الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش النموذج التنموي: ماذا تخبرنا حركية الشعوب عن التغيير؟

ياسر مكوار

2021 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


ارتبط التغيير دائما بواقع الشعوب ورغبتها الدائمة في تغيير الأوضاع، و في هذا الإطار يعد تاريخ الشعوب مليئا بتصورات حول التغيير، من ثورة" سبارتاكوس" إلى الربيع العربي ، يبقى تاريخ البشرية مليء بديناميات و الثورات البشرية المختلفة، حيث تختلف الأليات سواء كان التغيير بقيادة نخبة أرستقراطية كما هو الحال بالنسبة للثورة الفرنسية ، أو ثورة شيوعية ترتبط بالعمال و البروليتاريا"، لكن جميع هاته الديناميات تلتقي في نقطة واحدة ، نقطة الإرادة في قلب الأوضاع لصالح بنية مجتمعية جديدة ، نظرا لأن النظام القديم قد وصل لنهايته ويستحيل الاقدام على إصلاحه.

مناسبة استحضار فعل التغيير كفعل سياسي أولا مارسته الشعوب على مدار تاريخها، هو إقدام الدولة المغربية على تقديم نموذج تنموي جديد يبتغي التغيير، نظرا لاقتناعها بفشل النماذج السابقة. مما يطرح العديد من الإشكاليات:
إلى أي حد يمكن التعويل على التغير التي تنبع إرادته من نفس القوى الحاكمة التي أنتجت نماذج اقرت بنفسها بفشلها؟
هل يمكن للتغيير أن يقتصر على البعد الاجتماعي برؤية تقنية دون ما الأبعاد السياسية والحقوقية؟
والأمر الأخر الشديد الأهمية، كيف يمكن للتغيير أن يحدث بنفس الأوجه ونفس الاختيارات مع العمل على تجويديها أو تحسينها في أحسن الحالات؟

في تحليله له لثورات العربية قدم "جلبير الأشقر" كتابه تحت عنوان " الشعب يريد " ، وفيه ينطلق من أن التغيير يستلزم تغييرا شامل على مستوى البنيات السياسية التي تكون عادة مرتبطة بالبنيات الاقتصادية( الشيء الذي لم يحدث في الربيع العربي بشكل واضح ) ، مثلما تخبرنا بذالك عدة نماذج تاريخية فثورة الفرنسية أسقطت حكم النبلاء و بتالي إلغاء الاقطاع كبنية اقتصادية مرتبطة بنبلاء، وثورة الضباط الأحرار في مصر مثلا أسفرت عن الإطاحة بسلالة الحاكمة أنداك وإلغاء الملكية وتأميم الأراضي، مما أدى مباشرة إلى ضرب الطبقات الحاكمة و المالكة في النظام القديم تحديدا الرأسمالية التجارية و المالية، هاته الثنائية الجدلية بين الطبقات الحاكمة و نمط الإنتاج السائد المرتبط بها ، نجدها في مقولة شهيرة " لكارل ماركس" مفادها أنه أن قوى المجتمع الإنتاجية ، وعند مرحلة معينة من تطورها تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج القائمة التي تتحكم فيها بنفسها فتصطدم بالقوى المنتجة، لتبدأ الثورة الاجتماعية. وتؤكد هاته المقولة ما تحدثنا عنه حول العلاقات الجدلية بين القوى الحاكمة وأنماط الإنتاج السائدة والتي تكون تحت سيطرتها.

وبالعودة إلى المغرب فإن النظام الإنتاجي السائد والمرتبط أيضا بنخب الحاكمة وسنأتي على ذالك على هاته العلاقة لاحقا ، يمكن وصفه بنظام neo-patrimonilasite و تتم ترجمة هذا المصطلح إلى الميراثية أي نيو-ميراثية وبالعودة إلى الميراثية المصطلح الأصل فهو يحيل كما نقله جلبير الأشقر " عن "ماكس فيبر بأنه نظام يقوم على الملكية المطلقة للوسائل الاقتصادية و العسكرية و الإدارية، مما ينتج عنه نظام رأسمالي ريعي شبه عائلي تستفيد منه البرجوازية المقربة من السلطة ، أما neo-patrimonilasite فيمتاز ببعده القانوني العقلاني و البيروقراطي كما انه تنتفي داخله الملكية المطلقة، لكن المستثمرين الجدد يرتبطون بسلطة في علاقات دائرية معقدة توصف عادة و داخل المغرب أيضا "باقتصاد الريع"، ، حيث ترتبط هاته الطبيعة الاقتصادية بمصالح الطبقات الحاكمة ، فريع يمكنها من استدامة حكمها و المحافظة على نفس العلاقات داخل نفس النظام الاقتصادي و بتالي حتى السياسي.
وإذا كان هذا التوصيف خاص بالبنية الاقتصادية، فالبنية السياسية لا تختلف عن ذالك وتعرف دمجا مستمرا للنخب السياسية داخل بنية النظام مهما كانت مرجعيتها، حيث تظل خاضعة للتوجهات الاستراتيجية، لكنها رغم هذا لا ترقى إلى أن تصبح مقربة من النظام حيث تظل علاقاته شبه مغلقة في بيئة شبه عائلية.
وقد امتازت الاختيارات الاقتصادية للمغرب بالرهان على السوق المفتوح والزيادة في حجم الاستثمارات، لكن هاته الاستثمارات لم تخلق فرص شغل كافية للقضاء على البطالة رغم الامتيازات التي حصلت عليها، أما البرجوازية الوطنية والتي كانت رائدة في خلق التغيير في عدة دول، فإن الطابع "الريعي" الذي تحدثنا عنه سابقا يظل سمتها الأساسية.

باختصار تظل هاته السمات أبرز ما تمتاز به البنية السياسية والاقتصادية المغرب، مع إضافة خاصية جديدة وهي القدرة على التكيف والتجديد، خاصة مع الأوضاع التي قد تحمل رغبة في تغيير هاته البنية، وهذا ما حدث مثلا لحظة الانتقال في السلطة سنة 1999 ، حيث ظهر النظام بمشروعية حقوقية جديدة أظهرته أكثر انفتاحا، لكنه سرعان ما شكل نخبته الجديد ليعيد تشكيل نفس البنية السياسية و الاقتصادية بصورة جديدة ، أما سنة 2011 فقد استطاع النظام الالتفاف على مطالب حركة 20فبراير عبر الدستور الجديد ، ليعيد انتاج نفسه على المستوى الدستوري، أما اقتصاديا فيظل الرهان دائما على اقتصاد السوق و الاستثمارات الأجنبية.

ولهذا فقد راهنت السلطة الحاكمة على التغيير، لكن من داخل نخبها ومن داخل نفس البنية، مما قد يِؤشر على أننا أمام نسق حاكم متشعب العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية أيضا والتي لم نتطرق إليها في هذا المقال، والذي يسمى عادة بالمخزن .
وقد استحضرنا مجموعة من التغيرات التي شهدتها مجتمعات معينة، للدلالة على أن التغيير دائما ما كان يبدأ من تفكيك الأنظمة الإنتاجية المرتبطة بسلطة وعلاقاتها، لكن هذا التغيير كان يتم بوجود سلطة مجتمعية مضادة (البرجوازية ضد النبلاء والاقطاع، الشيوعية ضد النظام القيصري الاقطاعي...) ، الشيء الذي ينتفي في الحالة المغربية، بينما يعيد النظام تدوير نخبه و يعيد تشكيل و انتاج نفسه لكن دون تغيير عميق ينس جوهره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل دعا نتنياهو إلى إعادة استيطان غزة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. روسيا تكثف الضغط على الجبهات الأوكرانية | #غرفة_الأخبار




.. إيران تهدد.. سنمحو إسرائيل إذا هاجمت أراضينا | #غرفة_الأخبار


.. 200 يوم من الحرب.. حربٌ استغلَّها الاحتلالِ للتصعيدِ بالضفةِ




.. الرئيس أردوغان يشارك في تشييع زعيم طائفة إسماعيل آغا بإسطنبو