الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التدابير الاحترازية

ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك

(Majid Ahmad Alzamli)

2021 / 6 / 18
دراسات وابحاث قانونية


التدبير الاحترازية إجراءات إدارية , كما اتجه غالبية الفقهاء إلى اعتبار التدابير الاحترازية إجراءات إدارية ،وذلك نتيجة تأثرهم بالمبادئ التي جاءت بها المدرسة الوضعية التي تعتبر التدابير الاحترازية مجرد وسائل دفاع اجتماعي يكون الغرض منها علاج بعض الفئات من المجرمين ومواجهة خطورتهم الإجرامية في المجتمع دون النظر إلى ماديات الجريمة المرتكبة أو فيما إذا تم ارتكاب جريمة فعلا أو لم يرتكب أصلا (3) و من أبرز أنصار هذا الاتجاه الفقهاء الايطاليين الذين أطلقوا عليها اسم تدابير بوليس الأمن ، التي يتم اتخاذها من أجل الحفاظ على مصالح المجتمع و أمنه من أي خطر ، فهي في نظرهم تهدف إلى منع وقوع الأضرار الاجتماعية و هي وظيفة وقائية من أخطار محتملة ناتجة عن نشاطات الأفراد المختلفة و هي من اختصاص قطاع الشرطة وليس القاضي و تدخل في نطاق القانون الإداري،و قد أورد قانون العقوبات الايطالي التدابير بعنوان التدابير الاحترازية الإدارية،الذي أكده القانون الخاص الايطالي رقم 1963 الصادر بتاريخ 24 سبتمبر 1931 في مادته الرابعة. استند هذا الاتجاه في تبرير موقفه إلى أن التدابير الاحترازية تكون غير محددة المدة لارتباطها بالخطورة الإجرامية التي تختلف من شخص لأخر مما يجعله قابلا للتعديل والإلغاء و هو ما يتنافي مع طبيعة الجزاء الجنائي و القرارات القضائية.
مونتسكيو عبَّر في كتابه روح القوانين عن آرائه و هاجم فيه العقوبات القاسية التي كانت سائدة في فرنسا في القرن الثامن عشر ، كما أنه أيد فكرة الفصل بين السلطات في الدولة ، ومن بعده جاء جون جاك روسو الذي أصدر كتابه العقد الاجتماعي ضمّنه نقدا شديدا على العقوبات القاسية التي سادت في عصره ، و أورد مبدأ أساس الدولة في العقاب مفاده تنازل الأفراد عن بعض حرياتهم و حقوقهم للجماعة في سبيل المحافظة على الباقي منها . و قد ترتب عن آراء هؤلاء الفلاسفة في هذا المجال أن نشأت المدارس المختلفة للتجريم والعقاب، ساعدت على ظهور التدابير الاحترازية و تطوير مفهوم السياسة الجنائية. نتيجة القسوة والوحشية التي عرفتها العقوبة أثناء تنفيذها على المحكوم عليهم،وعدم كفاية المبدأ الذي تستند إليه في توقيعها وهو الإيلام المقصود من أجل الأغراض الاجتماعية المتمثلة في تحقيق العدالة بمراعاة التناسب بين جسامة ماديات الجريمة و ضررها و بين العقوبة وشدتها و تحقيق الردع العام،و هو ما جعل العقوبة بمفهومها التقليدي عاجزة عن تحقيق الإصلاح الذي يتعارض مع طبيعتها وأساسها و الأهداف التي. تسعى إلى تحقيقها . كما أن استنادها لفكرة المسؤولية الأدبية أدى إلى عدم تطبيقها على من انعدم لديهم الإدراك والتمييز،بالرغم من أن هذه الفئات أشد المجرمين خطورة لانعدام المسؤولية لديهم.
لقد أثارت العقوبات السالبة للحرية موجة انتقادات شديدة نتيجة فشلها في سياسة مكافحة الجريمة و إعادة تأهيل المحكوم عليهم ، فأصبحت تشكل عبئا ثقيلا على عاتق الدولة، ذلك أن فرض العقوبة أو النطق بالحكم المتكرر الذي يقضي بوضع المجرم داخل السجن يعتبر ضياعا له بعد الإفراج عنه و عودته إلى السلوك المنحرف مرة أخرى. فإصلاح الجاني يقتضي الدراسة العلمية لشخصيته وتقدير درجة الخطورة الإجرامية لديه، حتى يمكن إصلاحه عن طريق اتخاذ الأساليب الوقائية بغرض العلاج والتهذيب واستئصال العوامل الإجرامية لديه ، دون الأخذ بجسامة الجريمة المرتكبة و ضررها . تتجه العقوبة إلى الشخص الذي ارتكب الجريمة ، إلا أن توقيعها على الجاني لا يكون الهدف منه العلاج و القضاء على الخطورة الإجرامية فهي تعجز عن تحقيق الردع الخاص للمجرم ، ذلك أن الخطورة الإجرامية هي حالة فردية تقتضي العلاج و المتابعة ، ويتحقق ذلك بإعادة تأهيله والقضاء على مصادر الخطورة الكامنة لديه ، حتى يمكن إدماجه في المجتمع . فالعقوبة تعجز عن مواجهة الخطورة الإجرامية للمجرمين المعتادين ، فمعاودة ارتكاب السلوك الإجرامي دليل على عدم فعاليتها في تحقيق الردع لهذه الفئة، لأن سبب العودة في ارتكاب الجريمة هو الميل الإجرامي و احتراف الإجرام الذي يشكل النصيب الأكبر من تكوين شخصيته لذلك يستلزم اتخاذ الإجراءات اللازمة لعلاجه وهو ما أكد عجز العقوبة عن تحقيقه،كما أن ظاهرة الإدمان مرض ليس للعقوبة دور في الحد منها وعلاجها. فهناك حالات لا تستطيع العقوبة أن تتدخل لمواجهتها ، هذه الحالات تتمثل في انعدام المسؤولية لدى بعض المجرمين كالمجانين و الشواذ ، فهذه الفئة من المجرمين ترتكب الجريمة تحت تأثير مرض عقلي و لا فائدة للعقوبة في تطبيقها في هذه الحالة ، و كذلك المجرمين الشواذ يقتضي الأخذ في مواجهة خطورتهم بنظام الظروف المخففة فتتخذ العقوبة قصيرة المدة لمواجهة هذه الفئة من المجرمين، الأمر الذي أثار نقد شديد من قبل الفقهاء ، لما لها من ضرر مؤكد نتيجة اتصالاتهم التي تتم داخل السجون فتقوى الميول الإجرامية لديهم زيادة على قصر المدة التي تعجز عن تحقيق غرض الإصلاح والتأهيل. و هناك فئة أخرى من المجرمين تبدو العقوبة عديمة الفائدة في تطبيقها ، و هم الفئة التي تستغل نشاطاتها المهنية في ارتكاب الجرائم كالشرطي و الطبيب والصيدلي ، فلا تنفع العقوبة في زوال الخطورة الكامنة لديهم إذا ما ترك لهم حق العودة لمهنتهم من جديد. فالعقوبة غير كافية لتحقيق الإصلاح والتأهيل و العلاج في بعض الحالات و غير قادرة على ردع الجاني ومنعه من ارتكاب الجريمة مرة أخرى ، وهو ما أكد ضرورة الأخذ بنظام التدابير الاحترازية. نتيجة السلبيات التي تضمنتها العقوبة كنظام تقليدي يعجز عن حماية المجتمع و مكافحة الجريمة، فكان من اللازم البحث عن وسائل أخرى تحل محل العقوبة تعمل على وقاية المجتمع، فاقترحت المدرسة الوضعية التدابير الاحترازية باعتبارها وسائل دفاع اجتماعي مهيأة لإصلاح الجاني لأنها تدابير علاج وتهذيب، فعبر الفقيه رابينوفتس عن هذا الاتجاه بأزمة الجزاء العقابي الذي أوقع النظام الجنائي في أزمة حقيقية نتيجة عدم فاعلية العقوبة و ضعف أثرها في مكافحة الإجرام و متطلبات العدالة العقابية العملية.(1)
التدابير الاحترازية أعمال قضائية
لقد أثارت القسوة و الوحشية التي عرفتها العقوبة في الأنظمة القديمة ضرورة إيجاد سبل أخرى تكون لها أسس و ضوابط تحول دون المبالغة فيها،فاتجه المفكرين و الفلاسفة في القرن الثامن عشر إلى وضع مجموعة من المبادئ التي يكون لها دور في عصرنة الأنظمة العقابية. واتجه جانب من الفقه إلى اعتبار التدابير الاحترازية من الأعمال القضائية التي تصدر عن الجهات القضائية في الدولة، التي تسعى بدورها إلى تكريس الحياد بين الطرفين لذلك فان تطبيقها يدخل في اختصاص السلطة القضائية. كما أن نظرية التدابير الاحترازية نشأت وتطورت في ظل قانون العقوبات بعدما ثبت عجز النظام العقابي بمفهومه التقليدي و عدم فعاليته في مواجهة الظاهرة الإجرامية ، مما استدعى إيجاد نظام التدابير الاحترازية الذي تم تطويره فيما بعد من قبل رجال القانون الذين أكدوا أن تطبيق التدابير الاحترازية يدخل في اختصاص القضاء و استثناء يعهد به إلى الجهات الإدارية. و الغرض من تطبيق التدابير الاحترازية هو مكافحة الظاهرة الإجرامية و منع ارتكابها وإصلاح الجاني و إعادة تأهيله، كما أن خضوعها لمبدأ الشرعية و تحقيق الضمانات القضائية للمحكوم عليه يبرز دورها في حماية الحقوق والحريات الفردية في المجتمع ويضفي عليها الطابع القضائي. فظهر اتجاه في الفقه الايطالي يقر بالصبغة القضائية للتدبير الاحترازي ، حيث استند هذا الاتجاه إلى التفرقة بين الولاية القضائية والولاية الإدارية. ذلك أن الولاية القضائية يعهد بها إلى قاضي التنفيذ في القانون الايطالي ، كما يمكنه تطبيق وتعديل و استبدال الأحكام التي يصدرها قاضي الموضوع فيما يتعلق بالتدابير الاحترازية فحدد قانون الإجراءات الجزائية الايطالي الأحكام الإجرائية التي تخضع لها التدابير الاحترازية، وهذا يختلف عما هو معمول به في الولاية الإدارية التي يمنع فيها تعديل القرارات الصادرة عنها مهما كان سواء بالتعديل أو الإلغاء لما في ذلك من مساس (2) لمبدأ الفصل بين السلطات.
---------------------------------
1- د . عبد الله سليمان سليمان ،النظرية العامة للتدابير الاحترازية،المؤسسة الوطنية
., ،ص 79 ، 78 للكتاب،الجزائر1990
أ. فؤاد الصفريوي ،بحث منشور بعنوان دور التدابير الوقائية في مكافحة الظاهرة 2-
3-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم


.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية




.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان