الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدمات في مدارات التشكّل في منطقتنا (مقتطع من بحث مطول) التجوال في المجال- جغرافيا وديموغرافيا

عيسى بن ضيف الله حداد

2021 / 7 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مقدمات
في مدارات التشكّل في منطقتنا (مقتطع من بحث مطول)
التجوال في المجال- جغرافيا وديموغرافيا
مع الأقاليم
الإقليم الآسيوي: يتمثل في جزيرة العرب كما تظهره جغرافيته، هو في واقعه، إقليم موحد ممتد من بحر العرب جنوباً إلى شمال جبال طوروس شمالاً. تشكل الصحراء عمودها المركزي، من الربع الخالي إلى شمال بادية الشام بلا انقطاع.. وجدل التواصل بين الصحراء وبقاع الماء واضح بلا مراء..

الإقليم الإفريقي: الممتد من حوض النيل نحو الغرب منه حتى الأطلسي. تشكل الصحراء الكبرى بامتداداتها سواراً حول النيل، والقاعدة الواسعة لإقليم الغرب العربي. وجدل التواصل ما بين الصحراء وبقاع الماء ماثل هنا بأشكال عدة..

على مدى ذلك الفضاء، يتجلّى جدل التواصل بين الصحراء وبقاع الماء، عبر ثلاثة أشكال: الشكل الأول، يضم جزيرة العرب وشماله الهلال الخصيب - يتمثل الثاني في وادي النيل والصحاري المجاورة له- أما الثالث فيمتد على مدى قاعدته في الصحراء الكبرى غرب النيل حتى
ضفاف الأطلسي..
في واقع الأمر، كان التواصل قائماً منذ أقدم الأزمنة بين الأقاليم الممثلة لهذه الأشكال الثلاثة، وكان لحوض النيل من خلال توسطه بين الجناحين الشرقي والغربي دوراً في نسج عرى هذا التواصل.

وقفات تذكر – نستعيد على نحو موجز مؤشرات من المبحث السابق، بما له من صلة مع هذا البحث في وقفته الحالية. ومن اهمها الآتية..
أولاً - ظهور الإنسان بصورته الواقعية- العاقل/ الهوموسابين، في تشكله قرب صحراء المغرب، ثم تعدد هذا الظهور في شرق أفريقيا، والشرق العربي (فلسطين وشمال الجزيرة العربية)..
ثانياً - ظهور علاقات وطيدة بين الشرق الأدنى (شرق المتوسط)، والشمال الشرقي لأفريقيا منذ تلك الأزمنة السحيقة في القدم..
ثالثاً - لنتذكر ضمن هذا المجال ما افترضه العالم الروسي، ب، سوشكين، في كون اختفاء الغابات جاء كعنصر أساسي في دفع القرد للعيش على أرض منبسطة، وهذا بدوره قد أدي إلى خلق تباين في أطرافه وجعله يمشي منتصباً. وهذا ما قد انعكس بدوره على الانسان نفسه..
رابعاً- كما مر معنا، كان للتحولات المناخية دورها الفعال في تطور البشرية، وفي حراكها السكاني، على مدى العالم القديم..
وفيما عدا، جلّ ما جرى من التطورات التي حدت بالبشر الأوائل، قد تجّلت في الدائرة الأفريقية العربية قبل غيرها..

على وقع مما تقدم، ننتقل إلى بداية ظهور الحضارة في منطقتنا، حسبما وردت من قبل أهم الباحثين في هذا الصدد:
رؤى- المؤرخ الأمريكي وليام لانغر، يقول:
كان الاتجاه العام للحركة الحضارية من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، ولهذا كانت المناطق الجنوبية والشرقية في أي وقت مضى تتمتع بحضارات أكثر رقياً من حضارات المناطق الهامشية في الشمال الغربي". –
(موسوعة العالم لوليام لا نغرج1 ص5- 26 +-32 الترجمة العربية)
رؤى - في قصة الحضارة
بصدد التحري عن نقطة البداية في قصة الحضارة: وجدوها في بابل ومصر، بالاعتماد على كون زراعة الشعير والذرة والقمح وتربية الماشية ظهرت لأول مرة في مصر وبلاد الرافدين، وحين عنّ لهم الغوص أكثر، لاحت لهم الحقيقة العظيمة الخطر التي عبّر عنها شوينفرت حينما لفت النظر، إلى أصل الأكثر قدماً، مشيراً إلى وجودها في بلاد اليمن وبلاد العرب القديمة.. - وهكذا ترابطت المواقع الثلاثة في سيرورة الكشف عن بدايات الزراعة، مما يؤكد تواصلها البيني المتين عبر الأزمنة القديمة.
في رؤية ثالثة- في مرجع فرنسي، يحمل عنوان مدخل للتاريخ القديم: يذكر في هذه الحقبة الزمنية التي أطلق عليها Proto urbaine، فيما بين 4300 - 3100 ق م، شهدت تفاعل وتواصل ثقافي مكثف ما بين مجمل الحواضر والمكونات المدينية على مدى المساحة الممتدة من مصر حتى الهضبة الإيرانيةـ
ثم يذهب إلى وجود فضاء عام تم فيه التفاعل المتبادل ما بين التجمعات الأولى للمكونات الحضارية، مما أدى إلى تشكّل الدول الكبيرة في العصر البرونزي، من مصر حتى عيلام ومروراً بسومر وآكاد.
أرى، أن ثمة تكامل بين مجمل الرؤى السابقة، تكون فيه مقولة المثلث الحضاري هي منبع البداية، لتجد تكاملها عبر الرأي الثاني، من خلال مسار انتشار الحضارة من منابع مواقعها الأولى..
على ضوء مما تقدم، لا مناص من دمج الآراء في إطار من عملية التكامل، عبر نسق ينطوي على علاقات وفعاليات وأدوار تفرضها معطيات الواقع الجغرافي والمناخي التي دفعت لتشكل المركزيين الحضاريين الكبيرين، المتمثلين بالحوضين، النيل والرافدين.
في موقف رابع – مستمد من تاريخ الشرق القديم ل برستد )ص 43 من كتاب انتصار الحضارة - في تاريخ الشرق القديم.
ينطوي هذا الموقف على ما له من صلة ما مع ما تقدم، ولا سيما في الدور المعطى للعامل المناخي في تحولاته، بيد أنه يركز اهتمامه على وادي النيل، ولعله في هذه الرؤية يغني أو يلتقي ويضفي اضاءة كبرى على ما سبق.. ولا يخامرني الشك بكون ما قد حدث قد جرى بالتوازي وبحذافيره في المشرق العربي.
وما يلي ملخص لرؤيته يقول- إننا نملك الدليل القاطع على ان الأقوام الذين عاشوا جنوب البحر المتوسط اضطروا أن يهاجروا من الهضبة التي اتخذوها مكانا لهم ليبحثوا عن مقام جديد وأساليب جديدة للمعيشة.
وفي وقت ما من العصر الجليدي بدأت الأمطار التي طالما سقطت بكثرة على شمال افريقيا تتوقف عن الهطول، وبالرغم من أنه لم يعرف بعد السبب الحقيقي في قلتها ندرة سقوطها فإن نقصان سقوط المطر كان سبباً في جفاف هضبة الصحراء الكبرى بالتدريج. واختفت تدريجيا بعد ذلك نباتاتها التي جفت. وبعد بضع آلاف من السنين تحولت الهضبة الأفريقية الشمالية إلى الصحراء الجرداء التي نعرفها الآن..
الرحيل من الصحراء الكبرى إلى وادي النيل..
سرعان ما اظهر وادي النيل جدارته في كونه الملجأ الآمن للقاطنين في الصحراء، على نسق ما قد تجلّى للجزء الأعظم من سكان الجزيرة العربية، حالما تمددت الصحراء إليها.. في زمن مقارب لبينهما.. (هذه الإضافة مني)
ولم يكن وادي النيل بجغرافيته، بغريب عن نفر من هؤلاء سكان الصحراء، حيث قد وصل إليه في زمن سابق نفر من الصيادين المتجولين..
وعلى وقعِ من التصحر في مسيرته المتتالية، توجهت موجات من السكان القاطنة تلك المنطقة نحو وادي النيل، بما يتمتع به من غزارة مائية، دأبت بدورها على تنميةكائنات حية نباتية وجذب حيوانية.
وقفة مع وادي النيل كجغرافية، كدور وملجأ:
فالنيل بخصائصه الجغرافية من حيت كونه مجرى أو شقة بين جبلين لا يزيد اتساعه في أي مكان عن خمسين كيلوا مترا، تحف به من الجانبين صخور يختلف ارتفاعها بضع مئات الآلاف من الأقدام.. وهذا بالذات ما أسس له تاريخ خاص به، تجلّى عبر العصور، بيد أن هذا التاريخ الخاص والموقع الجيوغرافي الذي تحلى به قد وهبه ميزة واقعية في تاريخ المنطقة..
وادي النيل كملجأ لسكان الصحراء:
كان بوسع وادي النيل توفير مجالين أساسيين للملتجئين من جفاف الصحراء، تمثل الأول بالبعد المناخي، في حين قد وفر الثاني كفاية المصدر الغذائي.
في المجال المناخي: لقد مثل هذا الوادي لهؤلاء من سكان الصحراء المناخ الدافئ، فلا جليد ولا ثلوج تعج به ولا من حوله.. حيث قامت الصحراء المحيطة به بردع موجات البرد الشديد القادم من شمال البحر المتوسط..
وفي المجال الغذائي: بالتزامن مع اللجوء البشري من الصحراء إلى شطآن النيل، فعلت قطعان الحيوان ذات السبيل، مما جعل الصيادون يستثمرون هذا الكم الوفير من الصيد الثمين.
من جانب آخر كان للمستنقعات المائية والأحراش المنتشرة على جوانب النيل دورها في جلب الطيور بأنواعها، مم أسهم في توفير وتنويع الخزين من الصيد الثمين.. ولعل التصحر في المحيط بحد ذاته، قد عمل بدوره في اغناء التنوع الحيواني،
وخضوعه التدريجي لهيمنة سطوة البشري، مما قد قرّب الفجوة بين نمط من
الحيوان والإنسان، وفتح المكان لاستئناس الحيوان وقبوله لتأدية دوره لتقديم الخدمات وتكون مصدراً لغذاء الإنسان، على شاكلة والماعز والأغنام والبقر علاوة على الحمير والكلاب، وكان لهذه الخطوة دورها في توفير مصدر آخر للغذاء.
في مظهر آخر، من المحتمل أن النساء على مدى آلاف السنين اعتدن أن يجمعن حبوب بعص الحشائش البرية وطحنها لتؤكل. وفي ذات يوم اكتشف أحد هم، أن هذه الحشائش لو زرعت سقيت بالماء فإنها ستنمو أحسن من ذي قبل وتنتج كمية أكبر من الحبوب الصالحة للأكل. وإلى جانب من ذاك فأن كان باستطاعتهم أن يبذروا الحب بالقرب من موقعهم كي يوفروا على النساء الوقت والجهد الضروري لهن في البحث عن الأعشاب البرية، وبدأ هؤلاء الزراع الأوائل يفكرون في إيجاد طرق لتخزين الحبوب لاستعمالها بين فصل حصاد وآخر. وقد عثر في منخفض الفيوم غرب واد النيل على 63 حفرة من المحتمل انها حفرت لتستعمل شونات للغلال. وهكذا تحوّل الناس من جامعي غذاء إلى منتجين له.
على وقع من هذه التطورات أستطاع رجال العصر الباليوليتي الذي أوشك على نهايته أن يحسنوا طريقة معيشتهم ومهدوا السبيل لانطلاقة عصر جديد يطلق عليه اسم العصر النيوليتي (الحجري الحديث)..
في منحى التماثل والتداخل وهو ما يربط ما بين الموقعين
سأتوقف هنا في هذا العرض عن مصر كتشكل كموقع، من حيث سيحدث التقاطع مع الجناح الآسيوي لشرق المتوسط، عبر مسار التفاعل بينهما، وليس ذلك فقط على صعيد التماثل في مجرى التشكل البيئي - البنيوي، بما قد تجلّى على صعيد التفاعل الجدلي بين الصحراء وبقاع الماء، فعلى الصعيد السكاني حدث تمازج بينهما في منحى الانتقال السكاني ولا سيما من بقاع الشرق إلى غربه.. وقد تم اختلاط أنماط مختلفة من السكان في وادي النيل من أصول آسيوية وأفريقية خاصة، سنعود إليها على نحو واضح حسب متطلبات العمل..
ولنلاحظ أن صحراء سيناء تمثل رابطاً جغرافياً وامتدادا صحراويا للصحراء الشرقية لمصر، مع صحراء جنوب المتوسط – فلسطين، فضلا عن الامتداد الصحراوي للشمال الغربي للجزيرة العربية.
على ضوء مما تقدم، لا مناص من البحث عن عملية التفاعل على منحى التكامل، عبر نسق ينطوي على علاقات وفعاليات وأدوار تفرضها معطيات الواقع الجغرافي والمناخي التي دفعت لتشكل المركزيين الحضاريين الكبيرين، المتمثلين بالحوضين، النيل والرافدين.
في هذا المضمار أعرض الخطاطة التالية التي سنجدها أينما وكيفما توجهنا. المنطلق: حال التفاعل بين الصحراء وبقاع الماء – الصحراء في دور المغزل، ترسل خزينها السكاني باتجاه بقاع الماء كاستجابة لمقتضيات الحاجة..
لقد أدى التطور الاقتصادي والحضاري بين الحوضين، إلى الانتشار في البقاع البينية بينهما ومحيطهما، كما لو كان يجري بآلية شبيهة بمجرى الأواني المستطرقة..
دأبت مجمل هذه المجريات إلى توسعها باستمرار، مما قد أسهم في ربط أقاليم المنطقة في تشكيل البوتقة الحضارية، كبنية تحتية مؤسسة لهويتها.
والسؤال: لماذا الحوضين كمركزيين، وماذا عن باقي المواقع المائية، كالسواحل والأنهار الأصغر والواحات وغيرها...؟ - تصبح المسألة مفهومة من خلال إدراك استمرار تدفق الماء وغزارته ومداه وسعته وتنوع ضفافه وتمركزه، في حين ما تبقى يتميز في تبعثره وموسميته، فضلاً عن كون هذه البقاع لعبت دوراً هاماً في ظل المركزين، وعلى كثب منهما...
قبل طي صفحة هذا الطور من البحث، لا بد من القاء اضواء سريعة على مفارقات ظهرت لدى البعض من الباحثين العرب، الذين أكن لهم الكثير من التقدير ومن بينهم فراس سواح..
وما أدهشني من فراس سواح (ص 15 و 16 من لغز عشتار)، أنه قد بذل جهده ليدعم نظرية البؤرة الحضارية الأولى وانتشار الحضارة من مركز واحد ضيق، في مقابل نظرية التطور المتوازي (والمتداخل)– ثم ليشير الى منطقة الهلال الخصيب كموطن لهذه البؤرة، حيث بدأ الاستقرار في الأرض وتبعته الزراعة في قرن الهلال الغربي، وظهرت المدنية الأولى.. – في حين أنه قد حاول فيما بعد أن يغطي رؤيته المركزية هذه، في قوله: أن الدلائل تشير حتى الآن، في كون هذه التحولات التي شكلت القاعدة المكينة لحضارتنا المدنية قد تمت في الشرق الأدنى قبل أن تتم في مكان آخر من سطح الكرة الأرضية..- بيد أن هذا التعديل عاد لديه، مستمداً من ( Cauvin. Religion Neolitiques P7 )
المثير في الأمر، يتمثل هذا التحديد في تسمية الهلال الخصيب والقسم الغربي منه، في زمن لم تكن فيه هذه التسمية قابلة لتكون كيان جغرافي متميز بحاله، من حيث كون المدى فيه وفي محيطه مفتوحاً على مصراعيه، بحيث لا يمكن أن يكون متحدداً بحد ذاته.. وما يسمى بالهلال الخصيب لن يكن معزولا عن محيطه، وما القسم الغربي منه، سوى جزء لا يتجزأ جغرافياً وواقعياً عن محيطه..
في المقابل ظهرت لدى خزعل الماجدي، نظرات يعكس فيها الآية بكليتها، ففي (السحر والدين صفحة 171) يروي عن انتقال الثقافات النوعية من أوربا إلى الشرق، حيث قد اعتبر أن حضارة الإنسان القديم، بدأت تتجه من أوربا إلى جنوبها، ثم إلى الشرق الأدنى.. (هل أراد أن يشير بها إلى سومر ؟).. قالها الخزعلي دونما التلويح الواضح بمصدر أو دليل- اتوقف عند هذه الطروحات التي لم يتبناها أحد..
في واقع الأمر، يظهر في منطقتنا بين الحين والحين اتجاهات تسعى للهيمنة على بدايات نشأة الحضارة، ولصقها بأوطانهم المعاصرة، في أزمنة لم يكن لأوطانهم فيها من وجود جيو سياسي..!!
سأكتفي بهذا القدر من العرض لمجريات الاحداث في الأزمنة القديمة، حيث سيجري استكمال التطورات الآتية لها، ضمن مسيرتنا في البحث الأساسي، حيث سنسعى على ربط العام بالخاص أو بالعكس، نظراً لكون تاريخ منطقتنا ينتمي تاريخها للأزمنة القديمة.. مما يستدعي إجراء الترابط، كي ينطلق البحث من جذوره الأولى.- (وللبحث امتداد وتواصل على ذات النسق)..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح