الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناء مصر الحديثة بين السلفية الساكنة والديناميكية المتغيرة

منى نوال حلمى

2021 / 7 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كان موكب المومياوات الملكية من المتحف المصرى فى التحرير ، الى الفسطاط بالجيزة ، السبت 3 أبريل 2021 ، حدثا تاريخيا ، أسعد المصريات والمصريين ،
وأبهر العالم ، الذى سجل الحدث لحظة بلحظة ، صوتا ، وصورة . وبالطبع ، أنا واحدة من المصريات اللائى شاركن مصر ، فرحتها ، واعتزازها بالحضارة المصرية القديمة ، كأولى الحضارات التى أبدعت فى كل المجالات ، وكانت مصدرا لالهام واستنارة وتقدم حضارات أخرى ، شرقا ، وغربا . لكننى أخاف أن يتوقف هذا الحدث التاريخ ، عند نقل المومياوات الى مكان جديد ،
دون أن تنتقل مصر ، الحديثة ، الى نقلة نوعية حضارية جديدة . أخاف أن يتوقفالأمر ، على ابهار العالم ، دون أن يعمل أثرا ايجابيا مشهودا على أرض الواقع ، لكى تتغير حياتنا الى المزيد من الحرية ، والعدالة ، والعلم ، والتفتح .فى 3 يوليو 2013 ، عرفنا مصر دولة جديدة ، بعد أن لفظت فى ثورة 30 يونيو 2013 ، حكم الاخوان المسلمين ، وتعاهد المصريات والمصريين ، على بناء مصر
الحديثة .
ان حال الانسان المصرى ، والانسانة المصرية ، الآن ، يستدعى بشكل عاجل " اعادة تشكيل " ، بل الكلمة الأصح ، هى " اعادة بناء " . لا يوجد شئ ، يدل على أن مؤسسات الدولة المختلفة ، تأخذ قضية " بناء الانسان " ، كقضية محورية ، للتقدم الحضارى الحديث . بل انها أكثر من ذلك . قضية " بناء الانسان المصرى والانسانة المصرية " الحديثة ، هى قضية حياة ، أو موت . قضية وجود ، أو لا وجود . قضية بقاء يكمل ابداعات الحضارة المصرية القديمة ، التى احتفلنا بنقل مومياواتها الملكية ، منذ ثلاثة شهور .
من هنا أناقش قضية فى صلب بناء الانسان المصرى . وهى أننا نهتم بالآثار التى صنعها الانسان المصرى القديم ، أكثر من اهتمامنا بالانسان المصرى
فى الحاضر .
ان اهتمامنا بالآثار كثمرة من ثمار حضارتنا المصرية القديمة ، يفوق اهتمامنابالانسان صانع الحضارة فى الأساس .
غالبية الناس ، لا يرون الحضارة ، الا تلك الآثار العابرة حدود الزمان .
هم بذلك " يسجنون " الحضارة ، فى قالب من " الحجر " ، أحادى الرؤية ،جامد .
أنا أعتقد ، أن الآثار ، بكل تفردها ، وعظمتها ، هى صدى الصوت ، وليس الصوت نفسه .
أو هى مجرد الاصبع ، الذى يشير الى القمر . لكنها ليست القمر.
أو بمعنى آخر ، الآثار ، هى الجانب " الساكن " ، من الحضارة . أما الجانب " المتحرك " ، فهو عقل ، وقلب ، الانسان الحى ، " هنا والآن " ، القادر على احداث التغيير ، والابداع . ان حضارتنا ، ليست " تركة " ، جامدة ، من التماثيل ، والمومياوات ، والتوابيت ، والمعابد ، والأهرامات .
لماذا ننحاز الى حضارة " الحجر " ، لا حضارة " البشر " . أو لنقل أن هناك اتجاها " سلفيا " ، فى الفكر الدينى ، كما هو موجود فى الفكر الدينى .
ننشغل ، بحماية ، أنف أبو الهول ، أكثر من حماية الانسان الحى الآن من الفقر والمرض ، والجهل . هل من العدل ، انفاق مبالغ طائلة على البحث عن قطعة أثرية مغمورة ؟ ولا ننفق شيئا يُذكر عن البحث عن المواهب المغمورة ؟ .
ننفق على " ترميم " ، الآثار . ولا ننفق على " ترميم " البيوت ، التى تتصدع وتقع على سكانها الآمنين . نهب سريعا لو سُرقت عين " توت عنخ أمون ".
بينما لا نفعل شيئا ، حين تُسرق ، كرامة الانسان .
يقف الناس ، يتأملون فى انبهار أحد التماثيل ، الموجودة منذ خمسة آلاف سنة ، ولا ينبهرون بكفاح انسان مصرى ، يناطح الأقدار ، ويتحدى أصعب المعوقات
لمجرد أن يحافظ على بقائه .
أنا أعترض على مقولة " السياحة هى مستقبل مصر " ، يرددها كثيرون ، باعتبار أن مصر تمتلك وحدها ثلث آثار العالم .
عفوا أيتها التماثيل والمومياوات ، والتوابيت ، والمحنطات ، أنتِ لست مستقبل الوطن . يا كل آثارنا الجميلة ، والعظيمة ، الرائدة ، فى التاريخ ، فى كل العلوم والمعارف ، أنت ِ الالهام ، ومنبع للتعلم ، والفخر ، وعلينا حمايتك .
ان مستقبل مصر ، فى تنمية حقيقية ، وثورة ثقافية ، فى " الانتاج " .. فى الزراعة وفى الصناعة ، وفى تخضير الصحراء ، وفى الطاقة المتجددة ، وفى الفن الراقى ، وفى تثوير الفكر الدينى ، وفى تحرير النساء من المعتقلات الذكورية .
اذا كان بناء الأهرامات ، عجيبة من عجائب الدنيا ، ولغزا لم يُفسر حتى الآن ، فان " بناء الانسان المصرى " ، هو العجيبة الجديدة ، التى يمكن أن يفعلها الشعب
المصرى ، بينما تحاصره عوامل التعرية القاسية ، وظروف مناخية غير قابلة للتنبؤ .
العقل المصرى .... الوجدان المصرى ... الارادة المصرية .. الابداع المصرى ..
هذا هو طريق مصر ، الذى ينتظره المصريون ، والمصريات .
نحن لا نريد ، ونحن نبنى مصر الحديثة ، نظرة سلفية ساكنة ، تنشغل بالزهو ، السلبى ، أحادى الرؤية ، غير المتفاعل مع تغير الزمن . نريد نظرة ديناميكية ، عملية دائمة الحركة ، والتغير ، والتعلم ، لا نهائى المصادر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا - مالي: علاقات على صفيح ساخن؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. المغرب - إسبانيا: لماذا أعيد فتح التحقيق في قضية بيغاسوس للت




.. قطر تؤكد بقاء حماس في الدوحة | #غرفة_الأخبار


.. إسرائيل تكثف القصف بعد 200 يوم من الحرب | #غرفة_الأخبار




.. العرب الأميركيون مستاؤون من إقرار مجلس النواب حزمة مساعدات ج