الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما ينبغي أن يتعلمه العرب من بسمارك

لينا صلاح الدين
كاتبة

(Lena Saladin)

2021 / 6 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


إن العرب، ساسةً وشعباً، يعتمدون منهجية ثابتة عند مواجهة أغلب الأزمات السياسية أو الدينية، ألا وهي تحكيم العاطفة، خاصة الحَنَق، وإقصاء المنطق والتفكير النقدي. إنها أزمة العقل العربي التي تُترجم إلى تعصب إيديولوجي وضعف على الصعيد الفكري والسياسي.

إبتداءاً من قضايا الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول محمد، وانتهاءاً بأزمتهم مع إسرائيل، فقد اعتاد العرب الرد على مثل هذه القضايا بأفعال مؤقتة الأثر لا طائل منها على المدى البعيد، مثل أساليب مقاطعة المنتجات ورفض التطبيع واعلان الحرب على مواقع التواصل الإجتماعي وإطلاق الصواريخ العشوائية ونشد التعاطف الدولي.

في الوقت الذي يتسائل فيه العالم "ما الخطأ في الشرق الأوسط؟" فإن الإجابة هي ميل العرب إلى بناء قرارات لحظية، وقصورهم عن التنبؤ بالنتائج البعيدة وقراءة المشهد السياسي المستقبلي، وهو عكس ما كان يفعله بسمارك.

لقد كان بسمارك، وزير خارجية بروسيا 1862- يتشارك العديد من السمات السلبية مع القادة العرب، فقد كان محتقراً للدستور وأساليب الحكم الديمقراطي، مؤيداً للقوة الاستبدادية، قاسياً في طباعه، معادياً لليهود، كما أنه قد دخل عالم السياسة في وقت تشهد فيه بروسيا أزمات مع عدد من الدول المجاورة تتشابه في حدتها مع الأزمة الاسرائيلية الفلسطينية.

الفارق الوحيد الذي جعل من بسمارك قائداً تاريخياً متمكناً من تحقيق أهدافه المتمثلة في توحيد ألمانيا، هو كونه صاحب أهداف واضحة قد كان يعرف كيف يصل إليها عن طريق الثبات الانفعالي والتخطيط الدقيق. فقد كان لبسمارك القدر الكافي من الحنكة التي تمكنه من وضع الأولوية للمصالح السياسية؛ فرغم عداءه لليهود، لكنه كان يعلم أن هذا العداء لن يكون لصالح ألمانيا في ذاك الوقت، خاصة مع تراكم أزماتها السياسية مع روسيا وفرنسا والنمسا. فعوضاً عن اكتساب غريمٍ هو غير مستعدٍ له، بنى علاقة مع اليهود هدفها الاستفادة الاقتصادية من رؤوس أموالهم، فتشكلت علاقة بينه وبين الممول اليهودي جيرسون بليخرودر، وأيضاً مع أحد أفراد أسرة روتشيلد، فتحول العداء إلى استغلال.

في المقابل فإنه رغم تفوق الدول العربية في عددها ولكنه يبقى هناك فارق بينها وبين اسرائيل من ناحية التخطيط التكتيكي والاستراتيجي. ورغم إدراك العرب لذلك فإنهم يفضلون إيهام أنفسهم بأن الهتافات والأدعية في المساجد والغضب على مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة كسب تعاطف العالم سيفيد أكثر من استيعاب المردود المعدوم لهذه الأفعال على المدى البعيد.

يمكن أن نختلف أو نتفق مع اليهود كما نبتغي، ولكن لا يمكن إنكار فطنتهم التي دفعت إلى خلق مخاوف من تواجدهم في أوروبا بما أن ذلك كان سيعني سيطرتهم الأكيدة على الأجواء السياسية مستقبلاً. الآن وبعد استقلالهم فإنه من الجلي إدراكهم للمنطق السياسي من حيث تفهمهم لضرورة كسب الحلفاء مما يجعلهم ينشدون دعم الكونغرس الأمريكي بشكل مستديم، وهي خطة ما زالوا يحصدون ثمارها عن طريق التزام الولايات المتحدة باستراتيجية التفوق العسكري النوعي التي ساهمت في جعلهم المجموعة الأقوى إن قسنا ذلك بقليل عددهم.

الشيء الثاني الذي تفهمه اسرائيل هو ضرورة التفوق المعرفي. في 2015 أنفقت اسرائيل 4.3% من إجمالي الدخل المحلي في البحث والتطوير المدني وهي النسبة الأعلى عالمياً. ربما هذه هي ذاتها الاستراتيجية التي اعتمدها بسمارك حينما استخدم الاختراع الجديد آنذاك "التلغراف" بين أرجاء الجيش الألماني، وقد كان هو أول من أنشأ سككاً حديدية وقطارات مخصصة للجيش.

على العرب أن يدركوا أن لعبة السياسة لا تعتمد على إنصاف من هو مظلوم وكسر من هو ظالم. إنها لعبة الدهاء والمكر والتفوق الفكري. لعبة تعتمد على الدبلوماسية والتفكير الاستراتيجي بعيد الأمد والتهميش الكامل للانفعالات. على العرب أن يكفوا عن إعلان حرب وهمية على مواقع التواصل الإجتماعي وعن المحاولات البائسة لاستعطاف المحافل الدولية. على العرب أن يصلوا إلى مرحلة الاتزان والـ"نضج السياسي" إن كانوا حقاً لا يريدون لأزماتهم الداخلية أن تتفاقم أكثر من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف