الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شواطئ الغربة.. مجموعة نصوص تبعث على التأمل

الغربي عمران

2021 / 7 / 1
الادب والفن


لا أعرف إلى متى ستظل تلك المقدمات التي تتصدر الأعمال الإبداعية تحجب نصوصها. فالعادة إذا ما أستمرت فأنها تقلل من مكانة تلك النصوص. كون الإبداع تمرد وخروج عن أطر مستهلكة. أن نترك النص أن يقدم نفسه. أفضل من كلام مجاملات وطبطبة لا يفيد في شيء بقدر ما يغمط روعة ما تحمله النصوص من بنى ومعان.
شرفت بإهداء الأديب الليبي خالد خميس السحاتي نسخة من مجموعته الصادرة عام 2019. بعنوان "شواطئ الغربة". عنوان حز في نفسي وأنا أعيش في وطني اليمن غريب بسبب الحرب. وأشعر بغربة المجتمع السوري والليبي وكثير من العراقيين. مجتمعات يغلف مستقبلها غموض المجهول وقد أرتهن أبناءها للأجنبي ليدير حروبهم بدمائهم لصالحه.
تعودت أن أقراء ما هي نصوص من أخرها. فعادة ما يصف كتابها الأفضل في المقدمة. وهكذا أبدا مع كل مجموعة بحوار مختلف جوهره الجدل والتفاعل مع مبدعها كما لو كان أمامي في حوار والنص هو ميدانه.
ومن آخر نص تبرز قضية من أهم القضايا الإنسانية "الفقد".
نص "هروب" ص 80 تأتي خلاصته باختفاء العريس بعد المولود الأول لعروسته. نص ثان "لا شيء" جاء في خاتمته" أرجوك يا امي انتظري قليلا, انا قادم إليك, سأترك كل شيء هنا, واعود لدفنك...".
نص "دروس" و "سؤال" يدوران ايضا حول الفقد. وهكذا جل نصوص خالد السحاتي في مجموعته شواطئ الغربة , تدور حول محور واحد وهو الفقد. فلماذا الفقد ؟. هل هي قضية عربية؟ أم أنها تقتصر على أقطار تتعرض لما سمي بثورات الربيع العربي وما تلاها من خراب؟. أم أن المجتمع الليبي هو المعني , والمبدع هو المعبر الصادق عن مجتمعه. ليبيا مجتمع ينخره الفقد.. كما ينخر أقطار عربية ترتهن لرغبة الأجنبي. بعد أن أستقدم كل طرف من ينصره لقتل أخيه.
وكما أسلفت تدعو هذه النصوص المتلقي إلى تناولها تفاعليا. فلست بناقد ولا أريد أن أكون كذلك. بل أتناولها كمتلقي وبطريقة تفاعليه مع المبدع على اعتبار أن كل نص باب يفضي إلى حوار. فهل قصد الكاتب بذلك الفقد الذي تخلل أكثر نصوصه فقد وطن. ليس بالفقد الرمزي بل بالدال على ما يدور من عنف وتدمير وقتل. وفوق ما يقدم الكاتب في نصوصه. الجميع يشاهد يوماي على شاشات التلفزة تلك الفضائع التي يتعرض لها المجتمع الليبي. ومن زار ليبيا طرابلس سرت بنغازي وغيرها. يرى كم الكارثة وقد استفحلت بوطن يقع على ماسحة كبيرة يكاد يقارب نصف مساحة أوربا.. يهدده التشطير, والتمزيق. فهل يعني الكاتب الإشارة من تكرار الفقد في نصوصه إلى فقد وطن يتعرض لشبح التجزئة, الفقد المبثوثة بين نصوص المجموعة. ففقد الأم أو الأب أو الأخ أو الحبيبة... الخ ما عالجته تلك النصوص, ما هو إلا فقد رمزي للوطن. فقد بالتجزئة والتشطير.. فقد بالتدمير والقتل.. فقد باستدعاء وجوه غريبة ليتغلب الأخ على أخوه. فقد بالقتل المشرعن تحت شعارات دينية ووطنية زائفة لا تلبي حاجة الشعب بقد ما تلبي تطلعات الأجنبي من يطمع بتحقيق غاياته.
وبالعودة لنصوص الفقد, نص "هجرة" جاءت جملته الأخيرة "إذا فارقت الحياة فأخبر أبي أنني أحبه, وأن الوطن سيعود يوما".
وفي نص "طوابير" أيضا جملته الأخيرة "لحظات وحدث عراك بالأيدي والسلاح, جاءته رصاصة طائشة فأودت بحياته".
يعي ما صنعه الكابت بمتلقيه من خلال نصوص الفقد. أو أنها جاءت ضمن ما ينتجه العقل الباطن أثناء الكتابة.
جانب آخر, يتلخص في تركيز الكاتب على الجانب الموضوعي.. بحيث أبرز كل فكرة تناولتها نصوصه بوضوح.. وكان ذلك على حساب الجانب الفني.. أي أن الأفكار جاءت واضحة ولم يعتريها أي غموض عدى في قلة من تلك النصوص التي تدفع بالمتلقي للتفكير مثل نص بعنوان "سؤال" ونص "فرار" وغيرها. مقابل نصوص أخرى كـ "مكاتيب" الذي غاب المعنى. أو كما يقال المعنى في عقل القاص. وكثير من النصوص المماثله. أما نص "فزع الكوابيس" فهو أقرب للخاطرة من للأقصوصة. وغيره من النصوص. وإذا مضينا فسنجد نصوص ذان نهايات فارقة أتسمت بالفارقة والتضاد. مثل "ذاكرة". والمعروف أن الأقصوصة فن من خصائصه المفارقة.
تلك النصوص الذي ذكرتها هي النصوص الأخيرة من مجموعة تضم ما يقارب الثلاثة وثلاثين نص, تباينت بين الأقصوصة والقصة والقصيرة. والنص المفتوح. وأقصر تلك النصوص لم يتجاوز الثلاثة أسطر, وأطولها الصفحة والنصف. وقد أثبت الكاتب بأنه حكاء ممتاز في النصوص الطويلة والقليلة إذ أستطاع نسج مسارات الأحداث بتشوق جميل.
وبالعودة إلى عناوين النصوص الداخلية, نجدها توزعت بين المفردة والمفردتين.. فعشرة منها جاءت بمفردتين. وثلاثة وعشرين نص جاءت من مفردة. وهذا يعطينا مقدار الوعي لدى الكاتب التكثيف سواء على مستوى نسيج النص أو العنوان.
رافق كل نص لوحة طابقت مفرداتها مضمون النص القصصي المصاحب. ويبدو أنها اختيرت بعناية , فتلك لتعبر عن محتوى النص. ما أضاف أبعاد جمالية.
تتبقى كلمة أخيرة. لا شك بأن كل كاتب يروم من كتاباته إلى الإتيان بالجديد والمختلف موضوعيا وفنيا. وكمتلقي زرت ليبيا لأكثر من ست زيارات وقضيت فيها أيام تخللتها تجوال في أسواق مدنها وأحياءها الشعبية. أدرك بأن هذه النصوص مهمومة بقضايا المجتمع.. الاجتماعية والسياسية. وفي بعض نصوص المجموعة ما هو غير مطروق من نصوص الآخرين. أما الجانب الفني فقد أظهر الكاتب مهارات واضحة. وكونها التجربة الأولى, بدت تلك النصوص في لغتها رائعة وفي تراكيب جملها أيضا.. وسلاسة سردها. وبذلك ننتظر من الكاتب في جديده محاولة طرق أساليب وطرق جديدة.
وككاتب أرى أن علينا أن نأتي نصا بعد آخر بالجديد.. في محاولة أولا لتجاوز أنفسنا.. وثانيا تجاوز السائد من أساليب غيرنا. فما تم إنتاجه يتحول إلى ماض. وما يتم إنتاجه يجب أن يتجاوزه بالتجريب ومحاولة الإتيان بالمغاير. طرائق وأساليب.
وخاتمة أخيرة بالإشارة إلى نص "متاهات التشظي" الذي يمثل كثير من نوصوص المجموع كبوح وجداني. ومثله كان يفترض أن يصدر في مجموعة مستقلة تضم الخواطر والوجدانيات. أي مجموع نصوص مفتوحة على الأجناس الأخرى.
مجموعة تبشر بميلاد مبدع يعرف جيدا أدواته كما يمتلك قدرة على الحكي. وصياغة أفكاره في قوالب لافته.. تلك الأفكار العميقة التي تعبر عن هموم وتطلعات الإنسان الليبي وهو يمر بمصاعب شتى يحدوه الأمل لا أن تعود الأيام لما كان عليه. بل إلى حياة أفضل وأكثر سلام وديمقراطية ووحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي


.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة




.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-