الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كورونا، -أعراض جانبية- - الجزء الأول

الطاهر المعز

2021 / 6 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


بعض "الأعراض الجانبية" الإقتصادية لكورونا

الجزء الأول من إثنَيْن

تأثيرات الإغلاق على الإقتصاد العالمي:
يُعَدُّ الإغلاق في عام 2020 ، بسبب جائحة "كوفيد 19" ، إجراءً غير مسبوق في التاريخ ، يتم تطبيقه في وقت واحد في عدد كبير من البلدان. لقد تم زعزعة الاستقرار في قطاعات كاملة من الاقتصاد العالمي، ما أدّى إلى إفلاس الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، وإلى تَفَشِّي البطالة والفقر...
إن الآثار الاجتماعية لهذه التدابير مدمرة وما زالت قائمة، وأنتج الحبس المنزلي والتباعد الإجتماعي وفقدان الوظائف وإفلاس الشركات والأعمال، آثارا سلبية على الصحة العقلية لملايين الأشخاص حول العالم، وانتشار الفقر الجماعي واليأس، فيما ازداد تواتر حالات الانتحار والإدمان على المخدرات في جميع أنحاء العالم.
لقد أصبح "كوفيد 19" ذريعة لتكميم الأفواه ولقمع الرأي المُخالف، ومراقبة وتتبّع مئات الملايين من سكان العالم، وشَكّلَ فُرصةً لتبرير زعزعة استقرار الاقتصاد الحقيقي والنسيج الاجتماعي والاقتصادي على المستوى العالمي ، لأن هذه الأزمة تمس البشرية جمعاء، بعد توقف نشاط الإنتاج والتجارة والخدمات، وأعلنت العديد من شركات السياحة والتجارة والمطاعم والمقاهي، منذ سنة 2020، إفلاسَها، لتتحول المحلات المُرْبِحَة إلى فُرُوع لشركات عابرة للقارات...
إن إغلاق الاقتصاد الحقيقي (المنتج) هو جزء من عملية تعميم تدابير التقشف، كجزء من عملية كبرى لإعادة توزيع الثروة العالمية، مصحوبة بعملية إثراء الشركات الكبرى وأثرى الأثرياء والمُضاربين في أسواق المال، بالتوازي مع إفقار غالبية سكان العالم. أما إجراءات التقشف فلم تؤثر على الميزانية العسكرية أو الأمنية للولايات المتحدة أو الدول الإمبريالية الأخرى.
لقد نجحت المؤسسات المالية الرأسمالية، عبر "كوفيد - 19"، في زعزعة استقرار الاقتصاديات الوطنية لكل الدول الفقيرة وتقويض سيادتها الوطنية دون اللّجوء إلى التدخل العسكري. من جهة أخرى، استخدمت الرأسمالية التطورات التقنية والتقنيات الرقمية والاتصالات لإغلاق الاقتصاد والتجارة ومراقبة أفراد المجتمع والصحافيين والمُعارِضين السياسيين إلخ.

آفاق الإقتصاد العالمي والعربي سنة 2021 و 2022
تُشير تقارير صندوق النقد الدّولي (التقرير نصف السنوي الصادر بداية نيسان/ابريل 2021 والتقرير "المَرْحلي"، بنهاية أيار/مايو 2021) إلى ظُهُور "بوادر الانتعاش الاقتصادي"، لكن هيئات دولية أخرى، مثل منظمة العمل الدّولية، تُشير إلى تفاوت الإنتعاش من منطقة إلى أخرى، وهشاشة هذا الإنتعاش، ناهيك عن سوء ظروف العمل، ما يرفع عدد العاطلين عن العمل وعدد الفُقراء في العالم، حتى نهاية سنة 2022، بسبب النقص المتوقع لفرص العمل بمقدار مائة مليون سنة 2021، وإلى ما لا يقل عن 26 مليون سنة 2022، هذا إذا تم القضاء على جائحة "كوفيد 19"، ولا يتطرق تقرير منظمة العمل الدّولية إلى الحجم الهائل من المال العام الذي ضَخّتْهُ الحكومات والمصارف المركزية، لفائدة الشركات والأثرياء، بعنوان "التّحْفِيز المالي"، وهيمنة بعض الدّول الغنية (الإمبريالية) على اقتصاد الدّول الفقيرة، دول "الجنوب" الواقعة تحت الهيمنة، والتي يُسدّدُ سُكّانها ثمن الأزمات مُضاعَفًا...
نشرت منظمة العمل الدّولية تقريرًا يوم 02 حزيران/يونيو 2021، بعنوان "الإستخدام والأُفُق الإجتماعية في العالم – اتجاهات 2021" وقَدّرَ التّقرير عدد العاملين بالقطاع المُوازي، المَحْرُومين من كافة الحُقُوق، بنحو مِلْيارَيْ عامل وعاملة، في العالم، وتأثّرَ جميعهم بقرارات الإغلاق والحَجْر الصّحِّي والحَبْس المنزلي. كما توقع التّقرير أن يلتحق أكثر من 205 مليون عامل وعاملة بصفوف المُعَطّلِين الجُدُدُ سنة 2022، وأن يلتحق ما لا يقل عن 108 ملايين عامل وعاملة، بصفوف الفُقراء الذين يعيشون بأقل من 3,2 دولارا للفرد في اليوم، وكالعادة تكون النّساء والشّباب في طليعة المُتَضَرِّرين، وأعلَن المُدير العام للمنظمة أن مستوى عيش العاملين لم يتحسّن منذ 2015، بل تَرَاجَعَ، رغم ارتفاع أسعار السلع والخَدَمات وإيجار المسكن والنّقل وأسعار الكهرباء والمياه والإتصالات والغذاء والرعاية الصحية وغير ذلك من ضروريات الحياة اليومية، ما يُحِيل خطة "التّنمية المُستدامة" التي نشرها خُبراء مكاتب الأمم المتحدة، إلى سلة المُهملات، فهي لاغِيَة، خصوصًا في أوروبا وأمريكا الجنوبية ومنطقة بحر الكاريبي وآسيا الوُسطى، وهي المناطق التي الأكثر تَضَرُّرًا من جائحة كورونا، بحسب البيانات التي أوردتها الأمم المتحدة، بشأن النّصف الأول من سنة 2021، ولم تذكر تلك البيانات قارة إفريقيا والوطن العربي وجنوب وشرق آسيا، وهي المناطق التي تراجعَ اقتصادها بأكثر من 8% في المتوسط، سنة 2020، ولا يُتوقّع أن تتحسن الأوضاع المعيشية للعاملين بها، سنة 2020، ناهيك عن المُعَطَّلِين عن العَمل والفُقراء، والفئات الأكثر تَهْمِيشًا، كالنّساء والشباب، وهما الفئَتَان الأكثر تَضَرُّرًا من إلغاء الوظائف...
لم تكن هذه البيانات مُفاجِئة، بل هي مُطابقة لتوقُّعات التقارير السابقة، منها تقارير الأمم المتحدة منتصف سنة 2020 (10 حزيران/يونيو 2020) ونهاية السنة (29 كانون الأول/ديسمبر 2020)، ونقتصر في الفقرات الموالية على التّوقعات التي وردت بهذه التقارير بشأن الوطن العربي، وبخصوص تعميق الفجوة بين الأثرياء والفُقراء، خلال فترة انتشار وباء كورونا، واستفادة الأثرياء من مصائب العالم، وخصوصًا من مصائب العاملين والكادحين والفُقراء...
ورد في تقرير اللجنة الإجتماعية والإقتصادية لغربِي آسيا (إسكوا)، أي المنطقة التي تظم المشرق العربي، حول "التّنمية المُستدامة" (10 حزيران/يونيو 2020)، أن الوطن العربي (ككل وليس المَشْرق لوحده) يُسجّل أرقامًا قياسية عالمية لاتّساع الفَجْوَة في الدّخل بين الأثرياء والفُقراء، وللبطالة (خاصة بطالة النساء والشباب) وعدم المُساواة بين الرجال والنّساء (أدْنى نسبة مُشاركة للمرأة في النشاط الإقتصادي المُعتَرَف به، بالإضافة إلى العُنف)، ولتَدَنِّي مُستوى خَدَمات الرّعاية الصّحّيّة والتعليم، مع الإشارة أن هذا الوضع ليس بجديد، بل يتواصل ارتفاع معدّلات الفقر المُدْقَع بشكل مستمر منذ 2010، ما يُشكّل عائقًا لتحقيق "التنمية المُستدامة"، فضلا عن العُدْوان المُستمر على أجزاء كبيرة من الوطن العربي، بإشراف امبريالي أمريكي، وتمويل وتنفيذ عربي (خليجي) وتُركي (أطلسي)، بفضل عائدات النفط والغاز التي تُنفِقها دُويلات الخليج في شراء السلاح، واستيراد الغذاء، بَدَلَ إنفاقها على التنمية وتحقيق الإكتفاء الذاتي، أو السيادة الغذائية، ما جعل الوطن العربي تابِعًا في قُوتِهِ للخارج، فيما يَقِلُّ الإنفاق العربي على البحث العلمي والإبتكار والتّطوير، بنسبة 60% عن مُتوسّط مُستوى الإنفاق العالمي...
تُعتَبَرُ هذه العقبات والعراقيل هيكَلِيّة (وليست طارِئَة) في الوطن العربي، تُضاف لها العوامل الطبيعية مثل الجفاف وشُحّ المياه وتحكُّم الدّول الأخرى في مصادر المياه كالحبشة (النيل) وتركيا (دجلة والفرات) وإيران (الزاب وكارون)، وقدّرت الأمم المتحدة أضرار الجفاف، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، في الوطن العربي بنحو عشرين مليار دولاراً، تَحَمّل نتائجها السّلْبِيّة أكثر من 44 مليون شخص، ما هَدّد الإنتاج الزراعي التّقليدي، وتربية المواشي، وطبيعة الأرض، التي تزيد مُلُوحتها بانخفاض مستوى هطول الأمطار، وتؤدّي هذه العوامل إلى انخفاض عدد العاملين بقطاع الزراعة وانخفاض الإنتاج وزيادة عدد النازحين من المناطق الريفية إلى المناطق الحَضَرِيّة...
بعد حوالي ستة أشهر، في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، أصدرت نفس المُنظّمة الدّولية (لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا – "إسكوا") تقريرًا جديدًا بعنوان "مسح التطورات الإقتصادية والإجتماعية في المنطقة العربية"، وهو تقرير سنوي، يتضمّن (بناءً على مُعْطَيات 2019 و 2020) توقعات مُتشائمة، ولكنها واقِعِية، منها ارتفاع البطالة في الوطن العربي سنة 2021 إلى 31% في الأراضي المحتلة سنة 1967 وإلى 22% بليبيا وإلى 21% بتونس والأردن وإلى 5,8% في دُوَيْلات مجلس التعاون الخليجي، فيما لم يورد التقرير بيانات عن مصر التي تحتل صدارة الترتيب بعدد المُعطّلين عن العمل والفُقراء والأُمِّيِّين وفاقدي المأوى بالوطن العربي، ويتضمّن التقرير تقديرًا لخسائر الدّول العربية حوالي 140 مليار دولارا، سنة 2020، بسبب الإجراءات التي رافقت انتشار وباء كورونا، ولا يتوقّعُ مُعِدُّو التقرير تحسُّنًا في الوضع الاقتصادي العربي طيلة سنتَيْ 2021 و 2022، وقد يفوق معدّل النمو نسبة 2% لكن ذلك غير كاف لتوفير شبكات الأمان الاجتماعي والحَدّ من تدهور الظروف المعيشية، ولاستيعاب حجم البطالة المُرتفعة الذي تجاوز نسبة 27% في صفوف الشباب، أو لخلق وظائف دائمة ولائقة، ولا للحَدّ من انتشار الفقر الذي قد تصل نسبته سنة 2021 إلى 32% ليطال 116 مليون فرد، كما لن تُخَفِّفَ نسبة النمو الضعيفة من فجوة عدم المساواة بين الجنسين، التي لا تزال تسجّل نسبة 40%، وهي الأعلى في العالم.

الديون العربية
تَضاعَفَ حجم الديون في البلدان العربية التي لم تتعرض إلى حُروب عُدْوانية أو إلى ما يُسمِّيها التقرير "نزاعات"، خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، ليصل إلى حوالي 1,2 تريليون دولارًا، وإلى أكثر من 80% من الناتج المحلي الإجمالي في البلدان العربية "متوسطة الدخل". أما السّببُ الرئيسيّ لارتفاع الدّيون بشكل يُهدّد استقلال وأمن الدّول، فيعود إلى تمويل الإنفاق الحكومي عبر الاقتراض، وإلى انتشار الفساد واستفادة الأنظمة الحاكمة من الدّيون التي تستحوذ على جزء منها، لتُهرّبه إلى الخارج، فيما يُسدّد الكادحون والمُستهلكون قيمة الدُّيُون وفوائدها، وتتضرّرُ أغلبية المواطنين من تطبيق شروط الدّائنين، وهو ما يُعبّر عنه التقرير بأشكال أخرى (بلُغَةٍ "مُهَذَّبَة" شكْلاً)، مثل "التأثيرات السّلْبِيّة على الإنتاجية والنمو"، أو "ضُعف مستوى الحَوْكَمَة" (يعني ارتفاع حجم الفَساد والسرقات)، أو عبر طرح معدّي التقرير تساؤلات مثل "كيف تنفق الحكومات مبلغ القُرُوض".
يُحذّر تقرير لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا – "إسكوا" (29 كانون الأول/ديسمبر 2020) من ارتفاع حجم الدّيُون، وحجم الفوائد، ما قد يُؤدِّي إلى تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية، خاصة في الدول متوسطة الدخل التي وصلت قيمة خدمة الدين فيها إلى 18 مليار دولار، وقد يُؤدّي ارتفاع الدّيُون وفوائدها إلى إفلاس بعض الدول العربية مثل تونس ولبنان والأردن...

بعض "الأعراض الجانبية" لكورونا في الوطن العربي:
تُشِير تقارير صندوق النقد الدّولي (التقرير نصف السنوي الصادر بداية نيسان/ابريل 2021 والتقرير "المَرْحلي"، بنهاية أيار/مايو 2021) إلى ظُهُور "بوادر الانتعاش الاقتصادي"، لكن هيئات دولية أخرى، مثل منظمة العمل الدّولية، تُشير إلى تفاوت الإنتعاش من منطقة إلى أخرى، وهشاشة هذا الإنتعاش، ناهيك عن سوء ظروف العمل، ما يرفع عدد العاطلين عن العمل وعدد الفُقراء في العالم، حتى نهاية سنة 2022، بسبب النقص المتوقع لفرص العمل بمقدار مائة مليون سنة 2021، وإلى ما لا يقل عن 26 مليون سنة 2022، هذا إذا تم القضاء على جائحة "كوفيد 19"، ولا يتطرق تقرير منظمة العمل الدّولية إلى الحجم الهائل من المال العام الذي ضَخّتْهُ الحكومات والمصارف المركزية، لفائدة الشركات والأثرياء، بعنوان "التّحْفِيز المالي"، وهيمنة بعض الدّول الغنية (الإمبريالية) على اقتصاد الدّول الفقيرة، دول "الجنوب" الواقعة تحت الهيمنة، والتي يُسدّدُ سُكّانها ثمن الأزمات مُضاعَفًا...
نشرت منظمة العمل الدّولية تقريرًا يوم 02 حزيران/يونيو 2021، بعنوان "الإستخدام والأُفُق الإجتماعية في العالم – اتجاهات 2021" وقَدّرَ التّقرير عدد العاملين بالقطاع المُوازي، المَحْرُومين من كافة الحُقُوق، بنحو مِلْيارَيْ عامل وعاملة، في العالم، وتأثّرَ جميعهم بقرارات الإغلاق والحَجْر الصّحِّي والحَبْس المنزلي. كما توقع التّقرير أن يلتحق أكثر من 205 مليون عامل وعاملة بصفوف المُعَطّلِين الجُدُدُ سنة 2022، وأن يلتحق ما لا يقل عن 108 ملايين عامل وعاملة، بصفوف الفُقراء الذين يعيشون بأقل من 3,2 دولارا للفرد في اليوم، وكالعادة تكون النّساء والشّباب في طليعة المُتَضَرِّرين، وأعلَن المُدير العام للمنظمة أن مستوى عيش العاملين لم يتحسّن منذ 2015، بل تَرَاجَعَ، رغم ارتفاع أسعار السلع والخَدَمات وإيجار المسكن والنّقل وأسعار الكهرباء والمياه والإتصالات والغذاء والرعاية الصحية وغير ذلك من ضروريات الحياة اليومية، ما يُحِيل خطة "التّنمية المُستدامة" التي نشرها خُبراء مكاتب الأمم المتحدة، إلى سلة المُهملات، فهي لاغِيَة، خصوصًا في أوروبا وأمريكا الجنوبية ومنطقة بحر الكاريبي وآسيا الوُسطى، وهي المناطق التي الأكثر تَضَرُّرًا من جائحة كورونا، بحسب البيانات التي أوردتها الأمم المتحدة، بشأن النّصف الأول من سنة 2021، ولم تذكر تلك البيانات قارة إفريقيا والوطن العربي وجنوب وشرق آسيا، وهي المناطق التي تراجعَ اقتصادها بأكثر من 8% في المتوسط، سنة 2020، ولا يُتوقّع أن تتحسن الأوضاع المعيشية للعاملين بها، سنة 2020، ناهيك عن المُعَطَّلِين عن العَمل والفُقراء، والفئات الأكثر تَهْمِيشًا، كالنّساء والشباب، وهما الفئَتَان الأكثر تَضَرُّرًا من إلغاء الوظائف...
لم تكن هذه البيانات مُفاجِئة، بل هي مُطابقة لتوقُّعات التقارير السابقة، منها تقارير الأمم المتحدة منتصف سنة 2020 (10 حزيران/يونيو 2020) ونهاية السنة (29 كانون الأول/ديسمبر 2020)، ونقتصر في الفقرات الموالية على التّوقعات التي وردت بهذه التقارير بشأن الوطن العربي، وبخصوص تعميق الفجوة بين الأثرياء والفُقراء، خلال فترة انتشار وباء كورونا، واستفادة الأثرياء من مصائب العالم، وخصوصًا من مصائب العاملين والكادحين والفُقراء...
ورد في تقرير اللجنة الإجتماعية والإقتصادية لغربِي آسيا (إسكوا)، أي المنطقة التي تظم المشرق العربي، حول "التّنمية المُستدامة" (10 حزيران/يونيو 2020)، أن الوطن العربي (ككل وليس المَشْرق لوحده) يُسجّل أرقامًا قياسية عالمية لاتّساع الفَجْوَة في الدّخل بين الأثرياء والفُقراء، وللبطالة (خاصة بطالة النساء والشباب) وعدم المُساواة بين الرجال والنّساء (أدْنى نسبة مُشاركة للمرأة في النشاط الإقتصادي المُعتَرَف به، بالإضافة إلى العُنف)، ولتَدَنِّي مُستوى خَدَمات الرّعاية الصّحّيّة والتعليم، مع الإشارة أن هذا الوضع ليس بجديد، بل يتواصل ارتفاع معدّلات الفقر المُدْقَع بشكل مستمر منذ 2010، ما يُشكّل عائقًا لتحقيق "التنمية المُستدامة"، فضلا عن العُدْوان المُستمر على أجزاء كبيرة من الوطن العربي، بإشراف امبريالي أمريكي، وتمويل وتنفيذ عربي (خليجي) وتُركي (أطلسي)، بفضل عائدات النفط والغاز التي تُنفِقها دُويلات الخليج في شراء السلاح، واستيراد الغذاء، بَدَلَ إنفاقها على التنمية وتحقيق الإكتفاء الذاتي، أو السيادة الغذائية، ما جعل الوطن العربي تابِعًا في قُوتِهِ للخارج، فيما يَقِلُّ الإنفاق العربي على البحث العلمي والإبتكار والتّطوير، بنسبة 60% عن مُتوسّط مُستوى الإنفاق العالمي...
تُعتَبَرُ هذه العقبات والعراقيل هيكَلِيّة (وليست طارِئَة) في الوطن العربي، تُضاف لها العوامل الطبيعية مثل الجفاف وشُحّ المياه وتحكُّم الدّول الأخرى في مصادر المياه كالحبشة (النيل) وتركيا (دجلة والفرات) وإيران (الزاب وكارون)، وقدّرت الأمم المتحدة أضرار الجفاف، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، في الوطن العربي بنحو عشرين مليار دولاراً، تَحَمّل نتائجها السّلْبِيّة أكثر من 44 مليون شخص، ما هَدّد الإنتاج الزراعي التّقليدي، وتربية المواشي، وطبيعة الأرض، التي تزيد مُلُوحتها بانخفاض مستوى هطول الأمطار، وتؤدّي هذه العوامل إلى انخفاض عدد العاملين بقطاع الزراعة وانخفاض الإنتاج وزيادة عدد النازحين من المناطق الريفية إلى المناطق الحَضَرِيّة...
بعد حوالي ستة أشهر، في التاسع والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر 2020، أصدرت نفس المُنظّمة الدّولية (لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا – "إسكوا") تقريرًا جديدًا بعنوان "مسح التطورات الإقتصادية والإجتماعية في المنطقة العربية"، وهو تقرير سنوي، يتضمّن (بناءً على مُعْطَيات 2019 و 2020) توقعات مُتشائمة، ولكنها واقِعِية، منها ارتفاع البطالة في الوطن العربي سنة 2021 إلى 31% في الأراضي المحتلة سنة 1967 وإلى 22% بليبيا وإلى 21% بتونس والأردن وإلى 5,8% في دُوَيْلات مجلس التعاون الخليجي، فيما لم يورد التقرير بيانات عن مصر التي تحتل صدارة الترتيب بعدد المُعطّلين عن العمل والفُقراء والأُمِّيِّين وفاقدي المأوى بالوطن العربي، ويتضمّن التقرير تقديرًا لخسائر الدّول العربية حوالي 140 مليار دولارا، سنة 2020، بسبب الإجراءات التي رافقت انتشار وباء كورونا، ولا يتوقّعُ مُعِدُّو التقرير تحسُّنًا
في الوضع الاقتصادي العربي طيلة سنتَيْ 2021 و 2022، وقد يفوق معدّل النمو نسبة 2% لكن ذلك غير كاف لتوفير شبكات الأمان الاجتماعي والحَدّ من تدهور الظروف المعيشية، ولاستيعاب حجم البطالة المُرتفعة الذي تجاوز نسبة 27% في صفوف الشباب، أو لخلق وظائف دائمة ولائقة، ولا للحَدّ من انتشار الفقر الذي قد تصل نسبته سنة 2021 إلى 32% ليطال 116 مليون فرد، كما لن تُخَفِّفَ نسبة النمو الضعيفة من فجوة عدم المساواة بين الجنسين، التي لا تزال تسجّل نسبة 40%، وهي الأعلى في العالم.

توقُّعات الأمم المتحدة لسنة 2021 في العالم:
توقعت لجنة الشؤون الإنسانية والإغاثة في الأمم المتحدة، في التاسع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2020، أن انتشار جائحة كورونا، سوف يتسبب في تعرُّض سكان 25 دولة فقيرة على الأقل لخطر المجاعة، ليحتاج عدد قياسي من الناس (235 مليون شخص) إلى مساعدات إنسانية سنة 2021، بزيادة قدرها 40% تقريبا عن العام 2020، وَوَصَفَ أحد مسْؤولي الإغاثة بالأمم المتحدة هذا الوضع بأنه "الأكثر قَتَامَةً من منظور الاحتياجات الإنسانية في الفترة المقبلة"، وأن جائحة كوفيد-19 "تسببت في خراب هائل في البلدان الأكثر هشاشة وضعفا (...) ما يزيد من احتمالات ارتفاع حجم الفَقْر وحدوث مجاعات، سنة 2021..." وأكّدَ الأمين العام للأمم المتحدة على زيادة مستويات الفقر وعدم المساواة وعلى غياب أنظمة الحماية الإجتماعية في العديد من أنحاء العالم.
وَرَدَتْ هذه التصريحات بمناسبة صدور التقرير السنوي، بنهاية سنة 2020، الذي أورَدَ العديد من صُور تفاقم عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء خلال فترة انتشار جائحة كوفيد-19، ولم يتطرق التقرير إلى الزيادة الكبيرة في ثروة الأثرياء، ولكنه توقف عند ارتفاع معدلات الفقر، وتراجع الأمل في "بناء مجتمعات أكثر عدلا وإنصافا"، وسبق أن أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا عن التّأثيرات السلبية لجائحة كوفيد 19 على عشرات الملايين من التلاميذ بسبب فَرْض التّعليم عن بُعْد، رغم "التفاوت الهائل في القدرة على الوصول إلى الإنترنت".
سجّلت منظمة العمل الدّولية (وهي إحدى منظمات الأمم المتحدة) تعميق التفاوتات الإجتماعية، طيلة سنة 2020، بسبب انتشار وباء "كوفيد 19"، وسبق التّذكير، في فقرة سابقة، بتعرُّضِ حوالي مليارَيْ شخص من العاملين في القطاع الإقتصادي المُوَازِي (غيْر النّظامِي) إلى العديد من المخاطر، بالإضافة إلى زيادة عدد المُعَطَّلِين عن العمل، وعدد العاملين في ظروف سيئة، وبعقود هشّة وبدوام جُزْئي مَفْرُوض، ما يُشكّل تراجُعًا لقِيَم العدالة الإجتماعية كحق من حُقُوق الإنسان، وما قد يزيد من التّداعيات الإقتصادية السّلبية، ومن حِدّة الفَقْر في صُفُوف العاملين، في حين وزّعت الحكومات المالَ العام، بسخاء، على الأثرياء وعلى الشركات التي لم تخلق فُرَصَ عمل، بل خفضت من عدد العاملين، وقَلّصَت من حُقُوقهم...
استنتجت تقارير عديدة، منذ شهر نيسان/ابريل 2020، ارتفاع مخاطر الإصابة بوباء كورونا (وأمرض أخرى) في الأحياء الحَضَرية الفقيرة بأطراف مُدُن العالم، حيث يعيش أكثر من 1,2 مليار نسمة، في ظروف سكنية وصحّية سيئة جدًّا، وأدّى حرمان هؤلاء من كَسْب الرزق القليل الذي كانوا يحصلون عليه من العمل الهش، في القطاع الرسمي أو الموازي، إلى ارتفاع عدد الفُقراء الذين يُعانون من الجوع، وقَدَّر تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في أيلول/سبتمبر 2020، أن قرابة خمسين مليون امرأة التحقت بدائرة الفَقْر المُدْقع، خلال سنة 2020، وفي نيسان/ابريل 2021، تأكّدت زيادة عدد الفُقَراء ومُعاناتهم من الجُوع، مع إجراءات الإغلاق وتوقف حركة الإقتصاد والإنتاج والنقل، ومع صعوبة الوُصُول إلى الغذاء وارتفاع ثمنه، وكانت حوالي مائة مليون امرأة وحوالي 365 مليون طفل يعيشون في فقر مدقع، عند بداية انتشار الوباء، وارتفعت نسبة النساء الفقيرات، بعد أقل من عام، بنحو 10% بحسب الأمم المتحدة.

توقُّعات مؤسّسات المنظومة الرأسمالية:
ذكر تقرير نشرته مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني، يوم السابع من أيار/مايو 2021، أن التجارة العالمية لن تعود إلى مستوى ما قبل أزمة كورونا، سنة 2021، لكن يتوقّعُ مُعِدُّو التقرير نموها بنسبة تتراوح ما بين 7% و9%، بعد انكماش بنسبة - 9% (سالبة) سنة 2020، بسبب الجائحة، وإغلاق كامل أو جُزْئِي لمعظم القطاعات الاقتصادية، مع تباين في درجات الإنكماش، كما في دَرَجات التّعافي المُحتَمَل، إذ أظْهرت البيانات التي نشرتها مختلف المؤسسات المالية انتعاش الصناعة، وحركة التجارة في الدّول الرأسمالية المتطورة كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا، رغم الإغلاق الجُزْئي، سنة 2020 وبداية سنة 2021، كما في "الإقتصادات الصاعدة"، كما تُسمّيها المؤسسات المالية الدّولية، منها البرازيل والمكسيك وجنوب إفريقيا وروسيا والصين والهند، فيما تُعاني الدول "النامية" والفقيرة من ضُعْف حركة التّجارة ومن نتائج غلق الحدود والإجراءات الحِمائية في الدول الرأسمالية المتقدمة، منها فرض الرسوم الأمريكية الإضافية (خلال فترة رئاسة "جو بايدن") على الحديد والصّلْب، وتأثيرات تشديد الحصار الإقتصادي الأمريكي والأوروبي على الصّين وعلى روسيا وإيران وفنزويلا، وغيرها، بدلَ رَفْع "العُقوبات"، بعد إبعاد "دونالد ترامب"، ويَتوقّع خُبراء نشرت وكالة الصحافة الفرنسية آراءهم (يوم 08 أيار/مايو 2021) استمرار الحرب التّجارية، عبر فرض الرسوم الجمركية على دخول السلع إلى الولايات المتحدة وأوروبا، في ظل انحياز منظمة التجارة العالمية لصف الإمبريالية الأمريكية والأوروبية...
لم تكن أزمة انتشار وباء "كوفيد 19" سوى عاملا مُسرّعا للأزمة التي لم يتعافى منها الإقتصاد العالمي، منذ 2008/2009، وجابهت الدّول الغنيةُ جميع الأزمات، منذ "الأزمة الكُبْرى" سنة 1929، بضخ المال العام في المؤسسات المالية والشركات الخالصة، وقاربت أسعار الفائدة لتلك القُروض الصّفر، ناهيك عن عدم إنفاقها للإستثمار في القطاعات المنتجة (إلا إذا كانت ذات قيمة زائدة وأرباح عالية، كالتكنولوجيا المتقدمة أو صناعة الأدوية...)، كما لم يُستثمر المال العام في خلق وظائف... أما الدول الفقيرة فإن عُملاتها غير معترف بها دوليا، وهي غير قادرة على مجابهة الأزمات التي يخلقها رأس المال، هذه الأزمات الهيكلية والدّورية، بخلاف الأزمات العَرَضِيّة الطارئة، التي تنوّعت أسبابُها الظاهرة ومظاهرها، دون أن يتغيّر جوهرها، وتميزت أزمة "كوفيد 19" بانخفاض العَرض والطلب مَعًا...

توقعات صندوق النقد الدولي:
توقّعَ تقرير صندوق النقد الدولي بتاريخ 6 شباط/فبراير 2020، بعنوان "مستقبل النفط والاستدامة المالية" أن تحل الصين محل الولايات المتحدة، لتُصبح القوة الاقتصادية العالمية الأولى، بحلول عام 2035، ويعتمد الصندوق على بضعة مُعطيات، منها استهلاك الطاقة، حيث تستهلك الصين حوالي 14 مليون برميل نفط يوميًّا، سنة 2019، وتُمثل أكبر مستورد للنفط في العالم، بحصة تُعادل 14% من سوق النفط العالمية، وأنشأت ، في شنغهاي (أيلول/سبتمبر 2019)، سوقًا للمعاملات النفطية بالعملة الصينية (اليوان)، لتيْسِير التعامل مع الدول التي تُحاصرها الولايات المتحدة، مثل إيران، ولكَسْر مكانة الدّولار كعملة احتياطية مُهيمنة في العالم.
قد تُؤَدِّي التغييرات السريعة للإقتصاد العالمي إلى إفلاس دُوَيلات الخليج النّفْطِيّة، إذا لم تُنَوّع مصادر الدّخل، وإذا لم تُخفّض من النفقات الجارية، وإذا ظلت اقتصاداتها مرتبطة بالمحروقات التي تلاقي منافسة شديدة من النفط والغاز الصّخرِيّيْن الأمريكيين، فضلا عن التباطؤ الإقتصادي الذي يُؤدِّي إلى انخفاض استهلاك الطاقة، والتحولات التي زادت من حصة الطاقات البديلة، وتسبب انتشار وباء "كوفيد 19" في تباطؤ الاقتصاد العالمي وفي خسائر كبيرة للبلدان المُصدّرَة للمحروقات، حيث انخفضت قيمة شركة "أرامكو" السعودية للنفط بنحو 320 مليار دولار.
تُوَفِّرُ الدُّوَيْلات السِّتّ لمجلس التعاون الخليجي (السعودية والبحرين والإمارات وسلطنة عمان وقطر والكويت ) حوالي 20% من إمدادات النفط الخام في العالم، وتمثل عائدات النفط ما بين 70% إلى 90% من إيراداتها العامة، وجمعت على مدى عقدين تقريبًا، حتى أزمة انهيار أسعار النفط، في حزيران/يونيو 2014، حوالي 2,5 تريليون دولار من الأصول المالية المستثمرة، بشكل أساسي، في الخارج، من خلال صناديق الثروة السيادية، ولم تستثمر عائدات النفط في إنشاء اقتصاد مُنتج، وفي تطوير مهارات العاملين المحلّيِّين والعَرب، ما جعل هذه الدّوَيْلات مُهَدّدة لتصبح مُقترِضًا صافيا، أي في حالة إفلاس، خلال العِقْدَيْن القادِمَيْن...
يقترح صندوق النّقد الدّولي على دُوَيْلات الخليج إقرار "إصلاحات اقتصادية"، منها إلغاء دعم الطاقة وخفض الإنفاق الإجتماعي، ولكنه لا يقترح خَفْضَ مصاريف التسليح، فإنفاق السعودية على التسلّح، على سبيل المثال، يفوق إنفاق روسيا، كما لا يقترح صندوق النقد الدّولي الإنفاق على إنشاء صناعة حربية خليجية أو عربية، كبديل لشراء سلاح الشركات الأمريكية التي تُدمِّرُ سوريا واليمن وليبيا وغيرها، كما لا ينصح صندوق النقد الدّولي بتوجيه الأموال الخليجية المُستثمَرة في سندات الخزانة الأمريكية (حوالي تريليونَيْ دولارا)، أو المُودَعَة في المصارف الأمريكية (حوالي تريليونَيْ دولارا أيضًا) نحو الإنفاق على التنمية العربية أو الخليجية، ولا يهتم صندوق النقد الدّولي بالإدارة السيئة للصناديق السيادية الخليجية والعربية، من قِبَلِ مصارف أوروبية وأمريكية، ما تسبب بخسارة الصناديق العربية نحو 1,5 تريليون دولارا، خلال أزمة 2008/2009...

الجائحة وإعادة هيكلة الإقتصاد العالمي:
وَرَدَ في تقرير صندوق لنقد الدولي (نيسان/ابريل 2021) أن وباء "كوفيد 19" شَكّل كارثة اقتصادية، وأن لا حَلَّ للأزمة الإقتصادية الحالية بدون حل الأزمة الصّحّية، وتوفير اللقاح لجميع سُكّان العالم، لأن تعميم التطعيم في أقرب الآجال يُساهم في إعادة تنشيط الدّورة الإقتصادية، خاصة في الدّول الرأسمالية المتقدّمة التي تجني ما لا يقل عن 40% من مكاسب خطة تعميم التطعيم وما ينتج عنها من انتعاش، ونشَر خبيران من خُبَراء صندوق النقد الدّولي مقالا في صحيفة "فايننشال تايمز"، بعنوان "مقترح لإنهاء جائحة كوفيد - 19" (30 أيار/مايو 2921)، ويقترحان خطة تتمثل في توفير ستة مليارات جرعة بنهاية 2021، لتطعيم نحو 45% من سُكّان العالم ( حوالي 3,5 مليارات شخص) ورفْع النسبة إلى حوالي 60% بحلول تموز/يوليو 2022، واغتنام فُرْصَة التّطعيم لتكثيف مراقبة وتَعقّب مواطني العالم، كما يُمكّن التلقيح من إعادة "تحرير الإقتصاد" ومن تغطية النقص في المواد الخام، وإلغاء القيود المفروضة على الصادرات وحركة التجارة العالمية، وتقدر الدراسة أن تكلفة التطعيم لا تتجاوز خمسين مليار دولارا، بينما تصل الفوائد الاقتصادية التراكمية للتطعيم إلى تسعة تريليونات دولار (1150 دولارا للفرد)، ويستنتج الخبيران أن التطعيم الجماعي هو استثمار مرتفع العوائد للدول الرأسمالية المتطورة وشركاتها العابرة للقارات التي تُمَوِّلُ البحوث وإنتاج اللقاح بالمِنَح والتحفيزات الحكومية، بنسبة تتراوح بين 70% و 85%، وتحصل على الباقي عن طريق الإقتراض بشروط ميسرة، ويستنتج التقرير أيضًا أن حركة السفر والتجارة العالمية خلقت ترابطًا بين جميع مناطق العالم، وخلقت أيضًا مخاطر انتقال الأمراض والفيروسات، بسرعة بين مختلف مناطق العالم، ولذلك فإن إنفاقَ مبلغ متواضع، أي بضع عشرات المليارات من الدّولارات، على إنهاء الوباء في جميع أنحاء العالم يعود بالفائدة على الدّول الرأسمالية المتقدمة وشركاتها، قبل غيرها...

طفرة أصحاب المليارات
ارتفع عدد أصحاب المليارات في العالم بأكثر من خمسة أضعاف وتجاوزت أكبر الثروات 100 مليار دولار، منذ بداية القرن الواحد والعشرين، بالتوازي مع ازدياد عدم المساواة، ما يهدد بإثارة ردود فعل شعبية عنيفة ضد الرأسمالية كنظام شامل.
عطّلت القرارات الفَوْقِيّة التي اتخذتها الحكومات، عند انتشار وباء "كوفيد 19"، معظم القطاعات الإقتصادية المنتجة، وأصبح مئات الملايين من العاملين في العالم، في حالة بطالة قَسْرِية، معظمهم بدون مَوْرِد، فيما ضَخَّت الحكومات والمصارف المركزية تسعة تريليونات دولار من المال العام، في الاقتصادات في جميع أنحاء العالم، واستفاد أثرى الأثرياء من المِنَح والتحفيزات فارتفعت قيمة إجمالي ثرواتهم بمقدار خمسة تريليونات دولار، لتصل إلى 13 تريليون دولار خلال 12 شهرا (من نيسان/ابريل 2020 إلى نهاية آذار/مارس 2021)، بحسب مجلة "فوربس" التي أورَدَتْ في قائمة الأثرياء لسنة 2021 أن عدد أصحاب المليارات ارتفع بشكل قياسي، أثناء الحجْر الصّحّي والحَبْس المنزلي، من حوالي ألفَيْن إلى أكثر من 2700، وهو ارتفاع قياسي، ومنهم 724 مليارديرًا في الولايات المتحدة، و 626 بالصّين، وعلى سبيل المثال، ارتفعت ثروة "إيلون ماسك"، مؤسس شركة "تيسلا" الذي تَبَنَّى عملية تنظيم الإنقلاب في بوليفيا، ضد الرئيس المنتخب "إيفو موراليس"، لأنه أَمَّمَ مناجم وصناعة "الليثيوم" الضروري لبطاريات سيارات "تيسلا" الكهربائية"، وهو ضروري أيضًا لبطاريات الحواسيب والهواتف المحمولة، (ارتفعت ثروته) من 25 مليار دولارا إلى أكثر من 150 مليار دولارا، خلال سنة واحدة، سنة انتشار وباء "كوفيد 19"، سنة الإغلاق وتعطيل الإقتصاد وزيادة البؤس والبطالة والفَقْر، ما يجعل النّاس يتساءلون، بغضب مَشْرُوع: "من أين تأتي ثروة أصحاب المليارات؟ وما هي مساهمتهم في الاقتصاد؟
لقد تخَلَّتْ معظم الدّول الأوروبية عن ضرائب الثروة والميراث، وهي ثروات لا يمكن اكتسابها بالكَدّ والكَدْح، خلافًا لما تًروج الإيديولوجيا السائدة، بل بالوراثة والمُضاربة والإعفاء من الضّرائب، والتحفيزات الحكومية، ما يزيد من ثروة أكبر الأثرياء، بسرعة قياسية، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، بلغ إجمالي ثروة أصحاب المليارات، سنة 2010، نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وارتفعت إلى 15% سنة 2015 وإلى 20% من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي، سنة 2020، وفي السويد التي يعتبرها العديد من التّقدّميين في العالم، نموذج "الديمقراطية الإجتماعية"، ارتفعت حصة أثرى الأثرياء، من 20% من الناتج المحلي الإجمالي، سنة 2015 إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020، وارتفعت حصة أثرى الأثرياء بفرنسا، خلال سنة انتشار الوباء، من 11% من الناتج المحلي الإجمالي، سنة 2019، إلى 17% سنة 2020، وتتجاوز ثروة بعض المليارديرات 5% من إجمالي الناتج المحلي لبُلدانهم، مثل رائد المُوضَة "أمانسيو أورتيغا" من إسبانيا، و"كارلوس سليم" من المكسيك، و"برنارد أرنو" من فرنسا، وفي الولايات المتحدة، يمتلك ثلاثة مليارديرات (بيل غيتس وجيف بيزوس ووارن بافيت) ثروة تفوق ما تمتلكه نسبة 50% من الأُسَر الأمريكية الأشد فقرًا...
تتفق معظم التقارير بشأن مصدر الثروات الكبيرة، فمعظمها موروثة (الولايات المتحدة وفرنسا، على سبيل المثال)، أو من شركات تملكها وتُدِيرُها العائلات (ألمانيا والسّويد، على سبيل المثال)، وتُساهم قوانين الضّرائب، والتحفيزات المالية الحكومية والإعفاء من تسديد العديد من الرسوم ومن حصة الشركات والأثرياء في مؤسسات الحماية الإجتماعية، في تنمية هذه الثروات خلال فترة قصيرة...

اتساع الفجوة الطّبقية:
أدت السياسات التي أقرّتها الحكومات "لمجابهة وباء كوفيد 19"، مثل توزيع المال العام على الأثرياء، مع إلغاء دعم السلع الأساسية، وحجب التمويل عن البرامج الإجتماعية والصحة والتعليم، إلى نمو طبقة أصحاب المليارات بوتيرة قياسية، وإلى اتساع الفجوة الطّبقية بين الأثرياء والفُقراء، ما جعل بعض السّياسيّين يتخوّفون من رُدُود فعل مشروعة، مناهضة للأثرياء وللحكومات التي تدعمهم وتدعم شركاتهم التي لا تخلق فُرص عمل، ولا تُنتج السّلع الأساسية، كما يتخوّفون من التأثير السّلْبِي لارتفاع الأسعار على مستوى معيشة الفُقراء وحتى الفئات الوُسْطى، لأن الشركات الكُبرى استغلت الإرتفاع الطّفيف لبعض المواد الأولية الخام، منها الألمنيوم والصلب والنفط والبلاستيك ورقائق الكمبيوتر، وارتفاع أسعار نقل السّلع بين بلدان العالم (خصوصًا بعد حادثة سفينة الحاويات في قناة السويس)، وانخفاض حجم السّلع الرخيصة الواردة من الصين ومن جنوب شرقي آسيا، لترفع سعر المواد المُصنّعة، والمواد الغذائية، بعد احتكار شركات ضخمة (مثل آمازون) تخزين العديد من السلع، وبعد رَفْع أسعار ورُسوم الرعاية الصحية والتعليم والعقارات والسّلع المُعمّرة، بينما يرفض أرباب العمل زيادة الرواتب، لمن بقي يعمل ولم يقع طَرْده، بل يطرحون خفضها، وزيادة عدد ساعات العمل الأسبوعية وإلغاء بعض المكتسبات، مثل عطلة المرض، والمِنَح المرتبطة بالإنتاج وما إلى ذلك، رغم استفادة الشركات الكُبْرى بحوالي تريليونَيْ دولارا، من المال العام.
بخصوص ارتفاع الأسعار، نشر "معهد أمريكان أنتربرايز" بيانات أظْهرت ارتفاع مؤشر أسعار الإستهلاك في الولايات المتحدة بنسبة 55%، من الأول من كانون الثاني/يناير 2001 إلى 31 كانون الأول/ديسمبر 2020، بينما ارتفعت تكلفة التعليم الجامعي بنسبة 170%، خلال نفس الفترة، أو أكثر من ثلاثة أضعاف ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك، وارتفعت رسوم رعاية الأطفال ودور الحضانة بنسبة 106%، خلال عشرين سنة، لكن لم ترتفع الرواتب، ويُطالب العاملون في أكبر الشركات الأمريكية منذ حوالي ثماني سنوات، برفع الأجر الأدنى لساعة العمل...
أدّى توتّر العلاقات الأمريكية الصينية، وزيادة الرُّسُوم التي فَرضتها إدارة "دونالد ترامب" على بعض السّلع المُستوردة، مثل الأخشاب والألومنيوم والفولاذ، إلى ارتفاع أسعارها، وارتفاع تكلفة بناء المساكن في الولايات المتحدة، بينما انخفضت أسعار السلع المُستورَدَة من آسيا والتي لم تُفرض على استيرادها رُسوم جديدة، كالإلكترونيات والملابس والجلد والأحذية، ما يعني تكثيف استغلال العاملين بالصين أو فيتنام أو بنغلادش، لينخفض سعر أجهزة التلفزيون بنسبة 97%، وسعر الألعاب بنسبة 73%، وسعر برامج الكمبيوتر بنسبة 70%، خلال عشرين سنة، منذ بدْء الألْفِيّة، ولتتمكّن شركة "سامسونغ" للإلكترونيات من زيادة أرباحها بنسبة 45% خلال الرّبع الأول من سنة 2021، بحسب دراسة أجرتها كلية الاقتصاد القياسي في جامعة كامبريدج، وتَمّ الإطلاع عليها بموقع الكُلِّيّة يوم 28 أيار/مايو 2021.

فُرْصة شركات الأدوية:
مثّلت جائحة "كوفيد 19" فُرْصَةً استثنائيةً لبعض شركات المُخْتَبَرات والعقاقير، فقد حصلَتْ على تسبقة مالية هامة من المال العام، لتمْويل البحث عن لقاح باعت منه مئات ملايين الجرعات، قبل إنتاجه، ليكون ربحُها مُضاعفًا، فهي لم تُنفق على البحث والإنتاج، واستفادت من المال العام، مُسبقًا، قبل الإنتاج، مع احتكار "المِلْكِيّة الفِكْرِية"، أو "براءة اختراع" اللِّقاح...
قُدِّرَ حجم سوق الأدوية والتكنولوجيا الحيوية، سنة 2020، بأكثر من 1,3 تريليون دولارا، وكان قطاع الرعاية الصحية، والأدوية والتكنولوجيا الحيوية، قبل الجائحة، من أكثر القطاعات رِبْحًا، حيث ترتفع نسبة الأرباح الصافية لبعض شركات الأدوية إلى حوالي 35%، أي أكثر من ضعف متوسط أرباح القطاعات الصناعية الأخرى (باستثناء التكنولوجيا المتطورة والإتصالات).
يندرج إنتاج اللقاحات ضمن مجالات "التكنولوجيا الحيوية"، التي تعتمد على تطوّر علم الأحياء، ودراسة الخلايا الحَيّة والفيروسات أو الجراثيم، لابتكار علاج لعدد من الأمراض، أو لتطوير اللقاحات، مثل لقاح للوقاية من "كوفيد - 19"، لمساعدة جسم الإنسان على مقاومة الفيروس، وتخضع عملية إنتاج الدّواء وترويجه إلى مراحل، للتحقُّق من نجاعته ومن عدم إلحاق الضّرر بالإنسان، وقياس تأثير "الأعراض الجانبية"، وتعمد معظم شركات إنتاج الأدوية إلى تجربتها على مواطني وأطفال الدول الفقيرة ذات الكثافة السّكّانية (نيجيريا أو مصر أو الهند، أو البرازيل، على سبيل المثال)، بتواطؤ من حكومات وأطبّاء تلك الدّول، قبل الحصول على ترخيص لطَرْح تلك العقاقير في أسواق أوروبا وأمريكا الشمالية، وكلّما ارتفع الطلب على الدّواء أو اللقاح (مثل لقاح ضد فيروس كورونا) ارتفعت أرباح الشركة المُنْتِجَة، وعلى سبيل المثال، فقد حققت شركة "أَبْ فِي" ( AbbVie )، سنة 2020، حوالي عشرين مليار دولارا من مبيعات عقار "هوميرا" لعلاج أمراض المَفاصِل (روماتيزم)، وبلغت مبيعات عقار "كيترودا"، لعلاج بعض أصناف السرطان، أربعة عشر مليار دولارا، سنة 2020، وتحاول الشركات الكُبرى ابتكار أدوية تُحسّن صحّة المُصابين بالأمراض المزمنة (بعض أمراض القلب والسّكّري...) لإطالة أعمارهم، وجعلهم في حالة تبَعِيّة مُزْمنة، بدل علاج المَرض بشكل نهائي، وتشتري هذه الشركات أي ابتكار للعلاج النهائي، بهدف حَظْرِ استخدامه...
تمكّنت الدّول الرأسمالية المتطورة من فَرْض حصار على اللقاحات الصينية والرّوسية، حيث بدأ البحث مُبَكِّرًا (منذ نهاية سنة 2019)، وضحّت بحياة عشرات الآلاف من مواطنيها، بانتظار اكتشاف وإنتاج لقاحات الشركات الأوروبية والأمريكية، بفضل ضخ مليارات الدّولارات من المال العام، خلال فترة انتشار الوباء، بينما رفضت هذه الدّول مُساعدة مواطنيها الفُقراء والمُعَطّلين عن العمل، الذين تضرروا أكثر من غيرهم، جراء إجراءات الحَجْر الصّحّي والحَبْس المنزلي. أما شركات المُختبرات والأدوية فقد استفادَتْ من انتشار الوباء، وارتفعت أسعار أسهمها أضعاف المَرّات.
وردت معظم البيانات بمَوْقعَيْ "إيكونوميست" و "فايننشال تايمز" بتاريخ 19 نيسان/ابريل 2021.

الدُّيُون:
اختفى الخصم الرئيسي للإمبريالية الأمريكية، سنة 1991، بانهيار الإتحاد السوفيتي، ما أطلق العنان للنيوليبرالية التي بدأت منذ ثمانينيات القرن العشرين تقصف مكتسبات العاملين في بريطانيا (مرغريت تاتشر) والولايات المتحدة (رونالد ريغن)، حيث بدأ تخريب القطاع الصناعي، وتحويل بعض مواقع الإنتاج المُلَوّث والذي يتطلب كثافة عُمّالية، بتكاليف منخفضة، إلى جنوب آسيا، ودعم المُضارَبَة التي أدّت إلى انهيار 2008، ولتجنّب الإنهيار الكامل للإقتصاد الأمريكي، لجأ الإحتياطي الإتحادي الأمريكي (المصرف المركزي) إلى آليات تقليدية، منها إعادة شراء أصول سوق الأسهم الأمريكية، ما رفع حجم الدّيون الأمريكية، بالتوازي مع تعزيز صناديق المعاشات التقاعدية التي تعتمد بشكل كبير على المنتجات المالية القائمة على الديون.
تختلف طبيعة الدّيُون الأمريكية عن دُيُون البلدان الفقيرة، والخاضعة لإملاءات صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي، اللّذَيْن يُغطِّيان فساد الفئات الحاكمة المُتواطئة مع الشركات الأجنبية ومع المُؤسسات المالية الدّوْلِيّة التي تنهب الثّروات وتستغل وتضطهد السّكّان المَحَلِّيِّين...
وصلت قيمة القروض الحكومية، بواسطة إصدار سندات الدّين السّيادي، إلى حوالي 15 تريليون دولارا، سنة 2020، وقدَّر تقرير أصدرته وكالة "ستاندارد أند بورز" للتصنيف الإئتماني، بداية آذار/مارس 2021، أن يصل حجم الاقتراض الحكومي باصدار سندات دين سيادية سنة 2021 إلى نحو 12,6 تريليون دولارا، ورغم هذا التراجع، يظل حجم الدين السيادي أعلى بنسبة 50% عن مستوى الاقتراض السيادي قبل وباء كورونا، سنة 2019، لكن دُيُون الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي (منطقة اليورو) واليابان، مُقَوّمَة بعملاتها التي تُستَخْدَمُ في تقويم أسعار المواد الأولية والإنتاج الغذائي، وصادرات وواردات وقُرُوض البلدان الفقيرة، وبالتالي لا يتأثَّر اقتصادها كثيرًا بارتفاع الدُّيُون، مثلما تتأثر البلدان الفقيرة التي يجب على عامِلِيها خلْق فائض قيمة هائلة يذهب مُعْظَمُها للخارج، في شكل تسديد الدّيُون وخدمتها، بالعملات الأجنبية...
وزَّعت حكومات الدّول الغنية المال العام على الشركات والأثرياء، بذريعة دعم وتحفيز الإقتصاد لمواجهة تبعات أزمة كورونا، ورغم تعميم التطعيم باللقاحات ضد الفيروس التاجي (كوفيد 19) وتوقعات تعافي الإقتصاد، يُطالب الأثرياء، يدعمهم صندوق النقد الدولي، بمزيد من المال العام، عبر استمرار الدولة في دعم الاقتصاد، وتحمّل نتائج الإقراض الحكومي، المتمثلة في ارتفاع معدلات عجز الموازنة وحجم الدين العام، ويقدر تقرير "ستاندرد أند بورز" أن تحتاج الحكومات إلى دعم اقتصاداتها لمواجهة تبعات وباء كورونا بكلفة إضافية تصل إلى قرابة 11 تريليون دولارا، بنهاية 2021، أو ما يُعادل نسبة 13% من الناتج الإجمالي العالمي، ما يرْفَعُ حجم الدَّيْن الإجمالي الحكومي إلى 67,5 تريليون دولار، أو حوالي 75% من الناتج الإجمالي العالمي، لتكون الدّول "النامية" (الفقيرة) أكبر متضرّر من الوباء ومن ارتفاع حَجْم الدّيْن، خصوصًا في معظم دول أميركا الجنوبية وبعض الدول العربية وأفريقيا جنوب الصحراء، التي تتوقع وكالة "ستاندارد أند بورز" ارتفاع إنفاقها على خدمة الدين إلى نسبة لا تقل عن 40% من إجمالي عائدات الدّولة، ما يزيد من ارتفاع معدلات الفائدة على اقتراضها، وعلى سبيل المثال، تمثل الديون قصيرة الأمد بمصر نسبة 30% من إجمالي الدين السيادي للدولة، وهو معدّل أقل من بلدان أخرى، لكن الوضع المالي لمصر أكثر هشاشة...
ضاعفت الولايات المتحدة خطط التحفيز، ولذلك يُتوقّع أن ينمو اقتصادها بنسبة 1,3% سنة 2021 و بنسبة 1% سنة 2022، لكن الولايات المتحدة قوية ويمكنها فَرْضُ إرادتها بالقوة الخشنة أو النّاعمة، فيما تبقى الدول الفقيرة تابعة اقتصاديا وسياسيا للدّول الإمبريالية...
انتعشت أسواق الأسهم بمعدلات كبيرة، تفوق كافة القطاعات الأخرى، حتى الأسبوع الرابع من أيار/مايو 2021، لأن التّحفيز الحكومي (توزيع المال العام على الأثرياء) دعم أرباح الشركات المدرجة في البورصات العالمية، وهي الشركات العابرة للقارات، أي الأكبر حجمًا وإيرادات وأرباحًا...

دُيُون "كوفيد 19"
تواجه الطبقة العاملة والكادحون تحدّيات هامة في النشاط الإقتصادي والقوانين والتأمين الإجتماعي، وكان (ولا يزال) الكادحون وصغار المنجين، أكبر المُتأثّرِين بنتائج وباء "كوفيد 19" وبالأزمة التي نتجت عنه، وبتوزيع المال العام على الأثرياء وأرباب العمل، في حين يُعاني العاملون والفقراء من ظروف العمل والنقل السيئة، وكذلك من التّسريح ومن تقهقر الحقوق الإجتماعية المُكتَسَبَة على مدى عُقُود، وأُصيب قسم هام من العاملين بالفيروس، بسبب ظروف النّقل وظروف العمل، ناهيك عن العاملين بالقطاع غير النّظامي (الإقتصاد المُوازِي) الذين فقدُوا مصدر عيشهم، فأصبحوا عاجزين عن تسديد إيجار المسكن ونفقات الرعاية الصحية ومختلف خدمات الكهرباء والماء وغيرها، كما تدهْوَرَ وضع الفئات متوسطة الدّخل التي استدانت لشراء مسكن أو سيارة، أو تجهيزات أخرى...
أما الأثرياء وأرباب العمل وأصحاب الشركات، الذين استفادوا من المال العام، ومن خفض الضرائب، ضمْن برنامج الإنقاذ الإقتصادي الضّخْم (مَرّتَيْن خلال عشر سنوات)، فلم يستثمروا السيولة المَمْنُوحة لهم (من عَرَقِ الكادحين) للإستثمار في قطاعات منتجة، أو لتحسين ظروف العمل والإنتاج، بل استثمرها معظمهم في المُضاربة بالأسْهُم في البورصة، فيما استخدمت شركات المُخْتَبَرات والأدْوية المال العام لإنتاج أدوية ولقاحات تَجْنِي منها أرباحًا كبيرة، لأن الحكومات ترفض ضخ الأموال في إنتاج لقاح وتقوم بتسديد تسبقات مالية، لشراء مئات الملايين من الجرعات من شركات القطاع الخاص، كما سجّلت بعض الشركات الكبرى (التكنولوجيا والإتصالات...) نموًّا كبيرًا، لكن ذلك لم يكن مَرْفُوقًا بزيادة عدد العاملين، بل انخفَضَ عددهم أحيانًا، مع تقَهْقُر الحقوق الإجتماعية...
توقّعَ تقرير البنك العالمي (نهاية آذار/مارس 2020) ارتفاع عدد الفُقراء، نتيجة انتشار وباء كوفيد 19، ليزداد عدد ضحايا الفَقْر المدقع بأكثر من مائة مليون شخص، خلال سنتَيْ 2020 و 2021، ولكن لا تَتّسم أرقام البنك العالمي بالجِدِّيّة ولا بالمصداقية...
يُقدِّرُ البنك العالمي عدد الفُقَراء ونسْبَتَهُم من مجموع سكان أي بلد، اعتمادًا على بيانات الحكومات، ومعظمها غير موثوق، بل مشبوه، أو على مَسْحٍ يقتصر على عدد محدود جدًّا من الأشخاص والأُسَر، وحَدّدَ البنك العالمي مبلغ 1,9 دولارا يوميا للفرد، كَخَطّ فاصل بين الفَقْر المُطلَق والفَقْر المُدْقَع، في البلدان الفقيرة، وهو مبلغ منخفض جدا. بالإضافة إلى ذلك، سبق أن أعلن البنك العالمي، قبل عشر سنوات، "نسيان" أربعمائة مليون فقير يعيشون تحت خط الفقر، سنة 2008، ليرفع عدد الفقراء في الدول الفقيرة، من مليار إلى 1,4 مليار شخص، ورغم ما يُلاحظه الناس وما يعيشونه يوميّا من بؤس وحرمان من المَسْكن ومن العلاج ومن الغذاء، يدّعي البنك العالمي استقرار أو انخفاض عدد الفُقراء في العالم، وفي الدّول الفقيرة بشكل خاص، بهدف تطويع مختلف البيانات (غير الموثوقة) لصالح السياسات النيوليبرالية التي يدعو لها، مع صندوق النقد الدّولي ومنظمة التجارة العالمية، فيدّعِي أنها مَكّنتْ من خفض عدد الفُقَراء، رغم سياسات التّقشّف وإلغاء دعم الطاقة والنقل والسّلع والخَدَمات الأساسية، وهي سياسات أدّت إلى تدهور ملايين المواطنين من العُمّال وصغار المُزارعين والأُجَراء والكادحين والفُقراء، في العديد من مناطق العالم...
إن الإجراءات التي تتخذها حكومات الدّول الرأسمالية المُتطوِّرَة، لزيادة الميزانيات العامة عبر الإستدانة، وعجز الميزانية، وزيادة ضخ السيولة من قِبَلِ المصارف المركزية، لا تهدف تغيير الهيكل الاقتصادي الذي كان موجودًا عندما اندلاع أزمة انتشار وباء "كوفيد 19"، بل تُشكّل الدُّيُون حلاًّ مُؤقّتًا، قبل أن تعود الحكومات إلى تطبيق سياسات التقشف، بعد سنة واحدة أو اثنَتْين...
أما الدّول الفقيرة فلَنْ تَتَمَكّنَ من الخروج من بَوْتَقَةِ التّبَعِيّة والدّيون الخارجية دون تطبيق سياسات حمائية (حماية السّوق والإنتاج المحلي) والتّعويض التّدريجي للسّلع المُستوردة بإنتاج مَحلِّي، قد يكون أقل كَفَاءَةً في البداية، لكنه يُساعد على القَطْع مع الرأسمالية العالمية، وعلى الإستقلال، بمعنى عدم التّبَعِيّة الإقتصادية للدّول المُصنّعة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا