الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين.. نقطة تفتيش إسرائيلية

هيثم بن محمد شطورو

2021 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


العرب بشكل عام ينظرون إلى فلسطين كأرض شبه مقدسة وعربية يجب تحريرها، ولكنهم لا يعرفون حجم المعاناة الكبرى التي يعيشها الفلسطينيون. يساهم السياسي الفلسطيني في ذلك بعدم تحركه نحو المطالب الميدانية المعيشية التي يعيشها الفلسطيني والنضال لأجل تحريكها ومراكمة النضال بالانجاز الميداني المتراكم التي يتلمسها الفلسطيني، وفي نفس الوقت يتم إجبار قوات الاحتلال على النظر إلى الفلسطينيين كإنسان له مطالب إنسانية يناضل لأجلها، وبالتالي تـفرض عليه شيئا فشيئا تهرئة وجوده الاحتلالي إلى غاية التحرير الشاملة. فصحيح أن الاحتلال هو احتلال في كليته ولكنه يتأسس على إجراءات ميدانية عديدة يتوجب النضال لتهديمها لتـقويض آليات الاحتلال شيئا فشيئا أولا، ولكن قبل كل شيء هو النضال المفعم بنظرة إنسانية إلى الذات والنضال بها وعناوينها، والإنسان هو حرية وكرامة. ومن أهم تجسدات الاحتلال هو ممارسته للإذلال المتواصل للشعب الفلسطيني و إرادة تجسيد عقلية الرضائية بالخضوع. ومن أبرز آليات الاحتلال الإسرائيلي هو نقاط التـفـتيش الثابتة والمتحركة في الضفة الغربية التي تـقوم بتـقـطيعها إربا وجعلها كانتـونات أو شبه معتـقلات جماعية تـفصل بينها المستوطنات المحمية ونقاط التـفـتيش، وإنه من المدهش حقا أن لا ترفع السلطة الفلسطينية صوتها تـنـديدا بهذه النقاط، والمثير هو عدم الترويج لفضاعاتها وما تـقوم به من قـتل للحياة الفلسطينية في كل المجالات الحياتية، بحيث قضت هذه النقاط على حياة اقتصادية نشيطة وعطلت التعليم والأعمال وساهمت بالزج بالآلاف في البطالة.
فقضية فلسطين قضية تحرر إنساني قبل كل شيء. شعب وأناس يعانون من السجن العام والقتل والتجويع وجعل الحياة بؤسا في بؤس بفعل احتلال بغيض يمارس سياسة التمييز العنصري والإقصاء للعنصر الفلسطيني ومحاولات طرده من أرضه المستمرة منذ بداية القرن العشرين..
وفي هذا الكتاب الممتع للصحفي الايطالي " جان لوكا سوليرا" بعنوان " أسوار ودموع وزعتر"، وبعنوان فرعي " قصص من الحياة وأصوات من فلسطين"، يسرد لنا تـفاصيل حكايات خبرها هو أثناء زياراته المتكررة لفلسطين التي كانت له علاقات فيها مع فلسطينيين وإسرائيليين. فلسطينيين في جانب المظلوم وإسرائيليين في جانب المتعاطفين مع الفلسطينيين. كتاب شيق جدا وهو على شكل قصص قصيرة. سرد مفعم بالتوضيح لحجم المأساة الكبرى التي يعيشها الفلسطيني وحجم المقاومة الكبرى التي عبرت عنها الصحفية الإسرائيلية الشهيرة "أميرة هاس" العائشة مع الفلسطينيين بالقول : " القدرة الاستـثـنائية على المقاومة المدنية للفلسطينيين لم ترافـقه قيادة جديرة بقدرتهم على المقاومة. المشكلة أن الفلسطينيين لا يعرفون تكوين مقاومة إستراتيجية".
وإن جدار العزل أو الفصل العنصري الذي هندسه "ارييل شارون" لتجسيد واقع ابتلاع الضفة الغربية برمتها، وجعل الفلسطينيين يعيشون في شبه محتـشدات منفصلة ومقطعة بواسطة نقاط التـفـتيش والجدار والمستوطنات، هي أبرز معالم المعاناة والمظالم اليومية التي يعيشها الفلسطيني، إضافة إلى محاصرة غزة برا وجوا وبحرا. وسط ذاك المشهد الكثيف من الممارسات الصهيونية الاإنسانية تبرز نقاط التـفـتيش كمحور أساسي في عملية تجسيد الاحتلال الخانق للحياة. لذلك يبدو أن جعل نقاط التـفـتيش محورا للفضح والنضال ضدها بكل الأشكال، وهو نضال في اتجاه حرية الإنسان وحقه في التـنـقل الحر والذي يعني حريته الشخصية الذاتية التي تجعله يتحرك ويعيش بخصوصيته. نقاط التـفـتيش عنوان على انتهاك أدنى مستويات الحرية والعيش الكريم. إنها التجسيد اليومي للحضور الكابوسي الدائم للاحتلال.
وبدأ هذا الكتاب الذي يندرج ضمن حملة التضامن العالمية المتزايدة مع الشعب الفلسطيني، قصصه بفضح نقاط التـفـتيش الإسرائيلية في فلسطين. ونقتطف هذه الفقرة كاملة من الكتاب الذي يقول:
ـ" نقطة تـفـتـيش
رائد طفل خطير. لذلك فهو كل صباح يقف في الطابور عند مخرج المدينة، لينتظر دوره، ويتم فحصه بجهاز الفحص ثم يمر من متاهة من الحواجز الإسمنتية تحت أعين الجنود. وعند العودة، كما في مداخل استاد كرة القدم أو محطات مترو الأنفاق عليه أن يدفع بابا دوارا أكبر وأثـقل بكثير منه لكي يدخل من جديد إلى مدينته. وحين يكون رائد في صحبة زملائه في المدرسة، وحين يكونون مع أمهاتهم في زيارة أجزاء الأسرة المتفرقين بين "بانتوستان" ـ يعني الأراضي في جنوب إفريقيا وناميبيا المخصصة لعرقيات السود من جانب حكومة جنوب إفريقيا في عهد التمييز العنصري. ويتم استخدامه تجاوزا على مناطق التمييز العنصري ـ و آخر، أو مع آبائهم في الطريق إلى السوق أو إلى عمل يضطرهم للخروج من السياج، فإنه ينتج عن ذلك اختـناق مروري من الجلابيب، والأحجبة، والصناديق الورقية وحقائب المدرسة مما يتطلب عمليات تـفـتـيش أمنية دقيقة تهدف إلى كشف الإرهابيـين المحتملين. والإرهابيون المحتملون هم جميع هؤلاء البشر الذين تتمثل خطيئـتهم الكبرى في أنهم لا يملكون اسما يهوديا. الإرهابيون المحتملون هم كل أولئك العرب المتكاثرين الذين يستحقون السؤال عن حياتهم الخاصة وعن أين وكيف ومتى ولماذا يريدون الخروج من أحيائهم الضيقة. ماذا يضطرهم إلى ذلك؟ والى ماذا يهدفون من الدوران هكذا؟ وتهديد السلامة العامة. ونقاط التـفـتـيش يتم غلقها بأمر من أعلى، وأنت تظل بالداخل، أو يتم غلقها وأنت تـظل في الخارج، أو يتم غلقها، ولكن يتم اعتـقالك للشك في لحيتك أو لأنك رفعت صوتك مع شباب أعمارهم في العشرين يحملون البنادق الرشاشة الثـقيلة مثل الأفكار الكبرى التي تجعلهم يغنون. اليوم نعم، اليوم لا، اليوم أفتح لك كل الحقائب، اليوم أهينك، اليوم أجعلك تـنـتـظر، اليوم أجعلك لا تلحق بالامتحانات في الجامعة، اليوم أقنعك بأن الأرض ملك لنا وإما ترحل أنت من تلقاء نفسك وإما أن نصيبك بالجنون في مدنك المزدحمة القذرة، بلا أشجار، بلا آبار، بلا عمل وبلا شهود. وحيوانات الذبح على الطريق المتربة تـنـتـظر أحيانا لساعات حتى يأتي رد الجنود بلا معيار. أسرى في أرضهم، بلا حماية وبلا قديسين وبلا أصوات في الحلوق تلعن المستوطنين الذين يأكلون حقولهم ويطردونهم إلى المدينة.
ونحن الأجانب، الذين لا يريد الجنود رؤيتهم عندما يتجولون في المحميات لاصطياد حيوانات البيسون، لم يعد أمامنا سوى صعود الجبال وعبور المعابر كالفحامين للدخول إلى المدينة من أعلى، والإصغاء في صمت إلى أصوات الطلقات أو صوت مروحيات الاباتشي عندما تتسلل إلى المدينة من أجل العثور على كبار السن وفوضويي المستقبل ـ الأطفال ـ، المتهمين بالإعتـقاد بأن سرقة أرض وتاريخ شعب هو جريمة أو خطيئة.
نقاط تـفـتـيش، اسمنت، حديد وغبار، حديد واسمنت. وفتيان ـ الجنود الإسرائيليين ـ مرغمون على ممارسة لعبة الحرب في نقاط تـفـتـيش مع مسلمين مسنين قـذرين، في الوقت الذي تعج فيه بالصخب صالات الرقص الجميلة في تل أبيب. أو أولئك الفتيان ذكورا وإناثا في زيهم المموه يحطمون الخنادق على الحدود بين الحضارة والبربرية، لو أنهم، في مواجهة حجارة أطفال ذي دم خاطئ، بدلا من المدافع الرشاشة إم 130 لديهم الأحجار نفسها. أحجار منازل مهدمة، أحجار حيوات مهدمة، أحجار آمال مهدمة.
عند نقاط التـفـتـيش يصطف الناس في طوابير، في انتظار دورهم حتى يمكنهم متابعة حياتهم بشكل طبيعي، إلى أن يحـدث ذات يوم أن تمر فتاة مثل الريح بين السلك الشائك، فتاة بلا مأوى وبلا أمل، ولكنها محملة بالديناميت. وهنا يدفع الثمن الجميع تقريبا: الفتاة وأسرتها، والحي الذي تـنتمي إليه، ومدينتها وأهلها وضحيتها. الجميع ما عدا الموالين للإحتلال."
ونقتطع هذا المقتطف كذلك لتوضيحه معنى نقاط التـفـتـيش، كما أنه يصف مدينة غزة كصحفي ميداني:
"إن شكل قطاع غزة على هيئة بندقية ويثير اسمه الأشباح في الذهن. بموقعها المعلق بين إسرائيل وسيناء، تـشبه شيئا مصطنعا، معزولة عن الأرض والبحر، وقد هبت من رماد المقاومة ضد الزحف الإسرائيلي على فلسطين التاريخية. إنها منطقة مغلقة من جانب قوات الأمن الإسرائيلية، حيث يمثل الدخول إليها والخروج منها مغامرة مجهولة العواقب. ففي صباح يوم السادس من نوفمبر عام 1998 عندما ماتت فجأة أم الأستاذ سامي شعث، وهو أستاذ اللغة العربية في جامعة بيرزيت، تقدم الأستاذ إلى السلطات الإسرائيلية في أقرب المستوطنات إليه. كان يطلب تصريحا بالذهاب إلى خان يونس، في قطاع غزة، حيث كانت تعيش أمه. كانت الساعة السابعة صباحا. وقضى يوما كاملا وهو يتصل تليفونيا، حتى حصل على تصريح لمدة أربع وعشرين ساعة. كانت الساعة الرابعة عصرا. نظر إلى التاريخ وأدرك أن العد التـنازلي للساعات الأربع وعشرين قد بدأ في الخامسة صباحا من اليوم نفسه. لم يكن بوسعه سوى الشروع في البكاء. كيف كان سيترك الضفة الغربية، وعبور إسرائيل والوقوف في طابور أمام نقطة التـفـتـيش عند مدخل غزة والذهاب إلى قبر أمه والعودة قبل الخامسة صباحا من اليوم التالي، لأن نـقاط التـفـتـيش تكون مغلقة أثناء الليل؟ وهكذا لم ير جثمان أمه ولم ير حتى قبرها إلى الآن..
