الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات (276) الاستمكان

بشير الوندي

2021 / 7 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


مدخل
-------------
الحرب الحديثة سريعة وعابرة. غالباً ما يكون الفائز في معركة هو الشخص الأول الذي يستطيع أن يكتشف تهديداً محتملاً ويتفاعل معه بشكل ملائم , ومادام هنالك عدو فإن معرفة مايخفيه من اسلحة متطورة هو هدف قبل المعركة واثنائها , وهو مانعني به الاستمكان الذي لم يعد يشمل فقط اكتشاف مرابض مدفعية العدو على الارض وطائراته في السماء , وانما متابعة ادق تحركاته وتحركات مقذوفاته وصواريخه المنطلقة في السماء ومنع وصولها وتدميرها , فكان لابد من سبر طرق استخبارية لامجال لاخفائها واهمها استخبارات القياس .
---------------------------------
التكنلوجيا والاستخبارات
---------------------------------
ان الاستمكان عمل استخباري في اساسه , الا ان التطورات التكنولوجية الهائلة في المجال العسكري جعلت مهمة الاستمكان مهمة موزعة مابين الجانب الاستخباري والجانب التكنولوجي العسكري الميداني , فالاستمكان في منظوره الاكبر هو كشف كل تحركات العدو والياته في البر والبحر والجو ومتابعة كل هدف متحرك او ثابت للعدو بما في ذلك التصدي لصواريخه بعد اطلاقها .
فمهما حاول العدو من تمويه في اسلحته سواء باساليب كيميائية كطلاء الطائرات الشبحية , او بالسواتر لمدافعه او بأساليب الخداع العسكري , الا ان التقنيات الحديثة جعلت من مهمة التخفي مستحيلة , ذلك ان اجهزة الاستمكان ترصد اشياء اخرى لايمكن للعدو اخفاءها من قبيل ذبذبات الصوت , او الحرارة ولكافة الاجسام والعوادم و غير ذلك , وهو امر متبادل بين الجيوش المتحاربة وقصب السبق فيه للتطور التكنولوجي وسرعة الاداء والرد الفوري , الامر الذي ادى الى تطور استخباري علمي شمل ستة مجالات جرى جمعها بما صار يعرف ب , MASINT وهو مدار بحثنا في مبحث الاستمكان.
---------------------------------------
الاستمكان بالرادارات التقليدية
---------------------------------------
الى حد وقت قريب كان الاستمكان الاشهر يتم في عمل اجهزة الرادار حيث يتم رصد صوت قذائف المدفعية المعادية ورسم مسار عكسي للقذيفة يقود لتحديد موقع المدفع الذي أطلقها , ويعتمد نظام الرادار عموماً على استخدام موجات كهرومغناطيسية للتعرف على بعد وارتفاع واتجاه وسرعة الأجسام الثابتة والمتحركة ، كالطائرات، والسفن , من امثلة ذلك نظام AZK7M الروسي ورادار المدفعية "Zoopark-1M" المصمم لرصد مواقع إطلاق صواريخ أرض - أرض ورمايات مرابض المدفعية , وكذلك منظومة رادار المدفعية "كـوبـرا" الامريكي المعتمد لدى قوات الناتو وهو رادار متعدد المهام يمكنه اكتشاف مصادر إطلاق النار وقواعد إطلاق الصواريخ , ولديه القدره على تحديد وملاحقة 40 بطارية وتوجيه الأسلحة المضادة لها.
ومع التطور التكنولوجي دخلت الخدمة رادارات تعمل بشكل سريع يفوق الوصف وادمجت بمنظومات دفاعية وكانت اشهرها منظومة صواريخ S- 300 و S- 400 الروسية ومنظومة باتريوت الامريكية , فيعمل S-300 بطريقة منظمة عالية الدقة، عبر رادار مراقبة طويل المدى يصل مداه إلى 300 كم يرسل المعلومات إلى «مركبة القيادة»، لمعالجتها بصاروخين لكل هدف , ويمكن للرادار أن يوجه 12 صاروخا فى وقت واحد، اما منظومة اس 400 فقادرة على كشف الأهداف الجوية على بعد 300 كم والتصدي لــ 80 هدفا في وقت واحد عن طريق توجيه صاروخين ارض- جو لكل هدف.
اما منظومة صواريخ الباتريوت فهي موجهة بتقنية عالية تعتمد فيها على نظام رادار أرضي خاص بها ليكشف الهدف ويتتبعه، حيث يقوم الرادار بمسح دائرة قطرها 80 كيلو متر, وباتريوت على نوعين , الاول ينفجر قرب الصاروخ المعادي ليصيبه بشضاياه , والنوع الثاني الحديث يضرب الصاروخ المعادي بصميمه , فالفارق الرئيسي بين النوعين ان النوع الثاني الحديث مزود بنظام رادار خاص ليتمكن الصاروخ من توجيه نفسه تجاه الهدف ليصطدم به ويحطمه .
كما ان هنالك رادارات صارت تجمع مابين ذبذبات الصوت وموجات الضوء من قبيل المنظومة الروسية "بنسلين" التي التي تعمل على كشف وتعيين مصادر نيران مدفعية العدو في ثوان معدودة وكذلك كشف موقع إطلاق القذيفة وحتى نوع المدفع الذي أطلقها،, ويعتمد بنسيلين على الصوت والضوء معاً , حيث يضم 12 كاميرا تمكنه من مراقبة القطاع الواسع واكتشاف الضوء الذي يصاحب إطلاق القذائف أو انفجار القذائف وهو ما يمكن إلكترونيات الجهاز من تحديد مسار القذيفة وأماكن وجود المرابض المموهة للمدفعية , كما يضم الجهاز أيضا عدة لاقطات منقولة توضع خارج السيارة , حيث تمكنه معطيات اللاقطات من تحديد مواقع نيران العدو بدقة متناهية , اما الرادار الروسي من طراز "كونتينير" الذي اطلق عام 2019 فقد انهى اسطورة الطائرة الشبح الامريكية فهو يكتشفها على بعد مئات الكيلومترات فيرى ما يخبئه الأفق ، ويعمل هذا الرادار وفق مبدأ انعكاس الاشارة في الغلاف الجوي الايوني ولايوجد له مشابه في العالم حاليا .
--------------------------------
الماسينت واذرعها الستة
--------------------------------
مع التطور التكنولوجي وتطورات اجهزة التشويش والخداع من جهة , وتصاعد التهديدات لاسلحة الدمار الشامل كالاسلحة النووية , صار من الصعب الركون الى الموجات الصوتية او الى الصور الجويةوصور الاقمار الصناعية والاكتفاء بها لتحديد طبيعة المخاطر , فكان انبثاق استخبارات تتناول انظمة علمية للقياس والخواص (التوقيع) (MASINT) وهي اختصار ل Measurement and signature intelligence مهمتها الخوض في معلومات استخبارية علمية وتقنية يتم الحصول عليها من خلال التحليل الكمي والنوعي للبيانات (المترية والزاويّة والمكانية وطول الموجة والاعتماد على الوقت والتشكيل والبلازما والهيدرومغناطيسية ) المستمدة من أجهزة استشعار تقنية محددة لغرض تحديد أية سمات مميزة مرتبطة بالمصدر (الهدف )ولتسهيل التعرف عليه وقياسه لاحقًا.
تقسم ماسينت لستة فروع تخصصية هي الكهروضوئية والنووية والجيوفيزيائية والرادار والمواد والترددات الراديوية , فهي استخباراتٍ تكتشف وتتعقب وتحدد وتصف التواقيع (الخصائص المميزة) للمصادر المستهدفة الثابتة أو المتحركة. وقد اعتُرف بماسينت كنظام استخبارات رسمي في عام 1986, وتُوصف تقنية ماسينت بأنها تتغذى على المنتجات الثانوية غير المقصودة للهدف، كمسارات الطاقة الحرارية ، أو انبعاث الترددات الكيميائية أو الراديوية التي يتركها الهدف في أعقابه، والتي يمكن استغلالها كأداة تمييز يمكن الاعتماد عليها لوصف أحداث معينة أو الكشف عن أهداف خفية.
----------------------------------
الاستخبارات الكهروضوئية
----------------------------------
تعد استخبارات القياس والتوقيع الكهروضوئي , أحد فروع استخبارات (ماسينت MASINT) , (ملحوظة التوقيع هنا معناه العلمي الخصائص المميزة) وتساعد في التحقق من صحة صورة ما مثلاً ، بحيث يستطيع المحلل -على سبيل المثال- معرفة ما إذا كانت المنطقة الخضراء عبارة عن عشب أو تمويه , كما تولد استخبارات القياس والتوقيع الكهروضوئي أيضًا معلومات عن الظواهر التي تنبعث أو تعكس الطاقة الكهرومغناطيسية في طيف الأشعة تحت الحمراء أو الضوء المرئي أو فوق البنفسجي، إذ تكون (صورة الهدف) في هذه الحالة أقل أهمية من كمية أو نوع الطاقة المرصودة من المصدر المرصود , ومثال ذلك انه لو وجدت أقمار صناعية مهمتها الانذار المبكر عن انطلاق صواريخ العدو اعتماداً على حرارة العادم ، او رصد أطوال الطاقة الموجية وقوتها , حينها لن تكون هناك قيمة للبحث عن صورة لهيب يخرج من الصاروخ , فالاستخبارات التصويرية ستعطي صورة لشكل الصاروخ ، بينما ستعطي استخبارات القياس والتوقيع الكهروضوئي معلومات عن توزع درجة الحرارة ومعلومات طيفية عن تكوينه ، وهو امر لايمكن اخفاؤه او تمويهه او التلاعب به , وهذا يتيح بذلك النوع من الاستخبارات المتقدمة الى ان تصدر الاستخبارات تحذيرًا قبل أن تكون الخصائص المرئية للاستخبارات التصويرية واضحة، أو قد تساعد في التحقق من صحة الصور التي التقطتها أو فهمها.
