الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلياس صنبر Elias Sambar: الصداقة، الأصدقاء، الإخوة والرفاق (الصداقة حسب جيل دولوز وجان جينيه وحنة أرنت وفلسطين

محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)

2021 / 7 / 13
القضية الفلسطينية


"تبنيتُ منذ زمن بعيد الجواب الذي قدمته حنة أرنت Hannah Arendt عن السؤال الذي وجهه لها جيرشوم شوليم Gershom Sholem (وهو شخصية من شخصيات التصوف اليهودي)، والسؤال هو: "هل تحبين شعبك؟".
ازداد جيرشوم شوليم في ألمانيا وكان على صلة بحنة أرندت وبولتر بنيامين WBenjamin. لو يتوقف منذ هجرته إلى فلسطين سنة 1923 عن محاولة إقناع صديقيه (حنة أرنت وولتر بنيامين) بالهجرة لفلسطين والإقامة فيها.
بعد تتبع حنة أرندت لمحاكمة أيخمان Eichmann، نشرت كتابها "Eichmann à Jérusalem" (تمت ترجمته إلى العربية تحت عنوان "أيخمان في القدس، تقرير حول تفاهة الشر، ترجمة نادرة السنوسي، ابن النديم للنشر والتوزيع، ط 1، 2014)، وهو ما أثار موجة من السخط لأنها بلورت مفهومها حول "تفاهة الشر" (أو "ابتذال الشر"). انزعج جيرشوم شوليم كثيرا من تصور حنة أرنت هذا، واعتبره تتفيها للنازية. وكاتبها معبرا لها عن عدم فهمه لموقفها وسألها: "هل تحبين شعبك؟".
أجابته حنة أرنت بما معناه عموما: "لا أعرف ما الذي يعنيه أن يحب المرء شعبه. أما أنا فأحب أصدقائي".
أحببتُ كثيرا أصدقائي، وأعتبر أنهم هم بلدي، دون أن يؤدي ذلك إلى اختزال تعلقي بموطني الأصلي الذي هو فلسطين، أو اختزال تعقي بموطني الآخر الذي "اخترته" والذي هو فرنسا.
لما أفكر في معنى الصداقة، تحضرني هذه الكلمات المقتضبة لجان جونيه Jean Genet، والتي هي عبارة عن "خربشة" خطّها بسرعة على ورقة بها خطوط مربعة انتزعت من دفتر مدرسي جُمعت أوراقه بسلك لولبي. وقد توصلتُ بنسخة من تلك الورقة من طرف ألبير ديشي Albert Dichy (والذي هو أحد منشطي جمعية ذاكرات النشر المعاصر IMEC)، بعد مرور بضعة أيام على وفاة جان جونيه. تقول كلمات هذا الأخير: "يُقال أنني ساعدت الفلسطينيين. يا لها من بلاهة. لقد ساعدني الفلسطينيون على أن أحيى".
ساعدني أصدقائي على أن أحيى. ولازالوا يفعلون ذلك. وإذا كانت لقاءاتنا تتم في أغلب الأحيان، وليس حصرا، بفضل فلسطين، فإن ذلك لا يغير شيئا من هذه الصداقة. بل العكس هو الصحيح.
لا وجود أيضا لأية مفاجأة. لكن ينبغي أن نؤمن، كما يقول جيل دولوز في أبجديته الفلسفية، بأن الصداقة تتعلق، قبل كل شيء، بالإغراء، وهي معفاة من كل تفسير، لتعلقها بالإغراء.
يذكر روني شيرير René Schérer (وهو فيلسوف وزميل لجيل دولوز) هذه الكلمات المقتطفة من رسالة لجيل دولوز يعرّف فيها الصداقة بأنها "حالة تفاهم مُسبق، بل هي، بتعبير أهم، ضيافة".
الصداقة إذن هي إغراء وضيافة. والإغراء والضيافة معفيان من واجب التفسير. هما كلمتان تعرّفان، أحسن تعريف، هذه العلاقة الفريدة، وتسمحان لي بالتمييز بين الأصدقاء و"الإخوة" الفلسطينيين، والرفاق السياسيين. ولا يتعلق الأمر بالنسبة "للإخوة" بخصوصية شرقية، بالرغم من أن فلسطين هي، بدون منازع، مسألة تخص شرقيين ينتمون لقبيلة كبرى، وإنما يتعلق باندماج بين روابط الأخوّة الجماعية التقليدية والعلاقات الرفاقية السياسية العريقة.
هكذا هو الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية. لقد كنا دوما محاطين بإخوة ورفاق، وكان بعض أقربائنا يتصفون بالصفتين معا (أي أنهم إخوة ورفاق في نفس الوقت).
لكن الأصدقاء يكونون، حتى حينما ينخرطون في النضال من أجل الحق (بألف التعريف) ومن أجل الحقوق، دوما "نوعا" آخر، وكأن لهم طبيعة أخرى، هي حقيقة الإغراء غير القابل للتفسير، طبيعة الفتنة (بالمعنى الإيجابي). وبدون الأصدقاء سيكون من الصعب على المرء أن يحيى.
يوجد تعبير في اللغة العربية للتعبير عن هؤلاء الأصدقاء وهو: صديق العمر، أي صديق تدوم صداقته مدى الحياة.
ليس جميع أصدقائي في الحياة فلسطينيين. ويمكن أن نخمن بناء على ما سبق ذكره أن "الجنسية" و"الأصول" لم يكن لهما وزن ولا دور يُذكر في الصداقة. بل يمكنني القول، اليوم، على العكس من ذلك، أنه فضلا عن محمود درويش، وليلى شهيد، وإلان هاليفي، ليس لي اصدقاء فلسطينيون كثر. بالرغم من أنه كان لي إخوة رائعون كثيرون في النضال.
أما "أصدقائي في الحياة" الآخرون فهم، في معظمهم، عرب (وعلى رأسهم فاروق مردم بيك) أو فرنسيون. تكونُ الصداقة جيدة بهذه الكيفية، أي وهي محرّرة من المجالات الترابية الأصلية، ومنفتحة على هذا "التفاهم المسبق" وعلى هذه "الضيافة"، وهما صفتان لبلد لا يوجد على الخرائط، بلد الصداقة الجميلة تحديدا.
يمكن للمرء أن يتساءل، عن حق، عمّا جعلني أتناول مسألة الصداقة في كتاب مخصص للعلاقة بفلسطين؟ الجواب بسيط رغم المفارقة الظاهرة. فهؤلاء الأصدقاء القادمون من جميع الآفاق طبعوا حياتي، بل طبعوا حتى طريقتي في أن أكون فلسطينيا، كما أن فلسطين طبعت طرقهم في الوجود.
لكن هذه الصداقات المعطاة والمُستقبَلة لم تكن أبدا موجهَة بهمّ أثرٍ طبع على التزام معين. لقد كنا معنيين بقضايا الحياة والعالم الموحدة بتفاهم عميق كما لو أنها آلة موسيقية مضبوطة.
لقد تحدثتُ كثيرا عن أصدقائي بصيغة الماضي. ولا يعني ذلك أنني فقدتهم. تحدثت بصيغة الماضي لأن عددا منهم رحلوا عن هذه الحياة. ولن أتحدث عن الأحياء منهم، الذين لازالوا بجانبي لحسن الحظ، خوفا من أن يقع لهم مكروه، كما يعبر عن ذلك محمود درويش في قصيدته الرثائية الرائعة "لاعب النرد"، والتي اقتطفتُ منها الأبيات التالية:
ولاثنين من أصدقائي أقول على مدخل الليل :
إن كان لا بُدَّ من حُلُم ، فليكُنْ
مثلنا ... وبسيطاً
كأنْ : نَتَعَشَّى معاً بعد يَوْمَيْنِ
نحن الثلاثة ،
مُحْتَفلين بصدق النبوءة في حُلْمنا
وبأنَّ الثلاثة لم ينقصوا واحداً
منذ يومين ،
فلنحتفل بسوناتا القمرْ
وتسامُحِ موتٍ رآنا معاً سعداء
فغضَّ النظرْ !
(...)
(ترجمة: محمد الهلالي)
♦ المرجع:
- Elias Sambar, Dictionnaire amoureux de la Palestine, Plon, 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا