الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الاعتقالية في رواية -احترق لتضيء- نادية الخياط

رائد الحواري

2021 / 6 / 8
أوراق كتبت في وعن السجن


التجربة الاعتقالية في رواية
"احترق لتضيء"
نادية الخياط
بداية نشير إلى أن هذا العمل الأدبي هو سيرة تجربة اعتقالية في سجون الاحتلال، من هنا كانت الساردة تستخدم اسمها الحقيقي "نادية" كما أنها تناولت مناضلات أخريات "بريجيت، تيرزا هلسة، زكية شموط، حنان مسيح، عطاف يوسف، لودوين" وغيرهن، لكن السمة الروائية حاضرة في العمل، فمن خلال اللغة وطريقة التقديم استطاعت "نادية الخياط" أن تقدم تجربة نضالية بقالب أدبي، وهذا الإنجاز يحسب لها ولمناضلات فلسطين ومناضليها.
يستمر تقدم الفلسطيني إلى الأمام مؤكدا على إنسانيته، وعلى أنه كائن بشري سوي، وعلى أن هناك الظلم الذي وقع عليه وما زال يقع، فكان لا بد من مواجهة المحتل بكل الطرق وكافة السبل، فرفع الظلم وإزالته واجب إنساني قبل أن يكون واجب وطني أو قومي.
في هذه الرواية يتم كشف حقيقة المحتل ولعنصرية التي يمارسها بحق المناضلين والمناضلات وأسرهم ودون مراعاة لأبسط المشاعر الإنسانية أو الحقوق.
فنحن أمام رواية تتحدث عن السجن والتعذيب وما فيه من معاناة وألم ووجع، فهي من أدب السجون، لهذا نجد فيها الألم والقسوة، واللافت في الرواية أن الساردة استطاعت أن تدخل القارئ إلى المراحل التي مرة بها "التحقيق/التعذيب، الحكم عليها، السجن، الطعام، اللباس، العلاقة مع الزميلات، مواجهة السجانات، لقاء الأهل، ثم التحرير، فالقارئ يتوحد مع النص الروائي ويدخل فيه وكأنه أمام مشاهد يعيشها على أرض الواقع، لهذا نجد التفاعل بين القارئ والنص، وهذا ما جعل أثر الرواية قاسي على المتلقي ومتعب.
سنحاول أضاءة بعض ما جاء في الرواية لتبيان أهمية هذا العمل، فالقيمة المعرفية والقيمة الأدبية، يتداخلان معا ويؤكدا على أهمية المنجز الأدبي "احترقت لتضيء"، فالعنوان يأخذنا إلى عنوان رواية نسائية آخرى "أحلام بالحرية، ثمنا للشمس" لعائشة عودة، فنجدها تحمل الأمل والتطلع بفرح نحو المستقبل، وهذا بحد ذاته يحسب للفلسطيني الذي يرى الأمل والفرح فيما هو آت، رغم ما مر به من ألم وعذاب.
المكان
غالبا ما يتم ذكر المكان في الأدب الفلسطيني، وذلك لأن طبيعة الصراع مع الاحتلال الاستيطاني تستوجب المحافظة على المكان وهوية الإنسان، من هنا نجد العلاقة الحميمية بينهما، والتي تصل إلى حد التوحد والتماهي، لكن بما أن الحديث يدور عن السجن والتعذيب فلم يمنح حدث/موضوع/فكرة الرواية مساحة كافية للساردة لتناوله كما يجب، لكنها استطاعت أن (تسرق) بعض البياض من وراء السجان وتقدمه لنا في روايتها "أحترق لتضيء".
تحدثنا عن بيتها حينما حاولت الهرب من فلسطين للأردن، بعد أن علمت أن الاحتلال اعتقل أحدى رفيقتها في العملية: "وقفت أمام البيت أتأمل كل زاوية وحجر، تقع عيناي على غرفتي حاضنة أسرار حياتي وسنين عمري ...نظرت إلى ساحة البيت وسوره الذي اصطفت عليه شجرات الصبار من بيت الجيران، وشجرة الدراق المترامية أغصانها وبعض من براعم ثمارها على السور من الجهة الأخرى" ص27، نلاحظ أن الساردة تستخدم الغة البيضاء، حيث تركز على الخضرة وعلى علاقتها الوطيدة بها، وهذا الوصف الناصع ما كان ليأتي لو لم يكن هناك ارتباط وثيق بينها وبين المكان، فهي في حالة استعجال، وهناك عدو يلاحقها، ومع هذا، تتوقف متأملة أمام هذه التفاصيل بروية وهدوء، وكأنها أمام حبيب تتغزل به، وليست في عجلة من أمرها، وليس هناك وحش مفترس يلاحقها.
هذا بالنسبة للمكان الخاص، أم المكان العام/الوطن، فتقدمه بهذا الشكل: "طلبت من سائق السارة التوقف لحظة، حتى أشتري كعكا، ربما تكون هذه آخر مرة أتذوق فيها هذا الكعك المميز ومن قلب هذه المدينة المقدسة، أكملت السيارة سيرها نحو كنسية الجثمانية المزركشة بألوانها الخلابة، وما أن صعدت بنا تلة صغيرة، حتى برزت مدينة القدس بكاملها أمام ناظري، داخل سورها العريق وخارجه، قبة الصخرة المشرفة بكامل بهائها وقد أكسبتها خيوط الشمس الذهبية لمعانا فوق لمعانها الحقيقي، والمسجد الأقصى المبارك وساحاته الرحبة تكسوها أشجار الصنوبر والسرو دائمة الخضرة، وكنسية القيامة، أما خارج الأسوار تظهر جلية مآذن المساجد تعانق أجراس الكنائس، والبيوت القديمة التي تدل على قدم تاريخ المدينة وعراقتها" ص28، إذا ما توقفنا عند هذا المقطع، سنجده بعيد جدا عن الحدث عن الواقع الذي تمر به الساردة، فهي هاربة من الاحتلال، ومع هذا تقدم لغة ناعمة وهادئة وكأنها في نزهة واستجمام، وهذا يؤكد على الأثر الإيجابي الذي يتركه المكان على الفلسطيني، ويؤكد على أن الطبيعة هي أحد عناصر الفرح/التخفيف التي يلجأ إليها الكتاب ليتخلصوا من حالة الضغط التي يمرون بها.
السجن
تصل الجسر وتقدم التصريح، لكن الاحتلال يكون قد اتخذ اجراء يقضي بإرجاع كافة سكان منطقة رام الله وعدم السماح لهم بالمغادرة، ترجع إلى البيت ليتم اعتقالها، وهنا يتحول المكان الجميل إلى آخر بشع وقذر ومؤلم وقاسي.
"غرفة كئيبة، ...جدرانها رمادية اللون كلون حديد لاسرة، سقفها أبيض منخفض يتوسطه لمبة ضوء يحيطها شبك، بابها الرمادي المصنوع من الحديد المصبوب، يعتليه طاقة لا تتعدى العشرين سنتمتر، الممتدة على جانبي ممر طويل، جدرانه أيضا رمادية بالية قاتمة، بت أكره ذلك اللون ويشعرني بالكآبة، ينتهي الممر ببوابة ضخمة من القضبان الحديدية المقفلة بالسلاسل بلون جدران الممر وأبواب الغرف المقيتة، يتوسطها قفل ضخم... في نهاية القسم الباب الرئيسي الخالي من أي فتحة سوى ثقب المفاتح، الموصود دائما" ص 9، إذا ما قارنا هذه الوصف بمن سبقه يمكننا إيجاد الفارق بينهنا، فهنا نجد القتامة/"الحديدية" الخالية من أي الجمال، والتي تُشعر الناظر إليها بالكآبة والألم، ونلاحظ استخدام ألفاظ "الحديد/ية، الرمادية، جدران، القضبان، المقفلة، ضخم/ة، القاتمة" فالألفاظ المجردة توصل فكرة بشاعة السجن للقارئ، وهذا ما يجعل فكرة السواد ترسخ في ذهن القارئ وتجعله يتوحد مع النص الروائي.
والسجن لا يقتصر أثره السلبي على النفس، بل يطال الجسد الأيضا: "... أما وقد حل فصل الشتناء ببرده القارس، دون وجود أي من مصادر التدفئة، هنا تكمن الكارثة، نتدثر بالبطانيتين دون فائدة، نحاول ممارسة بعض التمارين الرياضية ليتحرك الدم في عروقنا لا نستطيع، الرطوبة أكلت أجسادنا قبل أن تعشعش في جدران الغرف" ص80، نلاحظ أن هناك تسلسل منطقي في تناول الساردة للمكان، فبدأت بوصفه من الداخل، ثم تحدثت عن أثره السلبي على نفسيتها بعد أن رأته، ثم تناولت ما أصاب جسدها من وهن بعد أن عاشت فيه، وهذا الترتيب المنطقي يؤكد على واقعية الحدث وعلى حقيقة ما جرى لها في سجون الاحتلال.
التعذيب
قلنا أن القيمة المعرفية/التوثيقية للرواية لا تقل عن القيمة الأدبية، وبما أننا أمام عمل يتحدث عن الاعتقال والتحقيق والسجن، فلا بد من أن يكون هناك أحداثا مؤلمة وقاسية، فالاحتلال لا يتوانى عن ممارس كافة الطرق والوسائل واشكال التعذيب لانتزاع اعتراف من المعتقلين، فهو يستخدم كل شيء في سبيل الحصول على اعتراف من الأسرى، فالمكان/السجن بحد ذاته يعد مكان للتعذيب السجين، ألم تقل "نادية" أنه يُصيبها بالإكتآب؟.
من وسائل التعذيب التي يمارسها الاحتلال التعذيب الجسدي: "...قيدوا يدي إلى الخلف وربطوهما بماسورة تمتد على الحائط وربطوا إحدى قدمي أيضا في الماسورة، أحضروا كيسا أسود اللون له رائحة كريهة جدا، ألبسوني إياه في رأسي فغطي وجهي ورقبتي، ..تروكني لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، ...اقترب مني شرطي ورفع الكيس قليلا ..كان يحمل صحنا فيه طعام لم اميز ما هو وسمعته يصرخ:
هيا قربي فمك والعقي كالكلاب هذا الطعام، ..أنت حيوانية وستتعاملين على هذا الأساس ... رغم الجوع والحاجة كنت أرفض رفضا قاطعا الأكل بهذه الطريقة المهينة وأعيد الطعام كما هو وأشعر بالشبع" 38و39، نلاحط أن التعذيب أخذ أكثر من شكل، تعذيب جسدي من خلال الشبح، وتعذيب نفسي معاملتها ككلاب، وأيضا أهانتها بنتعتها بالحيوان.
وهناك تعذيب بأصوات المُعذيبن: "...كانوا يتعمدون أن يصل إلى مسامعي صرخات وأنات الذين يزوجون تحت التعذيب الهمجي في الغرف المجاورة... وكانت ساعات التحقيق تمتد لساعات طويلة جدا غالبا لما بعد منتصف الليل" ص40.
"لم أدر من أين كانت تأتي الأصوات المرتفعة المزعجة والتي تستمر لفترات طويلة، صراخا، عواء، مواء، كانوا يقومون بمضاعفة وهج النور لساعات طويلة" ص58
والتعذيب بتعذيب الأخرين: "..مر قبالتي محقق يجر شابا معصوب العينين مكبل اليدين، أوقفه على بعد أمتار قليلة مني وبدأ بلكمه على وجهه حتى سال الدم كالنافورة من فمه، لم أسمع كلمة تأوه من الشاب" ص46.
وتعذيب بالتعرض للأهل: "...تفاقمت اللغة بتهديد جديد وهو حرمان أخوي من تقديم امتحان الثانوية العامة إن لم أتعاون معه" ص41.
"...بتهديدي بنسف بيتنا وتشريد أهلي في الشوارع والتنكيل بكل أفراد العائلة إذا لم أعترف" ص47.
"...جرني المحقق إلى الممر وأمسك رأسي بعنف وألصق وجهي على باب الغرفة المجاورة، أجبرني على النظر إلى العدسة التي تنتصف الباب، ...رأيت خيال إنسان، أمعنت في التدقيق، نعم إنها أختي مها، ..الحبل عالجرار سنحضر باقي أفراد أسرتك" ص49.
التعذيب بالتهديد بالاغتصاب: "ـ يلا هلأ بدك تشلحي زي ما نزلت من ... أمك، اخلعي ملابسك كلها، الآن سأذلك في شرفك وأغتصبك دون أن يتهز لي رمش" ص43.
التعذيب بالإهمال: "... ثلاثة أسابيع لم أبدل ملابسي، لم استحم فيها" ص52.
التعذيب بالترغيب: "ـ سنوفر لك كافة مستلزمات العيش الرغيد، من تعليم، سكن في فيلا في أرقى منطقة تختارينها وفي أي بلد تشائين، سيارة فاخرة أيضا" ص57.
التعذيب بالطعام: "...قشرت البيضة وما أن فتحتها وبان لون الصفار الأزرق المائل إلى السواد فاحت رائحة نتنة، حتى اقشعر بدني" ص38.
الصمود
في المقابل، نجد "نادية" تصمد وتتحمل كل هذا العذاب متجاوزه مما فيه من ألم وقسوة ووحشية، ففي مقابل كل حالة تعذيب قابلها حالة من الصمود، عندما يتم تهديدها بالاغتصاب ترد على المحقق: "فك قيودي حتى أستطيع خلع ملابسي، إن من قام باغتصاب الأرض لا يضره اغتصاب العرض" ص44، وعندما تم حرمانها من قضاء حاجتها نجدها تخاطب مثانتها بهذا القول: "ألا تستحق هذه المثانة كل التقدير والثناء على تعاونها معي في السيطرة على الوضع ومشاركتها في التحدي" ص45.
وعندما يتم تهديدها باعتقال شقيتها "مها" بعد أن أحضورها إلى التحقيق، ترد على المحقق: "ما المشكلة ها أنا رأيت مها ويسعدني جدا أن ارى البقية فقد اشتقت لهم جدا" ص49.
وعندما يعرض عليها مجموعة امتيازات إن قبلت التعاون معه ترد قائلة: "أرفض هذا العرض الخسيس بقوة وإصرار جملة وتفصيلا" ص57.
ولم يقتصر الصمود على "نادية" فحسب، بل هناك عائلتها التي مدتها بالطاقة والإرادة لتواجه الجلاد: "..والدي ... حيث أعطاني دافعة قوية إلى الأمام وأعرب عن اعتزازه وافتخاره بي وزودني بجرعة من الأمل" ص60.
التحدي
بعد انقضاء فترة التحقيق/التعذيب والتي استمرت "مائة وخمسة أيام" تذهب إلى المحكمة حيث يصدر الحكم عليها "صدر الحكم عليك بالمؤبد وعشرين عاما" ص68، أثناء محاكمتها لا تتوقف عملية التحدي ومواجهة المحتل، ففي المحكمة يتم التحدي بهذا الشكل: "...نرتدي قبعات صوفية بألوان العلم الفلسطيني، وإذا ما أصطففنا بجانب بعضنا نشكل لوحة بألوان العالم الفلسطيني" ص65، وأيضا كن يرفض الوقوف للمحكمة: "يقف الجميع ونظل جالسين متسمرين في أماكننا، يثور القاضي ويدق مطرقته بقوة لعدم وقوفنا احتراما لهذه المحكمة التي نحتج على شرعية وجودنا فيها وشرعيتها أصلا كمحكمة احتلال" ص66.وعندما يخبرها الشرطي بمدة حكمها "مؤبد وعشرين سنة، ترد بهذا الشكل: " ضحكت ضحكة مصطنعة وأكملت حديثي مع زميلتي. وقف مذهولا لا يصدق ما يرى ويسمع" ص68.
وعندما تتهمها السجانة "زوبرفيسكي" بأنها حاولة قتلها، وتـأتي لتقودها إلى السجن الأنفرادي، ترفض أن تذهب طواعية: " لن أذهب إلى أي مكان لأنني لن أنصاع لأكاذيب وافتراءات تلك السجانة الكاذبة" ص74.
وعندما تضع "سميحة" مولدتها تقرر السجينان أن يسمين المولودة "ثائرة": "...وظهر أسم ثائرة الذي أغظنا به السجانات وإدارة السجن" ص99.
تقرر السجينات أن يقمن بالاحتفال بعيد الثورة، ويتم تهديدهن باستدعاء قوة قمع السجون وسجنهن في الزنازين الانفرادية، يرد على هذا: "سينجح احتفالنا مهما كانت النتائج ولن نرضخ لإملاءاتكم" ص107.
وعندما يتم سحب الكتب من الأسيرات: "أوقفوا هذا المهزلة وإلا سنعلن إضرابا مفتوحا عن الطعام" ص159.
بعد أن تتم صفقة تبادل الأسرى وتكون "نادية ورفيقاتها" من اللواتي سيخرجن من السجن، تقول السجاني: "ها هن قيادات السجن يغادرن سنرى مذا ستفعل الباقيات من السجينات في الإضراب الذي ورطهن فيه" فقلت لها وأنا معصوبة العينين:
"هذا ليس قرارنا وحدنا بل هو قرار الجميع، والمتبقيات لهن شخصياتهن المستقلة ويستطعن اتخاذ القرارات المناسبة بنا وبدوننا وستثبت لك الأيام القادمة ذلك" ص175، كل هذا يؤكد على أن النضال الفلسطيني لا يخضع لمكان أو لزمان أو لحالة، فهو نضال مستمر ومتواصل ويأخذ أشكال وأساليب عديدة، تتناسب وطبيعة الظرف/الحالة التي يعيشها الفلسطيني.

الآخر الإيجابي
بموضعية، كل ما كتب من روايات فلسطينية تتحدث عن التعذيب والاعتقال والسجن، لم تهمل الجانب الإنساني عند بعض القائمين على الاعتقال، وهذا الأمر يحسب للفلسطيني الذي كان موضوعيا ومنصفا للآخر رغم قسوة التجربة وما فيها.
"نادية الخياط" تؤكد على هذا الجانب الإنساني من خلال حديثها عن مجموعة نساء يهوديات ساعدنها ورفيقاتها في أمور يحتجنها، ووقفن مع الفلسطينيات ضد ظلم السجانات، فنعدما يتم اتهام "نادية" بأنها حاولت الاعتداء على السجانة وقتلها، تقف مجموعة من السجينات اليهوديات موقفا إنسانيا متعاطفا معها: "...هنا فوجئت باقتراب السجينات اليهوديات اللواتي عملن معنا بنفس اليوم، تحلق حول الضابطة وسجاناتها وأخذن بالصراخ في وجوههن بأن كل ما قيل كذب وافتراء، لم نسمع صوت نادية اليوم أبدا، طوال الوقت وهي تعمل بجد ونشاط" ص74. ولم يفتصر الأمر عند الدفاع والوقوف إلى صف الفلسطينيات، بل تعداه أن قدمن خدمات مثل: كتسريب بعض الصحف العبرية الممنوع وصولها إلينا وغيرها من الأمور التي كان تهمنا جدا" ص75.
كما كن يمدن الفلسطينيات بالأخبار المهمة التي تحصل في الخارج: "نادت علي سجينة يهودية ممن يقمن معنا في نفسم القسم والمسموح لها بالتجول طيلة النهار، مدت يدها من طاقة الباب ورمت بورقة مطوية صغيرة... هبة جماهيرية ضد إدارة مصلحة السجون ضمت أهالي المعتقلين والمعتقلات" ص97.
ولم يقتصر الأمر على السجينات فقط، بل طال السجانات أيضا، فأحدهن بعد أن عرفت نبل وشهامة "نادية" التي رفضت أن تأخذ منها الحلوى لا لأنها من سجانة يهودية، بل بسبب: "لا أستطيع أن أكل وأخواتي الأخريات لا يستطعن الحصول عليها أو تذوقها وسيكون طعمها كالعلقم في فمي إذا لم نتذوقها معا" ص128، فتقر هذه السجانة بنبل المناضلات وتقرر: "جاءت السجانة يوما لوداعنا في القسم بعد أن قدمت استقالتها وقالت: أنا في مثل أعماركن، لا استطيع البقاء في عمل ضد قناعتي، أمارس مهنة بلهاء صماء لا مكان للعقل والمنطق فيها، وجدت نفسي لا أقوم سوى بغلق الأبواب وحبس حرية أمثالكن، لا استطيع الاستمرار لحظة، أنتن شعلة من العطاء والجمال والثقافة والأدب، أتمنى لكن الحرية والتوفيق في حياتكن وأن يعود الحق لأصحابه، لقد قررت إكمال دراستي العليا في الخارج" ص129، نقل كلام السجانة بهذه التفاصيل يشير إلى احترام الفلسطيني لأي موقف إنساني، وأحترام من يصدره، حتى لو كان عدوا.
فالساردة بهذا المشهد تؤكد على موضوعية الأديب/ة الفلسطيني/ة وعلى أنها تتعامل بإنسانية وليست بعنصرية تجاه الآخر، وهذا ما يجعل الأدب الفلسطيني إنساني النزعة والطرح.
رؤية "نادية" للحياة
دائما العمل الواقعي/التاريخي الصادر عن تجربة حقيقية، يعكس رؤية الكاتب/ة للتجربة التي مر/ت بها، وهذا ما نجده في "أحترق لتضيء"، فهناك مجموعة أقول تختزل فيها "نادية" رؤيتها للحياة، منها: "سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمر من الصبر" ص56.
"إلى متى سيبقى ظلم المحتل يطعننا في إنسانيتنا، يسرق أحلامنا، ينغص عيشتنا" ص113و114.
وبعد أن يتم تحرير "نادية" ونفيها إلى خارج فلسطين تقوم بهذا الفعل وتقول هذا القول: "ألصقت وجهي بزجاج النافذة، أودع كل شبر من الوطن الذي لم استطع تحديد ملامحه مدنه في هذا الليل الحالك الظلمة، لمحت وجه أمي الحنونة، فرحا باكيا، حزينا، ضاحكا، آه يا أمي، هل تدرين أنهم قتلوا أحلامي بالعودة إلى حضنك الدافيء" ص182.
الرواية من منشورات وزارة الثقافية الفلسطينية، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا


.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين




.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج


.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب




.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا