الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم الخلق الإلهي

هيبت بافي حلبجة

2021 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من الضرورة ، بداءة ، أن نمايز مابين ثلاثة وأن نبدي ملاحظتين . الأمر الأول إن إله الكون قديم ، وليس قديم سواه ، فهو الأزلي الأبدي ، وحينما تطابقت مشيئته مع ذاتها خلق الوجود ، أي الكون والإنسان ، خلقه من العدم ، خلقه من كن فيكون . فكل العفاريت والجن والأشياء والإنسان والأجرام والكواكب والبراغيث والديدان وأوراق الشجر وحبات المطر لها منشأ واحد هو إن إله الكون قد خلقها من لاشيء بعبارة ، كن فكان . وسيتم تركيزنا في هذه الحلقة على معالجة هذا النوع من الخلق ، فهو خلق إلهي . الأمر الثاني إن إله الكون قديم ، وهو علة الوجود ، علة المعلول ، والمعلول لايمكن أن يتأخر في الوجود عن علته ، وطالما إن العلة ، هنا ، قديمة فالمعلول قديم ، وقدم المعلول هو فيض من العلة ، وجود بوجود ، ولقد عالجنا موضوع فرضية الفيض في حلقات سابقة ، نقض مفهوم الفيض لدى إخوان الصفا ، الفارابي وإشكالية نظرية الفيض . الأمر الثالث إن إله الكون قديم وهناك ماهو قديم أيضاٌ ، ولقد خلق إلإله الوجود من الهيولى ، من مادة نوعية قديمة ، ولقد نوهنا إلى ذلك بشكل متفرق في حلقات سابقة ، قدم المادة والحركة والزمن ، والقدماء الخمسة . والملاحظة الأولى هي إننا حينما ننتقد مفهوم الخلق الإلهي فلايعني ذلك إننا نسلم بوجود الإله ، ولن نرتكب تلك المغالطة التي أرتكبها كل من أبن الراوندي وأبو بكر الرازي ، حيث نفيا وجود النبوة والأديان ولم يقتربا من الوجود الإلهي . الملاحظة الثانية إن نقدنا لهكذا نوع من الخلق ينبغي ألا يدل على إشكالية ، أية إشكالية كانت ، مبعثها إن الوجود الكوني له مصدر فيزيائي ، كظاهرة فيزيائية ، فتلك مسألة أخرى وهذه مسألة جوهرية تختلف جذرياٌ عن مسألة الخلق الإلهي .
المقدمة الأولى : في موضوع الخلق الإلهي ، يذهب جانب من الفقه إلى التفريق مابين المشيئة الإلهية والإرادة الإلهية ، مابين فعل شاء والفعل أراد . فشاء متعلق بتحقيق الفعل ، بتكوين الوجود ، بخلق الأشياء ، بتحويل ماليس له وجود من عالم العدم إلى عالم الوجود ، فبشاء يتحقق مضمون مقولة كن فكان ، ولذلك فإن المشيئة الإلهية تتضمن نوعاٌ من القدر الإلهي ، ومن هنا تحديداٌ لاتوجد مشيئة بشرية ، فالبشر لايقررون حتمية الفعل في حين إنها من صميم التعريف الإلهي لدى البعض . وفيما يخص الإرادة ، فإذا تحقق الشيء في فعل إمكانه أو في فعل وجوده في حال إن المشيئة الإلهية قد شاءت ، فإن الشيء قد لايتحقق لا في فعل إمكانه ولا في فعل وجوده في حال إن الإرادة الإلهية قد أرادت ، وبتعبير آخر إن الإرادة لاتتجه نحو الإيجاد التكويني أو الخلق ، من هنا النص الإلهي ، يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر ، البقرة 185 ، أي قد يتحقق اليسر وقد لايتحقق رغم إن الإله يريد ، كما إن إرادته في رفع العسر لايمنع من وقوعه رغم إنه لايريد . وهكذا فإن الإرادة لا تتماهى مع المشيئة إلا على الصعيد المجازي ، وهي لا تتماثل مع الرغبة إلا على صعيد التوازي ، ولا تستميل الأختيار والحرية إلا على صعيد التكويني . لذلك يمكن القول : شاء الإله ما أراد ، أي حققه سواء في الفعل أو في الوجود ، ولايمكن القول : أراد الإله ما شاء . كما يمكن القول : شاء الإله ما قدر ، أي إن القدر الإلهي قد تحقق ، ولايمكن القول : قدر الإله ما شاء .
المقدمة الثانية : في موضوع الخلق الإلهي ، ومبيناٌ إطروحات العرفانيين الإشراقيين ، يؤكد سماحة العلامة كمال الحيدري ، إن الإله يريد أن يرى نفسه في حضور الآخر ، وبتعبيره الخاص إن الإله كان يعلم كل شيء علماٌ ذاتياٌ أزلياٌ باطنياٌ في سره فإراد أن يرى علمه في العيان الظاهر ، أي أراد أن يرى علمه الذاتي في لباس العلم الفعلي ، فشاء الإيجاد وخلق آدم ، الإنسان الكامل ، الكون الجامع ، إني جاعل في الأرض خليفة ، البقرة 30 . وهنا لابد من النقاط الثلاثة : النقطة الأولى يقول الإله ، حسب الحيدري ، كنت كنزاٌ مخفيا فأحببت أن أعرف بضم الهمزة ، أي كنت مجهولاٌ فرغبت أن أشاهد نفسي في الشيء الآخر وأن يعرفني هذا الشيء ، الذي هو الإنسان الكامل ، ولكي يتم ذلك ويتحقق كما يقتضي ماهو تكويني ، إضطر الإله أن يخلق ، فعل إيجاد ، خليفته أي آدم ، فترجم علمه الذاتي الباطني إلى علم المشاهدة ، علم الحس ، علم آدم الظاهري العياني . وفي الحقيقة هذا يفضي إلى نتيجة معاكسة لما ذهب إليه سماحة العلامة الحيدري : إن الإله يغدو إحدى تجليات الإنسان الكامل ، طالما إنه ترجم نفسه من العلم الذاتي الباطني إلى العلم الظاهري الباطني . النقطة الثانية إن ترجمة العلم الذاتي إلى العلم الباطني هو ، في تأصيله ، ذلك العلم الذي كان أولاٌ وباطناٌ أراد الإله أن يراه آخراٌ وظاهراٌ ، وهكذا فإن الإيجاد قد حدث من الفيض الأقدس ، الإله والعلم الذاتي ، إلى الفيض المقدس ، الإنسان الكامل والعلم الفعلي ، ومن هنا فإن ذلك الفعل المتحقق هو فعل الإرادة وليس فعل المشيئة ، لإن الإرادة إيجاد وفقط . النقطة الثالثة إن الهدف من هذا التجلي يتجسد في ثلاثة أمور ، الأمر الأول إن الحكمة والغاية هي : إن رؤية الشيء نفسه بنفسه في نفسه ، موضوع العلم الآول ، ليس كمثل رؤيته لنفسه في شيء آخر ، موضوع العلم الآخر ، فلكل منهما خصائصه ، ولكل منهما غبطته وسروره ومتعته ، ويشبه الحيدري ذلك كتقريب للموضوع ، المؤلف الذي يؤلف كتاباٌ ، فهو مصدر وأساس الكتاب رغم ذلك يفرح حينما يراه في المكتبة . الأمر الثاني ثمة قاعدة لدى العرفانيين إن كل شيء لابد أن يرجع إلى أصله ، أي وهذه صيرورة معكوسة ، يرجع العلم الآخر ، العلم الظاهري إلى أصله ، العلم الذاتي ، العلم الباطني ، وهذا هو نوع من الإغتراب العرفاني ، وشرط الرجوع الأول هو تطابق الآخر مع الآول . الأمر الثالث إن لكل عنصر في العلم الفعلي الظاهري عينه الثابتة ، بمعنى إن لكل منا درجة معينة سواء في قوس الصعود ، سواء في قوس النزول ، فالرسول هو الأول وربما يكون يكون أبن تيمية أو أبن الراوندي في الدرجة العشرين ، ففي حالة ألإغتراب ينتقل كل منهما إلى الأسفل ، ثم يعود كل منهم إلى درجة الوجودية ، الرسول إلى الدرجة الأولى ، وأبن تيمية وأبن الراوندي إلى الدرجة العشرين ، وهذا هو شرط الرجوع الثاني ، أي أياب كل عنصر إلى عينه الثابتة في قوس الصعود .
