الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قل الحق ولو على نفسك

مالوم ابو رغيف

2021 / 6 / 4
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


لا اعرف ما الذي شدني الى متابعة محاكمة O.J. Simpson التي بدأت في سنة 1995 ربما لأنها الأولى التي كانت تُبث مباشرة حية على الهواء حيث حُظي ملايين الناس بمشاهدتها وأصبحت في وقتها حديث الساعة وكل ساعة، او ربما لمطاردة البوليس لـسيارة O.J. Simpson لاعب كرة القدم الامريكية الشهير والممثل السينمائي فيما بعد، او لأنها تحمل مفارقة الألوان فالمتهم اسود والضحايا بيض او ربما لأني من متابعي القضايا والمحاكمات على صعيد الواقع او على صعيد الأفلام السينمائية.
لقد تابعت المحاكمة من خلال فضائية الـ CNN وفضائيات الأخرى ولم يفتني جلسة من جلساتها التي كانت تعرض على الشاشات ليلا وأبقى بعد انتهاءها سهرانا اتباع اراء الحقوقيين والمحامين والمحللين السياسيين او أصحاب الاختصاص الذين يتم استضافتهم فيزيدوا من حماسة جمهور المشاهدين المتابعين لتلك المحاكمة الفريدة من نوعها، تماما مثلما يفعل المعلقون على مجريات جولات الملاكمة بين خصمين قويين باحتساب الجولة لهذا الملاكم او ذاك، فكان المحللون يحسبون الجلسة لصالح لطقم الدفاع او طقم الادعاء العام.
كانت القضية واضحة ولا لبس فيها، فالمتهم وقتها O.J. Simpson وجهت اليه تهمة قتل زوجته Nicole Brown Simpson عمدا وقتل Ronald Goldman الذي كان يعمل نادلا في مطعم كانت ترتاده نيكول. كما اكتشف اثار دم على سيارة المتهم وكذلك على فردة قفاز عثر عليه في مكان الجريمة والأخرى عُثر عليها خلف منزل المتهم وكلاهما( X Large) كذلك عُثر على غطاء رأس محاك استخدم لإخفاء الملامح عند ارتكاب الجريمة المزدوجة وشعرة رأس من انحدار افريقي، والعثور عفي غرفة نوم المتهم على زوج جوارب عليها بقع دم من فصيلة القتيلة نيكول براون سمپسن وادلة أخرى لسنا بصدد استعراضها.
كانت جميع القرائن والأدلة العينية والظرفية تشير وتكشف بشكل واضح شخصية القاتل وتنطبق تماما على المتهم.
في ذاك الوقت انقسم المجتمع الأمريكي الى معسكرين او الى فسطاطين، حسب تعبير الإرهابي المقتول أسامة بن لادن، معسكر أصحاب البشرة البيضاء الذي كانت جماهيره تطالب بأنزال اشد العقوبات واقساها بالمجرم السفاح O.J. Simpson حاملين شعرات تندد بالجريمة وتحمل صور القتيلات، ومعسكر اسود يطالب بأطلاق سراح المتهم واسقاط كل التهم الموجهة اليه.
لقد كان الامر ينذر بحرب أهلية لان التشنج بين اللونين وصل الى درجة الانفجار.
اما انا فرغم كل الدلائل والقرائن التي تدين المتهم وجدت نفسي منحازا الى المعسكر الأسود ومشجعا لفريق الدفاع، مشككا بالادعاء العام، معتقدا بانه لفق الأدلة وتعرض بعضها للتلويث، متناسيا بشاعة الجريمة وتاريخ العنف الذي اكتنف حياتهما الزوجية، مشجعا ومعجبا بالمحللين والقانونيين الذي يستعرضون بقوة إخفاقات الادعاء العام بقيادة السيدة مارسيا كلارك (Marcia Clark) ونجاحات فريق الدفاع بقيادة المحامي جوني كوكران (Johnnie L. Cochran).
في الجلسة النهائية عندما أعلنت هيئة المحلفين Jury قرارها النهائي ببراءة O.J. Simpson من تهمة القتل العمد وجدتني فرحا مستبشرا مصفقا للقرار الذي اعتقدته حينها كان منصفا.
بالطبع كان دائما يخالجني شعور بالشك بان O.J لم يكن بريئا، وانه استخدم أكثر من عشرين مليون دولار لضمان براءته، ولو لم تكن معه هذه الأموال الهائلة لحكم عليه بالاعدام او السجن المؤبد الذي لا نهاية له، وان الأدلة المستخدمة ضده لا غبار عليها، لكني كنت دائما ادفع بهذه الشكوك عميقا في منطقة اللاشعور ولا اسمح لها ان تصعد الى السطح وتجعلني مصطفا مع المعسكر الأبيض الذي طالما ارتكب جرائما ومذابحا ضد الشعوب الأخرى واستعبد ملايين البشر ومنهم اباء O.J Simpson.
لكن ما هو ذنب الأبناء بما اقترفه الإباء؟
يجيب عقلي بانهم بتحملون نفس الجريرة اذا ابقوا على العنصرية سرا او علانية معاملة او تلميحا.
بعد كل نشوة سكر صحوة وصداع، لا اعرف متى صحوت من نشوة براءة القاتل المزيفة ووجهت انتقادا ذاتيا لوقوفي مصطفا بجانب مجرم أزهق نفسين لحالة هستيريا غير مبررة مر بها او حالة غضب إجرامية المت به.
كيف تسللت الاحكام المسبقة الى عقلي وتفكيري فاعتبرت ان فريق الاتهام يحاول بكل ما يستطيع حتى ولو بالتزييف القاء وزر الجريمة على كاهل المتهم البريء؟
هل ان موقفي هو نتاج لتحاملي على نظام التفرقة العنصرية التي عملت به أمريكيا لسنوات طويلة ومازال مختزنا في التفكير الأمريكي ومعمول به اجتماعيا وان كان تم الغاءه رسميا؟
لكن اليس التحامل نفسه، هو ايضا حكم مسبق لا يختلف عن عنصرية التفكير إذا ما تسرب الى العقل؟
كيف سولت لي نفسي الوقوف بجانب القاتل ضد الضحية، بجانب القوة البدنية الهمجية ضد ضعف الانسان لامرأة لا حول ولا قوة لها؟
لماذا اغمضت عيني او قل اشحت ببصري عن رؤية الحقيقة وجريت وراء الأوهام وانا خارج إطار المعركة وتأثيراتها ولا يربطني بها سوى عاطفة التضامن او الانحياز وهي الكلمة الاصح؟
ولماذا ننحاز؟
ان هذا الموقف الخاطئ الذي اتخذته وندمت عليه، يتخذه ايضا كثير غيري عندما يسرعون ببناء احكامهم على عواطفهم ويصطفون طائفيا او حزبيا او دينيا او قوميا او عرقيا او سياسيا او ايدلوجيا مع الطرف الذي يجدونه الأقرب الى قلوبهم لا الى عقولهم ولا الى ضمائرهم.
قل الحق ولو على نفسك، نصيحة تقال لكن لا احد يعمل بها الا بعد فوات الآوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل و صحيح
حسين علوان حسين ( 2021 / 6 / 4 - 19:28 )
الاستاذ الفاضل مالوم ابو رغيف المحترم
تحية حارة
كلامكم صحيح و جميل ، و لكن أكثرهم للحق كارهون .
كل الحب و التقدير .


2 - الانتماء الايديولوحي
صلاح شومان ( 2021 / 6 / 5 - 05:18 )
الانتماء الايديولوحي له تاثير كبير في تشويه الحقائق

والجيد في الامر انك ادركت الحقيقة ولو بعد حين


3 - لدكتور حسين علوان حسين مع التحية
مالوم ابو رغيف ( 2021 / 6 / 5 - 10:54 )
الدكتور حسين علوان حسين
تحياتي وشكري على التعليق والمشاركة
ان عبارة
أكثرهم للحق كارهون
وان لم يرد فيها سبب هذا الكره لكن المضمون واضح بانه اذا كان الحق ليس بجانبي فانا ضده واعده ظلما واجحافا.ـ
لكن والكلام عن قضية
O.J
هنا امر محير جدا على الاقل بالنسبة لي، اذ ان محكمة الحق المدني اوجبته بدفع غرامة مقدارها 33 مليون دولار لاهل الضحيتين،(ما دُفع منها لحد الان نصف مليون دولار فقط) فان كان بريئا بقرار المحكمة الجنائية، فكيف يكون مذنبا عند محكمة الحق المدني؟
بالطبع هنا لا يمكن للقاتل الادعاء بان قرار محكمة الحق المدني ظلما له، لانه قد نجى من السجن المؤبد او الاعدام باعجوبةـ
الان هو حر يتمتع باللعب الكولف في حقول لوس انجلز مع انه مجرم قاتل، وهكذا في العراق وكثير من دول العالم يتمتع المجرمون والسارقون والفاسدون باموالهم ومباهج الحياة بينما تعاني الشعوب الفقر والمرض.ـ
اكرر التحية




4 - النظام القضائي الامبريالي كله فاسد
حسين علوان حسين ( 2021 / 6 / 5 - 14:58 )
االاستاذ الفاضل السيد مالوم ابو رغيف الورد
ت 3
تحية متجددة .
لم الحيرة وأنت أدرى مني بتعفن النظام القضائي الامبريالي؟في أمريكا،كل الاحكام القضائية محكومة بهذه المتغيرات الأجنبية عن مبدأ احقاق الحق:هل المتهم نجم ام لا؛ هل لديه مؤيدين ومريدين أم لا؛هل القضية حساسة عنصريا أم لا.في حالة الاجابة بنعم عن كل هذا،فإن حتى المحلفين سيرتجفون هلعاَ من عقابيل ادانتهم المتهم الشهير المحبوب والملون.وقد شهد التاريخ عشرات الحالات من اندلاع الاضطرابات مباشرة بعد ادانة متهم ملون شهير.بالنسبة لسمسن،فقد تمت بعدئذ ادانته بقضية جنائية اخرى وأودع السجن ليخرج بعدها ويواصل حياته طليقا.تذكر محكمة مايكل جاكسن الذي كان يلوط بالقاصرين وكيف أفلت منها.وفي المقابل هناك عشرات الحالات من الحكم بالاعدام و المؤبد وتنفيذها بحق ملونين عاديين أبرياء .
الناس التقدميون مثلك ينتصرون دائما لمن يعتقدون أنه المظلوم - و ذا أمر طبيعي لذهنيتنا - حتى يثبت العكس. لذا،فلا جناح عليك لانحيازك مع سمسن لأنك كنت تعتقد ببراءته ؛ و لأنك مع الحق فقد ادنته عندما بانت جريمته.ألمشكلة فيمن ينتصر للمتهم ظالماً أومظلوماً
كل الحب والتقديروالاعتزاز .


5 - الصديق صلاح شومان مع التحية
مالوم ابو رغيف ( 2021 / 6 / 5 - 16:16 )
الصديق صلاح شومان
تحياتي
نعم الانتماء الايديلوجي لهم تأثير على الموقف تماما مثل مل انتماء اخر، اكان دينيا او طائفيا او حزبيا.ـ
من النادر ان نجد استثناءات لا تتأثر بالانتماءات، واتحدث عن المواقف الشخصية وليس الجماعية، فمثلا تجد كثيرا من اصحاب البشرة البيضاء يتظاهرون مع اصحاب البشرة السوداء ضد التفرقة العنصرية وضد مظاهرها في امريكا. كما نجد كثير من اليهود الاسرائيليين او غير الاسرائيليين يتظاهرون مع الفلسطينيين ضد الاستيطان وضد الحركات العنصرية وضد همجية الحكومات الاسرائيلية.ـ
انا اعتقد ان علينا مراجعة احكامنا ومواقفنا ونخضعها لانتقاد حيادي خارج تاثير الانتماءات لنصل الى الحقيقة او الموقف الصحيح
اكرر التحية


6 - بذور الشك
صلاح شومان ( 2021 / 6 / 5 - 21:43 )
من الشكوك التي نجح في زرعها الدفاع
الاستجواب الناجح الذي قام به محامي الدفاع - اثلي بيلي- لرجل المباحث الذي عثر على القفاز خلف البيت عندما سأله ان كان عنصريا او استخدم الفاظ عنصرية في السابق ومع اصرار رجل المباحث على عدم حصول ذلك عرض الدفاع تسجيلات تكذب رجل المباحث وهذه اول بذور الشك

ثم جاء خطأ ممثل الادعاء -داردن- الذي طالب المتهم بلبس القفاز ولم يدخل القفاز في يد المتهم —على الارجح لان الدم جف عليه- وهنا قال محامي الدفاع - كوكرن - قوله المشهور في المرافعة الختامية مخاطبا المحلفين if it doesn’t fit you must a quit

وهذا كان كافيا ان يجد المحلفين انفسهم في موقف قانوني reasonable doubt يحتم عليهم وجود الحد الادنى من الشك


7 - الصديق صلاح شومان مع التحية
مالوم ابو رغيف ( 2021 / 6 / 8 - 23:28 )
تحياتي
انا لا اعتقد ان المحلفين قد خامرهم شعور بالشك بان المتهم لم يقتل الضحايا، فكل الادلة واضحة وصريحة اضافة الى انه كان يخطط للهرب وقد تم القاء القبض عليه في المطار ولم يكن عنده .Alibi
ربما هناك امر ما اثر على المحلفين وجعلهم يقررون اطلاق سراحه بشكل قريب الى الاجماع 10 الى 2.ـ
مع ان المحلفين كانوا معزولين عن الصحافة وعن جميع وسائل الاعلام لمدة ثمانية اشهر ونصف
لكنهم كانوا امام قضية واضحة جدا وليس هناك مشتبه اخر تحوم حوله الشكوك ولا هناك اي ادلة توحي بان الجريمة لها علاقة بالسرقة.ـ
هي مسألة محيرة حقا وانا لا استطيع تفسير ذلك الا بالتعاطف مع المتهم مثلي تماما عندما كنت متعاطفا معه الى ان راجعت نفسي ووجدتها على خطأ.ـ
ربما بعض المحلفين عض بنان الندم على القرار الخاطيء الذي اتخذوه.ـ
شكرا على الاضافة.ـ

اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل