحها الوعي والولاء الوطني وليس الجهل والانتماء القبلي، أو الجهوي أو الطائفي، نخبةٌ مختارة من الشعب، تعبر عن مصالحه الكلية، وليست نخبة منتقاة من مراكز القوى المحلية، ومفروضة عليه من قبل القوى الإقليمية.
الشعب اليمني في حاجة إلى دولة حقيقيه لكي تحميه من العدوان، وتقيه من الجوع والمرض، وتحقق له السلم الأهلي والاستقرار، وتوفر له الأمن والخبز والماء النظيف والصحة والتعليم العصري.

***
الشعب اليمني يريد دولة تهدم الهويات العصبوية القاتلة مثل الطائفية والجهوية والقبلية، وتعزز التلاحم الوطني على قاعدة القيم الإنسانية الكبرى، المتجسدة في العدالة والحرية والكرامة والمواطنة المتساوية.
الشعب اليمني يريد دولة تقوض الرؤى الخرافية للحياة، وتزرع بدلًا منها، عبر التربية والثقافة، الرؤى العقلانية للعالم، كشرط جوهري للنهوض الحضاري. الشعب اليمني يريد دولة تُطهِّر العقول من القاذورات التاريخية المترسبة، وتتخلص منها، بنفس القدر الذي يريد فيها دولة عصرية ترفع الزبالة من الشوارع، وتعمل على تدويرها والاستفادة منها.
الشعب اليمني يريد دولة تبني الطرقات، وتقيم السدود المائية ، وتنهض بالزراعة والصناعة ، وتشيِّد الجسور، وتخطط المدن بشكل عصري. الشعب يريد دولة تبني الاقتصاد الوطني، وتعتني بشكل خاص بالزراعة والصناعة والأسماك والثروات المعدنية والحيوانية، والسياحة، والتجارة الداخلية والخارجية، والقطاعات الخدمية والمصرفية، وتحصيل الضرائب بشكل تصاعدي، بما يحقق العدالة الاجتماعية.

***
الشعب يريد دولة تُجمِّل المدن بالحدائق والمنتزهات، وتنير البلاد بالكهرباء، وتحقق الأمن وتعمم السلام والاستقرار، وتُيسِّر السفر داخل الوطن، وتمكن اليمنيين من التعرف على حضارتهم الوطنية وتعزيز الاندماج الوطني، وتمكن الأجانب من زيارة اليمن والتعرف على حضارتنا اليمنية، وتُسهِّل السفر لليمنيين خارج الوطن والعودة إليه، وتحقق الحرية والكرامة لجميع المواطنين والمواطنات. الشعب يريد دولة تنفتح على العالم، وتقيم علاقات متكافئة مع الخارج من أجل خدمة الداخل وليس العكس.
الشعب اليمني يريد دولة مستقلة تحتكم للقانون، وليست دولة تحتكم لمزاج قائد هذه العصابة المحلية الشائنة أو تلك، أو تحتكم لقائد هذه الدولة الخارجية التوسعية الغادرة أو تلك.
الشعب اليمني يريد دولة قوية قادرة على وقف الاقتتال الداخلي وتعميم السلم الأهلي وتأمينه، وصد العدوان الخارجي، وإنقاذ الشعب من الموت، وصيانة سيادة الوطن، وتأمين البيت الكبير لليمنين، وجعله موطنًا صالحًا للعيش الكريم، تحت راية العدل والحرية والمواطنة المتساوية. الشعب لا يريد تجزئة اليمن، ولكنه يريد فك الارتباط بالتخلف الذي يعصف باليمن منذ ثلاث مئة سنة، وإنجاز التقدم الحضاري المأمول، واللحاق بالشعوب الناهضة في العالم. هذا، باختصار شديد، ما يريده الشعب اليمني، والحديث خارج هذا السياق هو نوع من الثرثرة الضارة.
هذه هي الأهداف المشروعة والنبيلة، وبالتالي فأنَّ كل نشاط سياسي وثقافي وعسكري، وكل حديث ممجوج خارج هذه الحاجات الإنسانية المشروعة، وخارج هذه الأهداف الإنسانية الملحة والنبيلة، هو نوع من العبث. إذن، هذا هو ما يريده الشعب ... كفى عبثًا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي