الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات (عن أيام العدوان الثلاثي على مصر - 1956).

طارق حجي
(Tarek Heggy)

2021 / 6 / 2
الادب والفن


فى خريفِ 1956 كنتُ تلميذاً فى السنةِ الثانيةُ الإبتدائية فى مدرسةٍ فى مدينةٍ مصريةٍ صغيرةٍ ما بين الغردقة والسويس ، إسمها رأس غارب. وكانت شقيقتي التى تكبرني ب 26 شهراً تعيش على بعد 300 كيلومتراً عننا إذ كانت فى مدرسةٍ فرنسيةٍ فى بورسعيد وتقيم مع جدي وجدتي من جهةِ أمي.

خلال الأسبوع الأخير من شهرُ أكتوبر 1956 تيقن والداي أن الحربَ قادمةٌ وأن بورسعيد ستكون فى قلبِ الحربِ. فحربٌ بسببِ قناةِ السويس لا يمكن أن تكون عملياتُها بعيدةً عن بورسعيد.

لذلك قرر أبي أن نسافر (من رأس غارب لبورسعيد) لنكون مع شقيقتي.

وبالفعلِ ، سافرنا ووصلنا فى نفسِ الوقت الذى بدأ فيه الهجومُ :

الإسرائيلي من الشرق على شبه جزيرة سيناء.

والبريطاني/الفرنسي على بورسعيد.

وليلةُ وصولنا لبورسعيد ، حطم الطيرانُ الفرنسي الجسرَ الذى لابد من المرورِ عليه لمن يصل بورسعيد (مثلنا) من الجنوبِ ، فأصبح بقاءُنا فى بورسعيد لنهايةِ الحربِ حتمياً. وهذا هو ما حدث.

بقينا فى بورسعيد لمدةِ شهرين ، فقد بدأت الحربُ يوم 31 أأكتوبر وإنتهت يوم 23 ديسمبر.

وأنا أتذكرُ التجربةَ جيداً.

وغالباً أن سببَ تذكري لتفاصيلِ هذه التجربة هو بدرجةٍ قليلةٍ لأنني عشتُها ، وبدرجةٍ أكبر لأنني سمعتُ قصة هذه التجربةِ عشرات المرات من أبي و أمي.

ولاشك عندي أن شعوري بمصريتي يرجع لهذه الأيامِ ولهذه التجربةِ.

فقد سمعت أذناي أزيزَ الطائراتِ البريطانية والفرنسية وهى تدك بورسعيد ، ورأت عيناي الدبابات والمصفحات والجنود البريطانيين والفرنسيين ، كما رأيت بنفسي عشراتِ البيوت البورسعيدية المحطمة والمهدمة. ولا تزال صورةُ ميدانِ فريال فى حي الإفرنج ماثلة أمام عيني ومعظم العمارات المطلة عليه مهشمة.

ولازلت أتذكرُ إستدعاءَ أبي من قبلِ ضابطٍ بريطاني لسؤالِه عدةَ أسئلةٍ عن الفدائيين المصريين الذين قتلوا مور هاوس وهو ضابط إنجليزي وقريب لملكة بريطانيا.

إنتهت الحرب يوم 23 ديسمبر 1956. وهو اليوم الذى أصبح إسمه لعقودٍ : عيد الجلاء.

ورغم أن مِصْرَ قد ضُرِبت عسكرياً : هُدمت لحدٍ بعيدٍ ثالث مدنها وهى بورسعيد ، وإحتل الجيش الإسرائيلي شبه جزيرة سيناء ، فإن مِصْرَ ومعظم دول العالم إعتبروا أن الحرب كانت هزيمة للمعتدين الثلاثة ونصراً لمصرَ.

على المستوى الشخصي والإنساني ، شهدت "أيام العدوان الثلاثي" مولدَ شعوري بمصريتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل