الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حاضر يستحضر الماضي

سعيد مضيه

2021 / 7 / 16
القضية الفلسطينية


التنظيم والوعي جدلية التفاعل
لكى يحافظ الكاتب على اتزانه العقلى حين يغيب الحوار ويعلو صوت القوة والزجر، تصبح العودة إلى الماضى طريقا للبحث عن الأمل. وتنشط كتابة المذكرات فى فترات الإحباط العام. وتلح على الشعوب نزعة اجترار ذكرياتها كلما أعياها واقعها عن العيش فى ظل العدل والحرية. والتاريخ هو المرجل الذى يتم فى أتونه تراكم القوة الدافعة لتغيير المستقبل نحو الأفضل. والكتابة والقراءة طريقان للتغيير.
د.محمد نور فرحات - فقيه دستوري مصري


لم تستوعب فصائل المقاومة مرامي العدو ولم تكوّن صورة موضوعية لطبيعة الصراع وتعقيداته؛ لم يرتق نشاطها لمستوى التنظيم والتوعية الكفيلين لاحتواء الاحتلال وجرفه في نهاية الأمر؛ تفعيل جدل التنظيم والوعي ضرورة ماسّة لخوض مواجهة طويلة الأمد تتطلب النفس الطويل والتفكير الاستراتيجي . بالنتيجة لم تتوفر إرادة التحدي الحازم للقوة المتسلطة تجسده حركة سياسية موحدة التوجه والمواقف، مقدامة وذات إصرار على المواصلة والاستمرارية في مختلف الظروف.
التنظيم جزء من التكتيك الذي ينسجم مع الاستراتيجيا ويخدمها. والتنظيم المستشرف أفق طرد الاحتلال وعرقلة إجراءاته لا بد أن يبقي نخبة الحزب في مأمن، يدمج علنية النضال بسرية التنظيم، وإلا فإن أجهزة الأمن المعادية تحتويه وتضعفه بمختلف السبل. وقد تخترقه في الصميم. من السذاجة الاعتقاد أن أجهزة التجسس المعادية تعزف عن التلاعب بالأحزاب، خاصة المعارضة ولا توقف إرسال عملائها توجههم من بُعد لحرف أنشطة الحزب أو الأحزاب. يستعين الفصيل الثوري في صراع التحدي بجدلية التنظيم والوعي ، تختبر خلالها جدية وجدوى برنامج المواجهة الصدامية مع الاحتلال. لم تفطن القيادات الحزبية والفصائلية إلى أن عنف المطاردة الأمنية يقتضي تكثيف التربية السياسية كي تشد العزائم وتعزز الصمود، وتنشّط اليقظة. تفتقر الأحزاب والفصائل الى كوادر المثقفين القادرين على العمل في أوساط الجماهير وتربيتها سياسيا وكسب ثقتها. يكتشف المراقب الحريص افتقاد جدلية التنظيم والوعي في نشاط جميع الفصائل بدون استثناء. وهذا مظهر للتصفوية. يثير الأسى نجاح المحتل وأجهزته الأمنية في إعطاء تطمين خادع للفصائل الوطنية الفلسطينية.التنظيم يضاعف القدرة الكفاحية للحزب الثوري ، كما اوصى لينين.
الفشل لا أب له ، والكل يتنصل منه ويلقي مسئوليته على الفصائل الأخرى، او على الحظ. لم تجر الفصاتئل مراجعة نقدية أين أخطأت ؛ تركة "الفرقة الناجية" مقابل "الفرق الهالكة" عطلت حوار الآراء؛ شاع التعصب للرأي وأشيع في النشاط الوطني التحريض المتبادل والإقصاء وتفضيل الانفراد بالعمل؛ حتى النشاط العسكري لكل فصيل تنظيمه وتكتيكاته، ولكل فصيل تنظيمه االمهني والحرفي . أشيع بالنتيجة مناخ محبِط من المناكفات والنعرات الحزبية والتحريض المتبادل ، لتتفسخ الوحدة الوطنية. لم تتوصل قيادات الفصائل بعد عقود من النشاط السياسي والانتكاسات المتلاحقة إلى إدراك ان أي فصيل عاجز لوحده عن الاضطلاع بمهمة قيادة النضال الشعبي المظفر وإنجاز التحرر الوطني.
البديل للعنف المسلح هو المقاومة الشعبية، ولم يكن حزب الشعب مهيأ لقيادتها ، وغاب عن الساحة طوال فترة ما سمي الانتفاضة الثانية. كان الإحساس جليا بتصدع الحزب نظرا لفقدان الوعي النظري والسياسي يعزز اللحمة، ويوضح الرؤية أمام الجميع. طرح اقتراح عقد لقاءات ثقافية داخل كل منطقة بإشراف أحد أعضاء لجنة التثقيف. مناقشة قضايا التنظيم والسياسة في جلسات حزبية منتظمة فريضة غائبة لدى حزب الشعب . وهذا نكوص إلى مواقع منشفية تصفوية، كانت في مطلع القرن الماضي موضع الخلاف الجذري مع اللينينية.
إن وظيفة الحزب الماركسي تعظيم زخم الحرك الشعبي من خلال التنسيق المنظم لأنشطة مختلف الهيئات الشعبية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتجميع روافد الحراك الشعبي في تيار وطني ديمقراطي . من خلال النشاط العملي تتهيأ الجماهير لتلقي الوعي الطبقي و قيم التقدم وتوسيع نطاق النشاط الاجتماعي المغير للواقع. الحزب الطليعي ينخرط بالضرورة في النضالات السياسية والاجتماعية ، وفي عملية بناء نواة مؤهلة للتأثير في الجماهير وتأطير تحركاتها ضمن حركة شعبية ديمقراطية من خلال روافع وعتلات ، هي عبارة عن منظمات أهلية مهنية ونقابية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وعن البيئة ومناهضة إفرازات نشاط الاحتكارات الرأسمالية .
عقدة تلمسها ورصدها أنطونيو غرامشي ، ورأى في مجابهتها والتغلب عليها شرطا أساسيا لتحقيق مشروع التحرر الإنساني . والسبيل لذلك هو إعطاء العناية لنظام التعليم وتنفيذ برامج إعلامية ـ ثقافية. لكن ذلك يستلزم نضالاً ثقافيا تعليميا عنيداً. التقط القضية الدكتور هشام غصيب في أحدى مقارباته الهامة لقضايا الماركسية المعاصرة فقال: "ولعل غرامشي كان من القلة من قادة الحركة الشيوعية الذين أدركوا الأهمية القصوى للثقافة والتعليم في تحقيق المشروع الماركسي". اجل قلة من بين الماركسيين والاشتراكيين واليسار عموما توصلوا في الوقت الراهن إلى قناعة بأن الوعي الثوري المتقدم لا يبنى بالصراع الاقتصادي والسياسي وحدهما، وإنما أيضا بالصراع السياسي والفكري- الثقافي. فالامبريالية، في صيغتها الليبرالية الجديدة، تركز جهودها في العدوان الثقافي. ماركس لم يقتصر إنجازه على مجرد صنع أداة نقابية فعالة، وإنما دشن مشروعاً حضاريا ثقافيا جديداً يهدف إلى خلق نمط جديد رفيع من الحياة الإنسانية، وروحية ثقافية جديدة، ونظام قيمي جديد. لذلك، فإنه لا يمكن تنفيذ المشروع الماركسي لا بالسلاح وحده، ولا بالوعي التقليدي السائد ، الذي يعكس خضوع الكادحين لهيمنة الفكر البرجوازي. حتى الكفاح المسلح يشترط مستوى رفيعا من الوعي تتم من خلاله عملية تغذية مزدوجة بين الحراك الشعبي والعمل المسلح. بهذه الرؤية تنبع ديمقراطية لينين وغرامشي وإدراكهما لضرورة المشاركة المتنامية للجماهير العمالية في السياسة والثقافة عبر المجالس والمؤسسات الشعبية المتنوعة. هكذا تتملك الجماهير الفكر الماركسي العلماني التام العلمنة، وهكذا يتطور هذا الفكر.
جرى ، باسم تخفيف المركزية ، إسقاط الانضباط الحزبي ؛ بينما احتفظ الأمناء العامون بسلطات واسعة أبوية في جوهرها لا تقبل المشاركة، وتقدم الولاء على الأداء ، تصدر القرارات باسم القيادة المركزية ولا تتبعها بمراقبة التنفيذ . غياب الانضباط ، أحدث حالة فلتان وميوعة تنظيمية وعدم احترام للقرارات . بهتت معالم العضوية الحزبية ، في ضوئها تعذر الاختيار الديمقراطي لمندوبي الهيئات الحزبية الى المؤتمرات الحزبية ، فغدت المؤتمرات شكلأ بلا مضمون.
نجحت جهود حكومتا إيهود باراك وشارون في استدراج المظاهرات الشعبية إلى صدام مسلح غير متكافئ. اشتعلت مواجهة مسلحة بكل منطوياتها في إرهاب الجماهير وإطلاق يد الجيش لممارسة المداهمات الليلية و الاعتقال بالجملة وإقامة الحواجز وإغلاق المناطق وقطع التواصل بين المدن . خلافا لانتفاضة 1987 استغلّ الاحتلال العمل المسلح كي يخمد بالعنف المسلح كل حراك شعبي. تأكدت استحالة الجمع بين المقاومة الشعبية والمسلحة في آن واحد. استدرجت سلطات الاحتلال بعض الفصائل الى المواجهة المسلحة ، وغايتها التعامل بالقوة المسلحة وبأرقى الأسلحة مع جميع عناصر الحركة الوطنية الفلسطينية ، بغض النظر عن شكل النضال الذي يخوضه أي منها. انتبهت تلك الفصائل انها استدرجت لصراع غير متكافئ وركنت الى التهدئة ؛ غير أن لدى شارون احتياطي يستثمره على الطريقة الرأسمالية. لم يترك للفصائل الفلسطينية حرية الاختيار، وهو يعي خصلة في التراث الثقافي الفلسطيني هي خصلة الانتقام، فاستثمرها بمهنية. شرع يقتنص كوادر من هذا التنظيم او ذاك، وبدأ بالكادر الفتحاوي الدكتور ثابت ثابت، ثم آخرين من فصائل أخرى، وكل فصيل يتنصل من اتفاق التهدئة كي ينتقم. والانتقام يحرف النضال الى مسارب خطرة وهكذا كان. لم تفطن الفصائل المولعة بالعنف المسلح انها تستدرج لمصيدة، خاصة وان عمليات الانتقام أوقعت بالمدنيين وكانت هي الأحداث التي تناقلتها الميديا الأميركية والغربية، متواطئة مع شارون لشيطنة المقاومة الفلسطينية. من المؤكد ان شارون، ومن قبله إيهود باراك كانا على علم مسبق بتفجيرات نيويورك (11/9/2001) وتناوبا على إعداد المكيدة –المصيدة- للإيقاع بالمقاومة الفلسطينية.
الخبرات الأمنية المتراكمة وأجهزة الرصد والتصوير والتصنت الاستخبارية، حولت إسرائيل مركزا دوليا معتمدا في مجال الأمن مصدرا للخبرات والتقاني، أطلقت أيدي إسرائيل ترهب المواطنين وتنهب الأراضي بمنطق قطاع الطرق في غياب قانون رادع .
اما في الولايات المتحدة فقد كانت التفجيرات هي الأمل المرتجى للمحافظين الجدد ، باعتبارها الصاعق المفجر لحروب الامبريالية الأميركية على الشعوب تحت غطاء مكافحة الإرهاب . بادر شارون لوضع إسرائيل إحدى ضحايا الإرهاب والتفجيرات ضد المدنيين شواهد والمقاومة الفلسطينية للاحتلال قوة إرهاب. اثمرت جهود شارون، حيث اختزلت النظرة الى المنطقة في حق إسرائيل في الأمن، واعتبر عرفات في نظر رئيس الامبراطورية العالمية أساس المشكلة وليس الحل ! هذا علاوة على استغلال العمليات المسلحة وسيلة لإرهاب الجماهير وشل تحركاتها.

يتبع لطفا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهاجمة وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير وانقاذه بأعجوبة


.. باريس سان جيرمان على بعد خطوة من إحرازه لقب الدوري الفرنسي ل




.. الدوري الإنكليزي: آمال ليفربول باللقب تصاب بنكسة بعد خسارته


.. شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال




.. مظاهرة أمام شركة أسلحة في السويد تصدر معدات لإسرائيل