الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوبرمان والزير سالم و بغداد

جليل البصري

2006 / 8 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لا يخلو تراث امة ما من بعض القصص الخيالية أو الواقعية الخيالية ، ونحن نملك الكثير من هذه القصص التي يقوم فيها أبطال مثل عنترة أو الزير سالم أو غيرهم بقتل العشرات أو المئات بسيفه بهجمة واحدة على ميمنة القوم أو ميسرتهم وقد يجد بعض الروزخوفية الذين كانوا يرونها ، أن هذه الأرقام بسيطة فيضيف من عنده ! فما الغير مادام هناك قتل !! ... وقد يختلف وقائع تدعم إعجابه أو حقده على هذه الشخصية أو تلك بطريقة مزاحية غريبة لا تحسب لقيم الحق والباطل التي يفترض أن يؤمن بها أي حساب ... ومن هذه النقطة تتشكل طبيعة التجني في حياتنا وتعاملنا مع أحداثها ، إلى درجة تقرب أو تصل إلى الجزافية الخرقاء . وهذه القصص التي ابتكرها إسلافنا والتي يعج بعضها بالسحر والخيال ، نجدها قصصا تكرس لدينا الإيمان بالخرافة وعوالم الحقد والكراهية التي يجسدها السحرة ومستخدمو السحر لتصفية الحسابات كما يجري في ( آلف ليلة وليلة ) أو تكرس لدينا روح التعنت وعدم المسامحة والإصرار على الثار حتى لو كان ثمن انتقامنا للشخص المغدور سقوط المئات والآلاف وحروبا تستمر أربعين عاما كما جرى في قصة ( الزير سالم ) وانتقامه لمقتل أخيه كليب . ولم يجسد تراثنا أو لم يخلق نموذجا لل( نجدة ) الايجابية المنطلقة من قيم الإنسانية واحترام الإنسان ، وظل نموذج ( وامعتصماه ) للنجدة ضد ( أعداء الدين ) هو النموذج السائد في هذه المنطقة ... والاسوء من ذلك أن شخصية المنجد ظلت شخصية كارزمية لا تمثل الفرد الايجابي ذو الوعي الإنساني الحر والموقف الذاتي الفعال ، بل تمثل شخصية القائد أو رئيس العشيرة أو أمير المؤمنين ( الخليفة ) وغيرها .. ولذلك ظلت هذه النماذج غير قابلة للتقليد من قبل الفرد المتلقي الذي سيستمر في حلمه بظهور هذا المنجد والبحث عنه في الشخصيات الكارزمية التي تطوق حياته وفرديته والتي تتراوح بين القائد السياسي والزعيم الديني ... ولذلك أيضا يظل الفرد محتفظا بها مشيته في ظل هذا المحيط القامع المحبط ، وهذا يجعله شخصية غير منطقية محبطة متذبذبة ومتهورة والاهم متجنية على كل ما يحيطها .. مثل هذه الشخصية السلبية هي الشخصية الأكثر ملائمة لنظم الشرق الأوسط التي تسعى دائما لإبقاء الفرد خارج المعادلة في الفعل المؤثر ومشترك فيها كادات في نظم دكتاتورية أو توقراطية متحجرة سواء كان ذلك على صعيد الدولة أو المفردات المكونة لها . وإذا ما تابعت الحياة اليومية وما يقوله الأفراد حول ما يجري في العراق ألان فانك تجد من الجزافية في التجني ما يجعلك تحجم عن المشاركة للقيام بأي دور ايجابي ، فقد تجد في كردستان شخصا يقول عن حكومة الإقليم ومسؤوليها ( أن الجميع حرامية ) و تجد في بغداد من يصف جيش المهدي بأنهم ( لصوص ومجرمين ) و تجد عند الحديث عن الصراع الطائفي في بغداد من يتهم الأمريكان بأنهم من يخططون لذلك ، وتجد من يعتبر هيئة علماء المسلمين أو جبهة التوافق هي العقبة كأداء أمام تحسن الأوضاع .. وإمام هذه الجزافية والأعصاب المتوترة لا تجد منفذا للنقاش واستخدام العقل ، فالعقل معتقل ومغيب ، والمزاج هو الذي يتحكم بكل شيء ، وتجد التجني حاضرا لتبرير فشلنا في أن نكون فاعلين متحدين نخدم مواطننا بصدق وننتهك حريته ونسرق رزقه ونقطع رأسه ونعلق كل ذلك على شماعة الغريب فغير العراقي والأجنبي متهم دائما ! وليس أهلا للثقة ! بل هو لا يريد لنا إلا الضرر ! .. في الغرب ابتكرت شخصية السوبرمان وهو رجل غريب جاء من الكوكب أخر إلى الأرض وهو طفل وكبر فيها وبدأ يعمل كمواطن اعتيادي وعند اكتشافه لقدراته الخارقة وضف هذه القدرات لخدمة الخير ضد الشر ومساعدة القانون ورجاله ومساعدة المواطن ضد من يريد إيذائه ، ولكن بطريقة شفافة بعيدة عن العنف والقتل وسفك الدماء وترينا طريقا أخر للخير البعيد عن استخدام أساليب الشر ... ولم تقف ثقافة الغرب الاستيعابية ضد الغريب الأجنبي بل اعتبرته عاملا مساعدا في ترسيخ قيم الإنسانية التي تنادي بها وتسعى إلى تحقيقها في بلدانها ومساعدة البلدان الأخرى على الوصول إليها والخلاص من عذابات القمع والدكتاتورية والحروب .. قبل أيام التقيت مع طبيب من بغداد وتحدثنا عن العنف الطائفي فيها فقال بسرعة ( أن هذا هو ما تريده أمريكا وما تعمل على خلقه ) ! استغربت هذه الجزافية اللامنطقية ، وقلت له لنقل أن أمريكا محتلة وهو واقع لكن ليس كل احتلال سيء فسقوط نظام صدام الدموي كان بفضلها وإذا كان هذا الموضوع ، محل نقاش لنتركه ، ونقول إذا كانت أمريكا محتلة فلماذا نقاتل بعضنا ونعمل على تصفية البعض بأقذر الوسائل وأحطها ، وإذا كنا غير قادرين على المصالحة فلماذا لا نترك الغريب يساعدنا ، لنفترض انه يريد مساعدتنا ونتعامل معه على هذا الأساس ونرى فعله ، فليس منطقيا أن العن شخصا واتهمه بأغرب التهم وأريد أن يساعدني ، ولماذا لا نفترض أن القوات المتعددة الجنسيات والمجتمع الدولي هو السوبرمان وانه هنا لمساعدتنا بقدراته الكبيرة ؟ هذه أسئلة يجب أن نكون منطقيين في الإجابة عليها ، لكي لا نفوت على أنفسنا نوايا الآخرين الطيبة وحتى المصالح المشتركة في عالم مزدهر وآمن وحر ولكي لا نطيل أكثر عذابات إنساننا الذي قاس أكثر مما يجب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رداً على روسيا: بولندا تعلن استعدادها لاستضافة نووي الناتو |


.. طهران تهدد بمحو إسرائيل إذا هاجمت الأراضي الإيرانية، فهل يتج




.. «حزب الله» يشن أعمق هجوم داخل إسرائيل بعد مقتل اثنين من عناص


.. 200 يوم على حرب غزة.. ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية | #




.. إسرائيل تخسر وحماس تفشل.. 200 يوم من الدمار والموت والجوع في