.. بالرغم من كل شيء فإن مدينة غزة تجعلك تـتـنـفس هواء الحرية. فالبحر لا يفرق، ولكنه يوحد، ورائحته تجعلنا ننسى أين نحن. فغزة مازالت تحمل آثار رونق مدينة بحر متوسطية تمتعت بالاستـقلال خلال التسعينات. فنادقها، ونزهاتها تـشعرك بالهدوء. غزة: أبراج، حدائق، أضواء بحر متوسطية وأعلام حماس الخضراء. غزة: زهور، يأس وغضب. كل شيء هو رياح وشمس وصمت وبحر هائج ولكن ليس كثيرا. بحر مغلق، لأن الصيادين لا يستطيعون التعمق في البحر المفتوح، الذي تراقبه السفن البحرية. ولكن ماذا يهم؟ البحر جميل وإن كان خاليا، ومنظر شواطئه المقفرة هو ميزة نادرة للقادم من ايطاليا. إن غزة اسم يثير الامتعاض، يثير الخوف."

ينتهي هنا هذا المقتطف من الكتاب الذي لا يمكنني إعادة كتابته بمجمله طبعا ولكنها محاولة لتسليط الضوء عليه نظرا لقيمته الكبيرة في السرد الواقعي للأحداث الفلسطينية في الحياة اليومية، وهذا ما نـفتـقد النظر إليه للتعرف على حياة الفلسطينيين الواقعية، والتي يشهد الكتاب على زخم المقاومة المعيشية اليومية الكبيرة جدا التي يقوم بها هذا الشعب العظيم، الذي يناضل بكل قوة لأجل إنسانيته التي يسعى الاحتلال الصهيوني إلى سحقها. يقول الفلسطيني المُحاصر بالبؤس والموت أنه يعشق الحياة. الحياة كذات حرة تـسعى على الدوام إلى تجسيد حريتها، مثل المرأة الفلسطينية "مريم" التي جعل الجدار العازل بيتها عبارة عن سجن محاصر بين الجدار والخط الأخضر، ولكنها رفضت بيعه والتـفريط فيه للإسرائيليين. ومعنى عدم تـفريط الفلسطيني في بيته ليس مثل كل العالم، أي إمكانية تركه والعيش في مكان آخر، لأن دولة إسرائيل السارقة للأرض تسرق البيت المهجور وتعتبره حقها المتوارث منذ أكثر من ألفي عام، ولذلك فإن رفض الفلسطيني بيع بيته يعني العيش فيه باستمرار حتى وإن حاصرك الصهاينة بالقاذورات والجدران الإسمنتية الرصاصية المرتـفعة لتسعة أمتار.." الجدار العازل يقضي بالموت على الطرفين، الفلسطينيين من الجوع والإسرائيليين من الخزي."، على قول صاحب هذا الكتاب. أنظر كم هي الصورة سريالية وتبدو من الخيال.. يا إلاهي لماذا كل هذا؟
لماذا كل هذا؟.. وصف أحد دعاة السلام الاسرائيليين سبب ذلك أن اليهود منذ انتصارهم في حرب 1967 والذي اعتبره أغلبهم معجزة ربانية، تضاعف خوفهم من العرب، وكلما ازداد خوفهم كلما ازدادت عدوانيتهم.
وقد يضن بعض المثـقـفين العرب أننا كعرب بشكل عام لا نملك إلا النظرة العربية الفلسطينية إلى مجمل الحقائق المتعلقة بالقضية الفلسطينية. ولكن ما ينزل علينا بردا وسلاما هو تأكيد بعض تلك الحقائق من المثـقـفين الغربيـين المطلعين العاشقين للحقيقة وهم كثر في أوربا، ولكن المثـقف العربي هو الذي يعزل نفسه عن أوربا المثـقفة وأوربا الشعوب كذلك التي لا تعرف كثيرا من الحقائق نتيجة الإعلام المعادي للعرب والحقوق العربية، ولكن ما أن يجدون من العرب من يتكلم معهم ويحاول توعيتهم بالحقائق فإنك تجدهم منـفـتحين ومستعـدين لتغيـير آرائهم. والكاتب الايطالي سوليرا صاحب هذا الكتاب خاطب قومه ليكشف عن حقيقة عميقة بالنسبة لهم والتي ربما لا يهتم العرب لأهميتها عندهم. فالنظرة العربية تخلط بين الاستعمار الامبريالي وممارساته وبين العقلية الأوربية بشكل عام، ولا يعرفون أن الأوربي ذو ضمير حي وهو حين يكتـشف مظالمه يشعر بالذنب فعليا ويعمل على مسحه أو الخلاص التطهيري. المشكل أن الأوربي محاصر بنظرة مزيفة أو نظرة تجعله في موقع النبيل والآخر المُضطهد في موقع الإرهابي المتوحش. يقول الكاتب:
"بينما ترتـفع في بيتـنا ـ أوربا ـ دعوات الحملة الصليـبية الجديدة على البربرية الإسلامية في العالم، ننسى أنه فقط في نهاية القرن الثامن عشر بعد الميلاد حصل اليهود على حقوق أكبر في أوربا ـ أول دولة تعطي لليهود حقوقا كاملة في المواطنة كانت الولايات المتحدة الأمريكية ـ على عكس ما حدث في العالم الإسلامي، الذي حماهم وتسامح معهم على مدى قرون، بينما كان قساوستـنا وأساقـفتـنا يستخدمون المقصلة والكانتونات المعزولة "حارة اليهود" لمعاقبة "قـتلة المسيح".
" ولكن كونك عانيت لا يجعل منك شخصا أفضل"، هذا ما قالته لي الصحفية اليهودية الإسرائيلية، أميرة هاس، وهي ابنة اثنين من الناجين من الهولوكست."
وهذا الكتاب كتبه صاحبه ليُنير الرأي العام الإيطالي على حقيقة إسرائيل، التي يعتبرها دولة ديمقراطية أوربية، تتم فيها انتخابات حرة ونزيهة، ويصعد المنـتصرون بربطات عنـقهم وابتساماتهم، ترافـقهم زوجاتهم في مشاهد احتـفالية مبهرجة تعبر عن المدنية والتحضر. أراد الكاتب بمثل ما قال صراحة بتعبيره القائل:" وفتيان ـ الجنود الإسرائيليين ـ مرغمون على ممارسة لعبة الحرب في نقاط تـفـتـيش مع مسلمين مسنين قـذرين، في الوقت الذي تعج فيه بالصخب صالات الرقص الجميلة في تل أبيب. أو أولئك الفتيان ذكورا وإناثا في زيهم المموه يحطمون الخنادق على الحدود بين الحضارة والبربرية، لو أنهم، في مواجهة حجارة أطفال ذي دم خاطئ، بدلا من المدافع الرشاشة إم 130 لديهم الأحجار نفسها. أحجار منازل مهدمة، أحجار حيوات مهدمة، أحجار آمال مهدمة."، أراد القول أن ما وراء تلك المظاهر الحضارية الديمقراطية، شعب فلسطيني مقهور تُـنـتهك حريته وكرامته كل يوم. تلك المظاهر من الديمقراطية تُخفي عملية سجن لشعب كامل. تلك المظاهر من الحضارة تُخفي عدوانية واستخفافا بالروح الإنسانية، مثل الشاب المهندس الفلسطيني يوسف الذي أُطلقت عليه رصاصة واحدة ليلا حين كان يقوم بإصلاح عطب كهربائي في شارعهم. يوضح الكاتب أن طلقة واحدة تعني استهدافا مباشرا مقصودا للقتل، أي أنها طلقة قناص، وسماعها يثير الخوف أكثر من سماع عدد من الاطلاقات لان الاطلاقات العديدة تعني التخويف وعدم الاستهداف المباشر بينما الرصاصة الواحدة موجهة للقتل. ولعلنا بإمكاننا تعميم الديمقراطية الإسرائيلية على غيرها من الديمقراطيات الغربية القائمة على الإرث الاستعماري الناهب لخيرات الشعوب واستعبادها، والقائمة اليوم على نفس خط النهب لثروات العالم الثالث، ومنع المحاولات الوطنية لتأسيس خيارات تـنموية مستـقلة وحرة نابعة من الحاجيات الفعلية لمجتمعاتها. ولنا المثل البارز هو الاحتلال الأمريكي للعراق وتدميرهم لهذا البلد وراء مشهديات الحضارة الأمريكية الزاهية...
أوضح الكاتب من خلال شهادات عديدة استهداف إسرائيل للعملية التعليمية الفلسطينية بدءا من الابتدائي إلى الجامعة، وهذا ما يمكن أن يشكل صدمة مروعة للقارئ الأوربي، باعتبار قدسية التعليم عندهم، وهو ما أدهشه هو شخصيا، والنتيجة الواضحة في فهم ذلك تُرجع السبب في إرادة إسرائيل منع بناء شخصية فلسطينية واعية وعالمة، وهنا يتضح مدى ما يعنيه الاحتلال من إرادة لقتل الوعي عند الإنسان. فطبيعي أن قهر حرية الإنسان تعني محاولة منع الوعي المعرفي عنده، وهذا ما يجعلنا نؤشر إلى المحاولات الغربية في التدخل في مناهج التعليم عندنا، فالعقل مُستهدف لأن حريتـنا مُستهدفة وحريتنا يرونها تهديدا لهم ولحريتهم، ومن هنا تبرز القضية الفلسطينية كتكثيف لفكرة الاحتلال والهيمنة الامبريالية، وبالتالي فقضية التحرر الفلسطينية هي محور التحرر العالمي من الامبريالية الغربية..ونكتـفي هنا باقتطاف هذه الفقرة من جملة ما رواه كاتبنا الصحفي النابض بحب الحقيقة والتطهر..
{ أثناء الإنتـفاضة الفلسطينية الأولى { 1987 ـ 1992} كانت السلطات الإسرائيلية تعتبر التعليم أمرا غير شرعي، وكان يتم إغلاق الدراسة بالمدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى بالأمر العسكري، وكان يتم إعتـقال الطلبة الذين يلتحقون بدورات في المنازل أو مراكز تعليمية..
.. بناء الجدار العازل خـفض نسبة الإلتحاق إلى مدارس القرى المحيطة. فالأطفال الثماني والثمانون في قرية "جيارة"، بالقرب من طولكرم، عليهم أن يتـقدموا إلى معابر الجدار مبكرا للإنـتـظار حتى يفتح الجنود الأبواب، دون أن يعلموا متى سيعبرون. والجنود يفتحون لمدة عشر دقائق في الصباح وعشر دقائق بعد الظهر، والأطفال في سن الخامسة الذين ينـتهون من دروسهم في حوالي الحادية عشر صباحا عليهم الإنـتـظار حتى العشية للعودة إلى منازلهم.}
ويزخر الكتاب بذكر نشاطات إسرائيليين متعاطفين مع الفلسطينيين ويناضلون لأجل السلام الحقيقي، ولأجل حل الدولتين، أو دولة واحدة ديمقراطية يتمتع فيها الفلسطينيون المسلمون والمسيحيين وكذلك اليهود من فلسطينيين وغيرهم بحياة حرة، ودولة يتم فيها الاعتراف بتعايش الديانات الثلاث في فلسطين. التعايش على أساس المساواة والحوار والحرية. وحين ننتـقل بين هؤلاء الإسرائيليين فإنه من غير الممكن مواصلة النظرة العدائية نفسها تجاه الإسرائيليين، وإنما يجعلنا الأمر نفكر بطريقة أخرى. نفكر بطريقة الاعتراف بهم، أي بدعاة السلام الإسرائيليين، ولما لا يتم استـثـناؤهم من المقاطعة السياسية والثقافية العربية تجاه إسرائيل، فالاعتراف بهم يقوي شوكتهم داخل إسرائيل، ويبعث رسالة إلى العالم مفادها أن العرب لا يريدون إبادة اليهود، وإنما الحرية لفلسطين والحرية للعرب من الصهيونية والتحرر من الامبريالية لأجل التحرر الفعلي في اتجاه المساواة والحرية لجميع البشر. بذلك يبعث العرب رسالة حضارية تقدمية من شأنها أن تضاعف من حجم تعاطف الرأي العالمي مع قضية التحرر الفلسطيني، مما يضاعف الضغط السياسي الذي سيؤدي إلى إيجاد حل حقيقي وفعلي لمشكلة فلسطين، بمثل ما حصل مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.. أنظر ولا تـندهش كثيرا من هذه الشهادة من إسرائيلي، وهي واحدة من عدة شهادات، يجدر الوقوف الجدي عندها..
{ "ايتان برونشتاين"، يهودي إسرائيلي قام في عام 2002 بتأسيس جمعية ليحكي لمواطنيه الوجه الآخر لحرب الاستقلال الوطني الإسرائيلي اسمها "زوخروت" بالعبرية وترجمتها العربية "هن يتـذكرن". قال لي في مقهى في تل ابيب:
" لقد تعلمنا أن اليهود يعودون إلى وطنهم، وأن فلسطين كانت دولة خاوية، وأننا نحن اليهود كنا نريد العيش في سلام، ولكن العرب لم يقبلوا خطة الأمم المتحدة بالتقسيم عام 1947 وهاجمونا... ونحن في "زوخروت" نقول: حسن، ولماذا لا نسمع أيضا إلى حكايات الضحايا؟ عندما نستمع إليها، نكتـشف أمورا غير متوقعة، ليست لها أية علاقة بالحرب بين الصهاينة والجيوش العربية، فعلى سبيل المثال لم تُطلق أثناء الحرب رصاصة واحدة في بعض القرى. كان الناس يفرون إما خوفا من الصهاينة أو خشية حدوث هجمات وشيكة، أو لأنهم في النهاية تعرضوا للهجوم، وعندما رحلوا اُحتلت بيوتهم وحُطمت ولم يُسمح لهم بالعودة. فهل هذا عدل؟".
ويعقد ايتان مقارنة: في عام 1991، أثناء حرب الخليج الأولى، أصبحت تل أبيب مدينة شبح. كان السكان يخشون صواريخ صدام حسين فهربوا إلى القدس والى الجنوب. تصور أن يأتي شخص، تحت حماية قوة عظمى، ليجد تل أبيب مهجورة خوفا من الحرب فيحتلها. هذا هو ما حدث في 1948. لقد عُوقب آلاف الأسر لذنوب لم يرتكبوها قط. لماذا؟"
ـ أميرة هاس الصحفية الإسرائيلية المعروفة والتي عاشت بين الفلسطينيين قالت: ما حصل في حرب 1948 في فلسطين "تطهير عرقي". من المؤلم الإعتراف به، ولكن هذا هو ما حدث.}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف