الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المقاربة الأمنية لإزدواجية الجنسية لدى كوادر الدولة

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 6 / 28
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


الإنسان كائن عابر للجغرافيا و الأوطان، وهو بطبعه وطبيعته النفسية والإجتماعية قد ينتقي و ينتخب الإستقرار في موطن غير الذي تربطه به علاقة ولادة أو أبوة ، ملبيا بذلك تفاعلاته الباطنية، التي تدفع به نحو مجموعة ذات خصائص مشتركة معه ، لتحقيق قانون التكامل المطلوب الناظم للحياة البشرية .

في ظل سياقات تاريخية و سياسية متباينة ، سنَّت الدول قوانين الجنسية الخاصة بها التي حدد منطوقها مسوغات الحصول على جنسية البلد أو التجريد منها و التنازل عليها . إن الجنسية هي تعبير عن المواطنة ؛ و هي مفهوم عنقودي لمجموعة خلفيات مترابطة جزئيا تجعل الفرد يؤمن أن بلده هو كابوت موندي لحفظ مصالحه العليا و أمنه الداخي ، فمن شأن تعدد الولاء بين الدول ارتكاب خيانة تكون قريبة و عنيفة بهدوء ، لأن الدولة اَمنت بمواطنيها ، و كلما دنا الفرد من مناصب المسؤولية كلما زادت مأساة حصان طروادة .

طُرح في المغرب كما في الجزائر و دول أخرى ، تساءل عريض حول مدى مشروعية ازدواجية الجنسية لدى عدد من المسؤولين السياسيين و الحكوميين و غيرهما ، و مدى تنافي الأمر مع المعايير الأخلاقية و تعارضه مع الطرح الأمني للبلد . في هذا السياق سبق للجزائر أن أقرت مشروع قانون يمنع إزدواجية الجنسية بالنسبة لرئاسة الوزراء ، و عضوية الحكومة ، و رئاسة غرفتي البرلمان ، ورئاسة المحكمة العليا و المجلس الدستوري ، و المؤسستين الأمنية و العسكرية . في حين أن المغرب مازال لم يصدر أي قانون يحدد بموجبه منع الإحتفاظ بالجنسية المغربية للمواطنين المتجنسين بجنسية أخرى أو للمسؤوليين في المناصب الحساسة و المؤثرة فقط ، على غرار ثمان دول عربية وهي :البحرين ،جيبوتي ،الكويت ،سلطنة عمان، قطر,السعودية ، الإمارات العربية ،اليمن .


إن هذا الكبح للولاء المزدوج مرده إلى رفض الإختيار العدمي المبني على التسطيح و العشوائية ، و ليس فلسفة تشاؤمية شوبنهاورية ، لأن الدافع إلى تعدد الإرتباط القانوني بين الفرد و الدولة ليس دائما فريسكو ، بل يشكل أحيانا عملا مبطنا ذو غايات عميقة بعيدا عن المنظور و المتاح .

الموضوع يشكل في كل مرة نواة نقاش مركزية مع كل فترة انتخابية في المغرب، حيث يبسط الفرقاء السياسيون على اختلاف انتماءاتهم و مشاربهم حالة التنافي الواضحة بين تمثيل البلد و شغل مناصب حكومية و بين تملك جنسية دولة أجنبية ، ما يعد ضربا للمحددات الأخلاقية و الوطنية و الأمنية . فمن ناحية القيم و المبادئ يعتبر شغل منصب سيادي في الدولة أمانة تفرض التجرد من الثنائية و التعددية الباطنية و الظاهرية حتى يكون المسؤول أنموذج يحتذى به أمام العامة، و هذا نسغ له مبرراته التي تُفهم على مستوى سيكولوجية الجماهير . الأمر يماثل اعتلاء الخطيب الديني المنبر للوعظ الإسلامي، و هو يعتنق دينا أو فكرا ثانيا يتعارض مع الدين الإسلامي ، و ما يقال عن الخطيب يُمثتل عليه الإمام و العالِم و المؤذن ووزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية و موظفو المجالس العلمية .

من منظور الوطنية ، تظهر جدية النقدات و صحتها، عندما تقع أزمة دبلوماسية بين المغرب و إسبانيا أو فرنسا على سبيل الذكر، حيث يسقط مزدوجو الجنسية في اختبار صعب لا تنفع معه الكريولية و الإزدواجية ، حيث يلزم حينها الكشف عن القرار الداخلي مظهرا و مخبرا، و إن جرت العادة على الوقوف مع البلد الأصلي لأن الدولة الأجنبية لا تقدم شيئا بالمجان .

لا أحد يغفل حقيقة العديد من المسؤولين المغاربة الذين يفتخرون بجواز السفر الأحمر و الجنسية الغربية و الزوجة الشقراء الأوروبية و الحذاء الإيطالي و النبيذ الفرنسي و المسكن الباريسي ، كما أنهم يترددون على مستشفيات كندا و أميركا و أوروبا عند إحساسهم بالزكام أو التخمة ، و يهيئون مستقبل أبناءهم داخل هذه الدول ، و لا يتذكرون المغرب إلا في موعد الإستحقاقات الإنتخابية، أو عند توزيع الأموال في برامج التنمية و الإصلاح و إنشاء المشاريع ، التي ينفذ جلُّها خارج المغرب، و يوضع جزء منها في حسابات بنكية في بنما و سويسرا ، و لا يبقى للمواطن إلا إنشاءات و خطابات الإعلام الموجه الركيك .

من غير الممكن أن نبتلع أن مسؤولا مغربيا لا يستطيع التحدث باللغة العربية أن يعلن ولاءه للمغرب ، هذه مسألة محسومة عندي ، لأن أيديولوجيا اللغة أو الإيمان باللغة يعكس إيمانا لا واعيا بالبيئة الفردية والبنية النفسية للفرد . أسرد في هذا السياق نكثة – خبر- مفادها أن حافلة كان على متنها شخصيات و مسؤولين متوجهين نحو القصر الملكي، لحضور مراسيم عيد تجديد البيعة ، فقام أحد الشخصيات السياسية و رفع جواز سفره الأجنبي متفاخرا به لحصوله عليه للتو، فتعالت القهقهات و بدت الإبتسامات على كل وجه . إن هذا الجواز الأحمر هو حصانة ضد الإعتقال و المحاسبة داخل المغرب ، سواء كانت التهمة أو الجريمة إختلاس ميزانية الدولة – ميزانية الشعب- أو التعبير عن أراء سياسية لا تتماهى و توجهات الدولة .

إننا نعيش في مرحلة ما بعد الإستعمار و هي لا تشكل قطيعة مع الإستعمار القديم بل هي إمتداد له، ما سبب إستلابا و غزوا ثقافيا أجنبيا ،أصبح معه سلوك و مجتمع و محكمة و نموذج الاَخر هو المثال القويم و النهج الصحيح الذي يجب اتباعه . إنه زمن المسؤولين الهلاميين ، إسلاميون عنوانا و علمانيون فكرا و منهجا ، حكوميون و سياسيون مغاربة بجنسيات ثانية و ثالثة ولاءهم للمال و السلطة ، إعلام وطني فقد مصداقيته يروج نمط حياة غربي و أخلاق دخيلة ، لجنة فرنكوفونية لنموذج تنموي مغربي قديم- جديد ، يمهد لمرحلة جديدة ستغدو قديمة .

إن اَزمتنا هي أزمة بنية حزبية و نخبوية تجر البلد نحو المجهول، تجترح المنازع و تسد الإمكان كلما أتيح . إنها نخبة تدعي الوطنية و هي غارقة في الخيانة ، تزعم رعاية مصالح البلد و الحال أنها تبرم الصفقات لحسابها الشخصي و الضيق ، و هذه فرادة الدول العربية التي فقدت هويتها و تعددت ولاءاتها بين فرنسا و بريطانيا و أميركا و إسرائيل .

البعد الأمني يمنع ازدواجية الجنسية في المناصب القيادية و في مؤسستي الجيش و الأمن بمختلف تشكيلاتها و تلويناتها ، لأن القهرمان يكون على اطلاع بأسرار الدولة و مخططاتها ، ما يقتضي حمايتها من التسرب و حماية المسؤول نفسه من الكشف عن هذه الأسرار؛ سواء عن خاطر و قصد أو تحت ضغط ، وهنا يكون المسؤول هدفا سهلا خارج البلد ، و لاشيئ يضمن حفاظه على المعلومة إذا انسكب و انصهر داخل المجتمع الأجنبي .

بالنسبة للمغرب نجد أن كبار ضباط الجيش و الأمن يترددون على تراب الدول الأجنبية للإستشفاء أو السياحة ، بل أن وزير داخلية سابق يعيش حاليا في فرنسا و متزوج من مواطنة فرنسية ، و هذا يطرح أكثر من سؤال عن حقيقة العلاقة بين الرباط و باريس ، هل هي علاقة دولة بدولة ؟ أم رابطة دولة فرنسية بمقاطعة مغربية ؟

و أختم بما قاله الحاج العربي المشرفي رحمه الله إبان إعلان الحماية الفرنسية على المغرب سنة 1912 م ، حيث ألف كتابين هامَّين بعنوان : الويل و الثبور لمن احتمى بالباسبور ، وكتاب اَخر هو الرسالة عن أهل الباسبور الحثالة . كما كتب الفقيه محمد السباعي كتابا سمَّاه كشف النور عن حقيقة كفر أهل الباسبور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف