الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأصولية الأصالة الحداثة

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2021 / 6 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


على رأي هابرماس في كتاب " الفلسفة في زمن الإرهاب ": " يحوز الأصولي، المستشيط غضباً، والذي يلجأ إلى جملة عقائد لم تجبرها الحداثة لا على إبراز أي سيرورة تعلم للتأمل الذاتي، ولا على إظهار تمييز بين الدين والمعرفة العلمانية والسياسة، يحوز هذا الأصولي على مصداقية ما وذلك لكونه من مرجعية اختفت من الغرب ". أي من مرجعية إسلامية تقليدية. ويقول أيضاً " نحن نستخدم هذا الحكم _ الأصولية _ لوصف ذهنية خاصة ذات موقف متصلب، تصر على فرض قناعاتها الدينية "، وهو بذلك يلتقي مع تعريف جيدنز للأصولية في كتابه " بعيداً عن اليسار واليمين، مستقبل السياسات الراديكالية " بأنها " ليست سوى التقليد يجري الدفاع عنه بأسلوب تقليدي ". ولكن لوكاتش يضيف " إن القديم هو أيضاً لم يعد ممكناً الدفاع عنه بالطرق القديمة "، وهذا هو مأزق الفكر الأصولي " حذف التطور والتقدم في التاريخ، باسم تاريخية يزعمون إنها عمقوها وهم نزعوا عقلها " كما يتابع لوكاتش. لكن الأصالة تاريخ وحضارة وتراث، إنها شخصية الأمة كما تكونت عبر التاريخ، وبالتالي فهي ليست معطى ثابتاً نهائياً، وما يتكون في الزمان يخضع للزمان، والأصالة تتأصل دائماً في الزمان، إنها في تغير دائم لكن ذلك التغير لا ينفي أن هناك ملامح تترسخ في التاريخ تعطي تلك الأصالة شخصيتها وهويتها، التاريخ يبلور الأصالة ولا ينفيها، الأصالة مثل نهر الفيلسوف الإغريقي، يتجدد دائماً ويبقى ذات النهر.
يرى إدوار سعيد في كتابه " الثقافة والإمبريالية ": " إن الأصولية والإرهاب ظهرا كمصطلحين مفتاحين في عام 1980، حيث لا يكاد يكون في وسع المرء تحليل النزاعات السياسية بين السنة والشيعة، أو الأكراد والعراقيين، أو السيخ والهندوس، والقائمة طويلة، دون اللجوء في نهاية المطاف دون فصلات الإرهاب والأصولية التي اشتقت كلياً من الشواغل والمصانع الفكرية في المراكز الحواضرية مثل واشنطن ولندن ". ويضيف: " إن الخوف والرعب اللذين تولدهما الصور المضخمة بمقياس مفرط للإرهاب والأصولية.. ليسرعان خضوع الفرد للمعايير المهيمنة في اللحظة الراهنة. ويصدق هذا على المجتمعات ما بعد الاستعمارية الجديدة بقدر ما يصدق على الغرب عامة والولايات المتحدة بشكل خاص. وهكذا فأن يعارض المرء الشذوذية والتطرف المتأصلين في الإرهاب والأصولية.. يعني أيضاً تعضيد الاعتدال والعقلانية.. ولكن ذلك بدل أن يمنح الروحية الغربية الثقة بالنفس والشعور بالأمن، يمنح الغرب الغضب الذي يبدو من خلاله الآخرون أعداء، يريدون تدمير الحضارة الغربية ". ويلاحظ من تحليل الدكتور إدوارد أن الأصولية والإرهاب الذي تخلقه يعملان على تصادم الدول المتعددة الديانات والأعراق والطوائف والإثنيات فيما بينها، وكذلك نشوء الصراعات بين تلك المذاهب المتعددة داخل كل دولة فيما بينها أيضاً. فالإضافة إلى الصراع بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى على خلفية نظرية هيننغتون " صراع الحضارات ".
يمكن القول أن " الأصالة " تصبح إشكالية وقت يتم استخدامها سياسياً ضد المعاصرة _ الحداثة، ويكون استخدام الأصالة عادة من قبل القوى الأصولية وخاصة القوى الدينية الإسلامية التكفيرية، فهي بذلك تضمن لنفسها شرعية في المجتمع كقوى اجتماعية تحافظ على هوية الأمة العربية الإسلامية ضد من يريد تحطيم تلك الهوية في الداخل والخارج، وهي عادة في الداخل قوى العلمانية، قوى المعاصرة، قوى الحداثة، وهكذا يصبح في الأمة ثقافتين: ثقافة الأصولية، وقد استولت على الأصالة، في مواجهة ثقافة الحداثة، وربما علينا أن نقول: ثقافة قوى اجتماعية سلفية إسلامية أصولية تريد إعادة الماضي الإسلامي كما هو بطريقة تقليدية، حيث يكون المستقبل هو الماضي كما تكون في الماضي الأصولي في عهد الرسول والخلفاء الراشدين بشكل رئيسي، وذلك في مواجهة ثقافة قوى اجتماعية لا ترفض ذلك الماضي الإسلامي ولكنها لا تعتبر أنه هو مستقبل المجتمع العربي، فالعالم تطور وتغيرت أشكال الحياة، والحياة الحديثة تتطلب ثقافة حديثة يمكن أن تنطلق من أصالة الأمة العربية الإسلامية، وهذا الصراع بين القوتين يتمظهر كصراع حول هوية الأمة العربية.
إن هذه إشكالية المجتمع العربي الحديث، إشكالية الأصالة والحداثة، أو ربما يجب أن نقول " إشكالية الأصولية والحداثة " إشكالية تاريخين وثقافتين: ثقافة الأرض وثقافة السماء، وهكذا أصبح المجتمع العربي ضائعاً بين الأرض والسماء، بين العقل والنقل _اللاعقل، بين القديم والجديد، وهذه الازدواجية ليست فكرية، إن فكر الأصولية وفكر الحداثة، كما ذكرنا، يقف خلف كل منهما قوى اجتماعية تملك طموحات سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية تريد أن تبني المجتمع العربي وفقاً لفكر الأصولية أو فكر الحداثة، وكثيراً ما يؤدي ذلك إلى نقل المواجهة الحضارية إلى المواجهة الاجتماعية والسياسية، وحتى العسكرية كما ظهر بعد أحداث " الربيع العربي " عام 2011.
يرى هاشم صالح في كتابه " الانسداد التاريخي ": " أن كل تاريخ الحداثة يلخصه هذا الصراع بين الرؤية الأصولية والرؤية الليبرالية أو العقلانية أو التنويرية للتاريخ. وذلك لأن الرؤية الأصولية تعتبر أن لحظة التمام والكمال حصلت في الماضي وأنه كلما ابتعدنا عنها فسدنا ". وهو يعتبر أن أوروبا حصلت على التنوير عندما تخلت عن لاهوت التكفير والتحريم وتبنت لاهوت التنوير. ولكنه يعترف أن هذه الخطوة التنويرية لا تزال مستحيلة في العالم العربي " بسبب عدم انتشار الأفكار العلمية والفلسفية في أوساط الشعب بما فيه الكفاية وحتى في أوساط الطلاب والمثقفين أحياناً ". ويمكن القول إن الأصولية كما الأصالة والحداثة هي اختيار، بمعنى أن كل قوة اجتماعية تسعى للتغيير الاجتماعي تتمترس خلف قناع، وهذا القناع يكون أغلب الأحيان من الماضي الذي يمكن أن يحشد الجماهير خلف تلك القوة الاجتماعية، وقوى الأصولية تعتمد على سيطرة " التدين " على الجماهير لتستخدمها ضد قوى الحداثة. وهذا الاستخدام للتدين ضد الحداثة قامت به قوى الأصولية، وقوى الأصالة أيضاً ضد الاستعمار، كرد فعل ضد قوى استعمارية تريد تحطيم الهوية العربية الاجتماعية، وقوى الأصولية بسبب عجزها عن مواجهة تلك القوى الاستعمارية تلجأ إلى الماضي، ولكن لا لتصنع الحاضر منه عبر تحديثه بحيث ينسجم مع العصر الحديث كما تهدف قوى الأصالة، وهي في عجزها عن صنع الحاضر الحديث تلجأ إلى العنف ليس ضد المستعمر، ولكن أيضاً ضد قوى أخرى علمانية تعمل للحداثة التي تعتبرها قوى الأصولية حصان طروادة لتخريب الأمة العربية الإسلامية، وأيضاً ضد قوى الأصلة نفسها التي تتشارك معها في ذلك الماضي ولكن بما أن قوى الأصالة تسعى لرفع الماضي إلى مستوى الحاضر عبر تحديثه بقيم الحاضر الإنسانية، تريد قوى الأصولية أيضاً رفع الماضي إلى مستوى الحاضر لكن دون تغيير في ذلك الماضي الذي يعتبر مقدساً من قبل قوى الأصولية، وهكذا ينقسم المجتمع إلى جماعتين متناقضتين لا تختار قوى الأصولية الفكر بل تختار العنف، وبذلك تبدأ دورة العنف في المجتمع العربي الاسلامي الذي يمكن تجييشه دينياً بحيث يمكن جره إلى بسهولة إلى الحروب الأهلية، بل ويمكن القول أن العالم العربي الإسلامي يعيش في قلب بركان يمكن أن ينفجر دينياً: طائفياً ومذهبياً في أي لحظة، وفي كل لحظة كما انجر بعد أحداث الربيع العربي 2011 ذلك أنه يحمل تاريخاً طويلاً من التحريض الطائفي المكبوت، ويمكن أن يتفجر أحياناً من أجل كل شيء، وأحياناً من أجل لاشيء.
إن الأصالة يمكن أن تستوعب فكر التراث الإسلامي وفكر الحداثة الأوروبي (من الطهطاوي حتى طه حسين عبر الإمام محمد عبده)، لكن الفكر الأصولي، وخاصة الديني الذي يتمترس خلف التكفير، حين يضع فكر الأصولية في مواجهة فكر الحداثة، ولأن الحداثة من إنتاج الآخر الأوروبي فإنه يضع العالم العربي في مواجهة الآخر الأوروبي الذي يريد أن يحطم هذا العالم العربي ويحطم حضارته الإسلامية (من الحروب الصليبية إلى صراع الحضارات)، وهكذا ينتفي حوار الحضارات، وتصبح القضية: إما الذات _ الإسلام وإما الآخر _ الغرب. إن ذلك الفكر الأصولي مثل فكر الحداثة الذي يتطرف ويضع التنوير الأوروبي في مواجهة الأصالة الإسلامية، إنهما يلغيان جانباً من هوية الأمة العربية الإسلامية التي تشكلت عبر الزمن. وقوى الأصولية تنجح في استخدام الأصالة لصالحها باعتبار أن الدين الإسلامي متجذر في المجتمع العربي وخاصة عند عامة الشعب (قوى الأصولية الرئيسية في المجتمع العربي هي قوى الأصولية الإسلامية)، والمجتمع العربي مجتمع استبدادي متخلف، والأنظمة الحاكمة ما تزال تستمد شرعيها من الشريعة الإسلامية، وبذلك تساهم بتقوية القوى الدينية، وخاصة تلك القوى الدينية الأصولية التي تعمل على نشر الخرافة والجهل، خاصة وأن المجتمع العربي المتخلف ما تزال تسيطر عليه الأساطير، مجتمع لا حقوق للإنسان فيه، وحياة الإنسان تدور حول تأمين لقمة العيش، مما يجعل الشعب العربي في محنته الحياتية وصراعه ضد الفقر والتخلف أقرب إلى الفكر الأصولي للإسلام، هذا الفكر الذي يجعل من " الدين الإسلامي دين التخلف "، ورغم أنه يأخذ بالإسلام ليس كما تكون في التاريخ وخاصة في مرحلة ازدهاره ومجده عندما سطعت شمسه على الغرب، بل ذلك الإسلام الذي يحقق به سطوته ورؤيته السياسية، وهو بذلك يرفض تاريخية الأصالة ويحصر التراث الإسلامي في الإسلام التاريخي التقليدي المتخلف وكأنه معطى نهائي. إن الأصولية ترفض العقلانية والتأويل، تماماً مثل ما بعد الحداثة الأوروبية التي تقف أيضاً ضد الحداثة: ضد العقل والتأويل، ذلك أن الأصولية لا تقبل بتأويل النص الديني، وتأخذه كما تكون في الماضي، لأنه كما يقول سيد قطب أن أي تأويل للنص الديني هو محاولة لهدمه من داخله.
لكن من المعروف أن هناك ثلاثة مواقف من التراث العربي الإسلامي وتراث الغرب التنويري:
هناك التيار الأصولي: وهو الذي استولى على هذا المفهوم لصالح مشروعه السياسي الذي يريد تطبيق الشريعة الإسلامية كما طبقت في الماضي دون الأخذ بعين الاعتبار الفرق الاجتماعي بين زمن تطبيقها في الماضي وزمن استعادتها في الحاضر، وهو يرفض فكر التنوير الأوروبي بالمطلق، أي أنه يرفض العقل والعقلانية والعلم ويريد تطبيق النقل _ اللاعقل. ويمكن العودة إلى الدكتور إدوار سعيد الذي يقول: أن نقبل الأصلانية _ الأصولية _ هو أن نقبل عقابيل الإمبريالية، أن نقبل الانقسامات العرقية والدينية والسياسية التي فرضتها الإمبريالية ذاتها. وأن نهجر العالم التاريخي تعلقاً بمارائيات مثل الزنوجة، والايرلندانية، والإسلام، والكاثوليكية، وهو أن نهجر التاريخ من أجل تجوهرات تملك القوة من أجل تثير البشر بعضهم ضد بعض، وكثيراً ما قاد هذا الهجران للعالم الدنيوي إلى الألفوية حين كانت للحركة قاعدة جماهيرية، أو تحللت وانحطت إلى جنون خاص ضئيل الشأن، أو إلى قبول خال من التفكير بالتنميطات والأساطير والعداوات والتقاليد التي تشجعها الإمبريالية.
وهناك تيار الحداثة: وهو لا يرفض الأصالة ولكن يريد المستقبل، وهذا المستقبل هو في الحداثة الأوروبية، إنه يؤمن أن لكل مقام مقال، ومقال الحداثة هو مقال فكر التنوير الأوروبي وذلك دون التخلي عن التراث العربي الإسلامي وخاصة ذلك التراث العقلاني الذي ساهم في صنع فكر التنوير الغربي. أي أنهم يريدون العقل والعقلانية والعلمانية في مواجهة النقل _ اللاعقل والخرافات.
وهناك تيار الأصالة: وهو ما يدعى في الفكر العربي الموقف التوفيقي، وهو يسعى أيضاً لتطبيق الشريعة الإسلامية لكنه يحاول أن يأخذ بعين الاعتبار التغيير الاجتماعي الذي حصل للمجتمع العربي في العصر الحديث عبر اتصاله مع فكر التنوير الأوروبي، وهو بذلك لا يرفض فكر التنوير الأوروبي بالمطلق بل يريد أن يتوافق معه بما لا يضر العقيدة الإسلامية، وربما يكون أقرب الاتجاهات إلى تيار الأصالة هو اليسار الإسلامي. وهو تحصيل حاصل حتى بين تيار الأصولية وتيار الحداثة، والأمة العربية أمة وسط، ولكنها توافقت على أن لا تتوافق، فالموقف التوفيقي ليس مرغوباً من علماء الأصولية ولا من علماء الحداثة، فهو لم يتماسك عبر نظرية يمكن أن تصبح نظرية اجتماعية، أي أن تصبح قوة مادية لاحتضان الجماهير لها. والغريب أن الجماهير تبدو ميالة إلى الأصولية بسبب خلق ظروف اجتماعية عبر المؤسسات الدينية الخيرية التي كرست تلك الأصولية، وعبر المنظمات الدينية حتى الرسمية منها، وحتى عبر الأحزاب الدينية تسمح للمواطن العادي الغارق في الجهل والتخلف أن ينقاد خلف الخرافات والأساطير. ولابد من التأكيد أن مفهوم " الأصالة " سيطرت عليه القوى الأصولية لأسباب كثيرة منها ابتعاد قوى الحداثة عن الأصالة في زمن ما، زمن الثورة، مما جعل قوى الأصولية تستولي على ميراث الأصالة، وتبدو وكأنها هي الأصالة.
إن إشكالية الأصولية الأصالة الحداثة هي إشكالية النهضة العربية الحديثة، ولأنها إشكالية اجتماعية قبل أن تكون إشكالية فكرية، فإن تلك القوى الاجتماعية أخذت ب " الفرقة الناجية " وأخذ كل تيار يكفر التيار الآخر، قبل أن يجعله الواقع الاجتماعي يفيق من وهم أن الفكر هو الذي يخلق النهضة اجتماعياً، وتمت العودة إلى أخذ الواقع الاجتماعي بعين الاعتبار في المشاريع النهضوية. وكان خير الدين التونسي قد لخص العوائق التي تقف في وجه تقدم المسلمين بقوله " إن أهم العوائق في تقدم المسلمين وجود طائفتين متعاندتين: رجال دين يعملون الشريعة ولا يعملون الدنيا، ويريدون أن يطبقوا أحكام الدين بحذافيرها بقطع النظر عما جد واستحدث. ورجال سياسية يعرفون الدنيا ولا يعرفون الدين، ويريدون أن يطبقوا النظم الأوروبية بحذافيرها من غير رجوع إلى الدين. فنقول للأولين: اعرفوا الدنيا، ونقول للآخرين: اعرفوا الدين. والواجب امتزاج الطائفتين وتعاونهما. فهناك أصول الدين يجب أن تراعى، وهناك أمور لم ينص عليها تقتضيها مصالح الأمة يجب أن تقاس بمقياس المنفعة والمضرة ويعمل فيها العقل ". ولكن الواقع المعاصر للفكر العربي يظهر أن التيارات الثلاثة تقترب من بعضها بخصوص التراث الإسلامي والحداثة الأوروبية، والاختلاف بينها ينحصر في اتجاه البوصلة: التيار الأصولي الإسلامي تتجه بوصلته صوب الماضي، وتيار الحداثي تتجه بوصلته صوب المستقبل، بينما تتوقف بوصلة تيار الأصالة عند الحاضر.
لقد كان وجود الكيان الصهيوني دافعاً للأنظمة العربية من أجل عسكرة المجتمع. ولا يخفى أنه كانت لتلك العسكرة سلبيات اجتماعية كثيرة، ربما أهمها سيطرة المجتمع السياسي على المجتمع المدني، حتى أصبح المجتمع السياسي، الدولة " اللوياثان " الذي التهم كل قضايا النهضة العربية، الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، حتى أنه رسخ الأصولية الدينية التكفيرية في مواجهة القوى التقدمية. واستكمل " الربيع العربي " ما كان موجوداً في المجتمع السياسي من سيطرة الموقف الأصولي على الشعب العربي حتى أنه أوصل تلك القوى الاجتماعية الأصولية (الدينية المحافظة والتي لا تختلف في العمق الإسلامي عن الراديكالية التكفيرية) إلى السلطة السياسية في انتخابات ديمقراطية. وهذه القوى الاجتماعية الأصولية لم تتأخر باستثمار الفرصة وحاولت أن تتغلغل عبر أبواب المجتمع المدني وتعمل على ترسيخ مفهومها للتراث العربي الإسلامي، الذي كانت ترسخه اجتماعياً بشكل غير مباشر، فقد أصبحت تملك حرية أكبر مع البترو دولار، واستخدامها في الحروب الإقليمية بإعطائها تلك الحروب طابعاً دينياً مذهبياً. وبدأت تعمل لأسلمة الدولة والمجتمع حسب رؤيتها المتطرفة للدين، حتى أنها وصلت إلى إعلان الخلافة الإسلامية _ داعش. وبدأت تلك القوى الأصولية الدينية تعمل على إلغاء ما أصاب المجتمع العربي من حداثة بفعل الزمن، إنها تريد أن ترجع بالمجتمع التي وصفته بالمجتمع الجاهلي _ جاهلية القرن العشرين: محمد قطب _ إلى زمن العصور الإسلامية الأولى، وعلى رأي علي حرب " وذلك هم مآل كل أصولية، تقوم على عبادة الأصل واحتكار الحقيقة: انتهاك الأصل واستئصال الاخر. من هنا تشكل الأصولية منبعاً لا ينضب لممارسة التعصب والتطرف والعنف "، وهي بذلك تعمل إلى إعادة المجتمع العربي إلى العصور المظلمة، عهد البداوة بمفهوم ابن خلدون. ويمكن القول مع قاسم أمين: " إن تمسكنا بالماضي إلى هذا الحد هو من الأهواء التي يجب أن ننهض جميعاً لمحاربتها لأنه ميل فينا يجرنا إلى التدني والتقهقر، ولا يوجد سبب في نفوسنا إلا شعورنا بأننا ضعاف عاجزون عن إنشاء حالة خاصة بنا تليق بزماننا ويمكن أن تستقيم بها مصالحنا ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست