الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقال : الإنتخابات في المغرب، أي واقع و أية آفاق؟

مراد الحسناوي

2021 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


لطالما دأبنا على سماع كلمة "الإنتخابات" كلما تجدد بنا العهد بفترة الإقتراع أو اقترابها، تلك الفترة الولائية التي تكتسح فيها صورة شخص رجل السياسة المشهد اليومي للمواطن، بغية الترويج لبرنامج حزبه السياسي، و أهدافه اللازوردية المخططة و المزوقة بدقة مثيرة، تجعل معها آمال المواطن البسيط متحمسة و آملة في التغيير. قبل أن تعود حليمة إلى عادتها القديمة في شخص السياسي لممارسة الغميضة و لعبة الإختبار مجددا، تلك اللعبة التي يتقنها كعادته رجل السياسة المغربي كلما حقق مراده في الوصول للمنصب المنشود، هروبا من الإلتزام بوعوده و تحمل مسؤولياته اتجاه المواطنين الذين وثقوا به و صوتوا له و أملوا خيرا في برنامجه الإنتخابي.
الإنتخابات هذه العملية السياسية التي تحتاج لفعل يتممها و يعطيها بعدا على أرض الواقع، ألا و هو فعل الممارسة السياسية "التصويت و الإختيار " الذي يعتبر حق دستوري مشروع، كرسته الديمقراطية فعلا يجعل المواطن مشاركا و مساهما في القرار السياسي. و منه يمكننا طرح مجموعة من الأسئلة كالآتي :
ما مفهوم الإنتخابات؟ و ما هي شروط نجاح هذه العملية السياسية؟ ما هو دور الناخب في المشاركة السياسية؟ و هل ناخب اليوم له من الوعي السياسي و الإحاطة بالأمور ما يجعله مصيبا في اختياره و قراءاته لما بين السطور في برامج الأحزاب السياسية ؟ ما هي أبرز المعايير و المواصفات التي يجب أن تتوفر في شخص السياسي المنتخب؟ و هل الإنتخابات في بلادنا وسيلة للتغير أم أنها غاية؟ أي بعد لهذه العملية السياسية و أية آفاق؟.
إن التعريف التقليدي المتعارف عليه لمفهوم "الإنتخابات" بشقيها التشريعية و البلدية هو أنها تلك العملية السياسية التي يقوم من خلالها المواطنون باختيار الشخص المناسب للنيابة عنهم و التحدث باسمهم في المطالبة و العمل على تحقيق مطالبهم الإجتماعية و كذا ليكون الوسيط الأمين بينهم و بين الدولة.
هذه العملية و التي وجب دائما أن تكون محكومة بمجموعة من الشروط بغية إنجاحها، من قبيل النزاهة، الشفافية، حرية الإختيار، ، الدقة، و على رأس كل هذه الشروط مبدأ الرقابة و المتابعة، و كذا إطار قانوني من شأنه تحقيق وقاية تنظيمية و كذا تحديد صلاحيات اللجنة المسؤولة و الإدارة الإنتخابية، و توفير الأرضية الملائمة لتمام هذه العملية الإنتخابية على أكمل وجه من الشفافية و النزاهة. لكن السؤال الذي يطرح في هذه الحالة، ماذا سيحدث لو لم تتوفر كل هذه الشروط في العملية الإنتخابية؟. أكيد سيختل توازن العملية السياسية مما سيؤول إلى بروز ثغرات يستغلها السياسي و يكون المواطن اليومي البسيط ضحيتها.
لطالما كان للناخب دور مهم في إتمام هذه العملية، عن طريق ممارسته لحقه الدستوري في التصويت و الإختيار للشخص المراد من أجل تلك المهمة، و بناءاً على كل هذا يكون  الناخب "المواطن" قد مارس حقه الطبيعي، و كذا شارك و ساهم في القرار السياسي. و لكن ناخب اليوم على العموم لا يملك من الوعي السياسي ما يكفيه للإحاطة بخبايا الأمور، حيث أن هذا الفراغ السياسي الذي يعانيه، لا يعانيه لوحده بل و معه كل الساحة السياسية برمتها، و قد جاء هذا الفراغ نتيجة فراغ المحتوى السياسي ببلادنا، نتيجة التطاحنات السياسية التي حدثت ببلادنا بين القصر و الأحزاب منذ بزوغ فجر الإستقلال، خلال الفترة التي كان فيها لزاما على المغرب بناء ما قد نسميه بعهد الإستقلال، قبل أن ينزلق "المغرب" في درب التبعية و الركود، و الإصطفاف بجانب دول العالمثالثي التي قومت و برمجت على فعل الإستهلاك بعدما فشلت في بناء اقتصاد مستقل، و بروز الهوة بين المؤسسات السياسية ممثلة في الأحزاب، و المواطن. مما زاد في اتساعها عبر كل هذه السنين كانت خيبة الأمل التي حصدها المواطن المغربي في كل مرة كان يقترع فيها، مما ولد لدينا أزمة ثقة و عزوف الكثيرين عن المشاركة الإنتخابية، فبعدما كان المواطن اليومي يؤثر شراء جهاز الراديو على سرير حرصا منه على فهم و تنمية الوعي السياسي الصاعد في فترة ما بعد الإستقلال إلى حدود التسعينات حيث تم الإجهاز على كل محاولات النهوض و التغيير الجذري أو على الأقل بغية التقليل من تمركز السلط كلها في يد القصر.
كل هذه الأمور من خيبات أمل و رغبة الأحزاب في السلطة و اهتمامها بتحصين و خدمة مصالح فئة اجتماعية معينة دون غيرها من الناس، و تغاضيها عن مطالب الشعب المكوم في القاعدة، قتل الأمل بشكل شبه كلي لدى المواطن اليومي البسيط و صار همه الوحيد اليوم لا يتجاوز حدود معركته المعيشية في الجري وراء تحصيل قطعة خبز حارة و مرة، حتى بات شغله الشاغل هو كيفية تحصيله لها في وسط كل هذا الزخم من الفقر و البطالة و المرض الإجتماعي... إلخ.
في ظل وجود مؤسسات سياسية استسهلت العمل السياسي و شوهت الحياة السياسية و احتقرت الثقافة و المثقفين و كرست كل الأساليب و الممارسات التي من شأنها المساهمة في انبطاح العقل... إلخ.
فيما نأتي على دراسة شخص السياسي "المنتخب" من خلال تحليل شخصيته و المواصفات و المعايير التي وجب أن تتوفر فيه، دون إغفال أن سياسي اليوم ليس هو سياسي الأمس، فهذا الأخير كان ذو رؤية ثاقبة "و إن كان له حقه من الأخطاء" و استراتيجية و مخزون معرفي و سياسي يشفع له ممارسته للسياسة، و كذا حنكة سياسية و مواقف طالما كانت تصطدم في الكثير من الأحيان بقرارات القصر، ما كان يجلب له المشاكل مع هذا الأخير في غالب الأوقات، كما كان مقوما ببرنامج انتخابي واقعي يخدم البسطى و يهدف إلى بناء الوطن قبل خدمة الفئة "القلة" المتحكمة و المؤثرة في قرارات القصر.
عكس سياسي اليوم الذي يكفي أن يكون لديه مصدر للتمويل حتى يسمح له بخوض غمار السياسة و دخول الساحة السياسية من أكبر الأبواب و أوسعها، حتى و إن كان شخصا أميا "و لنا في المجالس المحلية و نواب البرلمان و أعضاء مجلس المستشارين الكثير من الأمثلة" لا يملك أية رؤية سياسية نافدة و بعد نظر لتناول و تحليل و علاج مشاكل و قضايا المجتمع التي ظلت و منذ بروزها رازحة غير متزحزحة نحو منحى الزوال، ودون أن يمتلك أي مواقف سياسية تشفع له ممارساته السياسية أو أية شهادة تعليمية... إلخ.
و لعل ما يزيد الطين بلة في وطننا اليوم هو تعدد الأحزاب "أكثر من ثلاثين حزبا" و غياب الرؤية الإستراتيجية و الروح السياسية المشبعة بهاجس النهوض و الصبوا نحو بناء دولة حديثة و مجتمع عصري متطور، في ظل غياب روح الأداة الحقة لفعل ذلك، هذه الأداة التي هي الحزب الفاعل و المؤثر في المجتمع، و كل ذلك من المنظور الذي يتناغم فيه التكتيك مع الإستراتيجية و التنظيم مع الإيديولوجيا و النخبة مع الجماهير دون أن نخلط بين الجماهير و السوقة كما قال بذلك عبد الله إبراهيم.
دون أن نغفل أن الحزب، و كما حذرنا المهدي بن بركة في كتابه "مسؤوليتنا" ليس هو " التشوف إلى المراتب و الطمع في الجاه و التشبث بالسفاسف". و "ليس فقط هيئة حزبية أو انتخابية أو هيئة لإعلان هوية سياسية، بل هو مجال للمبادرات و الطروحات و إشعاع الأفكار و القيم" كما قال مجمد جسوس.
لقد أصبحت "الإنتخابات" في بلادنا غاية لذوي المطامع و أصحاب المصالح الشخصية، بدل أن تكون وسيلة للتغيير و البناء و التقدم و الإزدهار و النهوض بالوطن بدءاً من المغرب العميق، و حياة البسطى المستضعفون، الذين انطلت عليهم الحيلة في زمن اتساع مساحة الجهل و التفاهة، و غلبة حاجة العيش البهيمي على الطرح الحياتي المقوم بالوعي و الكرامة و الحقوق الإنسانية، و هو ما أدى إلى نتيجة قوامها الفساد الإنتخابي، ما جعل الأزمة سيدة الموقف.
بكل صراحة، لم يعد للعملية السياسية الإنتخابية أي بعد قد نأمل من ورائه خيرا، و لن يكون لها أي بعد إيجابي و لن تحوي آفاقا مبشرة ما دامت المؤسسات السياسية لا تعمل في إطار من الإيمان الراسخ بسلطة العقل و فضيلة العلم و قيم التقدم عمليا، و مادامت الدولة كذلك رهينة مبدأ التسامح و التساهل مع كل من يلج الساحة السياسية و كذا عدم التزامها بالعمل الجاد من خلال تكريس مبدأ الرقابة و  المتابعة، و عدم جعلها كل من تحصل على منصب انتخابي سواء على مستوى الإنتخابات المحلية أو الجهوية أو التشريعية، عرضة للمسائلة عن كل قراراته المتخذة و كل خطوة يخطوها و كل درهم يتصرف فيه، و هو يحمل فوق عاتقه المهمة التي كلفه بها الشعب، لهو إجحاف و تخاذل من طرف الدولة في القيام بواجبها اتجاه شعبها و تصريح غير مباشر منها بتخليها عن مسؤولياتها في محاسبة مسؤوليها، و تراجع على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن كل برنامج انتخابي يخلوا من أهداف تبتغي تحقيق العدالة الإجتماعية و تقليص الفوارق الطبقية، والعمل على معالجة و إيجاد حلول فعلية و واقعية للمشاكيل التي تعاني منها القطاعات الحيوية "التطبيب و التعليم"، و كذلك تكريس الحرية و توسيع مساحتها، و إرساء لمفهوم المساواة بشكل واقعي كحق و مبدأ من شأنه النهوض بكلا الجنسين في منحى يحقق قفزة نوعية عقلانية فيما يخص قضية المرأة التي لطالما ركبت عليها الأحزاب و الجمعيات الحقوقية دون أن تحقق لها شيئا راسخا على أرض الواقع إلا من فتات حقوقي يكاد لا يلمس أثره في الحياة اليومية للمرأة.
بالإضافة إلى أن كل برنامج انتخابي لا نلمس فيه صدى للواقع الحي، ولا يهدف إلى هيكلة و تطوير البنيات التحتية، جنبا إلى جنب مع توفير مناصب الشغل و إدماج الشباب في سوق العمل بمعايير تضمن لهم/لهن العيش الكريم . هو برنامج فاشل لا يعدوا أن يكون مجرد ملهاة و إغراء للمواطنين، و برنامج من البرامج المزوقة كما كان يقول الشهيد المهدي بن بركة في كتابه سابق الذكر. ما يجعل الهدف الحقيقي لأغلب السياسيين ببلادنا هدفا ربحيا مبني على الإسترزاق بالركوب على القضايا الحية للمجتمع و الطبقة الفقيرة خصوصا، و تحقيق رغبات و مصالح شخصية برغماتية محضة. و من كل ما سبق قوله و تحليله و استنتاجه من المعطيات السابقة، في فترة أقرت فيها تقارير صحفية رصد الحكومة المغربية، لمبلغ 36 مليار لتمويل الأحزاب خلال الإنتخابات الحالية لسنة 2021، يمكن لنا أن نتساءل باستغراب لماذا رصدت الحكومة هذا المبلغ الضخم للأحزاب رغم فشلها الدريع على مدار سنوات في معالجة المشاكل الإجتماعية الداخلية و كذا الفساد و المشاكل الداخلية التي تعاني منها هذه الأحزاب نفسها ؟ و ما حاجتنا للإنتخابات في ظل وجود لجنة خاصة بإعداد تقرير و خطة عمل لنموذج تنموي جديد؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال