الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما حدا أحسن من حدا..

ضيا اسكندر

2021 / 7 / 4
كتابات ساخرة


كان (المسؤول) مُغمضَ العينين مسترخياً على الكنبة، لدرجة أنه كاد أن يغفو. فجأةً تذكّر أنه يستضيف في مكتبه أحدَ أهمﱢ مستشاريه. فتحرّك معدّلاً جلسته وتثاءب بصوتٍ مسموع. وضغط على زرّ تنبيه جرس الحاجب لإحضار الضيافة. ثم أشعل سيجاره الضخم وقال لمستشارٍه وهو يفرك إحدى عينيه:
- صحيح، نسيت أن أقول لك، أننا نفكّر حالياً بتوسيع سلّة الضمان لتشمل جرّة الغاز المنزلية، (وتابع باستخفاف وهو يصعّر خدّه) على غرار التأمين الإلزامي للسيارات. (وأضاف متظاهراً بحرصه على أمان المواطنين) يا أخي لا أحد يعلم متى تأتي ساعة الغفلة..
فوجئ المستشار بهذا الطرح، وران عليه ظلٌّ من كدر. تريَّثَ برهةً يفكّر ثم قال:
- لكنَّ حوادث انفجار جرَّات الغاز في البلاد قليلة جداً يا سيدي!
بِلا مبالاة، ومن دون أن ينظرَ إليه، أجابه المسؤول بصوتٍ ناعسٍ من آثار سهرة ليلة البارحة الماجنة:
- ولَو كان.. ألَمْ تسمع بالقول الشهير «اِعقلْ وتوكَّلْ»؟ ألا يُجدر بنا أن نفكّر دوماً بأسْوأ الاحتمالات ونستعدُّ لمواجهتها؟ يعني لا سمح الله، لنفترض أن جرَّة الغاز انفجرت في أحد البيوت لسببٍ ما، وأدَّت إلى خسائر وأضرار بشرية ومادّية.. ماذا ينفعنا حينذاك النواح والعويل؟
رفرف المستشار جفنيه غير مرّة مشتَّت الذهن وقال:
- والله سيدى لا أعلم ماذا أقول! طيّب، كم تبلغ قيمة الضمان؟
ردَّ المسؤول وقد نفض عنه غبار الكسل متحدّثاً بحماسٍ متأجّج:
- مبلغ تافه جداً لا يتعدّى الـ (100) ليرة عند كل استلام جرّة.. بربّك، بوجْدانك، ولك إيدي على راسك، هل هذا الرقم يؤثّر على المواطن؟! أي بلا مؤاخذة، لا يعادل ثمن بسكوتة لطفل، ومن أرخص الأنواع.
- صحيح سيدي، ولكن لو جمعنا هذا المبلغ عند كل عملية بيع، فإنه سيصل إلى مليارات الليرات في السنة!
- يا رجل! على رسْلك، طوّلْ بالك! من أين أتيت بهذا الرقم المهول؟
- احسبْها سيدي بالورقة والقلم؛ نحن ننتج حالياً (100) ألف أسطوانة غاز يومياً × 100 ليرة قيمة الضمان = مليون. × 30 يوم في الشهر = 3 مليون ليرة × 12 شهر = 3،6 مليار في السنة. وهذا المبلغ سيتم تقاسمه بين شركات التأمين. (وأضاف بعد وقفة قصيرة بنبرةٍ مُنذِرة) بعدين سيدي، والله المواطن لم يعدْ يتحمَّل المزيد من الضرائب والرسوم والضغوطات المعيشية.. يعني بصراحة، اقتربنا كثيراً من انفجار اجتماعي خطير، قد يودي بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه. لذلك فإنني أقترح، أن تعدلوا عن هذه الفكرة جملةً وتفصيلا..
قبض المسؤول على ذقنه في حيرةٍ وصمتٍ ثم قال متبرّماً:
- ولك يا أخي والله صرعوا سمانا جماعة شركات الضمان، قال شو؟ قال خلّينا نعاملهم ونجبر بخاطرهم، مثل ما جبرنا بخاطر أصحاب معامل الأدوية، وجماعة الاستيراد، وجماعة القروض الكبيرة، وجماعة المستثمرين الجدد، وجماعة ما بعرف شو.. بحجّة أنه ما حدا أحسن من حدا.. ولك بشرفي رح جنّ من الإحراج!
في هذه اللحظة، دخل عليهم الحاجب ليُقدّمَ لهم الضيافة، وقد سمع الجواب الأخير من حديث المسؤول. فقال في خبيئته وهو يضع الضيافة على الطاولة بينهما:
«ولك الله يلعن شرفك، على شرفو، على شرف أكبر فاسد بهالبلد.. انشالله يا ربّ، محلّ ما يسري يهري.. ولك يا أوغاد، والله أنتو سبب أكبر علّة بحياتنا».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان


.. كل يوم - طارق الشناوي: أحمد مكي من أكثر الممثلين ثقافة ونجاح




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي لـ خالد أبو بكر: مسلسل إمبراطور


.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي: أحمد العوضي كان داخل تحدي وأثب




.. كل يوم - الناقد طارق الشناوي : جودر مسلسل عجبني جدًا وكنت بق