الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس، وباء الكورونا أم الليبرالية؟

صبري الرابحي
كاتب تونسي

(Sabry Al-rabhy)

2021 / 7 / 3
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


لقد صار جليا للتونسيين إجرام دولتهم تجاههم، صار تطرف النظام أكثر وضوحا بين إنفتاح إجرامي لإقتصاد عاجز في زمن بؤس كبرى إقتصاديات العالم بسبب وباء كورونا و بين إنغلاق إضطراري تغيب فيه شتى أشكال المرافقة الإجتماعية و الحجة في ذلك دائماً هي الضرورة الإقتصادية كما الضرورة السياسية المنتجة للفشل في زمن شح الأوكسجين...لقد صرنا حقاً نموت نموت ليحيا الوطن، لكن يحيا لمن من بعدنا نحن الموتى؟
لقد أصبح التونسيون يستسيغون أرقام قتلى وباء كورونا كل يوم بعد أن كانت تؤرقهم، لكن مع إقتراب شبح الموت من كل قرية و مدينة و حي صار السؤال المحوري هو أين الدولة من هذا؟رئيس الدولة منشغل بالتذكير بوحدويته، رئيسا واحد لكل شيء، للقوات المسلحة، للديبلوماسية، للأدارة لكل شيء بينما يعكس أدائه في زمن الكورونا مرؤوسيته فقط للقصر لا شريك له في ذلك، رئيس الحكومة منشغل بمتابعة النشاط الرئاسي و التذكير بأحقيته بالنزر القليل من المنجز المؤجل من قبيل تلقي مساعدات من دول صديقة قد لا تأتي بسبب خصومتهما، أما رئيس البرلمان فمعتكف في محراب التشريع يدير بمكر العجائز مناوشات عبير موسي و بقية النواب في معارك لم تعد تعني معظم التونسيين تماما مثل لامبالاتهم بكامل المجلس..أما الشعب فليذهب إلى جحيم قريب مرتقب في وطن آفل!!
لقد صارت البدائل الرسمية هي إما الغلق الكلي أو الفتح اللامسؤول لكل فضاءات تبادل العدوى دون بوصلة علمية واضحة تستتبعها إجراءات إجتماعية واقعية و محفزة على الإنضباط.هذا الإنضباط مرتبط لدى الدولة رأسا بالعنف البوليسي لا غير دون التساؤل عن سبب الرفض الشعبي لبعض الإجراءات أو حتى عدم مبالاته و إطنابه في خرقها فيبدو أن السلوك الإجتماعي غير ذي معنى ما دام يمكن تقويمه بالعصا الغليظة للدولة دون فهم مقاصده اصلا.
هذا النظام منذ أن حل ركب وباء الكورونا لم يفكر يوما في التراجع عن توحشه، فخياراته الإقتصادية العامة كانت منذ البداية و إستكمالا لمسار إنطلق منذ أواخر الثمانينات في إتجاه واحد، الليبرالية المتوحشة و إقتصاد السوق في كل شيء. كان هاجس التونسيين قبيل الثورة هو سلطوية النظام و أركانه بالمصاهرة على قوتهم اليومي مع إستحياء ظاهر في المس من مؤسساتهم الشعبية من تعليم و صحة و خدمات، قد تكون ليست من أولويات السلطة و المتسلطين أنذاك من أجل أمانة تاريخية كاملة غير أن فجر الثورة فجر ميولات الليبرالية الجامحة التي لم تعد تستثني شيئا.. و الحقيقة أن معظم التونسيون ينشغلون بجدوى إقتصادهم أكثر من توجهه و يتركون هذه المهمة للأكادميين من ذوي الجنسيات المزدوجة ليتكفلوا بذلك، غير أن كبرى صدمات المواطن في الأثناء تأتيه عن طريق أداء الليبرالية في زمن أسوء أزمة عرفها التونسيون و هي أزمة وباء كورونا.فكبرى المستشفيات أعلنت قصورها عن إنجاد المصابين الذين صاروا بالآلاف يوميا أما المصحات الخاصة فلا تتورع في طلب الملايين من الدنانير الغير متاحة للجميع، ليرى التونسيون بوضوح توحش الليبرالية كما لم يروها من قبل، حيث صارت الليبرالية تقتلهم حتى إختلط عندهم إسم الوباء المتحور إن كان الكورونا أو الليبرالية نفسها. في المقابل صار المحافظون أكثر تمسكا بالمؤسسات العمومية التي لا مناص من إنجادها لإنقاذ الطبقات الشعبية من فئوية الحق في الحياة الذي فرضه رأس المال الصحي..لقد صار الحق في الحياة مكلفا جداً بل نخبويا لا يهادن حق الإنسان في الحياة بل يفاوض على ثمنها و يعلق آمال المواطن في العيش على توفر الأموال حتى تمايز المواطنون في آلة الفرز الليبرالي التي لا تستثني أحداً... عندما تمر هذه الأزمة سيكتشف التونسيون كالكثير من الشعوب المسحوقة أمام أنظمتها أن حقهم في الحياة كان مكلفا جداً و أن رأس المال و إن أظهر قساوته في عديد الأزمات سابقا مازال متمسكا بالفرز الطبقي متى توفر نظام الحكم المشجع على ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار