الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


امريكا تنقل مركز ثقل تدخلاتها الخارجية الى بحر الصين الجنوبي ( 1 )

آدم الحسن

2021 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


كنتيجة طبيعية لنمو و تطور قدرات دول عديدة في الكثير من المجالات الاقتصادية و العلمية و التكنولوجية و العسكرية اصبح من غير الممكن على امريكا أن تكون طرفا حاسما لجميع الصراعات و الخلافات في كل مناطق العالم .
قادة السياسة الأمريكية اصبحوا مدركين من إن امريكا غير قادرة على ضبط ايقاع الأحداث في مناطق مختلفة من العالم في وقت واحد و هم على يقين تام مِنْ إن على امريكا اختيار اي الخسائر هي اقل ضررا , ففي كل الحالات سيكون هنالك ضررا بحدود معينة يلحق بإمكانيات امريكا و يقلل من قدرتها على بسط نفوذها و هيمنتها على العالم , اذ لا مفر من قبول امريكا لبعض الخسائر و فقدان بعض النفوذ و ذلك للتَمَكُنْ مِنْ تجاوز خسائر أكبر .

الرئيس الأمريكي السابق ترامب ادرك بعمق حقيقة أن أمام امريكا خيارات محدودة , فاختار خيار الانسحاب من كثير من الساحات و المسؤوليات و أن تتقوقع امريكا ضمن الداخل الأمريكي تحت شعار :
( امريكا أولا ) .
و لكي يحقق الرئيس ترامب اهدافه اتخذتْ إدارته قرارات حاسمة من شأنها تقليل اهتمام امريكا بحلفائها التقليديين و بذلك ضعفتْ علاقة امريكا بدول حلف الناتو و صار الرئيس الأمريكي ينظر الى الاتحاد الأوربي باعتباره أحد المنافسين التجاريين الكبار لأمريكا .

و اصطدمت إدارة ترامب بأقرب حلفاء امريكا و هي كندا فالغي بعض الاتفاقيات التجارية معها و التي لم يجد فيها مصلحة لأمريكا بل مصلحة لكندا على حساب مصلحة امريكا و طبق نفس الأسلوب و نفس النهج مع الكثير من حلفاء امريكا .

و قد اتخذت إدارة ترامب قرارا بانسحاب امريكا من اتفاقية باريس للمناخ , تلك الاتفاقية التي تُمَثِل ثمرة جهود حلفاء أمريكا الأوربيين لعشرات السنين , فبجرة قلم وضع الرئيس ترامب توقيعه الشهير على قرار ذلك الانسحاب الذي شكل صدمة كبيرة للأوربيين .

و استمر مسلسل انسحاب امريكا من مزيد من التزاماتها تجاه هيئات و مؤسسات اممية تابعة لهيئة الأمم المتحدة و منها منظمة الصحة العالمية و تم في عهده التراجع عن العديد مِنْ الاتفاقيات منها اتفاقية السماء المفتوحة التي سبق و وقعتها امريكا و حلفائها الأوربيين مع روسيا و كنتيجة لانسحاب امريكا انسحبتْ روسيا ايضا , فليس من المنطقي خروج امريكا و بقاء روسيا في هذه الاتفاقية ... و الضحية هو الاستقرار الاستراتيجي لأخطر منطقة من العالم و هي اوربا .

ثم نظر ترامب الى الخطر القادم من دول امريكا الجنوبية فشرع في بناء جدار عازل بين الولايات المتحدة الأمريكية و المكسيك .

و تلقت بعض دول منطقة الخليج و خصوصا السعودية صفعة قوية حين اعلن ترامب انه لا يقتنع بطبيعة العلاقة بين امريكا و دول هذه المنطقة اذ وجد أن امريكا تحمي عروش ملوك و امراء النفط في الخليج بالمجان و دون مقابل حيث قال لهم بكل صراحة و وضوح :
إن امريكا غير مستعدة لحماية كراسي حكمكم من السقوط , ادفعوا بالمبلغ الذي اراه عادلا كي أوفر لكم الحماية الضرورية لبقائكم في الحكم و إلا فعليكم مواجهة مصيركم بأنفسكم و كرر كثيرا أن أمريكا ليست شرطي دولي يعمل بالمجان , فأسرعت السعودية بتوقيع عقود بأربعمائة مليار دولار امريكي مقابل كسب رضى سيدتهم امريكا و لو بشكل مؤقت .

و في ما يخص الملف النووي الإيراني فقد اخرج ترامب امريكا من اتفاقية 5+ 1 مع ايران دون الاتفاق مع شركائه الأوربيين أو حتى التشاور معهم .
بالمقابل أعطى ترامب اهمية خاصة بعلاقة امريكا بإسرائيل و منحها كل ما تريد دون تحفظ , فتح السفارة الأمريكية في القدس , وهب الجولان السورية لإسرائيل , استخف بشدة بالعربان و اجبر بعضهم على التوقيع على وثيقة التطبيع مع اسرائيل وفق المبدأ الإسرائيلي السلام مقابل السلام و بذلك اسقط المبادرة السعودية التي اقرها العرب جميعا و هي الأرض مقابل السلام و حل الدولتين .

و امتد نظره الى الشرق البعيد و اشار بأصبعه الى الصين و هو يقول :
هذه الدولة هي منافس امريكا الأول , هذه الدولة هي مصدر الخطر الأول على مستقبل امريكا ...!

كل الإجراءات التي اتخذها ترامب قد يكون لها تفسير ما في مشروعه أمريكا أولا عدا اهتمامه المبالغ فيه بزعيم كوريا الشمالية , الشاب الخطير حفيد كيم أول سونغ , أكثر من اهتمامه بحلفائه في كوريا الجنوبية إذ لم يكن لهذا الاهتمام أي تفسير مقنع بالنسبة للكثير من المتابعين للشأن الأمريكي حتى إن بعضهم اعتبره أمرا غريبا و خارج السياق و لا يتوافق مع امريكا أولا .

بعد أن صار شعار ترامب امريكا اولا موسيقى مزعجة ترن في آذان جميع حلفاء و منافسي و اصدقاء و اعداء امريكا من الشرق الى الغرب و من الشمال الى الجنوب جاء بايدن ليدير دفة مسار السياسة الأمريكية في الكثير من الملفات باتجاه مغاير للمسار الذي اتبعه سلفه ترامب ...!

لقد اختار بايدن حزمة بديلة من الخسائر , اي انه قرر الاستعاضة عن حزمة الخسائر التي اختارها ترامب بحزمة جديدة من الخسائر بدلا عنها لأنه وجد في حزمة الخسائر التي اختارها ترامب خطورة كبيرة لأنها ستجلب لأمريكا المزيد من الخسائر و ان نهج ترامب قد يُدخل امريكا في دوامة الخسائر التي تلد خسائر جديدة .
و بدأ الرئيس الأمريكي بايدن و معه اركان إدارته في دفع امريكا للهروب الى الأمام بدلا عن التقوقع للداخل الأمريكي ... !

( ( يتبع ) )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت