الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شامٌ بلا بعضِ الشام

ربيع نعيم مهدي

2021 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


(1)
منذ فترة ليست بالقصيرة أحاول غض النظر عن الكثير من الاخبار، لأنها ليست سوى ظواهر صوتية يتردد صداها لفترة قصيرة ثم يتلاشى، ومن هذه الظواهر خطاب تتناقله وسائل الإعلام عن (شام جديد) ومشروع لمشرق عربي، والذي يمكن وصفه بأنه خطاب خجول عند مقارنته مع خطابات وحملات اعلامية رافقت مشاريع مماثلة في تاريخ القريب، والتي وإن اختلفت مسمياتها إلا ان مضمونها واحد، فـ "الوحدة، والاتحاد، ومجلس التعاون... الخ" كلها مسميات لتجارب بعضها عربي صرف، واذا نظرنا الى احداث القرن الماضي سندهش من عدد محاولات الانظمة العربية لتحقيق أو تفعيل الشعارات التي لم تتجاوز حدود الورق في الغالب.
إحدى هذه المحاولات وأغربها مشروع الوحدة بين ليبيا وتونس في عام 1974، والذي شغل 48 ساعة من التاريخ، إذ كانت ولادة الوحدة بين البلدين عملية ارتجالية تفتقر الى بعد النظر في آثارها على المصالح الدولية في المنطقة العربية، والتي كانت شاهداً على مشاريع أخرى، انتهت اغلبها كأخبار وأحاديث تتناقلها بعض الصحف والكتب.
وما يهمنا في هذا المقال هو العراق، الذي كان طرفاً في معادلات التعاون والوحدة العقيمة، كمشروع الهلال الخصيب للجمع بين العراق وسوريا، والذي تلاشت معالمه في دهاليز لندن، عندما قدم فكرته نوري السعيد عام 1943م إلى السلطات البريطانية، والتي لم تعارض قيام الاتحاد العربي الهاشمي "الفدرالية العربية للعراق والأردن" في 14 شباط 1958، لحين حل الاتحاد بعد 4 أشهر على يد عبد الكريم قاسم، والذي أُسقط حكمه بمعونة من جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة التي تفككت (بعد ثلاث سنوات تقريباً) في أيلول 1961، وخروج سوريا من هذه الوحدة متأثرة بالسياسات التي أضرت بالاقتصاد السوري، الذي لم سيتطع احتمال نزوح الكثير من العمالة المصرية إلى مدن سوريا.
والغريب، ان مبررات انهاء الوحدة مع مصر لم تمنع حزب البعث الحاكم في سوريا من الدخول في مباحثات الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في عام 1963م، والتي لم تخرج عن حدود الورق المتخم بالشعارات المعادية للاستعمار ومؤامراته للقضاء على النموذج العربي للحرية، والأغرب مما تقدم ان احزاب البعث الحاكمة في العراق وسوريا كانت اكثر الانظمة الداعية الى الوحدة العربية، لكنهما على ارض الواقع لم يفشلا في تنفيذ (ميثاق العمل القومي المشترك) فقط، بل تحولا الى عدويّن تبادلا الاتهامات بالتآمر والسعي إلى إسقاط الحكم.
أما الطرف الثاني في معادلة الشام الجديد وهو الاردن، فلم يكن بعيداً عن مشاريع الوحدة، حتى بعد نهاية الاتحاد الهاشمي، إذ ارتبطت الاردن مع السلطة الفلسطينية لفترة طويلة من الزمن، ودفعت المملكة النصيب الأكبر من خسارة الحرب في 1967م، ولم تنتفع البلاد من اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر والتي وقعت في نفس العام. ولا يختلف الطرف الثالث عن سابقيّه، فمصر التي أسست أول جمهورية عربية متحدة مع سوريا، دخلت على الورق فقط في اتحاد الجمهوريات الثلاث الذي ضم (سوريا ومصر وليبيا) في سبعينيات القرن الماضي. وكلاهما (الاردن ومصر ) اضافة لليمن والعراق كانوا أطرافاً في (مجلس التعاون العربي) والذي تلاشى سريعاً في ظل فوضى حرب الخليج الثانية عام 1991م .
(2)
أما اليوم وفي ظل فوضى الصراع القائم في منطقة الشرق الأوسط، أطلق رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تصريحاته عن (مشروع الشام الجديد)، والذي يُقال بأنه إحدى المحاولات للتخلص من النفوذ الإيراني (برعاية أمريكية!!).
ففي العلن، نلاحظ ان الولايات المتحدة تدعم الإصلاحات الاقتصادية العراقية، والتي شملت على سبيل المثال تخفيض العملة لتحريك عجلة الصناعية العراقية (الحكومية والاهلية)، ودعم اصلاح قطاع الطاقة من خلال زيادة إنتاج الكهرباء والغاز، وكأن المشاكل التي تعاني منها البلاد تقف عند حدودها الداخلية، وكأن العراق لا يشكل جزءاً من الصراع الاستراتيجي لإعادة رسم حدود مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
ان المؤشرات المتناثرة على أرض الواقع تؤكد ان دول المنطقة بأجمعها تعتمد في تحديد مسار سياساتها على اختيار ما هو اقل ضرراً، فالأنظمة العربية بشكل عام مجبرة على إن تتعامل بنوع من الواقعية مع الصراع المتعدد في المنطقة، والذي تتمثل أطرافه في الصين وإيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة واسرائيل.
واذا نظرنا الى مجمل الاحداث منذ بداية الألفية الثانية ستتضح لنا طبيعة الصراع والثمن الذي دفعته المنطقة العربية كنتيجة لقرارات وسياسات لم يكن للعرب يداً أو رأياً في اتخاذها، فتغيير النظام في العراق بالقوة، وأحداث الربيع العربي وتغيير بعض الأنظمة تحت مسمى الديموقراطية، وظهور التنظيمات المسلحة تحت مسمى الاسلام السياسي، كلها أحداث عملت على إعادة رسم حدود النفوذ.
مع العلم، ان الصراع لازال مجهول النتائج والنهايات فحال الشرق الأوسط كحال رقعة شطرنج لا تموت أحجارها، فقوى الصراع تستبدل البيادق بما يتوافق مع مصالح بعيدة المدى، بل ان هذه القوى قد تعيد توجيه أدوات الصراع لضرب مصالحها ظاهريا، فعلى سبيل المثال لم تكن معالم المفاوضات بين الولايات المتحدة وتنظيم طالبان واضحة في أول الأمر، لكن مؤشراتها بدأت تتضح، وقد تتجه بنادق التنظيم الى الجارة الغربية لأفغانستان بعد ان تنهي ما سعى المجتمع الدولي الى بنائه في عقدين من الزمن.
وما يهمنا في هذا المقال هو الشام الذي غابت عنه بعض الشام، فالمشروع الذي ضم العراق ومصر والاردن لم يُدخل في نطاقه سوريا أو لبنان، (والخلل في اطلاق اسم "الشام الجديد" على المشروع واضح ولا يحتاج الى تشخيص أو توضيح)، وما هو معلن من تبريرات وجدوى اقتصادية تحقق الكثير من المصالح، قد لا تتفق مع المسعى السياسي لأطراف المشروع، وخصوصاً العراق، فبحسب ما يرى (البعض ) تسعى مصر من خلال المشروع الى مواجهة النفوذ التركي والايراني في المنطقة، والعراق يبحث عن حلفاء ترضى عنهم واشنطن حتى لا تبقى حكومة بغداد متهمة بالارتباط بطهران، أما الاردن فيبدو ان حكومته تسعى الاستفادة من أي خطوة تنعشه اقتصادياً.
وإذا تفحصنا في الواقع السياسي للدول الثلاث الداخلة في مشروع، نجد انها محكومة وليست حاكمة، محكومة بنفوذ وضغوط خارجية قادرة على انهاء وجودها إذا ما خرجت عن المسارات المحددة لها، فالواقع السياسي والاقتصادي والأمني لهذه الدول يشير صراحة الى انها تعاني من صعوبة في الحفاظ على كيانها دون اللجوء الى المساعدة الخارجية، سواء أكانت هذه المساعدات مالية أو عسكرية أو حتى موقف سياسي.
القمة الأخيرة لقادة هذه الدول أكدت ان المشروع ليس سوى أداة في حرب النفوذ، فما الذي حققته الاجتماعات والقمم السابقة على أرض الواقع؟ لتتحدث القمة عن الأمن ورفض التشدد أو التطرف!!.. الأمر لا يحتاج الى الكثير من النظر لإدراك الواقع، والذي يدفعني الى التساؤل، ما الذي سيجنيه العراق من دخوله في تحالف عربي محكوم بالفشل؟.. وما مصير هذا المشروع عندما تنتهي حاجة الغرب أو الولايات المتحدة تحديداً منه؟.
وقد تبدو الاجابة مستقبلاً (عند وصف مشروع الشام الجديد) محددة بالبيت التالي :
(ما زاد حنون في الاسلام خردلة ولا النصارى لهم شغل بحنون)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب إسرائيل وإيران... مع من ستقف الدول العربية؟ | ببساطة مع


.. توضيحات من الرئيس الإيراني من الهجوم على إسرائيل




.. مجلس النواب الأمريكي يصوت على مساعدات عسكرية لأوكرانيا وإسرا


.. حماس توافق على نزع سلاحها مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود




.. -مقامرة- رفح الكبرى.. أميركا عاجزة عن ردع نتنياهو| #الظهيرة