ومن تطبيقات هذا الفرع العلمي والمتقدم من الاستخبارات التي تستمكن العدو على سبيل المثال لا الحصر :
التصوير الحراري بالأشعة تحت الحمراء (JR) , الذي سيحدد أين توجد النقاط الساخنة وكيف يبدو الهدف عند التشغيل. والبيانات الزلزالية التي تبين كم تهتز الأرض ومن ثم تكشف التفجيرات النووية , وتصوير بيانات الرادارات والرؤية من خلال الدخان والضباب وأوراق الشجر وحتى الماء لمحاولة اكتشاف وتحديد الهدف , والتصوير والكشف بالليزر للكشف عن الهدف والعوامل الكيميائية / البيولوجية وكشف وتصنيف المواد المنبعثة , وكذلك البعد والميزة والتنميط والتي يتم من خلالها الكشف عن قياسات الهدف بالأبعاد والوزن والسعة واللون وما إلى ذلك لدعم النمذجة والمحاكاة وتطوير الخوارزميات .
كما تستخدم تقنيات جمع ماسينت الرادار وأشعة الليزر والمصفوفات ذات المستوى البؤري -كتصوير بصري عادي أو باستخدام الأشعة تحت الحمراء- لتوجيه أجهزة الاستشعار إلى المعلومات المطلوبة , فعلى عكس استخبارات الإشارات، لا تعطي مستشعرات استخبارات القياس والتوقيع الكهروضوئي صورًا , وانما بدلًا من ذلك ، قد تعطي معلومات عن الإحداثيات والشدة والخصائص الطيفية لمصدر الضوء مثل محرك الصواريخ , وتتضمن استخبارات القياس والخصائص الكهروضوئية الحصول على معلومات من الطاقة المنبعثة أو المنعكسة عبر قياس الأطوال الموجية للضوء تحت الأحمر والمرئي والأشعة فوق البنفسجية.
وتشمل التقنيات الكهروضوئية قياس شدة الإشعاع والحركة الديناميكية والمواد المكونة للهدف , وتضع هذه القياسات الهدف في سياقات طيفية وفضائية تشمل المستشعرات المستخدمة في استخبارات القياس والتوقيع الكهروضوئي مقاييس إشعاعية، مقاييس طيفية، أنظمة التصوير غير القصدية، الليزر، والليدار (الرادار الليزري).
وتُستخدم ماسينت جنبًا إلى جنب مع تخصصات أخرى في رصد اختبارات الصواريخ والتفجيرات النووية , فعلى سبيل المثال: يحدد الرادار والتعقب الكهروضوئي المسار والسرعة وخصائص الطيران الأخرى التي يمكن استخدامها للتحقق من صحة المعلومات التي تتلقاها أجهزة الاستشعار عن بعد لاستخبارات الإشارات , كما تعمل أجهزة الاستشعار الكهروضوئية -التي توجه الرادارات- على متن الطائرات والمحطات الأرضية والسفن.
ولم يعد الاعتماد مقصورا على الصور التي ترسلها الاقمار الصناعية والتي كان من الممكن خداعها كما حصل في عملية مكران التي تمكن من خلالها فريق هندي من اجراء تجاربه النووية رغم وجود اقمار تجسسية امريكية تراقب المنطقة , حيث كان الهنود يحسبون بدقة مواعيد مرور القمر فوق المنطقة فيتوقفوا عن العمل ويزيلوا اثار عملهم الامر الذي سهل خداع الامريكان واكمال تجربة الاطلاق , اما الان فان الاقمار لاتعتمد على الصور فقط وانما على الموجات الكهروضوئية التي بارتدادها وتحليلها تستطيع الكشف عن مؤشرات جانبية لايمكن التدخل في مكنوناتها او تغييرها والخداع بواسطتها .
--------------
خلاصة
--------------
الاستمكان يعنى التحصل على المعلومات من العدو , ومن هنا فهو عمل استخباري , الا ان دخول التقنيات الحديثة والرادارات المتقدمة والاقمار الصناعية , جعل من العمل الاستخباري في كشف العدو عملاً مرتبطاً بالتكنولوجيا , فكان ان تطورت الاستخبارات لتتمكن من كشف خطط العدو ومعداته واتجاهاتها من خلال عوامل علمية لايمكن ازالتها او تبديلها او اخفائها , فتشكلت بنية الاستخبارات الكهروضوئية لتكون الكاشف الامثل لخبايا العدو , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس