الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعار -يهودية الدولة-بين غطرسة القوة والأسطورة التوراتية

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 7 / 14
القضية الفلسطينية


على أثر انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة البلدان الاشتراكية ، تخلصت القوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، من كافة القيود والمعوقات التي حالت دون التوسع والسيطرة الرأسمالية على مقدرات وثروات شعوب العالم، وإخضاعها لمقتضيات التوسع الإمبريالي في إطار نظام العولمة منذ تسعينيات القرن الماضي، الذي حمل في طياته أشكالاً جديدة من السيطرة العنصرية التي تدعي أن التمايز بين البشر يقوم على أساس التمايز بين الثقافات والحضارات ، الأمر الذي أسهم في انتشار ظاهرة ما يسمى بـ "الانبعاث الديني" على المستوى العالمي، وهي ظاهرة لم يكن ممكناً انتشارها، بدون ترتيبات وبرامج وتوجيهات محددة تخدم مصالح الإمبريالية في طورها الرأسمالي المعولم "الجديد" .
ولذلك فإن طرح حكومة دولة العدو الإسرائيلي شعار يهودية الدولة، لا يبتعد أبداً عن ظاهرة "الانبعاث الديني" على المستوى العالمي ، علاوة على أنه يشكل جوهر البعد الديني الأسطوري الذي تتذرع به الحركة الصهيونية، أو تستخدمه عندما تقتضي الحاجة إليه في ظروف محددة، فالمعروف أن الحركة الصهيونية في بداياتها الأولى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لم تتمسك ابداً بالمنطلق الديني التوراتي لإقامة " دولتها" بل وافقت في مؤتمرها السادس (1903) على إقامة دولة إسرائيلية في اوغندا أو الأرجنتين، كدليل ساطع على تجاوز الادعاءات الدينية فيما يسمى بـ"أرض الميعاد" ، ما يؤكد على أن العامل الديني ، التوراتي، لم يكن منطلقاً وحيداً لسياسات الحركة الصهيونية وقادتها الذين أدركوا منذ البدء أن الظاهرة الدينية ليست معياراً لقوة الدولة الحديثة ، التي لا يمكن تحقيقها إلا بالاعتماد على الأسس العلمانية في المؤسسات المدنية السياسية والمجتمعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ، وهذا ما قامت بتنفيذه الحركة الصهيونية منذ بداية القرن العشرين.
وللتذكير فقط نشير إلى المؤتمر التأسيسي الأول للحركة الصهيونية (1897) الذي خطط ووضع البرامج والأفكار الكفيلة ببناء الدولة العلمانية (أسسوا الكيبوتزات ثم الصندوق القومي والنقابات العمالية والجامعة العبرية ومعهد التكنولوجيا ومصانع الاسمنت والحديد والسلاح الخفيف واجهزة الأمن والأجهزة العسكرية... إلخ) ، وفي هذا الجانب يمكن العودة إلى كتابات أبرز المفكرين والقادة الصهاينة اللذين أكدوا على أهمية فصل الدين عن الدولة مثل "موشي هس" و "ليو بنسكر" و "تيودور هرتزل" و "وايزمن" و"بن جوريون" .. . إلخ ، ما يعني دوراً رئيسياً للعلمانيين الصهاينة في تأسيس الدولة ، وبالتالي فإن استخدام والأساطير الدينية والتوراتية، كان ولا يزال، لحساب الأهداف السياسية ، التي تخدم الكذبة الكبرى التي تقول بأن اليهود أمة ، وذلك على قاعدة أن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية ، واليهودية هي الجانب الديني في الصهيونية ، وبالتالي فإن "إسرائيل" تحقيق سياسي وتجسيد عملي وسياسي للظاهرتين معاً ، الأمر الذي يعني ان الصهيونية هي الوجه السياسي والفكري لليهودية، أما اليهودية فهي المرتكز الديني للصهيونية حسب ما أورده "هرتزل" في كتابه -دولة اليهود- على الرغم من عدم اقتناعه أصلاً بالدين ، فالديانة اليهودية أو التوراة عند "هرتزل" ضرورية فقط لفقراء اليهود لكي تنجح الحركة الصهيونية في استثارتهم عاطفيا بما يسميه "أرض الميعاد" وتشجيعهم للعودة إليها ، بما يضمن –كما يؤكد هرتزل- قيام العمال والفلاحين الفقراء اليهود بتنفيذ المخطط الصهيوني في بناء المستوطنات وإقامة المزارع والعمل في المصانع وغير ذلك من المؤسسات الصهيونية ، فالدين هنا، أو التوراة والتلمود ، ضروري جداً كمدخل لدى فقراء اليهود ، وبدونه – كما يستطرد هرتزل في كتابه – يصبح من المستحيل على الحركة الصهيونية أن تقنع آلاف الفقراء اليهود من العودة إلى "أرض الميعاد" بعد ما يقرب من ألفي عام على طرد الرومان لليهود، لم يتحرك أحد من الدول الغربية – ومن اليهود – بصورة جدية للعودة إلى ما يسمونه بـ"أرض الميعاد" حتى ظهور الرأسمالية وانتشارها وتوسع مصالحها، ومن ثم نبشها للماضي الأسطوري واستخدامه ذريعة لزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ، تأميناً لتلك المصالح ولضمان استمرار تجزئته واحتجاز تطوره ووحدته في آن واحد .
فيما تقدم ، يتضح أن مؤسس الحركة الصهيونية "تيودور هرتزل" كان مدركاً بقوة طبيعة العلاقة العضوية بين الحركة الصهيونية من ناحية ومصالح النظام الاستعماري الرأسمالي من ناحية ثانية، ما يؤكد على أن "إسرائيل" انطلاقاً من دورها ووظيفتها ، لم تنشأ إلا لخدمة مقتضيات التوسع الرأسمالي، وكان وعد بلفور أحد أهم ثمار تلك المقتضيات لخدمة المصالح الاستعمارية البريطانية، وبعد أفول السيطرة الاستعمارية والدور البريطاني لحساب السيطرة الأمريكية في الشرق الأوسط منذ عام 1957 انتقلت "إسرائيل" إلى التعاطي مع الإمبريالية الأمريكية لتصبح أداة طيعة في تنفيذ مخططاتها وحماية مصالحها في الوطن العربي ، ومع هزيمة حزيران 1967 ، تحولت دولة العدو الإسرائيلي تدريجياً إلى شريك حقيقي للإمبريالية الأمريكية ، خاصة في ظروف العولمة الراهنة وخضوع الشرائح الحاكمة في معظم النظام العربي الرسمي لمقتضيات وشروط التحالف الصهيوني الإمبريالي عبر اتفاقات "كامب ديفيد" و "وأوسلو" و "وادي عربة" وبداية مسلسل التطبيع مع "إسرائيل".
ولعلنا لا نبالغ في القول أن استشراء الظاهرة الدينية العنصرية في "إسرائيل" ليست بعيدة أبداً عن كونها ظاهرة في خدمة مقتضيات العولمة الإمبريالية الامريكية الراهنة ، والهادفة إلى اشعال النزعات الدينية العنصرية ، الطائفية في كل البلدان العربية التي باتت في حالة غير مسبوقة من الخضوع والتبعية والتخلف ، لإثارة المزيد من النزعات الطائفية والمذهبية والاثنية فيها تكريساً لتجزئتها وتفكيكها كما هو الحال في العراق والسودان واليمن ومصر ،إذ أن هذا الضعف العربي كان وسيظل احد اهم الأسباب التي عززت قوة دولة العدو الصهيوني وغطرستها وعدوانيتها وعنصريتها البشعة المتمثلة في رفع شعار "يهودية الدولة" كشرط اول لما يسمى بعملية التفاوض الجارية مع قيادة م.ت.ف صوب المزيد من الخطوات الاستسلامية باسم السلام المزعوم .
وفي هذا السياق نشير إلى أن الحركة الصهيونية التي استندت في بداية نشاتها إلى الأسس العلمانية في بناء مؤسساتها ، إلا أن صعودها في بداية القرن الماضي، أعاد المرتكز الديني التوراتي ليحتل في التفكير الصهيوني مكانة موازية في اهميتها للأسس العلمانية ، إلا أننا نلاحظ أيضاً أنه مع انتقال اليهود من العيش في «المنفى» إلى اغتصاب فلسطين ، وإعلان "الدولة" الصهيونية أيار 1948، بدأت مكانة التوراة بالانحسار لتحل محلها ما يسمى بـ"المحرقة" النازية في إعادة تشكيل الهوية اليهودية من غير أن ينتهي تأثير التوراة بالطبع، والتي وجدت في المتطرفين المتدينين (الحريديم) ما يعيد إليها تأثيرها الملموس في خدمة الجوهر السياسي للحركة الصهيونية ودولتها، الأمر الذي أعاد الجدل بقوة إلى إشكالية الهوية المعاصرة لـ"إسرائيل" وسكانها من المواطنين العرب والمستوطنين الصهاينة؛ مع امكانية تفاقم الصراع بينهما ، وهي اشكالية معقدة ليس من السهل إيجاد حلاً ديمقراطياً لها طالما بقيت موازين القوى مختلة بين طرفي الصراع العربي الصهيوني لحساب دولة العدو الصهيوني ، وهي إشكالية لن تجد حلاً لها إلا بهزيمة الحركة الصهيونية وتحقيق الهدف الإستراتيجي في إقامة فلسطين الديمقراطية.
من هنا تكمن أهمية القراءة التاريخية، الموضوعية المتأنية لهذا الشعار ومخاطره المحتملة على مستقبل شعبنا وقضيتنا وحقوقنا التاريخية .
فمنذ أن أعلن " بن جوريون" وثيقة قيام "إسرائيل" تكررت كلمة «الدولة اليهودية» في تلك الوثيقة ليلة 14/5/1948 خمس مرات؛ ومنذ ذلك التاريخ اختفى إلى حد كبير مصطلح «الدولة اليهودية» أو مصطلح «دولة اليهود» وحلت محلهما عبارة «دولة إسرائيل».
الخطير في الأمر ، خاصة بعد توقيع مصر لمعاهدة "كامب ديفيد" وما تلاها من اعتراف بدولة "إسرائيل" والتطبيع معها ، وبعد اعتراف قيادة م.ت.ف بـ"إسرائيل" وتوقيع اتفاق "أوسلو" ، وكذلك اعتراف النظام الاردني بها، وتوقيعه على اتفاق "وادي عربة" ، وما تلا هذه الاتفاقات من اعتراف وتطبيع سياسي واقتصادي من عدد من الدول العربية في الخليج العربي والمغرب ، حيث أدى كل ذلك إلى تكريس استجابة النظام العربي للشروط الامريكية الصهيونية ، إلى جانب تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية وانقسامها ، ففي مثل هذه الاوضاع المهزومة والمأزومة ، لم يعد مصطلح الدولة اليهودية مجرد تعريف ذاتي للإسرائيليين بحسب القانون الأساس الذي أصدره "الكنيست" في 1992 فحسب، بل صار –كما يقول صقر أبو فخر - مسألة دولية بعد خطاب "جورج بوش" في مؤتمر العقبة (4/3/2003) الذي شدد فيه على ضرورة الاعتراف بـ"يهودية الدولة"، ليصبح ذلك المطلب أو الشعار –لدى حكومة نتنياهو- شرطاً لا تستقيم أي تسوية من دونه.
ان تاريخية هذا الشعار ، تعود إلى نشاة الحركة الصهيونية كحركة سياسية أرادت تحويل اليهود إلى "أمة" لها دولة، استجابة للأهداف الإمبريالية التوسعية في المشرق العربي، على الرغم من حقائق التطور التاريخي وعلم الاجتماع الحديث والمعاصر، التي تؤكد رفضها منطق اعتبار الدين عاملاً أساسياً في تكوين الأمم ، فاليهودية ديانة تبشيرية يمكن أن يعتنقها العربي ، والانجليزي والفرنسي والألماني والأمريكي والصيني والياباني والأفريقي والهندي... إلخ، دون أن يعني ذلك أن هؤلاء الذين اعتنقوا اليهودية يمكن أن يشكلوا أمة واحدة، لكن استمرار ضعف وتراجع حركة التحرر الفلسطينية والعربية ، والهزائم التي لحقت بها ، أفسح المجال واسعاً أمام مقتضيات التوسع الرأسمالي ، لكي يتجاوز هذه الحقائق ، ويتذرع بالأسطورة التوراتية الغيبية التي تتحدث عن ما يسمى بـ"أرض الميعاد"، أو أي مسمى أسطوري أو ديني أخر لو لم تكن "التوراة"، وكما قال " بالمرستون" رئيس وزراء بريطانيا في تلك المرحلة، "لو لم تكن الحركة الصهيونية لخلقنا حركة صهيونية في خدمة مصالح بريطانيا" . وبانحسار الدور الاستعماري البريطاني، وبروز الدور الإمبريالي الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية ، تعاملت الولايات المتحدة مع الحركة الصهيونية ودولتها ضمن رؤية موحدة وتبادلية حريصة على تكريس المصالح الإمبريالية من ناحية واستخدام كافة الوسائل والأساليب العدوانية الكفيلة بعرقلة تطلعات الشعوب العربية نحو التطور والنهوض والوحدة .
وفي هذا السياق ، لابد من التأكيد على أن أحوال الضعف والتخلف السائدة في بلدان الوطن العربي، بسبب هيمنة القوى الرجعية شبه الاقطاعية والبرجوازية على قيادة الحركة الوطنية منذ أوائل القرن العشرين حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ساعدت في خلق الظروف الملائمة لنجاح الاستعمار في دعم وتطوير الحركة الصهيونية وإقامة مستوطناتها ومؤسساتها السياسية والعسكرية والاقتصادية تمهيداً لاغتصاب فلسطين وإعلان "دولة إسرائيل" في 15 أيار 1948 .
لقد حرصت الحركة الصهيونية ، منذ نشـأتها على التماهي مع المصالح الرأسمالية العالمية ، ولذلك عملت على أن يكون وعي اليهودي لذاته لا يحدده إيمانه بل نبذ الآخرين له وكراهيتهم إياه. وهذا هو بالضبط ما سُمي «المسألة اليهودية» المعاصرة التي أفلحت الحركة الصهيونية في تأسيس دولة لطائفة متناثرة في شتى أنحاء العالم، (من يهود أوكرانيا وبولونيا وروسيا وفرنسا وإنجلترا وهولندا وأمريكا ويهود الدول العربية وأفريقيا!!) وأنشأت بوتقة صهر لهؤلاء جميعاً من خلال اللغة والجيش والرموز الدينية –كما أشرنا- المشتركة والحياة اليومية الواحدة فوق أرض واحدة هي فلسطين المحتلة، مع أن الرموز الدينية لم تكن، في نظر مؤسسي الحركة الصهيونية، ذات قداسة على الإطلاق، فهي، لديهم، تعكس زوراً ما يسمى بـ"الانبعاث القومي" لا التاريخ الديني، فالمؤسسين الأوائل للحركة الصهيونية (موسى هس وبنكر وهرتزل ووايزمن وبن جوريون ....وغيرهم) تعاملوا مع كتب الديانة اليهودية كالتوراة والتلمود، مجرد فلكلور قومي يهودي، وكان هيرتزل يردد: «إن الدين لا يهمني، بل إن ما يهمني هو الأسطورة الجبارة للعودة»، وقد اعترف بأنه فكر ملياً بتحويل اليهود بشكل جماعي إلى الكاثوليكية كحلّ لأوضاعهم في مجتمع مسيحي ينبذهم" ، ما يؤكد على كذب أسطورة أرض الميعاد وهيكل سليمان...إلخ، وهذا الحل الاندماجي كان كارل ماركس عرضه، لكن بشكل أرقى بكثير، في كتابه «المسألة اليهودية» الذي رأى فيه ان دين اليهود هو التجارة، وأن إله اليهود هو المال. وإذا كنا نتطلع إلى تحرير الإنسانية –كما يقول ماركس- "فيجب إذاً تحريرها من التجارة والمال، أي تحريرها من اليهودية وتحرير اليهودي من يهوديته".
أما عن تعريف إسرائيل بأنها «دولة يهودية وديموقراطية» فإنه يعني، بحسب القراءة الإسرائيلية، "دولة قومية لليهود لكن بنظام ديموقراطي". أما دولة ديموقراطية فحسب فتعني لا يهوداً ولا عرباً، بل مواطنين، أناس، بشر، لهم حقوق متساوية، وهذا ما ترفضه ذهنية المجتمع الإسرائيلي عموماً وقوى اليمين المتطرف خصوصاً بشقيه العلماني والديني.
لهذا نلاحظ توحد اليمين الصهيوني المتطرف (شبه العلماني أو العلماني) إلى جانب السلفيين المتطرفين (الحريديم) ليطالبوا بدولة يهودية لا بدولة ديموقراطية، انعكاساً لعقلية القوه والغطرسة الصهيونية، بدعم صريح من الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي سيؤدي إلى أشكال جديدة من الصراع مع الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية عموماً، ومع أبناء شعبنا في الأرض المحتلة 1948 خصوصاً، وذلك ارتباطاً بوعيهم لمخاطر الاعتراف بـ"يهودية إسرائيل" التي تفوق بسلبيتها ما لا يمكن قياسه من الآثار السياسية المباشرة. وعلى سبيل المثال :
يجعل قيام دولة "إسرائيل" أمراً مشروعاً وأخلاقياً؛ وهذا شأن خطير جداً لأنه يعني ان الفلسطينيين والعرب لا يعترفون بإسرائيل كأمر واقع، بل يعترفون بشرعيتها التاريخية، ما يجعل المقاومة الفلسطينية منذ ما قبل قيام "إسرائيل" عام 1948 وبعد قيامها، أمراً غير مشروع وغير أخلاقي، بل ويمكن أن توصف بأنها عمل ارهابي من وجهة نظر التحالف الإمبريالي الصهيوني وتوابعه في بلادنا!!
يفرض هذا الاعتراف على فلسطينيي 1948 قسم الولاء عنوة للدولة اليهودية، كما يفرض على أي نائب عربي منتخب، الولاء لا للدولة وقوانينها باعتباره مواطناً، بل الولاء للرموز الدينية أو القومية للدولة اليهودية كالعلم والشعار والنشيد..
ومع وصول حكومة بنيامين نتنياهو للسلطة في عام 2009،وصولا الى حكومة " بينيت" منتصف هذا العام 2021 ،تسعى "إسرائيل" إلى تكريس نفسها فعليا كدولة "يهودية"، في تعبير واضح عن روح الجوهر الإمبريالي الصهيوني العنصري المسيطر على "المجتمع" الإسرائيلي ؛ فتحت هذا المصطلح الأوسع يقبع ما بقي من أهداف إسرائيلية متعددة تعد الوجه المماثل لـ "يهودية" الدولة.
ومن أبرز هذه الأهداف: استكمال تزييف التاريخ الفلسطيني، وتديين الصراع من جديد بحيث يتم الاحتماء بشعار "مكافحة العنف والإرهاب" للقضاء على ما بقي من مقاومة فلسطينية، وأيضا للتخلص -ولو التدريجي- من عبء الوجود الفلسطيني داخل ما يسمى بـ"الخط الأخضر"، والتمسك بالقدس "موحدة للأبد" تحت سيادة "إسرائيل"، وضم أكبر كتلة ممكنة من أراضي الضفة الغربية ، بحيث يكون للفلسطينيين فقط ما يشبه الحكم الذاتي في هذه الأرض، فيما تكون السيطرة والسيادة الفعلية لـ"إسرائيل" ما بين نهر الأردن والبحر، وبحيث يتم كذلك الفصل والانعزال عن الفلسطينيين تجنبا لخوض الصراع الديموجرافي المستقبلي، إن داخل "إسرائيل"، أو على أرض فلسطين التاريخية كلها.
على أي حال، ودون أية مبالغة ، فإن "هوية دولة إسرائيل" المرتبطة بمفهوم "الشعب" أو "الامة اليهودية" ستظل هوية مزيفة ، مضطربة غير قادرة على اثبات وجودها بصورة علمية او موضوعية او تاريخية كجزء من نسيج المنطقة العربية، وبالتالي لا يمكن تكريس هذه الهوية إلا بدواعي القوة الاكراهية الغاشمة المستندة إلى دعم القوى الإمبريالية ، فإسرائيل ستظل "كياناً غريباً مرفوضاً في المنطقة العربية من ناحية وستظل الحركة الصهيونية عاجزة عن الحديث عن "أمة" يهودية بالمعنى الموضوعي او العلمي، كما هو الحال بالنسبة للحديث عن "امة إسلامية أو مسيحية أو بوذية" من ناحية ثانية، ما يعني أن هذه "الدولة" لا تعدو كونها مجتمع عسكري يضم أجناساً متباينة روسية وبولندية وأوكرانية وأوروبية وآسيوية وعربية وأفريقية ، كل منها له ثقافته وتراثه المختلف عن الآخر ، وجدوا في الفرصة التي أتاحتها الرأسمالية العالمية لهم بالذهاب إلى فلسطين واستيطانها بذريعة "العودة إلى أرض الميعاد" مخرجاً لهم من أزماتهم أو مدخلاً لتحقيق مصالحهم ، إذ انه بدون تشجيع ودعم رأس المال الأوروبي عموماً والبريطاني خصوصاً لما كان من الممكن أن تتقدم الحركة الصهيونية خطوة واحدة إلى الأمام ، ما يؤكد على أن التقدم الاقتصادي والعسكري الذي أحرزته دولة العدو الإسرائيلي لم يكن ممكناً دون الدعم المتواصل حتى اللحظة من القوى الإمبريالية والبرجوازية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ، ما يعني أن استنهاض قوى حركة التحرر العربية وخروجها من ازماتها صوب استعادة دورها في النضال السياسي والكفاحي والديمقراطي من أجل توفير كل أسس الصمود والمقاومة في فلسطين ومن أجل تجاوز أنظمة الاستبداد والتبعية والتخلف وتصفية التحالف البورجوازي الكومبرادوري – البيروقراطي ، لتحقيق انتقال مقاليد القيادة إلى "الطبقات" والشرائح الاجتماعية الكادحة الأكثر جذرية القادرة وحدها على توفير عناصر ومقومات القوة الاقتصادية والعسكرية القادرة على هزيمة إسرائيل وإقامة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها في مجتمع عربي اشتراكي موحد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نازح من غزة ينشئ صيدلية مؤقتة في خيمة برفح


.. غالانت يتعهد باستمرار الحرب ضد حزب الله | #رادار




.. بايدن: القانون الذي صدق عليه الكونغرس يحفظ أمن الولايات المت


.. رويترز نقلا عن مسؤول إسرائيلي: جيشنا يستعد لعملية رفح وينتظر




.. العاهل الأردني وأمير الكويت يشددان على أهمية خفض التوترات في