الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر اليوم، سوريا المستقبل

راتب شعبو

2021 / 7 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تعطي الجزائر اليوم، صورة محتملة عن سوريا المستقبل، إذا تصورنا أن سوريا تعيش اليوم السنوات السوداء التي عاشتها الجزائر في العقد الأخير من القرن الماضي. هناك ما يدعم التشابه بين البلدين. في البلدين استقر الصراع الدموي بين قوى متشابهة، قوى جهادية إسلامية مقابل قوى السلطة المستبدة. سوى أن مؤسسة الجيش في الجزائر هي مركز الثقل في هذه الأخيرة، الأمر الذي سمح للجيش بإجراء تغيرات أو حتى تصفيات في الرئاسة، أما في سورية فإن مركز الثقل في قوى السلطة هو للرئاسة التي حافظت على نفسها، وكانت التغيرات والتصفيات من نصيب جنرالات الجيش وقيادته (استقالة أو إقالة وزير الدفاع علي حبيب في آب 2011، ثم مقتل ضباط خلية الأزمة بعد عام واحد).
من الراجح أن يتوضع في سورية، بعد حين غير بعيد، نظام سياسي يعكس اجتماع عنصرين متداخلين، هما التوافق الدولي من جهة، وتوازن القوى الداخلي من جهة أخرى. سيكون هذا النظام معادلاً لنظام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي استطاع احتواء العنف في البلاد (وإن كان على حساب العدالة)، دون أن يؤسس لعلاقة ديموقراطية بين السلطة والشارع. وقد اعتاش نظام بوتفليقة على هذا الإنجاز عشرين عاماً في مجتمع جزائري انهكه الصراع الدموي المديد والعدمي.
حيازة الجيش في الجزائر على مركز ثقل السلطة، جعل التغيرات السلطوية في طريق السعي إلى حل، تكون من نصيب مؤسسة الرئاسة (بعد استقالة الشاذلي بن جديد في مطلع 1992، واغتيال محمد بوضياف في صيف العام نفسه، جاء ثلاثة رؤساء هم علي كافي ثم الأمين زروال ثم عبد العزيز بو تفليقة). من المرجح أن يكون الأمر مختلفاً في سوريا، لأن نظام الأسد يستمد استقراره من الرأس، وعلى هذا ستكون متغيرات السلطة في سعيها إلى الحل، ممكنه في كل المستويات خارج دائرة الرئاسة. هذا لا يعني فقط بقاء الرئيس، بل يعني أيضاً بقاء مرتكزاته في الجيش والأمن.
وكما في الحالة الجزائرية، كذلك في الحالة السورية المحتملة، لن يطرأ تغيير مهم على العلاقة بين السلطة والمجتمع في النظام الذي سوف يحتوي العنف، والذي سيكون شبيهاً بنظام بوتفليقة من حيث الوظيفة، ولذلك فإن قوة الانتفاض على النظام سوف تنفجر في وقت لاحق، كما حصل في الجزائر. يمكن لنا، بناء على هذا التصور، استشفاف صورتين من التجربة الجزائرية.
الصورة الأولى تدعو للتفاؤل، ذلك أن الحراك الديموقراطي الجزائري الذي انطلق في شباط/فبراير 2019، بقي، رغم الزمن ومحاولات الكبح وصنوف التخريب من جانب السلطات المسيطرة، ورغم آثار وضغط جائحة كوفيد 19، مستمراً وبعيداً عن السلاح وعن الإسلاميين. هذا يعني أن الخراب الواسع الذي ضرب المجتمع الجزائري في ما سمي العشرية السوداء (دامت في الواقع أكثر من عشر سنوات)، ترك درساً حفظه الجزائريون، أكانوا في مناصب الحكم أو في الشارع، درساً يقول إن العنف لا يولد سوى العنف، وأن دائرة العنف تبتلع كل جدوى سياسية.
لم يكن نبذ العنف في الحراك الجزائري فضيلة طرف دون آخر، فقد بدا أن الدرس استقر في وعي الشارع كما في وعي نخبة الحكم. لا نقصد أن وعي نخبة الحكم يمكن أن يجعلها تتخلى عن امتيازاتها دون أن تستخدم العنف، حرصاً على البلاد، فسعي نخبة الحكم للحفاظ على السلطة يعلو على كل شيء، نقصد أن الدرس الدموي استقر في وعي الجزائريين جميعاً، بمن فيهم بيروقراطية الدولة وأجهزة القوة فيها، بحيث أن قرار اللجوء إلى العنف في وجه المتظاهرين، كان يمكن أن يرتد سلباً على نخبة الحكم، ويفقدها ما أرادت الحفاظ عليه بالقوة.
يرتبط بهذا الدرس بصورة مباشرة، درس الحذر من الإسلاميين الذين يميلون إلى العنف، معروف أن الإسلاميين في الجزائر كانوا قد استعدوا عسكرياً (جماعة "جيا"، والجيش الإسلامي للإنقاذ)، قبل الانتخابات التشريعية 1991، على نحو سري، بما يسمى خطة (ب)، يذكر ذلك الكاتب الجزائري واسيني الأعرج، في رسالة مفتوحة وجهها في أيار/مايو 2019، إلى الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري. ومن المعلوم أن بعض إسلاميي سوريا كانوا قد استعدوا عسكريا منذ بدايات الثورة السورية، على غرار الجزائريين.
الحق أن الحراك الجزائري الحالي أبدى حذراً من جميع الأحزاب السياسية، ونفوراً من كل أصناف القيادة، الأمر الذي يعرض إحدى سمات الموجة الثانية من الربيع العربي التي ينتمي إليها الحراك في الجزائر. غير أن الحذر من الإسلاميين ينطوي ليس فقط على نفور من الأحزاب، بل على نفور إضافي من ميل الإسلاميين عموماً إلى العنف. قد يدفع هذا لبروز تيار إسلامي ذي استراتيجية سلمية بالكامل، هذا متوقع في الحالة السورية الموازية، ويدعو إلى التفاؤل.
الصورة الثانية تتعلق بالمخرج الديموقراطي ومعناه وطريق الوصول إليه. في الحراكات الشعبية الواسعة، من الطبيعي أن يغلب لدى المعارضين الميل إلى التبسيط في المطالب، لذلك غالباً ما تضمحل فكرة الديموقراطية إلى مستوى إجرائي وهو الانتخابات. لكن أثبتت السلطات المستبدة أنها قادرة على احتواء المطلب الديموقراطي الانتخابي بشتى السبل، بما في ذلك، مثلاً، إنشاء قوائم مستقلين ولكنهم تابعين في الواقع للسلطة كما شهدنا في انتخابات الجزائر التشريعية في 12 حزيران/يونيو.
إمكانية تفريغ الديموقراطية الانتخابية من المعنى، أمر سهل، وبات واضحاً ومجرباً، وهو ما دفع الجزائريين إلى البرود أو الرفض في انتخابات الرئاسة في 2019 (أقل من 40% وهي أدنى نسبة في انتخابات رئاسية تعددية في الجزائر)، وفي الاستفتاء على الدستور في 2020 (أقل من 19% في أكثر تقدير)، وفي التشريعية الأخيرة (بحدود 20%).
رغم هذه المظاهر الديموقراطية التي جرت في الجزائر، بقي الجزائريون في الشارع. ليست غاية الناس أن يكون من ينهب حقوقهم قد وصل إلى منصبه بالانتخاب أم لا، المهم أن لا تنهب حقوق الناس. من السهل إجراء انتخابات ولكن من الصعب تحصيل وصيانة الحقوق، لذلك إذا كان كثير من المعارضين (الطموحين) يميلون إلى اعتبار الانتخابات غاية بذاتها، فإن الناس يميلون إلى تصديق الواقع، وإلى البدء بالتفكير في الدفاع المباشر عن حقوقهم، وإرغام صاحب المنصب (أكان منتخباً أم لا) على احترامها وخدمتها. فالحضور المباشر والمنتظم في الميدان هو ما يعطي العملية الانتخابية بعدها الديموقراطي الفعلي.
في سوريا، كما في الجزائر، لا ينضب نسغ الأمل، لا ينتصر اليأس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا