الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قواريري ال « 11 »

لخضر خلفاوي
(Lakhdar Khelfaoui)

2021 / 7 / 2
الادب والفن


***
ـ سرد واقعي تعبيري*
أعطاني الله القدرة على تغيير قيم الأشياء و إعطاءها حظها الأوفر من الجمال أو قد يكون إظهار ( جواهر ) جمالها الذي دلّسته الأحكام السطحية و القشورية.. لهذا أُتَّهم دوما من قبل ( العُمْي) في البصيرة و المذاقات الفنية و الإبداعية بالمهتم بتفاهات الأمور و سفاسفها. كم هو صعب أن تتحدث لغة لا يفهما أحد!.. : أن ترى ما لا يراه غيرك و يتحول قِصر نظر الآخر أو مجتمعك إلى محكمة « تفتيشية » آهلة جاهلة تطاردك أينما هربت بأفكارك ، متهم بالجنون و بجرم اللاّمادِّية! ألا قتلهم الله ! في بعض الأحايين أقتني عصائري للفواكه في قوارير زجاجية صغيرة كانت أو كبيرة فلهذه المشروبات أهميتها لدي أثناء فطور الصباح لا لقيمتها الغذائية أو بسبب وقوعي في فخ حشو إعلانات الإستهلاك الماطرة في كل مكان و فضاء في هذه المعمورة بل لأن معدّتي تعوّدت على ذلك فإن لم أفعل ذلك فقد أقضي الفترة الصباحية من اليوم في متاعب كثيرة كالإحساس بالغثيان أو الدوار بسبب بعض مشكلاتي الصحية الهضمية. مؤخرا شدّ نظري قاروراتي الزجاجية الصغيرة الفارغة بعد استهلاك محتواها ، بل أمعنت نظري فيها طويلا و بدلا من رميها وضعتها تباعا ـ بعد استهلاك المحتوى ـ في آلة غسل الأواني و ذلك بعد نزع « اللباس الاحتيالي الإشهاري الورقي أو البلاستيكي » الذي أختارته شركات صناعة « القوارير » الفاتنة للإيقاع بميولات و شهوات و رغبات المستهلك، فاللباس الذي اختاره للقوارير خضر الله و عبده أحسن و أجمل .. ثم أُرَتِّبها بعد انتهاء دورة الغسيل و التنظيف في مكان ما! هذا أمر لا يمكن أن يُفوَّت دون أن يترك إنطباع سلبي من حولي؛ على أني أجمع كل شيء ! صحيح أعترف أني أجمع في بعض الأحيان أشياء تبدو للعيان لا فائدة منها و أضعها في « كاراجي ».. يُعتقد أنه مرض ـ نفسي ـ أُعاني منه .. وحدي بتوحّدي الفطري الذي يملك الإجابة و يفسّرُ هذا السلوك و التي لا يمكن أن تُفهم بحكم أن الظاهر ـ المُبسّط ـ يتمثل في : زجاجة أُفرغت من محتواها و جُرّدت من لباسها و هويتها الصّناعية لا قيمة لها بعد ذلك و مآلها الطبيعي حسب أعراف ـ المجتمع الذي نعيش فيه ـ أو « نُغَشُّ فيه» هو رميها في الحاوية المخصصة بها حسب مادتها المكونة.. ! هنا في أوروبا و العالم الغربي العلماني « يخلقون القوارير » الزجاجية من التُّراب ثم يصنّعونها و يلبسون لباس الإغراء و التغرير و يملأونها بكل المحتويات التي شاءوها و يبشّرون بها في كل صوب و حدب ، و عندما يبيعونها و يفرغونها من محتواها استهلاكا يرمونها في الزبالة كونها لم تعد تصلح فيطحنوها لإعادة تكريرها و تصنيعها و تحويلها و تشكيلها كما شاءوا لأي أغراض ! أشهر القوارير كما لا يخفى على قرائي ذات إنتشار مهول لا نظير له في أوروربا و العالم الغربي خاصة هي القوارير التي ملئت بالمشروبات « الرُّوحية » حيث يبلغ ثمن بعض « القوارير آلاف و مئات الآلاف من الدولارات ، و للفقراء أيضا نصيبهم من قوارير المشروبات الروحية ـالكحولية ـ بأبخس الأثمان و في متناول الجميع.. الفقراء المؤمنون في بلادنا الإسلامية وعدهم الله بهذه المشروبات الروحية مجانا و دون « قوارير » بل في شكل أنهار. في النهاية عند استهلاك « روح » القوارير تتساوى كل القوارير في صف الرَّمي في نفس الحاويات لمزابلهم الخاصة حسب تصنيف الرسكلة !
ـ مشكلتي الأبدية مع عالمي أني استبق الزمن و أعيش المستقبل بأفكاري حسب بناءاتي الفكرية ، و أرى فكرتي بشكلها النهائي عند تجسدها في ذهني و على صورتها المكتملة بعد تزويجها بخَلْقِي و إبداعي و جُنوني .. هُم لا يرون ذلك، فبين ملكاتي الإبداعية و بينهم حجاب ! . كانت قواريري الزجاجية المجرّدة من لباسها الصناعي التسويقي بمثابة عذرواتي أو عوان عندي و عليّ أن اعتني بها و أرتب أمرها و أطبق عليها حسب مشيئتي تفاصيل ـ إبداعي و خيالي ـ كي أجعل منها قواريرا ذات بعد جمالي لا يمكن أن يُهمل فأزيد من قيمتها أو على الأقل أنصفها و أمدِّدَ من عمر وجودها و أجنبها الرّمي بعد إنتهاء دورها في الحاويات الخاصة ثم تؤول إلى مصانع إعادة التكسير. رفقي الفني بتلك القوارير له شِرعَتَهُ الجمالية عندي و له بعده الوجودي في مخيالي الفكري الممزوج بميتافيزيقيا التعامل مع الأشياء و اللاأشياء ! ما فاجأني و أنا في ورشة العمل على قواريري هو عددها .. أصدقُ القارئ قولا أني لم أرتّب ذلك أبدا عند جمعها و عند قرار بدء الإشتغال عليها لتطبيق فكرتي التي رأيتها و تخيلتها عندما إشتريت عصائري.. لقد اكتشفت أني بصدد الإشتغال على 11 من القوارير! معنى ذلك أني كلّفت نفسي الإبداعية و الجسدية جهدا إضافيا للتعامل مع 11 قارورة و كل قارورة يجب أن أعطيها مظهرها و قيمتها و شكلها اللائق بالناظرين .. و أنا أشتغل عليها وجدت نفسي أيضا مجبرا على الحفاظ عليها و مضاعفة الإهتمام و الإنتباه كي لا تقع واحدة منا و تتكسّر فينقص عددها و كأنني ورطت نفسي في الإبقاء عليها مجتمعة تحت حمايتي و رعايتي . فعلا عند اشتغالي عليها كان الخوف عليها من الإتلاف و السقوط يشغلني بعض الشيء؛ لهذا فضلت أن أحفظها و أضعها على الأرضية مع إبعاد أي مجسم قد يقع عليها و تجنبت وضعها على أثاث عال مرتفع ، فإن سقطت لمُسَبِّبٍ ما قد تكون لديها حظوظ من النجاة و تتفادى الخدش أو الكسر حتى لا تنعدم بالمرة قيمة القارورة الزجاجية و تحذف من القائمة.. ما يجهله البعض عن القوارير أنها ليست مستقرة في كل الأحوال و لو وُضِعت في مكان قار و مسطّح لهذا يولي أصحاب المزهريات و التحف الزجاجية و الخزفية إهتماما وقائيا خاصا للرفق بها، فلسبب مجهول قد تقع القوارير من إرادة نفسها و تتكسّر! ذكرتني قواريري الإحدى عشرة بالرسول الكريم و بأمهات المؤمنين .. و طرحت من جهة سؤالا ساذجا على نفسي: كيف كان حبيبنا المصطفى يتعامل مع « قواريره » الكريمات ؟ سؤالي لا يأخذ بعين الإعتبار ما تمّ تأليفه و كُتبَ و أُخرج من حديث و دُوّن في منتصف القرن الثاني بعد الهجرة!.. سؤالي يأخذ طابع الخصوصية و الحميمية التي لا يمكن لأي أحد أن « يُعنعِنَ » في الأمر و يُصحِّحَه و يخرجه لكي يسوّق بعض أساطيرالمدسوسة إلى « مجانين الله » و الرسول الكريم في الحياة الدّنيا ! أضفتُ إلى مهمة إبداعي و خلقي الفني المتواضعين على قواريري مسؤولية عظمى.. فبدأت نفسي تسوّل لي بأن أُعطي أسماءً لقواريري .. ـ أيّ قارورة تظفرُ بشرف لقب الرائعة العظيمة المظلومة تاريخا في الأحاديث و المواريث السُّنَّوية « خديجة » رضي الله عنها ، و أي قارورة تتشرف بإسم « أم سلمة » و « حفصة » و « زينب بنت خزيمة » و غيرهن رضوان الله عليهن جميعا… لهذا كلما تقدَّمت في عمل إلباس قواريري لباس « الخِضر » ازداد حرصي على العدل و خوفي معا من ظلم قارورة ما و عدم إعطاءها النصيب العادل من حقها في الظهور بأبهى حلة دون أن تفوقها ضرتها بشيء إضافي .. في ذات الوقت حاولت من خلال تطبيقاتي الفنية عليها أن أجعل كل قارورة متميزة لكي لا تشبه الأخرى و يكون لها الحق أن تفتخر بجمالها و بخاصية وجودها و بالإيجابية الانطباعية التي قد تحدثها عند ناظرها.. أردت أن أُربِك الناظر إلى قواريري في اختياره و لا أتركُ له المجال في الإختيار بل أرغِّبهُ إلى التَّعدُّد لأنه سيتمنى الحصول عليها مجتمعة غير منقوصة . قواريري الـ 11 لم تصبح قواريرا باهتة منقوصة الفائدة و القيمة بل أحييتها و جنبتها الإهمال و التكسير و الطحن و منحتها ببساطتي و من « جنوني » و خيالي المجسّد القِيَم التي يفتقدها و لا يعرفها و لا يفقهها الجاهلون .. جعلتُ منها قواريرا « مزهرية » . العولمة المقيتة برمجتنا نحن القطيع على استهلاك "سوائلهم" الموضوعة في القوارير دون السؤال عن فصلها و أصلها، و رسخوا فينا فكرة أن القارورة الفاقدة لسوائلهم فاقدة للوجود بيننا و كان بإمكان كل واحد منا أن يختار لقواريره سائله الخاص ! كيف ستبدو قواريري عندما أضع فيها سوائلي و أضيف فيها زهر و ورد حديقتي و أنفخ فيها من روحي بعد ما زوجتها أفكاري ؟ أَروني أيُّ مبدع يبني و يصنع القصص أولا ثم يرويها سردا تعبيريا واقعيا للعالمين! - لا تعتبوا عليّ أو على جنوني أصدقائي ، فقلمي موصول بالسَّماء .. تمهلوا فلم يرفعني بعد الله إليه .!

*) ـ باريس الكبرى ـ جنوبا
نص: في 1 جويلية 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو


.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا




.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية