الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اركون قارئا و مقرؤاً

الطيب عبد السلام
باحث و إعلامي

(Altaib Abdsalam)

2021 / 6 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اركون قارئا و مقرؤوا

يمكننا القول أن أركون قد إخترع و أبتدع طريقا بحثيا جديدا مما يجعله في تصوري مفكرا أصيلا لولا عقدة الدونية التي في أذهان المثقفين العرب نحو الغرب.
هذا الطريق الذي صودم و بقوة من مجتمع "علموي" علماني يذهب إلى تجريم الدين و معاملته بإعتباره أساطير الأولين و مجتمع "إسلاموي" غارق في تقديس الكلام و المسميات أعمى عن إحالاتها و معانيها، هذا الطريق التأملي البحثي الذي عبر عنه درويش في نصه الرائع "بغيابها كونت صورتها" حينما يقول :
" هناك ما يكفي من الا وعي كي تتحرر الاشياء من تاريخها، و هناك ما يكفي من التاريخ كي يتحرر الا وعي من معراجه".
إذا فاركون و من خلفه عبارة إبن مسكويه الخالدة "أن الإنسان قد أشكل عليه الإنسان" يقترح علينا مدخلا جديدا و مغاييرا لفهم الظاهرة الإنسانية تلك الظاهرة المضطردة التغير و المتساكنه بتعددية الواقع و تعددية فهمها لذلك الواقع، هو يقترح أن نفهم المخيال البشري في أفق الواقع التاريخي و يقترح كذلك في ذات الوقت أن نفهم التأريخ البشري في أفق تصوره الرؤيوي و "عالمه الأبيستيملوجي" حتى لا نقع في مصادرات علموية تفضي بنا إلى إلانكار و الإلحاد.
كان صوته خافتا وسط ضجيج العدميات العلمانوية و أحزمة التفجير الإسلاموية.
مشهرا للغرب إسلامه الإنساني، إسلامه الذي شكل عالمه و حفظ رؤيته، إسلامه الذي صان هويته و اعطاه تعريفه او كما قال محمود درويش " و الهوية قلت: إن الهوية دفاع عن الذات" ثم هو في ذات الوقت يطرح على إخوانه المسلمين إجتهادا أكثر عمقا و صدقا ليفهموا أنفسهم و يفهموا تعددهم الثقافي الذي يحقق لهم خصوصياتهم في إطار الشعار الواحد الكبير "شهادة أن لا إله إلا الله"، و هو إختلاف بشري طبيعي أقره القرأن و وافقه
" و قد جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا" بل إن القرأن نفسه نزل بسبعة أحرف عربية و هي أحرف او لهجات في لغة واحدة فما بالك حين تلتقيه ثقافات متعددة و متباينة بين قرابة الملياري إنسان من طرف الأرض إلى طرف الأرض.
إن أركون يدعو إلى إحياء الدين بفهمه و تحريره من الجمود الذي اودى به أن يصير مجرد "فقه"، و مجرد شعارات يرفعها الإسلاميون ولا أقول الإسلاميين لإتساع الفرق بين الكلمتين.
يدعونا اركون لإكتشاف زوايانا و مساجدنا و الشخصيات التي طافت حولها افئدتنا من شيوخنا و اوليائنا و اقطابنا و مرشدينا و حكمائنا.
يدعو لإعادة فهم فهمنا لمعنى "لا إله إلا الله" و هي تتنزل في معاشنا و واقعنا.
و هو و إن كان قال ذلك بالقاموس العلمانوي المدرسي الأوروبي فهو مفهوم لإن الرجل واجه مجتمعات أكاديمية غربية متهيجة تتشوق للتهكم من الدين و إعدامه، مجتمعات اوروبية حالمة تتوهم أنها تعيش في فجر العلم و هي تقول ذلك و تعني انها واثقة أنها "تعيش تحت شمس الحقيقة" اساتذة لاهوت اوروبيون لم يغادروا مكاتبهم و لم يغيروا الطريق من بيتهم إلى جامعتهم ليزوروا حتى أقرب المساجد او الكنائس فيفهموا الدين من منظور معتنقيه، فيتعجلون الحكم عليهم في غرفهم الباردة المغلقة "انهم مخدرون بالدين" يحكمون عليهم كما يحكم الطبيب على المريض، حكم يصادر حق المتهم في شرح نفسه بل و الأدهى يصادر حق مسألة سلطته تلك و نقدها ساميا بها فوق النقد تحت مسميات "بروفيسير/دكتور".
هذا هو أركون القارئ للظاهرة الإنسانية، هذا هو أركون "القريب" لكن أركون البعيد قصة أخرى.
فهو إذا كان قد طبق منهجه على الإسلام تحت مسمى "الإسلاميات التطبيقية" فإن هالة منهجه الساطعه إستطاعت الوصول إلى "التأريخ البشري برمته" و إستطاعت أن تقدم حلا لفهم أعقد الظواهر البشرية من نظريات علمية و فلسفية و نظريات إجتماعيه و إقتصاديه، ف أركون الجينالوجي المنقب لا بإزميل المستشرق ولا حتى بتسبيح المعتنق بل بيد القابض على الظاهرة البشرية في حالتها الذرية،حالتها النابضه بالتعددات و الإهتزازات.
بمعنى أدق أن أركون لا يرى الظاهرة البشرية في صورتها الجامدة بل هو يراها في حالتها "الإهتزازية" التي تتيح له منظورا أصدق ليفهم القوى و التواريخ المحركة لتلك الإهتزازات و المخاييل المتعدده الكامنة فيما يبدو أنه "مفهوم جامد"، إن أركون لا يدعونا لشاطئ البحر و الجلوس تحت "شمس الحقيقة"، بل إنه يذهب جنوبا ليرى نهر النيل المتدفق في قلب المتوسط، يرى البحر الأحمر القادم كذلك، إنه يرى البحر في أفق مسيرته و تاريخه و تعدد منابعه مفتتحا بذلك دربا طويلا لفهم النظريات السياسية و الفلسفية في "المرايا العاكسة حولها" إذ أنه " لاشئ بعينه..الكل في الزاوية"، يدعونا للتعرف الأنثربولوجي على الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و الفلسفة و البايولوجيا و علوم الكونيات و نيتشه و هايدغر و دولوز و أركون نفسه لا بوصفهم فوق التاريخ بل بوصفهم نقاط تكثف فيها التاريخ
" و بلغ ذروته" بوصفهم "ملتقيات طرق عده بتعبير الجابري.
" تلك الطرق "الطويلة جدا" ، من بحث في التاريخ الطويل تدقيقا فيه و إقامة الجسور بين أزمنته المتداخله و المتعدده.
حافرين حول المعنى..الرمز..اللفظ.. نيتشه و دولوز نفسيهما فنرى "جمال واقعية إبداعهما" محررين ذلك الإبداع من الألفاظ طارحان إياه إلى الإنثيال بتعبير عبودي.
عاملينَ تحت وهج الشموس الحارقة، صاعدينَ جبال الألب العالية متوغلين في صحارى تمبكتو مع الحجيج المالي القادم للحج، فتح لبوابات "كل العصور" لنفهم " الإنسان" المقيم في "كلام الإنسان".
إن عطاء أركون لهو عطاء بقدر ما يبدو و كأنه يتقصد الإجتهاد في الإسلام و فتح باب الإجتهاد فإنه عطاء قادر على "تاؤيل" الظاهرة الإنسانية كلها و قادر على تمليكنا "منهجنا البحثي الخاص" لا لنقرأ الكتب و الشعارات و النظريات بل أن نأخذ حقنا في رؤية العالم من منظورهم حتى نستطيع تقويم منظورنا عن كلامهم، او كما يفعل مسبار فضائي أطلقته ناسا ليتحقق من "الرياح الشمسية" فغاص فيها ثم أكتشف العلماء أنهم
"كانوا طيبين و سذجا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهدافها هدفا حيويا بإيلا


.. تونس.. ا?لغاء الاحتفالات السنوية في كنيس الغريبة اليهودي بجز




.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت