الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شبق السلاحف ومعركة القذف في الرمال

توفيق بوشري
كاتب

(Taoufik Bouchari)

2021 / 6 / 29
كتابات ساخرة


اتصل بي المهدي ولم يكن لا مهديا ولا "ستة حمص"، أخبرني بضرورة عقد اجتماع للتفكير بجدية في تنظيم أمسية، قال بالحرف: راه قودناها آ صحيبي، الجمعية المنافسة في المدينة استأثرت بكل شيء، حتى بالنصيب الأعظم من الدعم الذي من المفروض أن يقدم لتنظيمات المجتمع المدني. الحق يقال، مؤسس تلك الجمعية كان مستشارا في المجلس البلدي، ومنه فالقضية واضحة جدا. المهم ولأننا كنا موالين، أقصد كنا منبطحين –ولم أفهم ما كنا نكسب من ذلك بالتفصيل إلا متأخرا – كنا نحصل على بعض الفتات. مرت مدة طويلة على آخر نشاط مبتذل قمنا به؛ نظمنا مسابقة لتجويد القرآن، رئيسنا المهدي كان سكيرا، اختار أبناء أصدقائه لكي يتأهلوا للنهائيات رغم أن الأطفال الأبرياء كانوا لا صوت ولا حفظ، أحدهم كان يستعمل سماعات بلوتوث ومع ذلك بدا كما لو أنه مطرب شعبي بدون محسنات صوت في عرس تتخلله بين الفينة وأخرى مشاحنات بالأسلحة البيضاء، أعضاء اللجنة، أحدهم حشاش –وهو عضو رقم في الجمعية كالبقية- كان يصرخ عظيم، عظيم.. عندما يوقظه المهدي طالبا رأيه، وأنا كنت من يد المهدي اليمنى إلى يده اليسرى بحكم أني أديب مبتدئ يبحث عن منبر للظهور وتحقيق البؤس المسمى كاتب.
لا أخفيكم، فرحت نوعا ما لأننا سنعقد اجتماعا ومن خلاله ننظم احتفالية، يجب أن أجهز نصا مطولا وأحجز الوقت الكافي لي للقراءة وتعذيب الحاضرين، أقصد تشنيف أسماعهم ومخاطبة أرواحهم- سامحني الله وجثتهم- أو لأجهز أكثر من قصيدة وأستأثر بالنصيب الأكبر من القراءات، أنا نائب رئيس الجمعية، كما يقول المهدي نحن أولى، فنحن الذين نشقى ونتعب، "يجيو ولاد... يخرمزو علينا ويبانو على ظهرنا".
التقينا في المقهى المعهود، طبعا حضر السكير عبد الرحمن متأخرا كالعادة، فهو عضو "شرفي" وفي الحقيقة لم تكن تظهر الرحمة ولا على وجهه المظلم فما بالكم بدواخله؟ طبعا لا تدل العناوين دائما على المضامين ولكني أتحدث عن عبد الرحمن السكير الذي ليس سكيرا كأولئك الذين يغدقون على الفقراء أيام اقتراب عيد الأضحى بشكل يفوق المؤمنين أبناء اليهود " من أفعالهم" الذين مازالوا يتصدقون بالقطع الصفراء بوجوههم "القاصحة"، كأنهم يجهلون أن الله يرى ما يفعلونه.. يمكن أن أقول بأن عبد الرحمن كان سكيرا مؤمنا.
مباشرة دخل المهدي في صلب الموضوع: انظروا، سوف ننظم أمسية شعرية "واعرة"..
تدخل عبد الرحمن وهو يسف سيجارته: واو.. كاينة آ عشيري..
قلت متفلسفا: طبعا، من المفروض ولكن يجب أن نبلور...
قاطعني المهدي الرئيس: شوف مكاين ما ولكن. غادي نظمو أمسية ناضية. غادي نضبرو على شعراء كبار "وشي شاعرات مهبرات" نبانو بيهم.
تدخلت بعد أن طلبت نقطة نظام، وقبل أن أتحدث صرخ فيّ المهدي: تا مالنا فالبرلمان؟ هدر آ الخصيتان.. طلقنا للمفيد.
- ماذا عن الشعراء المحليين؟ هم جيدون، وضروري يكونوا معانا ولاد البلاد.
- شوف هادوك غادي نعمرو بيهم الشقف. الشعراء الكبار اللي غاديين يعطيونا الصورة ويهزوا بالجمعية.
في النهاية اتفقنا على البرمجة والتحضيرات بعد أن كان المهدي قد حجز القاعة المخصصة للنشاط. طبعا كنت شاعرا محليا ولكن لأنني أنتمي إلى الجمعية بل اليد اليمنى للمهدي الضال، سيكون لي شرف اللقاء بالكبار الذين سيدفعون بي إلى القمة، عندما أخبرت المهدي بأنني أعتزم المشاركة ابتسم طويلا، لا يمكن ألا يوافق ولو تجهم. أنا أعرفه، إنه بحاجة إلي، فحين "المعقول" لن يكون هناك سواي. أنا أحمل أغلب متاعب الجمعية على ظهري..
اتفقنا على لائحة الشعراء والشاعرات المعروفين والمعروفات الذين سنتصل بهم في أقرب وقت لإحياء الأمسية أو لنقل لتلميع صورة الجمعية، إحيائها وإلقاء الأضواء عليها بعد مدة من الموت والصمت. كان من بين الأسماء شاعرة كنت أعرفها جيدا، لم أقرأ لها الكثير ولكني كنت أتتبع صورها دائما على الفايسبوك، خاصة الصور التي تحتفي بكافة جسدها الغض المكشوف تحت اللباس "المحزق الملصق" والألوان المثيرة. المهم هي شاعرة "معتبرة" وستضفي على جمعيتنا لمسة أنوثة مطلوبة.
وافق جميع الشعراء والشاعرات على الحضور وذلك بعد الاتصالات المتكررة التي أنجزناها أنا والمهدي مستعينين بكل ما نحفظ من عبارات التبجيل و"التبنديق" لكي نجعل ضيوفنا الكرام يشعرون بالعظمة والزهو حتى نقلل من أهمية السؤال عن "الظرف" ومحتواه من تعويضات وأيضا عن الإقامة وظروفها بالنظر إلى حال جمعيتنا وقصر يدها، ومنهم من لم يتحرج في اشتراط أشياء معينة كما لو أنه شاعر "رسمي" أو "محترف" في فرنسا أو نيويورك..
- تحياتي شاعرنا القدير.. تحياتي أيها الكبير.. سنتشرف أيما شرف بحضوركم الوارف الظلال.. سير يا ولد الكلبة الله ينزل على بوك اللعنة، هذاك شعر كتكتب! طبعا هذا النص الموازي بعد النقطتين كان بعد إقفال الخط.
- بوركت شاعرتنا الراقية البهية.. والله والله مشاركتك ستتحفنا وتحلق بجمهورنا المتعطش لحضوركم.. ولكن بنت الحرام "قرطاسة" واخا غير تشطح فوق الخشبة، الجمعية غادية تطلع فالبورصة..
قبل اليوم المعلوم بيومين، بدأت تأتينا مكالمات الاعتذار من الكبار والكبيرات، كان المهدي يتعرق في عز البرد وهو ينهي المكالمات بكلمات معسولات ليتبعها بعد إقفال الخط بالسب والقذف واللعن. اعتذار تلو اعتذار، حتى لم يبق سوى كبيران وكبيرة واحدة بالكاد.
عندما حل موعد الأمسية وقبل الإعلان عن بدايتها لم يظهر أحد. ترقبنا وانتظرنا، كنا نتفحص هواتفنا كل لحظة منتظرين بتوجس كبير اعتذارات آخر لحظة مجهزين الشتائم الغاضبة الأكثر فظاعة وسخطا وفسقا. لم يأت أحد. أسرع إليّ المهدي:
أنت تعرف كل بؤساء أقصد شعراء المدينة المنبوذين المجهولين، اتصل بهم حالا، يجب أن تنجح الأمسية وإلا شمت فينا الطيب "الشرير" ابن العاهرة –وهو رئيس الجمعية المنافسة في مجال الارتزاق الأدبي- وقد نفقد الدعم نهائيا. اتصل بهم سيأتون حبوا، إنهم متشوقون مثلك للظهور وقراءة خزعبلاتهم. المهم أن ننجح ويصفق الحاضرون ونوزع الشواهد، لا تنس إحضار مُبيّض معك لتغطية أسماء الكبيرات والكبار الذين لم يحضروا.. "ما فينا ما نزيدو نصرفو على المقمّلين"..
لم أنتبه كثيرا لما قاله بقدر ما تبادر إلى ذهني أن أقرأ أكبر عدد من النصوص وأستأثر بأكبر قدر من الوقت، فأنا ابن الجمعية والآخرون مغمورون، سيشرفهم فقط أن يحملوا الميكروفون ويعتلوا الخشبة ليتلعثموا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السجن 18 شهراً على مسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-


.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم




.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3


.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى




.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب