الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من بيع الأجساد إلى بيع العقول (تجارة الرق الجديدة)

احمد جمعة
روائي

(A.juma)

2021 / 6 / 3
الادب والفن


قاعة بلورية مستديرة، ذات سقف عالٍ، إضاءة برتقالية، كلونِ الشمس تسطع من السقف، طاولة مستديرة كلاسيكية هائلة الحجم، امتلأت برجال دين، متناقضين، مسلمين ومسيحيين، يهود وديانات هندوسية وبوذية متباينة، ملحدين وحليقي الرؤوس...ضوضاء لا تكاد تلتقط عِبارة أو كلمة واضحة من السنتهم التي ضَجَّت بلغطٍ أشبه بشريطِ صوت قديم متهَتِّك، أختلط بأصوات حيوانات في غابة.
وقفَتْ بناصيةٍ مرتفعة وراء مكبر صوت وصرَخت فيهم بنبرةٍ عصبيّة، متوترة وقد عَمَدتْ بقذفِ كأسٍ ممتلئٍ بشرابٍ برتقالي اللون! على واجهة زجاجيّة مما لفتَّت الأنظار، وعم الصمت المكان...
"أشعر بالوحدة وكأني وحدي بهذه المجرَّة العاهرة، لماذا لم تتحرَّروا بعد من الأنانية أيها البائسون، المتدينون والملحدون والمتزمتون، تحرُّروا من القيود، فقد بلغنا نقطة بيع العقول والأفكار، في مجتمعات حتى الشمعة مُحرَّم حملها بالليل...
لم ينته عصر تجارة الرقيق، ربما الاعتقاد ذلك، لكن الصورة العصرية للرق تغيَّرت، فقد تبَدَّل العالم، ولم يُسْمح بتعليق اليافطة القديمة لتجارة العبيد، فاسْتبدلَت تجارة الأجساد بتجارة العقول، وإن لم تختف كلية تجارة الأجساد الجليّة في الاتجار بالبشر، ولكن تبقى تجارة العقول المُسْتباحة هي أخطر ما يواجه الدول ذات الأنظمة التي تدين بالولاء لغير التفكير، وتستبيح في سبيل الولاء الإبقاء على عقول الناس مسجونة في قعرِ الهاوية، وخاصة الكتاب والمثقفين الذين تشهد تجارة الرقيق أشنع وضع يعيشونه إذا ما سلموا أقلامهم للحكومات وانتحروا على أبواب الحريّة التي كلما تقدم العصر في هذه الدول وشهد العالم طفرة في الحرية، كلما تخلف هؤلاء وباعوا أقلامهم وأفكارهم للسلطات، ليسمّموا عقول من أدنى منهم من البشر، حتى تتمّ السيطرة على الجميع فيضحى المجتمع برمته مستعبدًا، وهكذا نتفق على تجارة الرقيق لم تختف من هذا العالم...
ما المغزى من بيع العقول والأفكار؟
في العصور الوسطى وبعدها بيع البشر في الأسواق، وكان ذلك ذروة تجارة الرقيق، وعندما قامت الثورات وتحرَّرت الأجساد، من البيع، سقطت العقول في سوق نخاسة أشدّ وطأة من بيع الأجساد وهو تجارة رقيق الأفكار والعقول، فشهدت ساحة الدول التي ما انفكت تخشى حرية الأفكار، سوق رائجة لبيع العقول وخاصة تلك التي تعود لكتاب ومثقفين، لا يملكون حرية أنفسهم ولا احترام لأنفسهم ولا تقدير لمكانتهم كبشر أولاً ثم ذوي عقول، فباعوا أفكارهم مقابل فتات لا يوازي حجم شهوة الحرية التي فقدوها...وهكذا شهدنا سوقًا واسعة، يتجاذب أطرافها أنظمة لا تريد للإنسان سوى الإشادَّة بكلِّ شيءٍ حتى بالموت والظلام والعتمة...
نعم هناك كتاب وعقول لا يتردُّدون عن الإطراء والمديح لكلِّ شيء سيء في هذا الكون، ولكن ضوء شمعة ولكل ما هو حرٌّ، وكأن مهمة هؤلاء بناء كهوف للبشر، تمنع عنهم متعة رؤية شموس مختلفة عن تلك الشموس التي تسطع على العالم وتنير العقول وتنشر السعادة والرخاء، حتى بلغ الأمر بعبيد الأفكار والعقول الترويج للظلام مقابل النور..
إن التحرّر من القيود...تحرّر من هيمنة الآخرين وسيطرتهم، تحرّر من الشعور بالوحدة المظلمة الداخلية الوهميّة...تحرُّر من العبودية الفكرية، تحرُّر من الخضوع لأوامر تجار رقيق العقول، والسقوط في بوْتقة ترهات الفارغين...تحرُّر من الرد على كلّ نسيج عنكبوت وذباب وسائل التواصل! تحرُّر من أفكارك الدخيلة الضبابية التي تشكل سَحابة فوق رأسك...تحرُّر من كونك بضاعة بسوق النخاسين، وإطلاق قلمك وأفكار عبر مساحة من ضوء الشمس...
تحرَّر من كلّ ذلك وأطلق خيالك وبيدك شمعة حرية، واكتف بالتأمّل والاسترخاء، وأحيا في ضوضاء خلاقة مع نفسك! ستعيش في عالم خيالي...جرب ذلك مرَّة واحدة فقط...وستدهش من جمال الدنيا وأنت تكتشف متعة حرية نفسك بعيدًا عن سوق تجارة العقول أو رقيق الأفكار!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-