الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللغة والتقدم العلمي والتقني .

سعد سوسه

2021 / 6 / 4
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من منطلق كون التنمية بصورة عامة عملية ارادية ذاتيه قصدية ، يمكن اعتبار اللغة مقوما اساسيا من مقومات الذات ، واداة لاستيعابها وتعاملها وتفاعلها المتواصل مع مكونات الواقع الطبيعي والاجتماعي (1).
وهذا يعني ان على المجتمع ان يعتمد على لغته الوطنية بصورة اساسية في تحقيق اي تنمية ، او تقدم ، على ان تكون هذه اللغة وسيلة فعالة للتحاور مع الاخرين بما لديها من قابلية على التطور والتجديد ، بنفس الوقت الذي تحافظ فيه على اصالتها في مجتمعها .
وان هذا يدفعنا الى القول ان الوصول الى التنمية يجب ان ينطلق من القاعدة الثقافية في المجتمع متجاوزين المنظور الاقتصادي والاختزالي للتنمية الى مسألة انماء البشر لانهم الطاقة الخلاقة والمبدعة والرأسمال المادي والمعنوي ، وهي عملية لا تتم باقتلاعهم من جذورهم الثقافية بل من خلال استنهاضهم بواسطة القيم الذاتية الثقافية في مجتمعهم ، مع وجود المواصلة مع الاخرين ، او التطرف في التعامل معهم .
وليس من شك ان اللغة هي احد أهم المتغيرات الثقافية بل وتعد العمود الذي تقوم عليه عملية التنمية . فاللغة تتجاوزفي كثير من الاحيان كونها اداة تفاهم واتصال ، فهي اداة للتفكير ، والتأمل ايضا ، وبذلك هي مشروع ابداعي يمكن الاستفادة منه اذا تجاوزنا كونها مسألة هوية فقط .
من خلال اللغة يمكن الانتساب الى عالم المعرفة الذي يؤدي دوراَ مهما في عملية التنمية بوجه عام ، والتطور التكنولوجي بشكل خاص .
اضف الى ذلك ان عملية التنمية تحتاج الى قاعدة اجتماعية عريضة من المتعلمين ، فالتركيز على العلم والتقانه وبجميع المجالات الاقتصاديه والانسانية والاجتماعية ، تساهم في فهم الواقع وتفسيره لما فيه نفع للمجتمع ، واستغلال موارده بصورة علمية. فالمنظور العالمي الجديد يعتمد بشكل كبير على البحث العلمي والتقاني ، فهو اليوم يشكل حوالي 80 - 90 % من الناتج القومي المحلي لمعظم البلدان الاوربية ، وهذا يعني ان على البلدان ان تدخل العلم والتقانه على اقتصادها والا ستكون على هامش الاقتصاد العالمي الجديد او بعيدة عنه .
فالعلم والتقانه اذا اهتم بها كمنتوج يعود بمردود مادي سوف يزيد الدخل القومي ، وبذلك يكون له دور كبير في تنمية البلد اقتصاديا .
اما اذا كان الاهتمام بالعلم كمعرفة ، كان المردود اجتماعيا بشريا بزيادة الناس المتعليمين القادرين على الاستفادة شخصيا منه ، او تطويره وتوظيفه في عمل يعود عليهم بالفائدة وعلى مجتمعهم كذلك .
وعليه فان عالم المعرفة ، والعلم ، والتقانه ، عالم واسع وشامل ، ويجب ان تؤدي اللغة الوطنية دورا كبيرا فيه ، لكن هذا لا يعني عدم الاستفادة من اللغات الاجنبية الاخرى ، فهناك ايمان تام ان اللغات الاجنبية هي نافذة على الثقافة العالمية بكل ما يحتويه من متغيرات ، وهي ايضا السبيل اليها .
ولكن مع كل ذلك لا بد ان تكون هناك مواصفات بواسطتها تتخذ اللغة الاجنبية دور المساند للغة الوطنية في تحقييق التنمية ، ويذكر لنا الاستاذ مصطفى محسن اهم هذه المواصفات وهي :-
أ- ان تكون اللغات الاجنبية قادرة على الاضافة الى اللغة والثقافة الوطنية من مبتكرات علمية وخبرات وتجارب مفيدة ، وكذلك مستجدات فنية وثقافية وحضارية جديدة ، وقادرة على دفع عملية التنمية واغنائها .
ب- ان يكون استعمالها مؤسسيا على ضوء رؤية فلسفية وتربوية وحضارية واضحة الاهداف .
يجب ان تكون مساندة بصورة ايجابية ، ولاجل هدف محدد المعالم ، وهو التطور والتنمية وبعيدا عن التبعية ، لانه اذا ما اسيء التعامل مع اللغة الاجنبية في البلد فانه يقود الى نتائج سيئه فليس بالضرورة ان تكون اللغة الاجنبية ذات فائدة للمجتمع الذي يتعامل معها ، بل قد تسبب العكس فتجارب الشعوب الافريقية مع اللغات الاجنبية اكدت ان تبني لغة اجنبية من طرف نخبة قليلة من الشعب لا يعني حصول ذلك الشعب على تقدم او تطور فالجزائر استمرت عملية الفرنسة 132 سنة فيها ، ومع ذلك وصلت الى اقصى درجة من الفقر والجهل والانحطاط .
فليس من الضروري ان تكون اللغة الاجنبية طرفا في تنمية المجتمع بل العكس قد تؤدي الى تخلفه اذا ما استندت الى التبعية الاستعمارية ظاهريا او باطنيا .
اما بالنسبة للعولمة الاقتصادية المتسارعة والتي تسير جنبا الى جنب مع استعمال بعض اللغات دون الاخرى ، وخاصة اللغة الانجليزية والتشجيع عليها ، وعلى تعلمها كبير ، والناس لا يمانعون ، والسبب يعود الى انهم يرون ان ذلك الجزء من التوحيد بهذه اللغة وعلى نطاق عالمي يؤدي الى سهولة الاتصال العالمي بعضهم مع بعض (2).
وليس من شك ان هذه الرؤى قاصرة اذا كانت الغاية منها احلال اللغة الانجليزية محل اللغة الوطنية في اي مجتمع غير ناطق بها ، لكن هذا لا يمنع ان تكون هناك نظرة ايجابية لتلك اللغة التي يتحدث بها العديد من سكان العالم بوصفها لغة مساندة وهي توفير سهولة التبادل الثقافي والعلمي والتكنولوجي .

1 - مصطفى محسن ، حول الابعاد السوسيو انثروبولوجية للمسألة اللغوية واشكالية التنمية والحداثة ، قضية التعريب في الوطن العربي ، مجلة المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، لبنان ، العدد 214 ، 1996 ،ص60
2 - رولاند .ج .ل برينون ، حرب اللغات ، رسالة اليونسكوا ، ابريل ، 2000 ، ص23.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألمانيا والفلسطينين.. هل تؤدي المساعدات وفرص العمل لتحسين ال


.. فهودي قرر ما ياكل لعند ما يجيه ا?سد التيك توك ????




.. سيلايا.. أخطر مدينة في المكسيك ومسرح لحرب دامية تشنها العصاب


.. محمد جوهر: عندما يتلاقى الفن والعمارة في وصف الإسكندرية




.. الجيش الإسرائيلي يقول إنه بدأ تنفيذ -عملية هجومية- على جنوب