الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأنّني انتحرت

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 7 / 10
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


بينما أنتظر السّيارة أمام منزلي تتوارد إلى ذهني الأفكار. أشياء من الماضي ، أفكار عن الحاضر ، ولا شيئ حول المستقبل.
أركب في السيارة من الخلف، يربط السّائق الحزام ، ليس لأنّه يحترمني، فهو لا يعرفني، لكنّها أصول مهنة سائق المشفى يدربونه عليها. أكون معفية من التفكير بالوصول، أو النزول ، أحياناً أغمض عيني ،فالطريق يأخذ ساعتين ، و في أكثر الأحيان أبحث عنّي في سنّ الشّباب، كأنّني لم أمرّ به، بل ربما كنت أقلّ تجربة من موكلاتي من النساء حيث لم أتأسف يوماً على شبابي ، بل ربما أعتقد أنني خلقت بعمري الحالي.
الأسماء في قصتي مستعارة ، لكنها قصة حقيقية ربما لم أجد تجسيدها كما هي.
عندما وصلتْ لجملة" كأنّني انتحرتُ" تذكرت بعضاً من نقاش دار بيننا في مكتبي . إنها أمل . أتت من أجل أن تقيم دعوى على إخوتها علّهم يصالحونها على بعض المال . اعتذرت منها، قلت: نحن وكلاؤهم، ولا يمكننا أن نتوكل في قضيتك، لكن عقودهم صحيحة، هناك بيع وشراء بينهم وبين المرحوم والدك.
كأنها أرادت أن تفرغ جعبتها ، قالت لي: " زوجي سافل، لكنّ إخوتي سفلة أيضاً" هم يعرفون وضعي ويتجاهلون . لا أريد وراثة بل جزء بسيط مما عندهم كي أستطيع إعالة أولادي. "
أجبتها: زوجك ميسور ، لماذا تدخلين في دعوى خاسرة ؟
شرحت لي معاناتها :
"كنت في الثامنة عشر من عمري عندما شعرت بالعنوسة ، نظرات عائلتي لي كانت تجعلني أرغب في الزواج بأي طريقة ، نلت الثانوية ، وعملت في وظيفة في الدولة بعد أن توسّط لي خالي ، وكان له منصب مرموق . كان في ذلك الوقت شاب يأتي إلى الدائرة من أجل معاملة له ، في مرّة قال لي أحبّك ، صدقت، أصبحت أحدّث نفسي من الفرح ، لم أعد عانس!
أحياناً أسميه الصعلوك ، جسده هزيل ، وعلى عينيه قطوع صفراء ، لكنّه في النهاية رجل ، و أفضل من كلمة عانس!
بعد أن أنجبت ابني الآوّل ندمت على الزواج. أتيت إلى الدنيا بطفل ليس له أب، فهو لا يأتي إلى المنزل إلا في آخر الليل ، ولا يساهم في جلب الطّعام، ثم اكتشفت أن له علاقات نساائية، كذبت نفسي ، وعذرته .
أنجبت الطفل الثاني ، الثالث، و الرابع ، رأيت نفسي كالأم العازبة ، فهو لا ينفق علينا ، ومرتبي لا يكفي ، يستدين مني الراتب عنوة ولا يعيدة، وعندما أطالبه يصفني بالحقيرة.
كان أحياناً يجلب أصدقاءه ، يطلب مني أن أحضّر الطعام ، يشربون الخمر ، و لا مانع لديه أن أجاملهم . كبر أولادي ، وكنت أجهل عنه بعض الأمور ، فقد اكتشفت أنه يتحرّش بالأطفال من الجنسين ، ويدفع للنساء اللواتي يمارسن الدعارة ، بدأت أخاف على نفسي من الإيدز، وفي النهاية قرّرت الطلاق ، لكن دون العودة إلى المحكمة ، طلاق داخل " عش الزوجية" المهدّم . قاطعته ، وقلت له السبب ، طلبت أن يساهم في المصروف فحمل عليّ سكيناً .هربت منه ، أغلقت باب المطبخ علي، و لآنه سكران لم يستطع فتح الباب، في اليوم التالي اعتذر مني ، فهو يخاف من شماتة الناس به لو تركته . أصبحت مبتلية بأربعة أولاد يحتاجون لمصاريف ، فكرت بترك المنزل ، ثم غيرت رأيي ، فلمن أترك أولادي ؟ قد يعتدي على ابنتي ، لم يعجبني سلوكه معها ، فأبعدتها عنه .
وصل أولادي إلى الجامعة، ضاقت بي الدنيا ، لا أعرف كيف أؤمن لهم معيشتهم، وفي مرة قال لي ابني أنّ علي أن أطلق والده ، فرفضت . قلت له: نحن مطلقان نعيش تحت سقف واحد ."
أوقفتها ، قلت لها: اسمحي لي أن أقول لك أنك بعت كرامتك. كيف تبقين مع هكذا رجل؟ عليك أن تتركيه على الفور !
"وماذا تريدينني أن أفعل؟ ربما لا يهتم لأمري، ويقول لي دائماً بأن الباب يتسع لجمل، لكن لو أقدمت على الطلاق فعلاً فمن سوف يرعى أولادي ؟ هو لن يهتم لهم إلا من باب النكاية ، وسوف تهبّ معه عشيرته ، فهم في اإيذاء يد واحدة.
على من يعيش في هذا المكان من العالم أن لا ينجب الأطفال، لكن لا أخفيك سراً أنني فكرت بالانتحار ، كدت أفعلها ثم عرفت أنه وعائلته سوف يتهمونني بأخلاقي -ههه -مع أنّني لا أصلح للدعارة ، و لو كنت أستطيع لفعلتها، لكن داخلي يرفض تلك الأمور ، مع أنّه سهل لي طريق الدعارة ، لم أفهم عليه . اعتبرت نفسي في تلك اللحظة التي قررت فيها الانتحار أنّني انتحرت ، أصبحت أقوم بمهمتي كالرجل الآلي . هذا هو حظي من الحياة ، أغلب أزواج صديقاتي محترمين يكفون بيوتهم من الطعام ، يدفعون للدروس الخصوصية لأولادهم كي يتفوقوا، قد لا يكونون مثاليين ، لكن ليس لديهم نيّة بتدمير الأسرة ، يعتبرون أنفسهم رجالاً مسؤولين عن إعالة العائلة ، وهذا يكفي."
بعد عدة سنوات مات زوج أمل بحادث سير، كان يقود سيارته تحت تأثير الخمر . عندما عزيتها قالت لي أن ابنها قال لها: شكراً يا أمي لآنّك لم تطلقيه ، فلولاك لكنا دخلنا مستشفى المجانين .
قالت لي أمل : "خسرت عمري وشبابي ، عشت الموت في سن الثلاثين . اليوم لن أطلب مكافأة من أولادي ، لن يعوضوا لي عمري، ولن أكون عبئاً عليهم. في مرة قلت لهم وكنا مجتمعين: يكفي أنّني حميتكم من الجنون ، ضحك ابني وقال: هل أنت متأكدة؟ إنني اليوم لست حزينة ، ولا سعيدة ، أعيش يوماً بيوم. "
هذه القصة حقيقية عن امرأة اعتبرت نفسها ميتة كي تكمل مسيرة قاسية.
وصلت السّيارة إلى المستشفى، فتح السائق لي الباب. نزلت و أنا أفكر بأنّني لم أكن ناضجة مثل تلك المرأة التي حاولت إنقاذ أربعة أطفال، بل كنت أناقشها على أساس أن عليها أن تترك منزلها دفاعاً عن الكرامة . كان حماسي في غير مكانه، عرفت فيما بعد أن الحلول لا تأتي من خلال العنترية، و أن الكرامة أمر نسبي ، فقد دافعت عن كرامتها وفق ماهو متاح .
ليس جميع النساء تعاني مثل أمل، وليس جميع الرجال مثل زوجها، أغلب الناس يرغبون أن تكون حياتهم طبيعية إلا من كان لديه إشكال ما كأن يكون مثل زوج أمل،و الكثير من الرجال لديهم هذا الإشكال ، لكن ليس جميع النساء مثل أمل فاختبار الصبر صعب، والبعض طاقته تنفذ. . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف منين إن عملك اتقبل في رمضان؟..الداعية عمرو مهران: نجاح


.. Danai Gurira on preventing conflict-related sexual violence




.. تفاعلكم | جديد عجائب إيران.. -سفراء للمحبة- يعتدون على النسا


.. #تفاعلكم | -سفراء المحبة- بإيران يعتدون على النساء في الشوار




.. ولادة طفلة من رحم امرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة | بي