الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحدث ولغة الشخوص في رواية -صهيل مدينة- مصطفى النبيه

رائد الحواري

2021 / 6 / 12
الادب والفن


الحدث ولغة الشخوص في رواية
"صهيل مدينة"
مصطفى النبيه
الأدب أحد وسائل حفظ الأحداث التي تمر بها الأمم، فهناك الكثير من الأمثلة، ومنها الروايات السوفيتية التي تحدثت ن الحرب العالمية الثانية، والأدب الفلسطيني يأتي ضمن هذا الاتجاه، فهو يعتبر حامل/ناقل/حافظ للأحدث التي مرت بها فلسطين والشعب الفلطسيني، ورواية "صهيل مدينة" من الروايات التي تتناول الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية.
فالسارد يسحضر مجموعة شخصيات تقوم بسرد الأحداث، بحيث كانت كل شخصية تتحدث عن المرحلة التي مر بها، فهناك "شكري، يوسف، فايزة، الأب، غسان" وإذا علمنا أن الأحداث تمتد من حرب 1948 التي احلت فيها فيلسطين من قبل العصابات الصهيونية، مرورا بأوسلو وما أحدثه من خلل في بنية المجتمع الفلسطيني، نعلم طول الفترة اتساعها، من هنا كانت الشخصيات بمجمولها تتحدث بوتيرة سريعة، وكأنها في عجلة من أمرها وتريد أن تنهي ما إلقي على كاهلها مهمام بأسرع وقت ممكن، حتى تتيح المجال أمام الشخصيات الأخرى لتمكل ما انتهت إليه من حديث، وهذا الأمر انعكس على لغة السرد، فبدت لغة السرد وكأنها خارجة من شخص واحد ـ إذا ما استثنينا صوت النساء، فايزة، سوزان"، وهذا ما أحدث (خلل) في تحديد هوية المتكلم، وأربك القارئ في تحديد من هو المتحدث، إذا ما اعتمد على الغة المجردة للشخصيات.
الأحداث/النظام الرسمي العربي
فالرواية رواية أحداث، حيث تم التركز عليها أكثر من الجوانب الأخرى، من هنا سنحاول تبيان سرد الأحداث مع لغة الشخوص، لنبين أن كمية الأحداث جاءت على حساب اللغة، وهذا احدث (فجوة/خلل) في لغة السرد وأصوات الشخصيات.
النظام الرسمي العربي يتحمل مسؤولية ما حدث في فلسطين، إن كان في عام1947 وما بعدها وحتى أوسلو، فقد ساهم بطريقة أو بأخرى في تثبيت دولة الاحتلال والمحافظة على حدودها وأمنها، يحدثنا "يوسف" الضرير عما لقيه من النظام المصري من قمع واضطهاد: "...سحبتنا الإدارة المصرية للقنطرة الشمالية، وضعنا في حجر صحي يسمى "كرنتينا" مقبرة عفنة رطبة، غرفها كهوف، جافة صيفا، شديدة البرودة شتاء، ممنوع الخروج من سجننا القسري إلا بتصريح، فرضت علينا إقامة جبرية، أيام وشهور طويلة ونحن ننزف، عرقنا تجمدنا، تمددنا انكمشنا شممنا روائح كريهة، رجمنا بشتائم قبيحة، سمح لنا كل شيء إلا أن نحيا" ص64، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل لعملية القتل: "سقط شهيدنا المجدلاوي حسني بلال، برصاص جندي فلسطيني يعمل بوليسا مع القوات المصرية" ص 75 وبعد المظاهرات التي قامت ضد النظام المصري يتم اعتقال "يوسف" الذي يتعرض لهذه المعاملة: "نريد أن نحميكم يا خونة، تبيعون أوطانكم وتتبجحون وتطلبون النجدة" ص76.
هذا على صعيد النظام المصري، أما النظام الأردني فهو أيضا له دور في ما آلت إليه فلسطيسن وأصاب شعبها، يقول "أبو غسان" والد شكري في رسالته لزوجته "فاطمة" عما جرى في أيلول: "...اعترف يا فاطمة، أننا لسنا ملائكة لكننا لم نكن شياطين، عوقبنا في أيلول وطردنا من الأردن، حملنا أكبر من طاقتنا، الفوضى التي حدثت بعد بشائر النصر في معركة الكرامة هي حلاوة الروح نقطة الانظلاق بين الموت والموت، ...فرضوا عقابا جماعيا، حاصرونا منحوا العدو صك غفران، اعترفوا بإسرائيل، تنازلوا عن حقنا في أرضنا، منعوا الكفاح المسلح من أراضيهم تجاه فلسطين، نصبوا شباكهم، قطعوا أيدينا، أصدروا قرارتهم المجحفة خلف الكواليس. ممنوع أن نقاوم علينا أن نساوم، ونغرق في بحور التهجير" ص134، ويختم رسالته بقوله: "... يا فاطمة، لا ملجأ لنا في الشتات إلا الجحيم، من يكتب له النجاة من بطش الاحتلال يهضمه غول الأنظمة والمرتزقة...لا تصدقي أن هناك حاكما عربيا يحب فلسطين، يريدوننا جثثا" ص138.
أما عن النظام السوري واليمين اللبناني فيقول: "... عضتنا أنياب النظام السوري، ...حاصرونا في المخيمات اختبأت تحت الصفيح... عجنتني أحذية الكتائب وهي تمر من فوق جسدي، كتمت أنفاسي كي لا أهلك، سحقوني النمور وحراس الأرز، نزفت دما خشيت أن أتوجع حتى لا أكون خبرا مهملا في الصحف الصفراء" ص138.
يحدثنا "شكري" عن أوسلو وما أحدثه من خلل في بنية المجتمع الفلسطيني: "...حتى خرجت من الأبواب الخلفية غمامة سوداء، تحمل مولودا لقيطا هزيلا مشوها، اسمه اتفاق أوسلو، وتوشح الأكاذيب وصعدنا إلى الهاوية، خرج اللاهثون الباحثون عن النهايات، يحملون أغصان الزيتون ويصافحون جنود الاحتلال، يباركون عهد الكذب الجديد، تناسوا سجل الاذلال والإهانات ..هذا الجندي الذي قتل واغتصب وشرد وخيرك بين ان تموت أو تبصق بوجه رجل عجوز وقور، فترجاك العجوز أن تبصق بوجهه لتحمي نفسك من الموت، هو نفس الجندي الذي جعلك ترقص في الشارع وفرض عليك أن تقبل فتاة بالطريق ليجردك من نخوتك فلمن غصن الزيتون يا أخي؟" ص33.
ويستعين السارد بقول لأدوارد سعيد ليلخص حقيقة أوسلو: "منظمة التحرير حولت نفسها من حركة تحرر وطني، إلى ما يشبه حكومة بلدية صغيرة" ص34.

الفدائي
أن هذا السخط على كل من أذى الثورة وتآمر على الشعب الفلسطيني، جاء نتيجة النظرة المثلى التي شكلها العمل الفدائي الفلسطيني، فالفدائي كان نبي عصره، يتحمل الأذى والعذاب والتشرد والقتل ويقول: "أللهم أهدي قومي فإنهم لا يعلمون"، فصورة الفدائي جاءت مطلقة العطاء ومتفانية: "كنت أحلم أن أكون فدائيا مثل أبي المشتت في العواصم العربية، فقد أشبعتني أمي من خبز أسطورة الفدائي الملاك، الذي يحمل روحه فداء للوطن، ولا يكذب، ولا يسرق، ولا يزني، فتمنيت أن أكون فدائيا" ص17، هذا ما قاله "شكري عن الفدائي.
الاتجاه الإسلامي والتطرف الفلسطيني
الرواية تتحدث عن التيارات السياسية الفلسطينبية المتطرفة وكيف أن بعضها عمل لصالح الاحتلال ولصالح النظام الرسمي العربي: "... جماعة صبري البنا أبو نضال تغتال الدكتور عصام الصرطاوي لمشاركته بمؤتمر فيه إسرائيل، ولم تفكر أن تمس الإسرائيلي شمعون بيرس الذي يرافقه في المؤتمر...صبت الأموال، لتحرف البوصلة، قصنهت من أدعياء المقاومة مرتزقة مأجورين يلبون رغباتها...أيدي خبيثة تغتال الخبير العسكري المناضل سعد صايل ويبقى ينزف حتى الشهادة ولا يجد من يسعفه لا بالمستشقيات اللبنانية ولا السورية" ص137و138.
أما عن عدم فهم الدين بمفهومه الإنساني، والخلل الذي أحدثه المتدينون في الجمتمع، يحدثنا "سيعد" عن هذا الخلل من خلال علاقته بجوليا المسيحية: "...أنا المسلم سعيد لن أتنازل عن ديني أعلن أمام الله زواجي من المسيحية جوليا وسيبقى كل منا يحتفظ بديانته، ..تعالت التكبيرات وقرعت أجراس الكنائس، اتهمونا بالخيانة وأنهما عملاء الصهيوني" ص153.
اجتماعية الفلسطيني
في المقابل كانت فلسطين قبل الاحتلال تنعم بالتعددية والتنوع وبالعلاقات الاجتماعية السوية: "بيتنا في حي المنشية يطل على جامع حسن بيك يتكون من طابقين، نعيش في الطابق الثاني، وفي الطابق الأول نستضيف عائلة حاييم اليهودي وزوجته سارة وابنهما شمعون...شمعون صديق طفولتي... ترافق أمي أم طوني المسيحية التي تجيد الأحاديث الطيبة الشيقة، يزهر المكان يظلله الحب، نجري ونلعب، يافا أم الغريب لم تفرق بين أبيض، أسود، يهدوي، مسلم، مسيحي، زرعت داخلنا نهر المحبة" ص67، وبهذا يكون الخلل الاجتماعي الذي أحدث فجوة هائلة بينية المجتمع ناتج عن تمرير أفكار هدامة، نشرها المغرضين الذي يقومون بدور الطابور الخامس، آخذين الدين إلى مكان غير الذي يجب أن يكون فيه، مخالفين سماحية الدين وما جاء فيه من رحمة وتواد بين الناس.
لغة الشخوص
إذا ما توقفنا عند لغة الشخوص سنجدها تتداخل فيما بينها، فعى سبيل المثل، يحدثنا "شكري" عن اللون الأبيض بقوله: "يخرج الإنسان من العتمة يوم ميلاده باكيا، فنزينه بالثوب الأبيض، وعند موته نبكي عليه ونلفه بالكفن الأبيض، فما قبل الأبيض وما بعد الأبيض مساحات من العتمة، وما بينهما وميض نور يبعث أخيلة فوق شاشاتنا التي ستفنى يوما" ص52و53، نلاحظ أن هناك اهتمام من "شكري" بالألوان وخاصة الأبيض، وأيضا نجد "يوسف" الأعمى مهتم بالألوان، فيحدثنا عن اللون الأسود: "الأسود ...هو ألا تبصر شيئا وتشعر بالوحدة وتخشى المجهول، أن تشم رائحة شواء عائلتك محترقة وأنت تلقى في الجحيم" ص56، ويحدثنا أيضا عن اللون الأحمر بقوله: "اللون الأحمر، هو سائل لزج مقرف، يعني: الدم/ الحريق، العطش، حرمانك من الأحباب، نار تأكل أهلي، مشاعر متناقضة، انفعالات" ص59، فحديث الأعمى "يوسف" عن الألوان غير منطقي عمليا، فهو لا يعرف حقيقية الألون لأنه لم يشاهدها، وهذا ما يجعل حديثه غير منسجم مع قدراته البصرية، وتجعل القارئ يسأل: من أين جاءته هذه الفلسفلة اللونية!؟.
وفي موضع آخر يحدثنا عن اللون الأبيض،: "الأبيض: شيء لم أبصره يوما، يسبح خارج واقعي، غمامة تغلق ناظري، التقيت به حين سردت أمي قصة جبينة ناصعة البياض، حيث جسدت القصة في مخيلتي الجمال والحبة، أمي، أبي، أختي، مدينتي يافا، أصبح الوهج الأبيض يعني لي سر سعادة الكون، خصمه اللدود القبح الأسود، الذي يجعل الإنسان وحيدا على هذه الأرض" ص66، نلاحظ أن سعيد الأعمى يكمل ويؤكد ما قاله "شكري" عن اللون الأبيض، فبدا حديثهما عن الأبيض والألون وكأنهما يكملان بعضهما، حيث كانت لغتهما متشابهة في مفهومها للألوان.
ونجد يوسف الأعمى يتحدث بلغة المبصرين: "... سقط شهيدنا المجدلاوي حسني بلال، برصاص جندي فلسطيني يعمل بوليسا مع القوات المصرية، فحمله رفاقه إلى بيت أخته وراء سينما السامر في غزة، انشر الغاضبون كسنابل قمح تحتل الشوراع" ص75، التشبه بالسنابل لا يأتي من أعمى، لما لها من تناسق، وتأتي من مشاهد يرى تناسق السابل ويبصرها، لكن زخم الأحداث في الرواية جعل السارد (يخلط) لغة في الشخصيات، (متجاهلا) أن المتحدث هو رجل أعمى وليس بصيرا.
وتأكيدا على أن هناك تشابك وتداخل في الحديث عن الألوان، ما قاله "شكري في نهاية الرواية عن الألوان: "...عدنا إلى أصدقاء أحبت قراءتي لرسوماتها وشرحي لمعاني الألوان حتى توطدت صداقتنا" ص156، فحديث أكثر من شخصية عن الألوان يأخذنا إلى أن هناك لغة جامعة للشخصيات وتوحدها، وتجعلها تبدو وكأنها شخص واحد هو من يتحدث. ويضاف، وبما أن الشخصيات تتحدث عن القضية الفلسطينية ومراحلها فإن هذا أيضا جعل لغتها (متناغمة) فيما بينما ومتقاربة، بحيث ازيلت الفوارق فيما بينها.
الرواية من منشورات دار خطى للنشر والتوزيع، غزة، فلسطين، الطبعة الأولى 2018.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-