الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النهضة الثقافية عندما يفخرالرجل العربى أن زوجته أو ابنته راقصة

منى نوال حلمى

2021 / 6 / 25
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



فى أفلامنا العربية ، يحدث دائما هذا الحوار :
الأب فى غضب واستنكار : " رقاصة .. انت اتجننت ؟ ... انت عايز تفضحنا ؟؟ رقاصة ؟؟ ابنى أنا يتجوز رقاصة فى كباريه ؟ .. والأم فى استهجان وسخرية : " يادى الجُرسة اللى جاتلنا على آخر
الزمن ، تدخل بيتنا رقاصة تبقى مرات ابنى ، ليه يارب تبتلينا بالمصيبة دى ؟ ". ويقول الابن فى محاولة لتخفيف الأمر ، واضفاءالشرعية الأخلاقية والدينية والثقافية عليه : " دى رقاصة مش من اياهم ، بتخلص نمرتها وعلى طول تروح ، من البيت للكباريه ، ومن الكباريه للبيت ، دى رقاصة شريفة ، أنا امتحنتها ، ولولا الحاجة مكنتش فكرت فى الشغلانة دى ، وبعدين أنا اشترطت عليها لما نتجوز ، تسيب الرقص ، خالص ، وتقعد فى البيت ، وهى وافقت ، وفرحت ، وطول عمرها بتحلم بواحد يسترها ويحميها من كلام ، وتشنيع الناس ".
وهذا المشهد يحدث أيضا فى الحياة الواقعية ، وليس فى الأفلام فقط . هناك رجال كثيرون معروفون بالاسم ، ومشهورون ، ومرموقون ، فى مهنتهم ، تزوجن من راقصات ، وممثلات ، وكان شرط الزواج ، أن يتركن الرقص ، أو التمثيل .
وهناك الاعلام المنافق المزدوج الذى يلعب على الاثارة ، والتحريض المخزى ، ويشعل النار أكثر على الراقصات اللائى يأخذن الرقص الشرقى ، مهنة .
واحد اعلامى شاهدته ، وسمعته منذ أيام ، فى قناة فضائية ، يقول بالحرف الواحد : " بصراحة أى واحدة بتشتغل رقاصة هى فى ُعرف العاهرة ، لأنها تعرض جسمها العارى ، وتتحرك حركات اباحية تثير شهوات الرجال ".
اذا افترضنا صحة هذا الكلام جدلا ، ألا يمكن أن تغرى المرأة الرجل ، الذى يمشى وشهوته على يديه ، بنظرة من عينيها ، أو بنبرة صوت ، أو بخطوة ، أو بحركة ، وهى منقبة ، أو محجبة ؟؟.
هذا الاعلامى معروف فى الوسط الاعلامى ، أنه من الجمهور المنتظم للراقصات فى مصر ، ولا تفوت ليلة الا ويشرب الخمر حتى الثمالة ، ويغازل الراقصات . وفى اليوم التالى ، بعد أن يستيقظ من النوم ، ويسترد وعيه من زجاجات الخمر ، يذهب الى برنامجه الفضائى ، ويشتم الراقصات ، ويدعو الناس الى التمسك بالشريعة الاسلامية ، والفضيلة ، ويسب ويلعن بألفاظ بذيئة ، وتهكم مقزز ، كل انسان ، أو انسانة ، لها رأى مختلف فى الثقافة الدينية السائدة .
هذا الموقف ، مع الأسف ، هو السائد فى الوجدان الشعبى ، والعقل العام ، السائد ، للرجال والنساء ، من جميع الطبقات ، والفئات ، والشرائح ، والايديلوجيات ، ومستويات التعليم ، والفكر ، والثقافة .
موقف يفضح تناقضاتنا الأخلاقية ، والثقافية ، والحضارية ، التى تثير الاشمئزاز ، وتوضح لماذا نحن فى بلادنا ، نعانى من الأخلاق المنحدرة ، والفضيلة الهشة ، والنفوس الغارقة فى الفصام ، والكذب ، والسِرية ، والموروثات العفنة .
نحن نزعم ، طوال الوقت ، أننا نحب الفن .. وأن الفن هو ما صنع ريادتنا الثقافية ، وتفردنا الحضارى ، وأنه القوة الناعمة ،التى هى بضاعتنا الرائجة ، وصناعتنا المتميزة . ويأتى ازدراؤنا ،للرقص الشرقى ، أحد الفنون ، يكشف الكذب ، والتناقض ، فى رؤيتنا للفن ، ومعناه ، ورسالته . والنظرة المتدنية ، المهينة ،للرقص الشرقى ، توضح مدى خضوعنا ، للثقافة الذكورية ، التى لا ترى فى جسد الراقصة ، الا لعبة مدنسة ، تثير شهوات الرجال ، وتحرض على الفساد ، الانحلال الأخلاقى . مع أن الشهوات والانحلال ، والفساد ، دائما هى ، فى " عين " المتفرج ، وليس فى جسد الراقصة ، التى تزاول احدى المهمات الفنية الابداعية ، الأخرى ، مثل الِغناء ، أو التمثيل ، أو كتابة الشِعر ، أو العزف على احدى الآلات الموسيقية ، أو النحت ، أو التصوير ، أو الاخراج السينمائى .
اذن ، الحل ، هو اعادة تأديب ، وتهذيب ، وتربية ، شهوات وتهذيب ، شهوات الرجال ، الذين " يبحلقون " ، فى جسد المرأة الراقصة ، بحلقة " شهوانية " ، غير فنية ، لا تعيب الراقصة .
هناك رجال ، يستمتعون بالرقص الشرقى ، استمتاعا ، فنيا ، راقيا ، لوجه الفن ، مثلما يستمتعون ، بندوة فكرية ، أو أمسية شعرية ، أو متحف يعرض اللوحات الفنية ، أو مسرحية أو فيلم .
هذا الانحراف ، من أسس الثقافة الذكورية ، المتحفزة ، لادانة المرأة " الضحية " . وليس ادانة الرجل " الجانى " .
خاصة لو كان جسد المرأة " متورطا " .
واذا افترضنا ، أن بعض الراقصات ، يقمن بحركات خليعة . فليس من المنطق ، ومن العدل ، ازدراء الرقص الشرقى كله ، وشتيمة كل منْ تنتمى اليه .
فى كل المهن ، يوجد الفاسد . مثلا ، وجود طبيبات فاسدات ، لا يقودنا الى ازدراء مهنة الطب . هناك طبيبات يعاملن المرضى ، كسلع لكسب الفلوس فقط ، ويقدمن التشخيص غير السليم ، ليظل المرضى فى حالة تابعة ، عاجزة ، تستنفذ صحتهم ، وفلوسهم .
وأخطاء الطب فى قتل البشر ، أو اصابتهم بعاهات مستديمة ، أو اتمام جراحة غير دقيقة ، تقطع عضوا سليما ، أو تسرق عمدا عضوا للاتجار به ، أصبحت حوادث عادية متكررة ، فى المستشفيات الحكومية والاستثمارية ، ولا يستطيع المتضرر الضحية ، أخذ حقه ، حتى لو كان قادرا على رفع قضية ، وتوكيل محامى . هل هذا أدى بالمجتمع الى الغاء مهنة الطب ، بسبب أخطاء طبيبات عن جهل ، أو عمد ؟؟ . لم يحدث ، بل على العكس ، يتنافس أهل مهنة الطب ، نساء ، ورجال ، على تبرئة زميلاتهم وزملائهم ، والقول بأن هذه أخطاء تحدث فى العالم كله ، ويهاجمون أى شخص يضع اللوم على ممارسى ، وممارسات المهنة ، ذات الرسالة السامية النبيلة .
واذا حكمنا العقل والعدل ، نحد أن خطأ الراقصة ( لو كانت حقا تثير الشهوات الذكورية وتحرض على الانحلال والفسق ) ، أهون بكثير جدا ، بل لا يقارن بخطأ طبيبة . فالراقصة لم تتسبب فى قتل انسان ، ولم تؤذيه بعاهة مستديمة ، أو عجز مستحدث ، هذا غير أخذ فلوسه .
أوليست مهنة السياسة ، ممتلئة بالسياسيين الفاسدين ، وهم أنفسهم يصفون السياسة علنا ، بأنها " لعبة قذرة ، لعبة مصالح لا مبادئ " ؟. أليس العدد الأكبر من السياسيين ، هم منْ أخضعوا شعوبهم ، وقمعوا النساء ، وتحالفوا مع رجال الأديان ، وشنوا الحروب ، وقتلوا الملايين ، وتورطوا فى صفقات سلاح ، وفضائح جنسية ؟؟. هل تتعرض مهنة السياسة ، لللادانات الآخلاقية والثقافية والدينية ، فى بلادنا ، التى تتعرض لها مهنة الرقص الشرقى ؟؟. وكذلك مهنة الصحافة والاعلام ، التى تروج للخرافات ، والرجعية ، والعنصرية ، والذكورية ، هل يتم ازدراؤها كما يتم ازدراء مهنة الرقص الشرقى ؟؟. اليس الصحفية أو الصحفى الذى يبيع قلمه ، مثل منْ تبيع جسدها ؟؟.
حتى فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى ، الذى من المفترض أن تكون له نظرة مختلفة ، عن الرقص الشرقى ، أحد الفنون التى أثرت السينما المصرية منذ بداياتها ، يتم تجاهل فن الرقص الشرقى ؟. لماذا لا تُخصص جائزة باسم " تحية كاريوكا " ، و " سامية جمال " ، و " نعيمة عاكف " ، و " هاجر حمدى " ، و " بديعة مصابنى " ، و " ببا عز الدين " ، أو" زينات علوى " ، أو " نبوية " ، أو " كيتى " ، وغيرهن .
هؤلاء صنعن بصمتهن الخاصة ، فى الرقص الشرقى . وكن من أهم عوامل نجاح ، وجاذبية ، الأفلام الغنائية الاستعراضية ، المصرية ، فى الثلاثينات والأربعينيات ، والخمسينات ، من القرن الماضى .
" شوق " القبطية ، و" شفيقة القبطية " نذكرهما على أساس أول الراقصات اللائى وضعن أسلوبا مميزا للرقص الشرقى ، فى الفترة تقريبا بين 1860 – 1926 ، وجاءت " بديعة مصابنى " ، لتكون صاحبة الفضل على كل الفنانات والفنانين ، رقص وغناء وتمثيل ومونولوج ، واستعراضات ، الذين أصبحوا ألمع النجوم ، فى مصر ، وهى الراقصة المبدعة التى وهبت ما تملك من مال ، لانشاء كازينو " بديعة مصابنى " التاريخى لاكتشاف المواهب الفنية وتشغيلها ، وتزوجها نجيب الريحانى ، فى وقت كانت هى أكثر شهرة منه ، ولها " شنة ورنة " ، أحاطتها بالمعجبين والعشاق والمحبين.
و" تحية كاريوكا " ، التى الى جانب رقصاتها التى أسرت العقول والقلوب ، كان لها مواقف وطنية لم يقم بها أى أحد ، ممنْ يشتمون الراقصات . وراقصة مثل " سامية جمال " ، كانت صورتها الفاتنة السمراء ، ترسم على علب الحلوى والشوكولاتة ، المباعة فى المحلات .
وفى يومنا هذا ، أذكر ، " لوسى " ، و " دينا " . لقد تبنت " دينا " مشروعا خاصا بها ، لتدريب الفتيات على الرقص الشرقى المصرى ، وحمايته من الانقراض ، أمام الراقصات الوافدات من آسيا ، اللائى يرقصن الرقص الشرقى بطريقتهن الخاصة المختلفة عن الطريقة المصرية .
وفى أماكن مختلفة من العالم ، هناك مدارس ، ومراكز متخصصة ، لتدريس الرقص الشرقى المصرى ، الذى يعامل بازدراء فى وطنه .
وهناك ما يعرف باليوم العالمى للرقص ، يوم 29 أبريل ، منذ عام 1982 ، اعترافا بأهمية الرقص ، ورسالته الفنية النبيلة . تم اختيار هذا التاريخ ، لأنه يوافق ميلاد أشهر مصمم رقص فرنسى وأستاذ باليه عالمى ، جان جورج نوفير" 29 أبريل 1727 - 15 أكتوبر 1810 . بدأ احتفالا برقص الباليه ، ثم أخذ يحتفى بالرقصات الكثيرة المتنوعة ، من مختلف العالم ، والتى تثرى بها الشعوب المختلفة ، فن الرقص بجميع أشكاله .
ان الرقص كان أول الفنون التى مارسها الانسان ، قبل الكتابة ، وقبل اللغة . كانت لغة الجسد ، هى التواصل ، والتعبير عن كافة المشاعر الانسانية . والجسد لا يكذب . ولغة الجسد ، تفضح الكثير
من عناصر الشخصية المستترة تحت الأقنعة .
النهضة الثقافية ، حينما يزهو رجل مصرى ، على الملأ ، أن زوجته ، أو أخته ، أو ابنته ، تعمل " راقصة " . وعندما يتزوج الرجل العربى راقصة ، ولا يشترط عليها أن تترك الرقص ، حتى يمن عليها ببيت الزوجية . المرأة لا تشترط على الرجل ، أن يترك عمله ، أيا كان ، فلماذا هو فقط الذى يشترط ، ويتحكم ؟؟؟ . والمرأة التى توافق ، تستحق ما يحدث لها .
التقدم الحضارى ، أن تُحترم الراقصات مثلما تُحترم أى مهنة ، لكسب الرزق ، وأن تتدخل الدولة بمعاقبة منْ يتطاول على الراقصة ، مثلما تتدخل فى التطاول على الوزراء والمسئولين .
على الأقل ، الراقصة ترقص على النغمات الموسيقية ، بينما آخريات وآخرون فى كل مجا ومهنة ، يرقصون على أشياء أخرى ، سافرة ، أو محجبة تحت الموائد .
وضع بائس ، كما هو الحال ، فى جميع أمور حياتنا ، الساكنة البلاد العربية الاسلامية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يعاني علم المصريات من الاستعمار الثقافي؟ • فرانس 24 / FRA


.. تغير المناخ.. تحد يواجه المرأة العاملة بالقطاع الزراعي




.. الدكتورة سعاد مصطفى تتحدث عن وضع النساء والأطفال في ظل الحرب


.. بدء الانتخابات التمهيدية الخاصة بالمرأة في الحسكة




.. ضجة في مصر بعد اغتصاب رضيعة سودانية وقتلها