المقدمة الثالثة : في موضوع الخلق الإلهي ، يقسم جانب من الفقه السنن الكونية إلى قسمين ، السنن الكونية التكوينية ، والسنن الكونية التشريعية . في القسم الأول لم يعلمنا الإله بها ، ولانعلمها أبداٌ ، وهي لاتخضع إلا للشرط الإلهي سواء في وجودها أو في تنفيذها ، كما إننا لانعلم لماذا هي هكذا ، وعلى أي شرط وأي معيار وأي خاصية هي هكذا ، وكل ما نعلم عنها نعلمه حين حدوثها ، كالوفاة مثلاٌ ، كيوم الساعة مثلاٌ . وبعملية أستنتاجية معكوسة فإن كل ماهو من السنن وخارج عن الإرادة البشرية وعن العلم البشرية ينبغي ، من حيث المبدأ ، أن ينتمي إلى هذا القسم . وفي القسم الثاني أحاطنا الإله بها علماٌ ، ومنحنا حرية الإختيار فيما بينها ، لإنها تكون جزءاٌ في الصراع مابين الخير والشر ، وعلى الإنسان إما أن يرضي الإله في ممارسته لما هو خير ، أو أن يعصيه في ممارسته لما هو شر، فشرطها متوقف على الإرادة البشرية ، وترسم حدود المسؤولية والتكليف ، والثواب والعقاب ، فكل ماهو من السنن ومتوقف على الإرادة البشرية ينبغي ، من حيث المبدأ ، أن ينتمي إلى هذا القسم . وبخصوص الإرادة الإلهية والمشيئة الإلهية وعلاقتهما بأصل هذا التقسيم ، يقسم هؤلاء الإرادة الإلهية ، أيضاٌ ، إلى قسمين : الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية . والإرادة الأولى هي التي تمثل مضمون الخلق والإيجاد ، ومحتوى الكون والوجود ، وموضوع القدر الإنساني ، وهذه هي المشيئة الإلهية ، أي إن الإرادة التكوينية هي المشيئة عينها . في حين إن الإرادة الثانية تتفارق عن الأولى في موضوع الرغبة الإلهية ، في مسألة علمنا بها ، في قضية إنها ليست وجوبية ، في حدودها حيث إنها لاتختص ، ولاتستطيع أن تختص ، بالإيجاد التكويني ، أو بالخلق الإلهي .
المقدمة الرابعة : في موضوع الخلق الإلهي ، يمايز العرفاء مابين مفردتين في النص الإلهي ، إني وإنا ، وكلما أتى إني فهو الحدوث بدون وساطة ، إني جاعل في الأرض خليفة ، وكلما أتى إنا فهو الحدوث بوساطة ، إنا أعطيناك الكوثر ، إنا إنزلناه في ليلة القدر. وهنا لابد من النقاط التالية : النقطة الأولى حينما يقول النص الإلهي ، إني جاعل في الأرض خليفة ، فهو يقصد النبي ، فهو خليفة الإله على الأرض ، وأحاديث عديدة تؤكد هذا المعنى ، إني أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث ، إن نور نبيك من نور الله ، يومئذ يطلب من الأنبياء ميثاقهم ومنك ومن نوح ، أي من النبي قبل نوح وقبل كل الأنبياء ، وبهذا المعنى فإن النبي هو الصادر الأول وهو المجعول وهو الفيض وهو الكائن الثاني على الإطلاق . النقطة الثانية يؤكد هؤلاء إن قوانين نظام الجعل ، هي نفسها قوانين نظام الخلق ، لكن هذا الكلام ليس دقيقاٌ فالجعل نظام فيضي أصيل في الوجوديا وفي المبنى ، في حين إن نظام الخلق ، لدى العرفاء ، هو نظام يعتمد على وساطة الفيض ، بوساطة النبي . النقطة الثالثة إن النبي ، الذي نوره من نور الإله ، يشترك مع الإله في عملية الإيجاد والتكوين ، لفكرة بسيطة وهي إن التكوين لن يكون وماكان من الممكن أن يكون لولا هذا الفيض الأصيل ، ولولا هذا الصادر الأول ، فالقاعدة الوجودية هي الإله والصادر الأول ثم الإيجاد التكويني . النقطة الرابعة إذا كانت ثمت مفارقة حقيقية مابين المفردتين ، إني وأنأ ، على صعيد الوساطة من عدمها ، فيبقى السؤال الجوهري : في كل مرة يذكر النص الإلهي مفردة ، إنا ، فمن الذي يشارك إرادة الإله بإرادته ، وهل يحق له أن يشاركه في ذلك ، ومن يسمح له هذه المشاركة !! .
المقدمة الخامسة : لكي تكتمل دائرة فهم الخلق الإلهي من الأس أن نذكر إن جانباٌ من الفقه يعتقد بوجود ثلاثة عوالم تكمل بعضها وتتآلف في وحدانية أصيلة ، وهي تشكل نفس الحقيقة ، عالم ماقبل هذه الدنيا ، عالم الدنيا ، عالم مابعد الدنيا . أو حسب تعبيراتهم ، عالم الملكوت و الغيب والباطن ، ثم عالم المشاهدة والحس والعيني ، وأخيراٌ عالم البرزخ والحشر الأكبر . وفي الإصالة هذا هو موضوع الإغتراب التاريخي دون دراية منهم ، فكل العناصر والمصاديق كانوا ، في الأصل ، في عالم الملكوت والغيب ، ثم إنحدروا إلى عالم المادة والحس والشهادة ، ثم لابد أن يصعدوا إلى عالم البرزخ والحشر الأكبر حسب العين الثابتة لكل منهم . ويعتمد هؤلاء على النصوص الإلهية : وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم ، الحجر 21 . وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، الأعراف 172 . إن هذه الآيات وغيرها تدل ، حسبهم ، على عدة أمور منها . الأول إن حقيقة الإنسان كامنة في تلك العوالم الثلاثة ، لإن كل إنسان شيء ، وما ننزله إلا بقدر معلوم ، في كل عالم . الثاني إن كل إنسان يشاهد نفسه ، أي يرى نفسه ، وحينما يرى نفسه يشاهد الإله ، أي إن شهادة النفس هي شهادة الإله . الثالث إن الشهادة ليست للربوبية فقط إنما هي لكل شيء ، هي بمثابة ميثاق تام وشامل للرؤيا ، ميثاق إنطولوجي . الرابع والشهادة هي الرؤية والإقرار والتصديق بحقيقة النظام الجعلي والنظام الخلقي للإله .
المقدمة السادسة : في موضوع الحالة الجوهرية للخلق الإلهي ، كان الإله ولم يكن سواه ، كان الإله ولم يكن معه شيئاٌ ، كان هو الوجود ولم يكن وجود سواه ، هو هو وماكان ماكان ، هو الأول هو الآخر ، هو الظاهر هو الباطن ، ثم بدأ بخلق الملائكة ، ثم الجان ، ثم الإنسان والأرض والسماء . ويذهب جانب من الفقه إلى ، كان الإله ولم يكن معه شيئاٌ ، ثم خلق العرش أولاٌ . ومنهم من يزعم إنه خلق الماء أولاٌ ثم خلق الأرض على الماء ثم خلق الجبال أوتاداٌ لحفظ توازنها ثم خلق السماء سقفاٌ محفوظاٌ من غير عمد ثم خلق سبعاٌ طباقاٌ . ومنهم من يزعم إنه خلق القلم أولاٌ وإن القلم هو النبي . ومنهم من يزعم إنه خلق النبي أولاٌ ومن ثم خلق كل شيء من نور نبيكم . ومنهم من يزعم إنه ، بعد أن خلق الملائكة والجان ، والأرض والسماء ، خلق النبات كي تقتات منهم الطيور والحيوانات ، ثم خلق الحيوانات والطيور ليتغذى عليها البشر ، ثم خلق الإنسان .
المقدمة السابعة : وأما كيف خلق الإله الإنسان ، فنود أن نذكر النصوص الإلهية : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل السافلين ، التين 5 . خلق الإنسان من صلصال كالفخار ، الرحمن 14 . ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، المؤمنون 12 . وبدأ خلق الإنسان من طين ، السجدة 7 . أو لم يرى الإنسان إنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ، يس 77 . إنا خلقناكم من طين لازب ، الصافات 11 . وهو الذي خلق من الماء بشراٌ فجعله نسباٌ وصهراٌ وكان ربك قديراٌ ، الفرقان 54 . والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ، فاطر 11 . ولابد أن نذكر إن الأحاديث تؤكد على أمر في غاية السذاجة : إن الإله أمر بإحضار قبضة من تراب ، من كافة أنحاء الأرض ، لذلك حصلنا على الإنسان الأسود والأبيض والأصفر تطابقاٌ مع لون التربة !! .
نكتفي بهذا القدر ، ونوجز نقدنا على الشكل التالي :
أولاٌ : في موضوع قاعدة الخلق الإلهي : كن فيكون ، كن فكان ، ثمت إحتمالان كلاهما مرفوضان . الإحتمال الأول هو إن إله الكون كان يدري دراية كاملة ، ويعلم تمام العلم ما المقصود من المخلوق ، سواء في مستوى موضوعه كالشكل ، والهيئة ، والصورة ، سواء في مستوى البنية كالجهاز العصبي ، والجهاز التناسلي ، وجهاز التنفس ، ومحتوى الخلية ، سواء على صعيد الغاية ، وسنرى إن الغاية لايمكن أن تقترن بالمخلوق ولاحتى بالخالق ، إنما هي ضرورة فرضت على الخالق إذا كانت الفرضية صادقة . فإذا كان علمه بالمخلوق كاملاٌ ، فهذا يدل على إن المخلوق كان في الوجود تماماٌ ، بكل إنطولوجيته ، بكل ماله من معنى ومغزى في العمق الوجداني ومقومات وإستقلالية في العمق التآلفي التركيبي والتماثلي ، وإلا فكيف علم الإله به . وبتعبير دقيق ، لو ماكان المخلوق موجوداٌ ماكان من الممكن أن يدركه الإله ، وأن يدري دراية أصيلة وأصلية بموضوعات موجوديته ، أي إن وجود المخلوق من حيث التأصيل فكرة ، كن فكان ، كان سابقاٌ لخلق الإله له ، وهذا محال عقلاٌ وفعلاٌ . وأما الإحتمال الثاني هو إن الإله كان يجهل كل الجهل ما المقصود من المخلوق ، أي لايدرك موضوعه ولاحتى بنيته ولاحتى الغاية منه ، ولايعلم أي شيء عته ، في هذه الفرضية تصبح عبارة ، كن فكان ، عديمة المعنى ، سقيمة الوجود ، فإلى ماذا ، أو إلى من تتجه عبارة ، كن فكان ، في الفعل هي تتجه إلى لاشيء ، إلى لا ، إلى من لاهناك . وإذا ما أدركنا ، نحن ، عمق هذه الإشكالية في هذا الإحتمال الثاني ، ندرك بكل يسر إن عبارة ، كن فكان ، تفسر بدورها عمق الإشكالية في الإحتمال الأول ، وتفسر كذلك لما كلا الإحتمالين مرفوضان . ويمكننا ان نختزل ذلك على صعيد الفهم العام ، فقط ، في الآتي : قد يكون المخلوقاٌ مجهولاٌ نكرة ، وقد يكون معلوماٌ معرفاٌ . فإذا كان نكرة فلايمكن لعبارة ، كن فكان ، أن تحقق أي شيء ، لإنها موجهة إلى لاشيء . وإذا كان معرفاٌ فإن وجوده قد سبق دلالة ، كن فكان ، وقد سبق الفعل الإلهي . أي إن عبارة ، كن فكان ، هي موجهة في الحالة الأولى إلى ماهو باطل وجودياٌ فلايتحقق ، وهي موجهة في الحالة الثانية إلى ماهو محقق مسبقاٌ فتصيح ، هي ، باطلة في المعنى ، وباطلة في فعل الوجود ، وبالتالي لاتتحقق .
ثانياٌ : فيما يخص المشيئة الإلهية وفعل شاء في مستوى الخلق الإلهي ومضمون كان الإله ولم يكن معه شيئاٌ ، نوجز على الشكل التالي ، في المستوى الأول قد تقترب من فعل القدر الإلهي . في المستوى الثاني قد تقترب من الإرادة وفعل أراد . في المستوى الثالث قد تقترب من مضمون فعل رغب والرغبة . في المستوى الرابع على صيغة سؤال هل من المعقول إن المشيئة تشاء . في المستوى الأول وفيما يخص ماقبل الخلق الإلهي ، فإن القدر الإلهي لايستطيع أن يتحقق إلا على الشرط الإلهي نفسه وعلى الذات الإلهية فقط ، أي إنه ضابط للفعل الإلهي نفسه ، فهو قدره هو وليس قدرنا نحن ، وهكذا نستنتج إن القدر الإلهي لاينتقل إلى مستوى آخر في الوجود ، لا في خلقه ، لا في إدارته ، لا في ضبطه ، ولايمكن أن تنتقل لإنها قواعد إلهية تخص الذات الإلهية . وفي المستوى الثاني لايمكن أن تتحقق الإرادة إلا ضمن شرط الحرية وشرط الإختيار ، وبما إننا نتحدث عن الخلق الإلهي فإن هذين الشرطين لايتحققان إلا في فعل الوجود أو فعل العدم ، أي إن الإله حر ومختار فقط مابين الفعلين ، الوجود والعدم ، وإذا كان الإله نفسه موجوداٌ فيمتنع على حريته وإختياره أن تنتقلا إلى وجود آخر ، وهذا ليس بسبب ، لماذا ، وكيف ، وماهي الغاية ، إنما الإمتناع هنا إمتناع وجودي بحت . في المستوى الثالث إن من أهم تراكيبية الرغبة هي إمتناع القاعدة فيها ، فهي خارج إطار ما هو ماهو ، لإن السيالة الحقيقية للرغبة في تحويلها ، ونحن هنا نتحدث عن الخلق الإلهي ، من ماهي عليه إلى حالة تحقق الفعل ، تخضع لشرطها الخاص ولطبيعتها الخاصة في وضعية الجهة المالكة لها ، فماهو رغبوي هو في أصله ذاتي محض ، ومتطور صرف ، ومتغير بحت ، وهذا ما يتنافى مع معضلة الخلق الإلهي . في المستوى الرابع في مسألة الخلق الإلهي ، إذا ماشاءت المشيئة فإنها ينبغي أن تشاء في حدود ماهو متاح لها من حيث المبنى ، ومن حيث الإصالة ، فلايجوز لها ، ويمتنع عليها ذلك بطبعه ، إن تتخطى حدود الإله نفسه ، فحيث يتعطل الإله تتعطل هي أيضاٌ ، والمجال الممتنع على الإله ممتنع عليها بنفس الضرورة ، وبنفس الإمكان . فهل الإله يستطيع أن يخلق شجرة لايستطيع حملها ، إن قلنا نعم ، أصبح الإله عاجزاٌ عن حملها ، وإن قلنا كلا ، أصبح الإله عاجزاٌ عن خلقها ، فالعجز يلحق بالإله في كلتي الحالتين . والعجز الذي يلحق بالإله يلحق المشيئة في عين المبنى وبنفس الضرورة . وكذلك هل يستطيع الإله أن ينام ، أن ينتحر .
ثالثاٌ : في ماهو تناقض مابين الوجود الأول ، الإله ، والوجود الثاني ، المخلوق ، في موضوع الخلق الإلهي حيث كان الإله وماكان سواه ، وحيث إختلاف طبيعة كل وجود :
في النقطة الأولى : كيف عرف الوجود الثاني أن يقدم نفسه تعريفاٌ للوجود الأول ، أي كيف تعرف الوجود الأول على الوجود الثاني . وفي البدء كان الإله ، وكانت له طبيعته الخاصة به ولازالت ، ومهما تكن بنية هذه الطبيعة فهي ، إما من طبيعة هذا الكون ، وإما من طبيعة ثانية . ولايعقل ، وحسب كل الفقهاء ، أن تكون طبيعته مادية طينية مثل كوننا ، لإن هذا الكون يعاني من الكون والفساد ، أي من الإئتلاف والتفسخ ، فهي إذن ، بالقطع من طبيعة أخرى لنسمها رياضياٌ سين ، فكيف تعرفت السين على الطين وعلى المادة ، كيف أتت فكرة الطين على بال السين وهي ليست فقط مجهولة لها إنما هي في العدم . وعلى فرض أنه بحث عن وجود مغاير لوجوده بصورة مطلقة وأمر بعبارته : كن فكان ، فماذا يكون ، لاشيء ، لإنه لم يقصد وجوداٌ معيناٌ ، وهكذا لايمكن أن يحدث الخلق الإلهي إلا إذا قبلنا شرطاٌ مرفوضاٌ بالأساس وهو إن السين خلقت سيناٌ أخرى ، أي إن الإله خلق إلهاٌ آخراٌ.
في النقطة الثانية : كيف تعامل الوجود الثاني إنطولوجياٌ ، بعد أن تأكد وتحقق وجوده ، مع الوجود الأول ، سيما وإن لكوننا طبيعة متناقضة مع الطبيعة الإلهية . نحن إزاء فرضين لاثالث لهما . إما أن ينضاف وجودنا إلى الوجود الإلهي وهذا مرفوض لتباين طبيعة كل وجود ، ولإن الوجود الإلهي السرمدي والسردمي لايقبل وجود يقبل التفسخ والفساد . وإما أن يكون وجودنا مستقل بالكلي ومنفصل بالقطع عن الوجود الإلهي ، ونكون حينها إزاء وجودين لا وجود واحد الأمر الذي يرفضه الفقه الديني . زد على ذلك ماهو مصير المساكين البؤساء من الملائكة والجان أين يرتقفون في سلم الوجود ، في وجودنا المادي الطيني ، أم في الوجود الإلهي الذي نجهله !! ، هم ليسوا معنا بالتأكيد ، وإذا كانوا مع الإله فإنهم قد سأموا حياة التعبد ، والتعبد ، والرضوخ ، والإذلال .
في النقطة الثالثة : ماهو مصير ، المصير الإنطولوجي للوجود الثاني . طالما إن وجودنا يقبل بطبيعته الفساد والتفسخ ، فهو بالتأكيد وبالقطع لايمكن أن يسرمد وأن يسردم ، أي لامندوحة أن يحدث فناء له ، أن يغيب في دهاليز العدم ، في فناء اللاشيء ، وإذا ماتم ذلك ، وتحقق التلاشي ، وسيحدث ذلك بالقطع ضمن حيثيات فيزياء الكوانتوم ، فماذا يكون مصير الوجود الأول ، الإله ، الذي وجوده مرهون بالوجود الإنساني على شرط فاسخ ، أي متى إنتهى الوجود الثاني إنتهى الوجود الأول . وماذا يكون معنى الخلق الإلهي !! سوى أن تكون فرضية غبية من مصدر جاهل ، الإنسان .
رابعاٌ : في مصير الإله من خلال الخلق الإلهي ، نحن هنا لا نتحدث عن الفعل الوجودي ، ولا عن الفعل الوجوبي ، إنما نتحدث عن فعل الإمكان . والإمكان في حده الوجودي الخاص به لايتعدى مفهوم الإحتمال وإلا لتحول إلى ضرورة ، وضرورة حتمية . والإحتمال الوجودي ليس إلا نوعاٌ من العدم لإن تحققه ليس إلا إمكان خارج قوس ، الواحد من اللانهاية ، وشريطة أن تكون اللانهاية نفسها خاضعة لشرط غائب . لإن الإحتمال هنا لايتحقق بناء على شرط الواحد إلى اللانهاية ، إنما على شرط إمكان أن يحدث شيء ما ، وقد حدث هذا ، ليس إلا . وهذا هو محتوى الخلق الإلهي في فعل الإمكان ، الأمر الذي كان من الممكن ألا أن يكون ، أو أن يكون شيئاٌ آخراٌ هو الآخر خارج إحتمال الواحد إلى اللانهاية . ووفقاٌ لهذا المبنى فإن كل التصورات التي إرتكزت على خلق إلهي معين ، خلق ثابت وهو الإنسان ، تفقد دلالاتها الوجودية ، وتغدو فارغة من كل محتوى . وبما إن شرط الوجود الإلهي متوقف على تحقق هذا الخلق الإلهي ، وطالما إن إمكان هذا الخلق الإلهي هو غياب وجودي بالتمام وبالكمال ، فإن شرط الوجود الإلهي ليس إلا غياب وجودي بالتمام وبالكمال . أي لا إله بغياب الخلق الإلهي .
خامساٌ : مامعنى الخلق الإلهي ، وماوجه الضرورة فيه ، إذا ما صدقت فرضية إن الإله كان وماكان معه سواه ، كان وماكان وجود قبله ، فإن معنى الخلق الإلهي يكمن في أصالة وجه هذه الضرورة تحديداٌ ، وإلا لغدا الخلق الإلهي فعلاٌ نشازاٌ ، أي لايمكن أن ندرك هذا المعنى من خارج سياق هذه الضرورة بعينها ، كما يمكننا أن نستلمح ملامح هذه الضرورة من خلال إن الخلق الإلهي ليس تطوراٌ في ، ولاتحولاٌ ولا إنتقالاٌ من إلى ، ولاسيرورة ، ولاحتى صيرورة . والضرورة قد تكون مفروضة ، إما على عملية الخلق الإلهي نفسها ، إما على المخلوق ، إما على الإله . في الفرض الأول لايمكن أن تكون مفروضة على الخلق الإلهي لإنها ستكون ، آنئذ ، مستقلة تماماٌ عن الإله ، وسيكون الخلق نفسه نتيجة لضرورة لاواعية ، ضرورة عمياء . وفي الفرض الثاني لايمكن أن تكون مفروضة على ماهو غائب في وجوده أو ماهو تحت قيد الوجود ، إلا إذا إرتكبنا مغالطة قاتلة وهي إن الضرورة ليست إلا ضرورة النتيجة ، وهذا يدل ، والفرضية كاذبة ، على إن المخلوق هو شرط الوجود ، وهذا محال وخلف . وفي الفرض الثالث أي إن الضرورة كانت مفروضة على الإله ، وفي الحقيقة لو صدقت فرضية الخلق الإلهي ، وهي كاذبة بالقطع ، فإن الإله لايمكن إلا أن يكون تحت شرط الغصب . وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة عشرة بعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح