الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (275) الاغتيالات

بشير الوندي

2021 / 7 / 1
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات (275)
الاغتيالات
-------------
مدخل
-------------
غالبا ما نسمع ان شخصية سياسية او امنية او اقتصادية تعرضت لحادث سير او موت مفاجىء او سكتة قلبية او حادث عرضي او طعن بسكين او غرق في الماء او أية انواع اخرى , بشكل يبدو طبيعياً, لكن الحقيقة الصادمة هي أنّ نسبة كبيرة من تلك الحوادث ليست صدفة اطلاقاً , لكن الآمر بالقتل يريدها ان تبدو كحالة طبيعية.
فمن ضمن العمل الاستخباري الاحترافي ان يكون لكل شخصية داخل وخارج البلد المستهدف ملف يصنف فيه الشخص على انه خطير او خطير جدا او غير ذلك , وينظر الى هذا التصنيف عند الحاجة (انظرمبحث 246 الاهداف البشرية ) من اجل التعامل مع الشخصية سواء بتجنيدها او تحييدها او تسقيطها , فان لم تنفع كل تلك الطرق معها وبقيت تشكل خطراً , حينها يصدر الأمر بتصفيتها بإعتبارها من الاهداف البشرية التي يجب تصفيتها.
ويتنوع المستهدفون بالاغتيالات فمنهم شخصبات سياسية او دينية او اجتماعية او علمية او عسكرية او رجال عصابات او تجار او قادة ثوريون او ارهابيون او اعلاميون وغير ذلك , وهو امر من اخطر واكثر الاعمال سرية لدى الاجهزة الاستخبارية , عدا عن ان السلطات الحاكمة , في بلدان العالم الثالث والدول القلقة والدكتاتورية , تستخدم هذا الاسلوب كثيرا داخليا للقضاء على الخصوم بدلاً من الاعتقالات والمحاكمات السياسية التي تثير الكثير من الضجة.
------------------------
الاغتيال بدم بارد
------------------------
ان جهاز الاستخبارات هو كيان بلا مشاعر , فالعمل الاستخباري هو عمل نوعي غير قانوني ومسكوت عن اجراءآته غير القانونية في كل بلدان العالم , فهو عمل سري يفضل الكثير من القادة السياسيين للبلاد ان لايدخلوا في تفاصيله , كما ان اغلب اجهزة الاستخبارات في العالم الثالث لاتعمل باستقلالية عن الحاكم وتنغمس في حماية السلطة والحاكم وليس الوطن , فتركز جهدها للتخلص من المعارضة السياسية التي غالبا ماتكون خارج البلد وتقوم بالتجسس عليها وتصفيتها .
ولأن الاغتيال هوعمل لاقانوني ولااخلاقي , لذا تحرص الدول المتقدمة على ان تجعل استخباراتها بعيدة عن الصراع السياسي والسلطة , وتوجيهها الى استخدام اساليبها غير المشروعة ضد العدو المهدد وضد الارهابيين , كي يأخذ الاغتيال جانباً وطنياً مشروعا , وتتم الرقابة الصارمة على الاجهزة الاستخبارية كي لاتتحول الى اداة بيد الحاكم يصفي بها خصومه السياسيين واعداءه الشخصيين (انظر مباحث في الاستخبارات 63 الاستخبارات القتالية) , وفي كل الاحوال , فان الاجهزة الاستخبارية تسعى دوماً الى اخضاع المستهدفين لديها بشتى الطرق وفق اربعة مسارات , اثنان منهما ايجابيان هما بالتجنيد او بالتحييد والا فانها تذهب الى مسارين سلبيين اولهما التسقيط واخيراً القتل , حيث ان آخر الدواء الكيّ !!!! .
------------------------------
عصفوران بحجر واحد!!
------------------------------
هناك بعدان اساسيان لعملية الاغتيال , فإما ان يكون الاغتيال من اجل اهداف اكبر , او ان يكون التخلص من الشخص هو الهدف بحد ذاته , فالشكل الاول يأتي من باب الاطاحة وقلب الحكم او اسقاط الحكومات او اندلاع حروب , وهو عمل شامل يحتاج الى ركائز تحفز وتضرب الراس من خلال الاغتيالات لاحداث الفوضى والتمرد , والشكل الثاني يأتي بالتخلص من الهدف فقط بعد الفشل في تجنيدة اوتحييده اوتسقيطه , حيث يتم اللجوء الى قتله .
ولايشترط بالمستهدف من الاغتيال ان يكون محدداً بالاسم فقد يتم الامر بشكل عشوائي لاثارة الرعب والفوضى و زيادة الشرخ بين الحكومات وشعوبها كما حصل مع عمليات القنص التي كانت تطال المتظاهرين والقوات الامنية لتعميق الهوة , وهو عين ماحصل في كل دول ثورات الربيع العربي وكذلك في العراق , فهو عمل استخباري خالص.
وكثيراً ما يتم الافادة قدر الامكان من عملية الاغتيال من خلال دمج هدفين بهدف واحد , من قبيل :
1- الاغتيال مع تسقيط سمعة للمجني عليه كأن يقتل عارياً بصحبة عاهر او مع حقن مخدرات او اغتيال رجل دين بشكل غامض مع وضع زجاجة خمر على منضدته او قرب فراشه , ومن مصاديقه مااشاعته الموساد حين اغتالت العالم النووي المصري يحيى المشد في باريس حيث صورت الامر بادخال عناصر مخلة بالشرف في قصته من خلال غانية تمت تصفيتها لاحقاً , او كما في اغتيال فؤاد الركابي القيادي البعثي الذي لم يكتف صدام بقتله عبر ادخال سكين لأحد السجناء في زنزانته , وانما قدم القاتل افادته بأن الركابي حاول الاعتداء جنسياً عليه فقتله بالسكين .
2- قد يكون الدمج بإسلوب آخر من خلال الجمع بين التخلص من الضحية من جهة واستغلال موتها لإتهام الآخرين بالقتل , وهو امر شائع لدى الاجهزة الاستخبارية وله مصاديق كثيرة , وخلاصته ان يختار الجهاز الاستخباري المعادي ضحية معروفة ويصنع لها شعبية جارفة , ثم يشيع احد امرين عنها , فإما ان يشيع صداقته بها او على الاقل تقاطعها مع الجهة المراد اتهامها بقتله , ثم يتم قتله بطريقة تقود في أدلتها الى الجهة المراد تشويهها , فتضرب الاستخبارات بالاغتيال عصفورين بحجر واحد , وتنجح تلك الطريقة كثيراً مع الشخصيات الجدلية او تلك التي لها تقاطعات واضحة مع جهات متعددة , ومن اشهر مصاديقها اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري , كما حصلت حادثة مشابهة لتلك بشكل ما من خلال اغتيال شخص عراقي عرف بقربه من السفارة الامريكية وكان له ماض ضمن احدى التشكيلات الارهابية حيث تم اغتياله بطريقة موحية امام كاميرات المراقبة بشكل يجعلك تقتنع ان الجهة التي قتلته هي جهات ميليشياوية تابعة للحكومة , وتأتي في هذا الاطار قصة " دم فريال" الذي قال عنه صدام انه "لن يذهب سدى " في تفجير المستنصرية في اوائل عهده , وهي قصة مسيطر عليها واستثمرتها المخابرات الصدامية كذريعة لتبرير اندلاع الحرب العراقية الايرانية وتهجير الكرد الفيليين واعدام عشرات الالوف من شبابهم .
--------------------------
اغراض لاحصر لها
-------------------------
ان الاغتيال وسيلة ناجعة في التخلص من الاعداء وكذلك ممن يشكل وجودهم مصدراً لقلق الجهاز الاستخباري حتى لو كان من الاصدقاء , وهو طريق اقل كلفه لكنه اشد صعوبة , فالغاية من الاغتيال لاحصر لها , ومن ابرز امثلة الغايات التي تؤدي بالجهاز الاستخباري الذهاب الى الاغتيال هي :
1- اغتيالات سياسية الغرض منها التخلص من المعارضين , من قبيل تصفية المعارضين في عهد صدام الطاغية, وتدخل في هذا الاطار اغتيالات الزعماء السياسيين من اجل تمرير انقلابات في بلد ما.
2- اغتيالات امنية تحت يافطة التخلص من اعداء يهددون امن البلاد.
3- اغتيالات لغرض الصاق التهمة بعدو ما , من قبيل قتل ناشط معروف بمعارضته للحكومة من اجل اتهامها بتصفيته وجعله ايقونة للنضال , او اغتيال متظاهرين من قبل قناصين مجهولين لتهييج الجماهير ضد الحكومة.
4- اغتيالات ارهابية الغرض منها ارعاب الآخرين , وهو امر تسعى الجهات الاستخبارية – او التنظيمات الارهابية – فيها لاثبات ان لها اليد الطولى.
5- اغتيال العلماء وتتم من اجل عرقلة مشاريع علمية لدولة ما ولاسيما العلماء النوويين , ومن امثلة ذلك استهداف العلماء النوويين العاملين في المواقع النووية الايرانية.
6- اغتيالات ثأرية انتقامية , ومن امثلة ذلك اغتيال قائد ايراني كبير كان له دور في دحر تنظيم داعش الا انه يعد عدو بارز لأمريكا فتمت تصفيته من قبل الاستخبارات الامريكية في الاراضي العراقية دون الالتفات الى السيادة العراقية والى استشهاد القائد الامني العراقي الحكومي الذي كان يستضيفه , باعتراف الرئيس الامريكي السابق ترامب.
7- اغتيالات نوعية من قبيل قتل قيادي شهير يقلق الاستخبارات المعادية
8- اغتيال لدفع الضرر حيث تتم احياناً تصفية شخص ما يعمل مع الاستخبارات المعادية وصديق لها الا انه يحمل الكثير من الاسرار , ولايجوز تمكين اية جهة من اعتقاله , وفي ذات الوقت لاتستطيع الاستخبارات التي يعمل معها من تخليصه , فتختار مجبورة اغتياله حفظاً للاسرار .
9- قد تؤدي عدم استجابة الهدف الخاضع للتجنيد القهري الى قتله والتخلص منه (انظر مبحث 161 التجنيد القهري)
10- اغتيالات او ترتيب محاولات اغتيال مخطط لها من اجل اشعال الحروب الاهلية او الاقليمية او الدولية.
------------------------------
عمل استخباري خالص
------------------------------
عندما تشكلت اجهزة الاستخبارات بدات تنتظم فكره استهداف المطلوبين خارجياً وداخلياً , وشيئا فشيئا تشكلت هيكلية خاصة ضمن العمليات تأخذ على عاتقها عمليات التصفية والقتل بأنواعه , فتشكلت فرق الاغتيالات كجزء من تشكيلات الاستخبارات , يتم اختيارافرادها من عناصر القوات الخاصة ويتم نقلهم الى الاستخبارات ليكوّن منهم فصيلاً سرياً , وتقتصر معرفتهم على المعنيين ويرتبطون برئيس الجهاز ونائبه لشؤون العمليات , وهم بدورهم لايترددون على مقر الجهاز ويكونون بعيدين عن العمل الاستخباري وينتحلون شخصيات اخرى ويعيشون بين الناس بشكل طبيعي ويتم استدعائهم عند الحاجة, ويكون مجال نشاطهم داخل وخارج البلاد (انظر مباحث في الاستخبارات (62)العمليات)
ان عمليات التصفية الجسدية هي من اعمال العمليات الخاصة , باعتباره جهد عملياتي ضمن اعمال الميدان الاستخبارية ويعد احد اهم واجبات الاستخبارات القتالية (انظر مباحث في الاستخبارات (63) الاستخبارات القتالية), وغالباً ماتؤسس شعبة الاغتيالات بمسمى مبهم (انظر مبحث 62 العمليات) , وتتوافر للاجهزة الاستخبارية امكانات لتسهيل عمليات الاغتيالات , فتستخدم مركزا مختصا بالسموم , او ان تتعاون مع مراكز بحثية وشركات مصنعة لاستحصال ادوية وموثرات تجعل الموت طبيعيا او بطيئاً او سريعاً او بلا اعراض جانبية للتشويش على التشخيص الطبي , كما تدير الاجهزة الاستخبارية احدث الوسائل للاغتيالات باستخدام الطائرات بدون طيار (انظر مباحث في الاستخبارات (256) الطائرات بدون طيار)التي اصبحت من اهم ادوات عمليات الاغتيال البعيد والاقل كلفة والاسرع , وقد استخدمت بكثرة من قبل الاستخبارات الامريكية ضد عناصر طالبان في افغانستان وباكستان واليمن.
وتلجأ بعض الاجهزة الاستخبارية الى الخصخصة في مجال الاغتيالات حيث تسند هكذا اعمال الى مافيا , او قتلة مأجورين , او شركة امنية من المرتزقة , او بالاستعانة بمن يطلق عليهم في بلداننا ب(الاشقياء ) , او ان يجند شخص بالاسلوب الثأري الإنتقامي لتنفيذ الاغتيال , او ان تسند المهمة الى مليشيا , او جهاز استخباري صديق او متعاون ( انظر مبحث 271 الخصخصة الاستخبارية ).
والواقع , ان عمليات الاغتيال تحتاج الى ترتيبات وامكانات معقدة لابد من توافرها , منها الادوات الفنية للمراقبة , وادوات الاغتيال سواء الكلاسيكية او الحديثة , وفي بعض الاحيان يتم الاغتيال من خلال تجهيز فريق عمل متكامل للمراقبة والاعمال اللوجستية والفنية والتنفيذ واخفاء الادلة واعداد الخطط الخاصة باستدراج الضحية كي يضعون المستهدف في المكان والزمان المحددين لتصفيته (انظر مبحث 254 المعلومات الاستدراجية) , , وعادة ما يتم تكليف شخص من محيط الشخص المستهدف فان لم يتوافر شخص من محيطه حينها يتم التمهيد لشخص للدخول ضمن محيطه عبر خلق ظروف زائفة لبناء صداقة او علاقة عاطفية وغير ذلك (انظر مباحث في الاستخبارات (264) الاستدراج الفردي), لعل من المفيد ان نشير هنا الى أغبى عملية اغتيال في القرن الحادي والعشرين والتي تمت على يد الاستخبارات السعودية في حادث قتل الصحفي خاشقجي بعد استدراجه الى داخل قنصلية بلاده في اسطنبول حيث تم افتضاح العملية والمنفذين بالصوت والصورة .
-------------------
قتلة للايجار!!
-------------------
كانت اجهزة الاستخبارات , ولازالت , تجند مرتزقة وارهابيين ليكونوا قوة عسكرية تدربها وتسلحها للقتال , وغالباً ماكانت الحركات المسلحة والعصابات الكبيرة هي من نتاجات الاستخبارات تدريباً وتسليحاً وتجهيزاً وتصويباً , وتقوم بعض الاجهزة الاستخبارية بإستئجار قتلة مأجورين تجنبا للمسائلة , ويجري في كثير من الاحيان نكران ارتباط الجهاز بالشخص المنفذ للعملية في حال اعتقاله , او القيام بتصفيته بعد الاعتقال في السجن , كما يتم تزويد المنفذين بمستمسكات مزورة بإسم دولة اخرى او عده دول عند الذهاب لتنفيذ عملية قتل خارجية , ومن امثلة ذلك مايعرفه الجميع عن اعتماد مخابرات النظام الصدامي واستخبارات حزب البعث في بدايات حكمهم على شخصيات من الناس كانوا يعرفون بالشقاوات لغرض التخلص من الخصوص السياسيبن عبر جهاز حنين ( امن واستخبارات حزب البعث ) الذي كان يرأسه صدام , والمختص بالتصفيات.
-------------
خلاصة
-------------
ان الاغتيالات هي اساليب رخيصة وجبانة ولامبرر لها مادامت تجري دونما محاكمات وخارج نطاق القانون , لكنها تستخدم بكثرة من قبل الاجهزة الاستخبارية والتنظيمات الارهابية , والواقع ان اغلب الانظمة , بمافيها تلك التي تتبجح بالديموقراطية , فانها تنتهج هذا الاسلوب بشكل سري جدا , فبرغم ان الانظمة الدكتاتورية تستسهل اللجوء للاغتيالات , الا ان الواقع يشير الى ان كافة الاجهزة الاستخبارية تمارس ذات الطريق وخير شاهد على ذلك الاستخبارات الامريكية , فبرغم تقدمها وادعائها لحقوق الانسان , لكن ما حدث من اغتيالات على يدها هو رقم كبير , بما فيهم رؤساء امريكان كالرئيس كيندي , كما قامت في عدة اماكن بقتل الكثير حتى من حملة جنسيتها , وذات الامر ينطبق على الكثير من الدول الاوروبية , فقد تحرّم بعض اجهزة الاستخبارات الاوروبية عملية الاغتيال داخل بلدها لكنها لا تمانع ان تغتال اهدافا خارج نطاق بلدانها , بل ان الكثير منها تدير جيوشاً للقتل , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة