الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية باكثر لشخصية فاوست في مسرحية - فاوست الجديد -

محمد علي سليمان
قاص وباحث من سوريا

2021 / 6 / 17
الادب والفن


في مسرحية " فاوست الجديد " يقدم علي أحمد باكثير رؤية إسلامية لشخصية فاوست عبر رؤية عربية إسلامية في مواجهة الرؤية العلمانية، أو لنقل الرؤية الإمبريالية. وباكثير في استخدامه أسطورة فاوست يرى " وأياً كان الموضوع الي يعالجه الأديب العربي سواء كان عربياً أو غير عربي فالعبرة بالروح التي تكمن في مضمون العمل الأدبي، إذ يجب على الدوام أن تكون عربية أصيلة " . وفي المسرحية لا يفرق باكثير بين العالمين الرأسمالي والاشتراكي، فهما يريدان السيطرة على العالم واستعباد الدول المتخلفة. وفاوست باكثير الذي يبدأ اختراعاته بصنع آلة لتزييف النقود، يفكر بالانتحار بعد أن ترفضه مرجريت لصنعه تلك الآلة وتدخل الدير. وفاوست هذا الذي تسمح له أخلاقه أن يزيف النقود يحافظ في داخله على أخلاقه الدينية فيما يتعلق بطهارة المرأة، فرغم تمتعه بجسده مع نساء كثيرات بعد عقده مع الشيطان، إلا أنه يظل يرغب بمرغريت طاهرة ومؤمنة، وهذا ما تقدمه المسرحية، فلم تكن مرغريت الماجنة سوى امرأة من ماخور أعطاها الشيطان صورة مرغريت. ويدخل العالمان (الدولتان_ المعسكران الغربي والشرقي) في صراع من أجل الحصول على اختراعات فاوست، بل يشتريان صديقه المقرب بارسيليز بالمال حتى يسرق تلك المكتشفات العلمية من أجل استغلالها من قبل الشركات العالمية في الصناعة، ويدفعه الشيطان لقتل فاوست والحصول على تلك المخترعات، ويخون بارسليز صديقه فاوست. لكن الطريف أن اكتشافات فاوست باكثير لا تتعلق بواقع مجتمع المسرحية، وهو لا يفكر بنهضة المجتمع العربي المتخلف، لا يفكر بطبقة تسعى للنهضة كما كان فاوست جوته، إنه لا يسعى إلى حداثة مجتمعه كما فعل فاوست الأوروبي، بل يفكر بالحضارة الإسلامية التي تسعى لخير العالم، ومكتشفاته العلمية تخدم العالم ولا تخدم مجتمعه العربي:
" فاوست: تحويل الصحارى إلى رياض غناء.
بارسيلز: لا توجد في بلادنا صحراء.
فاوست: توجد في آسيا وأفريقيا، سوف يسعد بها ملايين البشر هناك " (ص53).
طبعاً هنا تظهر إشكالية رؤية باكثير لفاوست، إن باكثير لم يعرب المسرحية، ولكنه أنتج صياغة تخصه، ورؤيته لمسرحية فاوست تخضع لكثير من شروط المسرحية الأصلية، وهو _ باكثير _ يريد من فاوست في رؤيته للمسرحية أن يسعى لخير العالم وليس لخير طبقته البورجوازية، وبالتالي فإن باكثير يراهن على رؤية خارجية بشكل غير مباشر رغم أنه يعتبر أن العالمين لا يريدان خير العالم المتخلف.
وكما أصبح فاوست تحت رحمة الشيطان من أجل مرغريت، ينسحب من عقده مع الشيطان من أجل مرغريت أيضاً. يختلف فاوست مع الشيطان، الذي يريده أن يصبح حاكماً على أحد العالمين الشرقي أو الغربي وبذلك يصبح العالم الآخر تحت سيطرته، وعندما يدخل العالمان الشرقي والغربي البلاد من أجل الحصول على مكتشفات فاوست، حتى لا يستغل العالمان اختراعاته، يحرق فاوست مكتشفاته واختراعاته حتى لا تستعمل في استغلال الشعوب الفقيرة. إن فاوست باكثير رغم عقده مع الشيطان مقابل روحه يظل يؤمن بالله، إنه يريد أن يعرف الله ويحبه ويعبده، أن يعرفه عن طريق العلم ليتسنى للناس أن يعرفوه ويعيشوا في حب وسلام (ص96). إن فاوست باكثير يعود إلى إيمانه ويطلب العلم من الله وحده، وبذلك يسعى ليكون مجسداً للحضارة العربية الإسلامية، ويرفض أن يصبح جباراً في الأرض، وعبر رحلته مع الشيطان يكتشف فاوست نفسه، ويعترف للشيطان " إنك زدتني إيماناً بالله " (ص123)، حتى أنه يصارح الشيطان " لا وجود لك، الله وحده هو الموجود " (ص125). وعند باكثير أن الدين عند الله هو الإسلام، وهو يحلم بأنه " سيأتي يوم قريب أو بعيد يجمع فيه بنو الإنسان قاطبة أن الله هو الذي يلهمهم الحكمة والمعرفة ويريهم ويأخذ بأيديهم إلى طريق الخير والحق والجمال " (ص102). لذلك ينهي باكثير المسرحية بغناء جماعي عبر مقطوعة شعرية مستمدة من الآية " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ". وفي النهاية فإن فاوست باكثير هو فاوست العالم المتخلف، فاوست العاجز في مواجهة العالمين (الشرقي والغربي)، العاجز في مواجهة الشيطان، والذي يدمر نفسه (مكتشفاته ومخترعاته) مع أن هذه المخترعات تبدو مخترعات هواة وليست مخترعات علماء، فاوست لم يفكر بتحطيم بنية المجتمع العربي التقليدية من أجل بنية اجتماعية حديثة، إنه " يؤسلم " مسرحية جيته، ويجعل، وفق رؤيته الإسلامية، فاوست يرفض الحضارتين الشرقية والغربية (الاشتراكية والرأسمالية) لصالح الحضارة العربية الإسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله