الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرشح اليساري يفوز في الانتخابات الرئاسية بيرو.. تاريخٌ راديكالي من المقاومة

شريف السيد

2021 / 7 / 3
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


المرشح اليساري يفوز في الانتخابات الرئاسية
ترجمة شريف السيد

أدى فوز بيدرو كاستيّو في الانتخابات في بيرو إلى إنعاش اليسار. في هذا المقال نلقي نظرةً على تاريخ النضال في البلاد، وأيضًا ما يحمله المستقبل من تحذيرات.

“لا مزيد من الفقراء في بلدٍ غني”. كان ذلك هو شعار الحملة الانتخابية للفائز برئاسة بيرو، بيدرو كاستيّو. سيكون له صدى لدى ملايين البيروفيين الذين يدركون أنه على الرغم من العيش في بلدٍ غني بالثروة المعدنية، فإن الفقراء يصبحون أكثر فقرًا.

من نواحٍ عديدة، يرتبط هذا الشعار بتاريخ بيرو، حيث كان الجشع أولًا وفي المقام الأول هو الدافع وراء استعمارها الوحشي. كان الغازي الإسباني فرانسيسكو بيزارو أول أوروبي يقود الحملة الاستعمارية على بيرو بعد أن سمع أنها أرضٌ مليئة بالذهب.

كانت أرض بيرو الحديثة آنذاك جزءًا من إمبراطورية الإنكا القوية. والتي هي نفسها بُنِيَت على غزو وتوحيد القبائل المختلفة في المنطقة. امتدت هذه الإمبراطورية عبر أمريكا اللاتينية لتشمل أجزاءً مما يعرف الآن ببوليفيا والإكوادور وتشيلي وكولومبيا والأرجنتين وكذلك بيرو.

بعد محاولتين فاشلتين، قاد بيزارو حملةً كبيرة في عام 1531 للسيطرة على المنطقة التي عُرِفَت لاحقًا باسم بيرو. قاوم شعب الإنكا بضراوة، لكن الإسبان ذبحوا الآلاف وغاروا على مدنهم ونمهبوها ن أجل الذهب.

الاستعمار
مع الحكم الاستعماري، وجد الإسبان طرقًا لزيادة استغلال عمل السكان الأصليين. قبل الحكم الإسباني، استخدمت نخبة الإنكا نظام “الميتا”، وكان هذا يعني أن كل رجل فوق سن 15 كان عليه العمل بضعة أيام في السنة لصالح الحكومة. وفي عام 1605، أدخل الإسبان هذه الممارسة كنظامٍ عبودي أجبر السكان الأصليين على العمل في المناجم للتنقيب عن الذهب والفضة والزئبق.

أدت الحرب والسخرة، وكذلك الأمراض الفتاكة التي جلبها الإسبان معهم، إلى وفاة الملايين في فترةٍ تزيد قليلًا عن 100 عام. أحد التقديرات يفيد بأن عدد سكان بيرو انخفض بنسبة 93% نتيجة للاستعمار الإسباني. وبرَّر المستعمرون المذبحة بوصف ضحاياهم زورًا بأنهم متوحشون كانوا سيستفيدون من حكمهم. وبسبب تقلص مصدر العمالة، ابتاع الإسبان العبيد الأفارقة بشكل متزايد لبناء مشروعهم الاستعماري.

ولكن في مواجهة الإبادة الجماعية، لم يخضع السكان الأصليون الذين نجوا قط للحكم الاستعماري. ثاروا ضد المستعمرين مرارًا وتكرارًا. اندلع أحد هذه التمردات في عام 1780، في ذروة الاستعمار، عندما أثَّرت محاولات الدولة الإسبانية متزايدة الصرامة في تنظيم التجارة على السكان المحليين بشدة. قام المتمردون من السكان الأصليين، بقيادة خوسيه جابرييل توباك أمارو، باختطاف ثم إعدام المسؤول المحلي في مقاطعة تينتا. ثم سافر أمارو وأتباعه عبر بيرو للدعوة إلى إنهاء نظام العمل القسري والمطالبة بالإصلاحات. احتلَّ المتمردون مقاطعات تينتا وكالكا وكويسبيكانشيس وكوتابامباس، وقتلوا المستعمرين الذين كانوا يعيشون هناك وصادروا ممتلكاتهم. ورغم القبض على أمارو وإعدامه من قبل الإسبان في عام 1781، استمرت الثورة، ولكنها سُحِقَت بوحشية بعد عامٍ واحد.

انتهى الحكم الإسباني في عام 1826 بعد حرب الاستقلال البيروفية، إذ قاتلت أقسامٌ من النخبة للتحرر من الإمبراطورية. لكن بيرو ظلَّت إلى حدٍّ كبير كما كانت تحت الحكم الاستعماري. واستمر التسلسل الهرمي الصارم للغاية الذي وضع الأوروبيين في القمة، والسكان الأصليين والسود في القاع. وبحلول القرن العشرين، تحول اقتصاد بيرو إلى الصناعة بسرعة، وهذا بدوره أدى إلى ولادة نضال العمال.

شهدت البلاد أول إضراب عام بقيادة الفوضويين في صناعة النسيج عام 1911. وفي عام 1919، انتزعت الإضرابات العامة في المصانع مطلب ثماني ساعات عمل في اليوم. لكن أرباب العمل رفضوا منح الأجور الأعلى التي طالب بها العمال.

استمر الإضراب وركَّز على الدعوة إلى إعادة الرئيس السابق، أوجوستو بي ليجويا، إلى منصبه، في إيمانٍ بأنه قادرٌ على إحداث التغيير. عاد ليجويا، ولكن بدلًا من أن يكون حليفًا للحركة العمالية، عمل على قمعها، ودفع بيرو نحو الديكتاتورية. خلال فترة حكم ليجويا، عمل على قمع مطبوعات اليسار وأقصى قادته خارج البلاد.

كان أحد هؤلاء القادة الذين تم نفيهم هو خوسيه كارلوس مارياتجي. كان مارياتجي مؤرخًا وصحفيًا ومنظمًا لنقابات العمال، وهو أحد أهم المفكرين الماركسيين في أمريكا اللاتينية. قدمت دراساته عن الاقتصاد البيروفي قبل الاستعمار الإسباني وبعده نظرةً ثاقبةً حيوية حول كيفية عمل الاستعمار في المنطقة. تحدث مارياتجي أيضًا عن أهمية التداخل بين العرق والطبقة في النضال من أجل الاشتراكية.

كتب في عام 1927 أن “الاشتراكية ترتِّب وتحدِّد مطالب الجماهير، مطالب الطبقات العاملة. وهذه الجماهير في بيرو أربعة أخماسها من السكان الأصليين. لذلك يجب على اشتراكيتنا أن تعلن تضامنها مع السكان الأصليين”.

بالنسبة لمارياتجي، كان من الواضح أن الماركسية ليست شيئًا متحجِّرًا أو جامدًا. كان يعتقد أنه يمكن استخدامها كأداة في يد جميع المضطهدين في الكفاح من أجل الحرية الحقيقية. في بعض الأحيان، ركَّز مارياتجي كثيرًا على نضال السكان الأصليين كآلية لإطاحة النظام.

النضال
لكن مارياتجي فشل في تفسير القدرة المتزايدة لدى الدولة على قمع هذه الأشكال من النضالات عن الإضرابات الجماهيرية التي كانت تندلع في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية. بعد وفاته في عام 1930، حاول اليمين دفن أفكار مارياتجي، لكنها عادت إلى الظهور، لا سيما في صراعات السكان الأصليين في الستينيات.

وشهدت هذه الفترة أيضًا بداية ثلاثة عقود من حرب العصابات التي خاضتها مجموعاتٌ ادعت أنها تتماهى مع اليسار. وكان من بينهم حزب “الطريق المشرق” الماوي، وحركة توباك أمارو “الماركسية اللينينية” الثورية. كانت المعارك بين هذه الجماعات والحكومة دامية، وأسفرت عن مقتل ما يصل إلى 70 ألف شخص. لكن رغم كل هذه التضحيات، أثبت الكفاح المسلح أنه غير فعال في إحداث تغيير حقيقي في بيرو.

بلغ عنف الدولة ذروته في الثمانينيات والتسعينيات، لكن الحكومات واليمينيين في وقتٍ لاحق استخدموا أساليب وحشية ضد اليسار. وكان التفاوتات الشاسعة في البلاد تعني أن نضال اليسار لم يُقضى عليه تمامًا، وبالفعل تمكَّن اليسار من إحداث تأثير في السياسة الانتخابية.

في عام 2011، انتُخِبَ أولانتا هومالا رئيسًا بدعمٍ جماهيري من النقابات العمالية وحركة السكان الأصليين بعد إعلان “مبادئه الاشتراكية”. وحظت رئاسته بدعم العديد من قادة “الموجة الوردية” في أمريكا اللاتينية. كانت هذه حركة من القادة الإصلاحيين إلى حد كبير -ولكنهم كانوا في الأغلب إصلاحيين راديكاليين- الذين وصلوا إلى مناصبهم في أوائل الألفية.

لكن وعوده بالإصلاح والتغيير فشلت مثلهم. كان فترة هومالا في السلطة قمعيةً مثل العديد من الحكومات اليمينية التي سبقته. في عام 2012، أمر هومالا بسحق الاحتجاجات ضد بناء منجم جديد مملوك لشركة نيومونت الأمريكية، ولقى كثيرون حتفهم في الاشتباكات.

منذ فترة هومالا، قاد بيرو عددٌ من الرؤساء اليمينيين، وقد تورط معظمهم في الفساد وفضائح أخرى. لكن الحركات العمالية تعزَّزت هي الأخرى، وفي عام 2017 أدى إضراب المعلمين بقيادة بيدرو كاستيّو إلى توقف نظام التعليم لمدة شهرين. شارك ما يقدر بنحو 200 ألف معلم في الإضراب، الذي جاء في أعقاب إضراب عمال المناجم على مستوى البلاد للمطالبة بالحقوق النقابية. وفي بداية هذا العام، أضرب عمال الرعاية الصحية عن العمل للمطالبة بتحسين الرواتب وظروف العمل.

كانت هذه الموجة من النضال العمالي هي التي نقلت كاستيّو من المجهولية النسبية إلى الفوز بما يكفي من الأصوات ليصبح رئيس لبيرو. ولكن يجب تعلُّم الدروس، ليس فقط من تجربة أولئك الذين تظاهروا بأنهم يساريون للوصول إلى السلطة ثم خانوا مؤيديهم، بل أيضًا من تراث مشروع “الموجة الوردية”.

دفعت الحركات الجماهيرية ضد النيوليبرالية بقادة يساريين من بلدان مثل الإكوادور وفنزويلا وبوليفيا إلى سدة الحكم، وأرعبت الطبقات الحاكمة. لكن هذه الحكومات قدَّمت بشكل مطرد تنازلاتٍ للأثرياء والإمبريالية. كانت هذه هي النتيجة الحتمية للاعتقاد بأن الاشتراكية يمكن أن تتحقق من خلال الأساليب البرلمانية. يتمثل الخطر الجسيم لهذا النهج في أنه يترك الدولة الرأسمالية دون مساس، ويفشل مرارًا عند مواجهة السلطة المنظمة لأرباب العمل.

لقد تجلَّت قوة الطبقة العاملة في بيرو وعبر أمريكا اللاتينية في أوقاتٍ عدة. والقضية الآن هي تحويل نضالات هذه الطبقة إلى قوة سياسية واقتصادية، بدلًا من استخدامها لمجرد الفوز في الانتخابات. لن ينتهي التاريخ الطويل لاستغلال الناس والطبيعة الذي ميَّز تاريخ بيرو إلا عندما يسقط النظام بأكمله.

* بقلم: صوفي سكواير – صحيفة العامل الاشتراكي البريطانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيتزا المنسف-.. صيحة أردنية جديدة


.. تفاصيل حزمة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل وأوكرانيا




.. سيلين ديون عن مرضها -لم أنتصر عليه بعد


.. معلومات عن الأسلحة التي ستقدمها واشنطن لكييف




.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE