الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشّيــخ إمـــام في ذكرى رحيله السّادسة والعشرين / ما كلّ المراثي تليق بالموتى

الطايع الهراغي

2021 / 6 / 17
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


" إنّما أريد فقـط أن أقـول أنّ أكبـر المؤرّخيـن وأكثرهـم احتراما قـد حافظوا على احترام بعـض الأشياء، بينما التّاريـخ الذي هـو قاضي هــذا العالـم واجبه الأوّل نبــذ الاحتـرام ".
-- (جــول ميشلــي / مـؤرّخ فرنســيّ 1798 / 1874 ) --
"كلّ دموع الأرض لا تستطيع أن تحـمل زورقـا يتّسع لأبوين يبحثان عـن طفلهماالمفقود"
-- غسّـان كنفاني ( 1936 / 1972 ) / عائـد إلى حيفـا --
هذا النّصّ لمسة وفاء لكلّ من أبى أن يعرض نضاله في بورصة المزاد العلنيّ للتّباهي والمفاخرة الفجّة ، ومضى تاركا للمغرمين بحيثيّات التّفاصيل ما به يدبّجون مراثيَ تصلح لكلّ آن وحين، مراث تقتل كلّ خصوصيّة، هي إلى الواجب الثّقيل أقرب، مسكونة بإعلاء ذات الرّاثي وإشباع نرجسيّته المنتفخة ، وليس تنزيل المرثيّ المكانة التي هو بها جدير.
ذات يوم من أيّام العرب العجاف من ليل عربيّ أليل، له أوّل وليس له آخر، تسرّب – كما يتسرّب أيّ محظور- نبأ وفاة الشّيــخ إمــام عيســى . المكــان: حيّ شعبيّ ( حيّ الغوريّة ) في أرض مصر" أمّ العجائــب " ، الزّمــان: ذات مساء أو ذات صباح ، وربّما في غبش اللّيل ، من زمن عربيّ ضنين ، الخبـــر: كما تناقلته وسائل الإعلام اليعروبيّة في تناسخ مريب عجيب: " ذكــر الشّاعــر أحمــد فــؤاد نجــم ، صديق الشّيخ إمام ورفيقه لسنوات طويلة أنّ الشّيخ إمام توفّي يوم 06 جوان 1995 عن 78 عاما ". سبب الوفاة [ كما لا يمكن أن يصرّح به مصدر مأذون ] : حبّ شبقيّ فاض عن حدّه وتوحّد في وحدة دراميّة أخّاذة لمجابهة الخراب الجارف . رحل الشّيخ بدون كبير ضجيج ، هو الذي ملأ دنيا العرب صخبا وشغل النّاس ردحا من الزّمن. هتـك حرمات سلاطين " الفـول والزّيـت "، وكان عليهم نقمة. فهل لذلك تجاهلهته أبواقهم الصّدئة ؟؟ فلم ينشغل به أحد.
دليل إثبات على أنّ التّاريخ -- تاريخنا نحن بالأخصّ -- لم ينضب من المساخر منذ فُرِض علينا أن نتصالح مع شنيع الهزائم . ................................................................................................................................................................................................................................................
يوم 06 جوان ، قبل 28 سنة من رحيلك مُني العرب بأكبر هزيمة في تاريخهم . فهل أردت يا شيخ باختيار تاريخ موتك أن تضحك منّا وعلينا وعلى تاريخ لم نتمثّــله قـطّ ؟؟. هل أردت أن تذكّرنا -- أنت الذي لم يغــنّ لغير الفرح أنّ شعبا لا يتمثّــل هزائمه أليقُ مكان به كهوف التّاريخ ؟؟. كم في مصر من المضحكات أيّها الضّرير المبصر وسط مبصرين عُمي ؟؟. لا تجب ، لا تطرد على الجرح الذّباب . فعزاؤك أنّ دنيانا كلّها خليط من العجيب والغريب، والمضحكات المبكيات ليست في مصر فقط بل في سائر الأمصار . أرض يباب مَوات ليس للحياة فيها معنى . دفنتْ موتاها وباللّعنات شيّعتْهم واستراحتْ إلى الأبد . أمّة قتلوا فيها الذاكرة وقبروها منذ صار للعرب تاريخ هزائم . العرب العاربة قتلها الهذيان، أنهكتها الخطوب، صار كلّ خصيّ فيها إماما. ذُبِحت فيها القيم من الوريد إلى الوريد ، وما تبقّى عرضه أولاد الحلال في بورصة المقايضة، وزوّدتهم البلاغة الرّعناء بترسانة من مشتقّات السّلم : السّلام والاستسلام والتّسليم والسّلالم ، واستتباعاته : التّطبيع والتّطبع والطّبع والطّباعة. لا تعجب ممّن حيث مالت الرّيح يميل . فكثر هم الذين سيتباهون بأنّه كان لهم بك يوما وصال ، وبـزهو سيعلنون أنّهم حازوا على تسجيلات لك بِكر لم يحزها غيرهم. كثــرٌ هم الذين سيعلنون في كثير من المكابرة أنهم هرّبوا أشرطتك تهريبا. حملوا بين ظهرانيهم أغانيك " تمائم " هم اليوم بها يتسلّون في بورصة القيم المنقولة .فلا تغضب يا شيخ . فبعد كلّ حرب خاسرة يكتب الرّوائيّون المآسي . كثـــر هم الذين سيتبرّؤون منك . فعن حياة الملاهي شغلتهم بترنيمات بها حقنتهم فأخّرت توبتهم. بيادق نحن في رقع شطرنج ، أيتام في مآدب أبخل اللّئام ـ مهرّجون فاشلون في أرذل مزابل التّاريخ . .................................................................................................................................................................................................................................................
ماذا لو تبادلنا الأدوار ؟؟ تتكلّم ونصمت ، تغنّي وننصت ، تنكأ جراحنا فنتلذّذ ، تلهبنا بسياط وقاحتك وعن الكلام نصوم ، وهل لنا ما فيه نتكلّم؟؟ تبكي أنت الأحياء و نندب نحن الأموات، تنشد أنت الفرح ، نلوك نحن المرارة ، تضمّد أنت الجراح، ننكأ نحن الجراح ، تستر عوراتنا، نهتك أعراضكم ، تضحك من حالنا ،من حلّنا و ترحالنا إلى الغابر من الأزمنة ، ننتشي بعرينا وعارنا . وإليه نصلّي وبه نتسلّى. ما كلّ المراثي تليق بالموتى . وهل كلّ المراثي تليق بالموتى؟؟ . فماذا لمّا يكون الرّثاء واجبا ثقيلا كالجبال الرّواسي أوكِل لشاعر مخصيّ يغالب الشّوق إلى ما في الكأس من فضل فيغلبه الشّوق ؟؟ وماذا إذا كان المرثيّ قد أنهكه العشق -- عشق مصر يا بهيّة -- فمات شاهدا على أنّ العشق في بلدان القحط مهزلة ؟؟ . فأيّنا أحقّ بالرّثاء يا أيّها الشيخ الجليل ؟؟ . كم شيّعك يوم رحيلك ؟؟ لا تجب ،لا تعمّق الجراح، دع قلق السّؤال يسحق بليد الأجوبة ويحلّق في عالم " المحال " . تسلّلت أغانيك يا صاحبي إلى مضاجهم جميعا فبخلوا عليك حتى بالسّبّ والشتم ، استكثروا عليك مجرّد نعي رسميّ شامت بالحقد مشحون . أما كان بإمكانهم أن يقولوا عنك : غبيّا كان ذلك المسكين، قتله حلم أرعن في زمن علّب سادته كلّ الأحلام وباعوها في سوق النّخّاسين ؟؟. نحتّ الفرحة نحتا واغتصبتها اغتصابا وشدوت بما يقضّ مضاجعهم فحلّت عليك لعنتهم ، فما زادك ذلك غير التّصميم .عزفت ألحانك وسط نقيق الضّفادع ونوّاح المدّاحين . عيبك يا شيخ أنّك هتكت مقدّساتهم . ما يوما مجّدت ولا يوما على باب سلطان وقفت ولا قصيدة مدح دبّجت . هل تدري أنّ شِيعا كانت بالأمس تدّعي بك -- بكم -- وصلا باتت اليوم منكم تتبرّأ .من كان بأغانيك يلهج وبحفظها يتباهى وبها ولج سوحا عصيّة صار منك وبك يتندّر وإيّاك يلعن في سرّه وإعلانه ، ومن مجرّد ذكرك يجفل كمن به صرع مدخلا لتوبة بليدة باهتة ؟؟. من كانوا ينافسونك مجدك وفي المزايدة يوغلون ويغالون تدبّروا صكّ غفران وتوبة نصوح وحجّ مبرور إلى بيت الطّاعة بختم نبيّ من أنبياء هذا الّزمان ، نبيّ امتلك كلّ مؤهّلات تأهيل المفاهيم وتطويعها لتطبّع مع موجبات العصر. هل تدري أنّنا خاتلنا عقول الأعداء ، وبها تلاعبنا ، وانخرطنا في السّباق طائعين ، وتركانهم من سرعة تفاعلنا في بهتة ووجوم مشدوهين إلى يوم الدّين؟؟ . ...............................................................................................................................................................................................................................
رايتك في ما يرى الرّائي مع رفاق سوف تعجب أنّى لهم أن يعرفوك: غيفارا / عبد الودود / ماركس/ لويز ميشال / عمّال براغ / شهدي عطيّة الشّافعي / غسّان كنفاني / روزا العرجاء / ثوّار كومونتيْ باريس و كرونشطاط / شهداء " أرض البرتقال الحزين " / أبو ذرّ الغفّاري إمام الفقراء / طلاّب القاهرة قبل أن يسرقوا منها الذّاكرة يعزفون معك: أفكارنا في كلّ مكان ونحن لسنا في أيّ مكان.
رأيتك في ما يرى الرّائي مطرقا مهموما . قلتُ، الوجد يقتله أم القصيدة تسكنه أم عسر ولادة الأغنيّة ينهشه . طال انتظاري وقلّ اصطباري . في لحظة ما رأيتك تستجدي ملائكة الرحمان أن يتوسّطوا لك عند ربّ رحيم إلى مصر زورة خاطفة . قلتُ، الشّيخ سيصعق من هول الفاجعة .
كم كنتُ بك ضنينا ؟؟. في شوارع مصر أبصرتك تغنّي : سلام على من هرب / سلام على من صمد / سلام على من بالغ في الشّطط / سلام على من أوغل في الغلط / سلام على من بالحلم سافر وفي الحلم سافر وإلى الحلم دوما يعود / سلام على من اغتالوا منه الحلم. انتفض الحلم وأنجب حلما . هل تدري كم كان الموت بك رحيما لمّا خلّصك من زمن صارت فيه التّوبة عودة عن الغي.؟؟ لأنّك أقسمت أن لا تصافح يدك يدا كان سيفها يوما أثكلك اسكثروا عليك خبرا باهتا في ركن من أركان جرائدهم الصّفراء . تعال نغنّ سويّا : ما أصغرنا / ما أكبرك / ما أتفهنا / ما أعظمك / أحقر من بعوضة نحن وأبهى من كلّ الأحلام أنت . أنتم كلّ المسألة وسواكم مسوخ ومهزلة المهزلة.
لسنا نرثيك يا شيخ ، وبعض من الرّثاء مذلة . ولسنا نبكيك . فما نحن أهل لأن نبكيك . ما إيّاك نرثي وإنما شؤمنا نبكي .
..........................................................................................................................................................................................................................................
وحيدا ستقابل الرّبّ طاهرا من كلّ رجس . فلا تكن لنا عنده شفيعا . واحذر أن تحدّثك نفسك بعضا من رحمة التّاريخ ، فتكون لنا عنده وسيطا جريا على سنّة أسلافنا في الوساطة بين الخصوم . ولا تجفل عندما ينشر الرّبّ اللوح المحفوظ ويفتح سجلاّت الحساب فتكتشف كم فينا من الوشاة عيانا مجانا جهارا نهارا . رتّـل : من لا يبصرون غير القماءة ويموتون شبقا لرؤية القبور ويجفلون بلا سبب لا يجدر بهم غير رثاء الجيفة. من لا يدركون لعبة الموت ، يجهلون الأبعاد ، يهزّهم طربا طبل ويجمّع شتاتهم طبل ومزمار، ويفرّقهم بلا عناء شبح شرطيّ متكوّر في آخر الشارع لفظهم التّاريخ وأحالهم إلى غرفة الإنعاش، ومنهم تبرّأ، ولعنهم الرّبّ وحلّت عليهم نقمة الأرض ومجّتهم السماوات . من كان همّه -- إن كان له همّ -- استقبال القرن الواحد والعشرين بعقليّة المزمار والرّباب سيظلّ يتيما في مآدب كلّ تاريخ . مدينة شرّعت أبوابها للغزاة / وارت ذاكرتها / كمّمت أفواه المتيّمين بها وتخمّرت برجس شطحات بهلوانيّة. مدينة قتلها العيّ / تبوّلت على أسوارها الكلاب السّائبة / بموتاها تتندّر وعهرها تشرّع / مدينة ركبها الخصيان واستسلمت للبليد من سالفات لأحاجي وخضّها الذّعر من رؤية لهيب منبعث من مكان ما ، مدينة موبوءة . مدينة لا تورِث غير ترتيل باهت المراثي وحفظ التعاويذ والوشاية تبجّحا وإشهارا ، مدينة متدلّية كحبل في غرفة المشنوق . مدينة يؤمّن أمنها شرطيّ يغالبه النّعاس ويجفل من ظلّه ، مدينة لا تفرّق بين الرّاغبين فيها حنوّا والرّاغبين عنها عتوّا مدينة موبوءة . مدينة من قشّ ومن قصب بنت عرشها
وأقامت سلطانها ، أنّى لها أن تواجه عاتيّات الرّياح وعاديّات الزّمان . مدينة يفرحها زهو ملغوم ويبدّد شمل أهلها ببّغاء في زيّ شرطيّ بارك في ركن رثّ لا تصلح حتّى أن تكون مقبرة .
ما كلّ المراثي تليق بالموتى، وقد رحلوا جماعات وعواصم . هل ستغنّي في لحظة وجْد، لمّا بك-- بكم -- تحتفي ملائكة الرحمان ؟؟ هل ستغني، اصحِ يا مصر ؟؟. ما ذا ستقول لغيفارا لو سألك عن مآل ما إليه دعا وفي سبيله استشهد ؟؟. هل تصدقه القول بإجابة صادمة ؟؟، فتخبره بأنّ القوم في ما دعا إليه مختلفون ، ومن أحلامه جميعا يسخرون ؟؟ . هل ستخبره بأنّ الجماعة لا يرون كبير فرق بينه وبين أبطال الوستارن في آخر طبعة أمريكيّة منقّحة ومدعّمة باكتشافات ثوريّي آخر زمان ؟؟ . هل شتبشّره بدخولنا أفواجا أفواجا في دين السّلم والسّلام الأمريكيّ المطليّ بالنّفط المبين بنفس راضيّة مرضيّة ؟؟. هل ستخبره بتسابقنا لاحتلال أليق مكان بنا في ذيل التّاريخ ؟؟ . لست أدري، لِم لا أتخيّلك إلاّ وأنت تغـرّد : لا تصالح، فما قبلت اليمامة يوما صلحا رغم سخاء ما عرضته الوفود . ظلّت تردّد : " أنــا لا أصالـح حتّى يقـوم والـدي وأراه راكبـا يريـد لقاكـم ". المهلهــل، أخو كليــب ، لمّا أعلمته بنت أخيه اليمامــة وصيّة أبيها ، قال قوله الفصل " أنــا لا أصالـــح إلـــى الأبــد مـــا دامـــت روحـــي فــي هــذا الجســـد".
ما ذا تبقّى منك يا شيخ ؟؟ . بحر من الأحلام ، في لجّ الهوى تسبح ، في بلد أهلوها مغرمون بالسّفر ليلا تعقّبا لأثر من خطى السّلام ، دفاتر عشق صوفيّ في مدينة لا تفرّق بين مريديها والمدبرين عنها،
بعض من الحياء في عصر سمته الأساسيّة قلّة الحياء .
....................................................................................................................................................................................................................................................
ماذا لو بُعثت بيننا حيّا يا شيخ كما الشّهداء دوما يُــبعثون ؟؟ . ستكتمل فصول المسرحيّة . أغلب الدّاعين إليك -- قبل أعدائك -- سيعيدونك إلى حتفك بشبق أنّى لك أن تعرف سرّه . لو سألت عبد الودود ، هل مازال رابضا على الحدود لجفل منك الجميع ؟؟. ومن لازال به بعض الخجل سيقول في سرّه ، الضّرير المسكين ، لا زال يعيش على قرع طبول الحرب . قلّة ممّن يعني لهم التّاريخ شيئا سيقولون ، عفوا يا شيخ . لا تحزن. لو غنّيت " اصح يا بهيّة " لبكت مصر واحتضنتك بحنوّ واشتهاء عجيب عجيب ، وغنّت ماذا لو راسل الأموات الأحياء ؟؟ أيّ العناوين يضعون؟؟ وكلّ العناوين امّحت ووجه المدينة أكلته فئران سائبة ، وكلّ السّبل انسدّت ، وكلّ الأسماء اختلط حابلها بنابلها؟؟ . بعض من بني جلدتك سيصلّون صباح مساء وأيّام الأعياد والآحاد، وسيقيمون صلاة الاستسقاء كي لا تتعرّف عليهم . البعض الآخر ممّن طلّقوا قناعات لبسوها يوما ما نِصفا قناعة ونِصفا تبجّحا سيطالبون برجمك لأنّك ستكون عليهم لعنة تذّكّرهم دوما بما منه تملّصوا في موسم الهجرة إلى عالم الدّعارة السّياسية والانفلات المرضيّ. من بك كان رحيما سيبكي بحرقة كطفل صغير تاه فأضاع السّبيل. من كان بك أرحم سيركع تحت قدميك يستحلفك بأقدس مقدّساتك أن تتبرّأ منّا .

وأنت . ماذا تراك فاعلا يا شيخ ؟؟ أغلب الظنّ أنّك بعد أن تزول البهتة سيهزّك الحنين هزّا إلى عبد الودود متراسا على الحدود، سيرحل بك الشّوق إلى بهيّــة ( مصـــر القضيّة )، لن تجد مفرّا من الغناء، ستغنّي للفرح ، ستغنّي للطّلبة، ستغنّي للفقراء والحالمين ولمن لازال يسكنهم الحياء . بصوت شجيّ تعلوه مسحة من الحزن تزيده رونقا وبهاء ستغنّي، " اصحـي يا مصـر [ يا أمصار] / اصحـي يا مصر / هـزّي هلالـك / هاتـي النّصـر / اصحـي وكونـي وعيشـي يا مصـر". ويأتيك الجواب ، نموت ألف مرّة ولا نسالم / مع العفونة أبدا لن نتصالح / يساوم الجميع ولا نساوم / يعلن الجميع التّوبة ونظلّ نحن --عنادا -- في منعة من كلّ توبة / أنا وإيّاك لا نصالح إلى أن ينغرس الرّمح في العدم . ....................................................................................................... ..................................................................................................................................
إذا صدّقت أنّ الشّهداء يتماوتون ولا يموتون كما جزم بكلّ يقين شاعر " الدّاخــل " سميــح القاســـم [ ولِم لا تصدّقه ؟؟ ومن غيرهم يؤثـّـث فعاليّات العرس الفلسطينيّ الدّامي ] وخطر لك أن تسامر فرسان الكلام وشهداء الحقيقة فتوسّل بحكيم المعرّة ، رجل سبق عقله زمانه، فله في" لــزوم مــا لا يلــزم" باع طويل ، مدخله إلى ذلك "رسالــة الغفـــران" .ألم يمكّن ابن القارح من صكّ غفران ، جواز عبور إلى ثنايا الجنّة ؟؟. وليكن بيانكم شعرا لا نثرا، بيان إدانة في قالب مرثيّة . وبعدُ، فبعد كلّ حرب خاسرة [ ولنا في ذلك فضل السّبق] يكتب الرّوائيّون المآسي ويحبّر الشّعراء [شعراؤنا بالذّات ] المراثي .أليس الشّعر ديوان العرب، سِجلّ أيّامهم [ إذا بقيت لهم أيّام ]؟؟ . مضمون البيان أسهل من تعريف الماء بأنّه ماء خاصّة وواقعنا الآن أردأ ممّا كان عليه في سالف الأزمان. شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشّعراء أبو العلاء المعرّي أمْيل إلى التّكثيف. أليس هو القائل" لا تقيّد عليّ لفظي فإنّي // مثل غيري تكلّمي بالمجاز" . لن يزيد عن التّذكير بما كان جزم به منذ عشرة قرون " كذب يقال على المنابر دائما // أفلا يميد لما يقال المنبر؟؟ ". عبد الوهّاب البيّاتي شاعر الرّحلة والتّــرحال ،أغرب الغرباء ، الشّاعر الذي طوّحت به ش المنافي ، ومع ذلك -- وربّما لذلك -- لا أحد يضاهيه في تصوير ليل بغداد الكئيب ، عن مساره لن يحيد، فالأحياء مجازا -- الأموات فعلا-- في قاموسه أولى بالرّثاء من الأموات الأحياء، سيحيلك إلى قصيدة ألقاها في تأبين زكي الأسوزي ( 1969) " آه يا قبر حكيم نام بين الفقراء / قم تحدّث . نحن جيل الموتى بالمجان جيل الصدقات / هزمتنا في مقاهي الشّرق حرب الكلمات ". محمود درويش لن يزيد عن استرجاع صرخته التي أطلقها خلال حصار بيروت أوائل الثّمانيات" يــــا وحدنــــا " . وقد يترجّاكم أن يكون نـــــصّ البيان ما ورد في الإهداء الذي به صدّر الشّهيد غسـّـان كنفانــي [ قال عنه درويش" آه مــن يرثــي بركانــا ؟؟ "] روايته "مــا تبقّــى لكــم" (1966) " إلــى خالــد العائـد الأوّل الـذي مـا يـزال يسيــر" ، وسيظلّ يسير إلى أن يستعيد " أرض البرتقــال الحزيــن"فيعود إليها. أمير الكلام، متنبّي ذاك الزّمان ال"غريب كصالح في ثمود " سيكفيكم عناء جــرد بؤس الحاكم العربيّ ، من المليك إلى الأمير إلى العقيد إلى الرّئيس ، ومن عضد الدّولة إلى صدر الدّولة إلى المعتصم بالدّولة ، بؤس وذلّ متأصّلان، بهما يتميّز عمّا سواه من الحكّام:
" وليــس جميـــلا عرضـــه فيصونـــه // وليـــس جميـــلا أن يكـــون جميـــلا
ويكــــذب مـــا أذللتـــه بهجـائـــه // لقــد كــان مــن قبْــل الهجــاء ذليـــلا ".
...................................................................................................................................................................................................................................
وبعدُ يا شيخ ، لهم الماضي وماضي الماضي وجزء من الحاضر وبعض مما صادروه من مستقبل ليس لهم . ليتأبّطوا شرّا ، وليبحروا في بحر غير بحرنا وحزن غير حزننا وحقد غير حقدنا . لنا ما ليس لهم. لنا الرّقم غير المدرج في ما راكموا من خسائر. لنا الرّبح الباقي في ما ينتظرنا من حاسم المعارك . لنا العناد، به نجابه [ وبه جابهت أنت ورفاقك ] ما قد ( قد ) يتزعزع من قناعات . به نبصر النّور في قلب العتمة ،
به نرعى الرّغبة التي تخبو ولكنّها توقا إلى الانبعاث تأبى أن تموت.
لأنّـنا نرتعب من نقمة التّاريخ ومن دموع الفرح الحزين في عين أمّ الشّهيد لا نخون، أبدا لن نخون .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا