الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتغيرات الدولية والمحلية بعد حرب ألأحد عشر يوما

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2021 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


المتغيرات الدولية والمحلية بعد "حرب الأحد عشر يوما"
د. جاسم الصفار
06-06-2021
الفترة التي مرت على إعلان الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية تسمح اليوم، على قصرها، لوضع تصور أولي عن نتائج "حرب الأحد عشر يومًا" وافاق الهدنة التي أعقبتها. وقد يكون من المفيد، قبل ذلك، القاء نظرة خاطفة على ما حدث في المنطقة والكشف عن التغييرات العميقة التي حصلت بالفعل في العالم ككل.
للتذكير، في مطلع شهر مايو، تصاعدت الاشتباكات بين الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية في القدس الشرقية بالقرب من المسجد الأقصى ومنطقة الشيخ جراح وتطورت فيما بعد إلى مواجهة عسكرية بين الدولة الإسرائيلية والمقاومة الفلسطينية في غزة.
تردد في العديد من الكتابات عن تلك الفترة افتراض يتهم نتنياهو بالتصعيد المتعمد لأغراض سياسية، والا فان سياقات الاحداث تشير الى أن الشرطة الإسرائيلية كانت تستطيع الاستغناء عن اقتحام مجمع المسجد الأقصى، كما أن اخلاء منازل الفلسطينيين في منطقة الشيخ جراح كان يمكن أن يتم دون الحاجة للاستعراض العلني الذي زاد في تأجيج الوضع، وأدى الى ردة فعل عنيفة، من قبل المقاومة الفلسطينية في غزة.
فهل كان التصعيد متعمدا، وهل كان وراءه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لجأ لخلط أوراق اللعبة السياسية في إسرائيل، من أجل خلق وقائع جديدة تفكك تحالف معارضيه مع القائمة العربية واعاقة مساعيهم لتشكيل الحكومة الإسرائيلية بدونه؟
ان صدقت تلك الافتراضات، فإن حسابات بنيامين نتنياهو كانت تدور حول تفاقم عسكري محدود ومؤقت آخر، مثلما حصل سابقا، ولا يتجاوز، في أي حال من الأحوال، قصف عشوائي لصواريخ غير موجهة من قبل نشطاء حماس، يتبعه هجوم عقابي مزلزل من قبل الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة. الا ان ما حصل تجاوز كل حسابات نتنياهو والموساد الإسرائيلي.
وعلى أي حال، فمهما كانت صحة تلك الافتراضات فان الفلسطينيين أسقطوا بصواريخهم حسابات نتنياهو وبددوا أحلامه، ورسموا بمقاومتهم الباسلة وقائع جديدة مختلفة عن تلك التي انتظرها نتنياهو. وفقا لرئيس قسم الجاليات الإسرائيلية واليهودية في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية دميتري مرياسيس، من المرجح أن ينتهي "عصر نتنياهو". وحتى وان لم ينتهي فالعالم تغير.
أولاً، قوى المقاومة الفلسطينية في غزة أجبرت العدو على أن يحسب لها حسابًا في أي حرب قادمة. وكما أفادت وكالة فارس الإيرانية، نقلاً عن المكتب السياسي لحماس، أن إدارة قطاع غزة بدأت بالفعل في إعادة بناء ترساناتها الصاروخية لصد الإسرائيليين في حالة حدوث جولة جديدة من التصعيد. وأن إنتاج قذائف جديدة في الجيب الساحلي بدأ فور إقرار وقف إطلاق النار. وذكر أحد ممثلي المكتب السياسي لحركة حماس فتحي حمد أن مصانع وورش الصواريخ التي تعرضت لقصف إسرائيلي مكثف قد استأنفت الإنتاج بالفعل.
في الوقت نفسه، تستخدم حماس أيضًا الوسائل الدبلوماسية لتوسيع جغرافية تهديدها لإسرائيل. لذلك، أصبح معروفًا بمحاولاتها إقامة اتصال مع دمشق، والتي قطعت العلاقات معها في خضم الاحداث الدموية المناهضة للنظام السوري. وقال محمود مرداوي، المتحدث باسم حماس، لموقع "المونيتور" في واشنطن: "كفاحنا المسلح يتطلب قدرات عسكرية وقدرات قتالية وتدريبًا وتطويرًا في دول قريبة من فلسطين". وأضاف "تلقينا مؤخرا إشارات إيجابية من الرئيس السوري بخصوص علاقتنا. نحن لا نغلق الأبواب إذا كان ذلك يخدم قضيتنا".
ومن جهة أخرى، لم تتوقع إسرائيل أن تكون حماس قد جمعت مثل هذا العدد الكبير من الصواريخ، حيث أظهر إطلاقها الشامل والمتزامن، العيوب التقنية لنظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ. هذا ما ورد في تقرير معهد الدراسات الدولية الإستراتيجية السياسية والاقتصادية (روس سترات)، والذي جاء فيه " ما حصل لم يكن شرخا في اداء القبة الحديدية فحسب، بل هو شرخ في مرتكزات الوجود الإسرائيلي. انهارت أسطورة الدفاع الذي لا يمكن اختراقه، وكان على كل إسرائيلي أن يدرك أنه حتى في منزله لا يمكن له أن يكون آمنًا".
ثانيًا، كانت اعمال التمرد الجماهيرية الواسعة من جانب عرب إسرائيل مفاجأة كبيرة لحكومة نتنياهو. فقد اجتاحت إسرائيل إثر نزول صواريخ المقاومة على مدنها وبلداتها موجة من الاشتباكات المدنية والمذابح وإحراق الممتلكات. اضطرت الشرطة لاستدعاء جنود الاحتياط للسيطرة على الوضع في عدة مدن في جميع أنحاء البلاد، واستمرت الاشتباكات في بعض المدن الإسرائيلية حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار في 21 مايو. بطبيعة الحال، في ظل هذه الاوضاع، بدأ الكثيرون يتحدثون عن حرب أهلية محتملة في إسرائيل، ووصفت قيادة المقاومة في غزة حركات التمرد العربية في إسرائيل بأنها جبهة نضال جديدة.
ثالثًا، كان هناك إعادة تقييم للمواقف تجاه إسرائيل في العالم. وتصرفت شعوب الدول التي كانت تقليديا مساندة لإسرائيل بطريقة أخرى مختلفة تماما عما كانت عليه في السابق. من الصعب ألا نلاحظ كيف أدت الأحداث الأخيرة إلى تكثيف الانتقادات لإسرائيل في مبنى الكونجرس الامريكي. حيث دعا الفصيل اليساري للحزب الديمقراطي الأمريكي بالفعل إلى تقييد المساعدات العسكرية للدولة اليهودية، وربط شروطه بعدد من الالتزامات تجاه قطاع غزة والقدس الشرقية. قبل ذلك، بعث 17 من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين برسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يطالبون فيها بالضغط على الإسرائيليين. كما طالب معدو الرسالة إسرائيل برفع الحظر المفروض على تنقل المحتاجين للعلاج والسماح بلم شمل عائلات الفلسطينيين.
إضافة الى ذلك، بدأت حركة قوية معادية لإسرائيل تتشكل، بمشاركة العديد من اليهود الأمريكيين البارزين. يكفي أن نشير إلى تصريحات مؤيدة للفلسطينيين أطلقها، فترة المواجهة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المنافس الرئيسي السابق لجو بايدن في الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين السناتور بيرني ساندرز، إضافة الى انشاء إنشاء لوبي فلسطيني في الكونجرس من الديمقراطيين المؤيدين للقضية الفلسطينية، وهو ما لم يحدث من قبل في كل تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. عدا ذلك، اجتاحت أمريكا موجة احتجاجات معادية لإسرائيل تخللتها اشتباكات بالأيدي والعصي. ففي وسط نيويورك وقعت اعتداءات على اليهود واضطرت الشرطة إلى استخدام القوة لتفريق المتظاهرين.
عدا الولايات المتحدة الامريكية، اجتاحت المسيرات المناهضة لإسرائيل الدول الاوربية، ففي ألمانيا، سارت مواكب من المحتجين في عدد من المدن، مرددين شعارات مناهضة لإسرائيل، وتعرضت المعابد اليهودية في بعض الأماكن للهجوم. وفي برلين، حشد موكب كهذا 3500 شخص، حيث هتفوا "اضربوا تل أبيب!"
وفي بريطانيا العظمى، جمعت مسيرة لدعم فلسطين في 22 مايو بوسط لندن حوالي 180 ألف شخص. خلال المسيرة التي جالت في أنحاء المدينة، سمعت دعوات للعنف ضد اليهود من سيارات ترفع الأعلام الفلسطينية. ونظمت مسيرات حاشدة دعما لفلسطين في عواصم النمسا وبلجيكا واليونان وإسبانيا وإيطاليا وهولندا.
وفي العاصمة الفرنسية باريس نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع رغم الحظر المفروض على التظاهرات ورددت هتافات من الحشود: "الموت لإسرائيل". حتى أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين. وفي تصريح لوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، نشرته صحيفة لوفيغارو، تحدث فيه عن خطر "الفصل العنصري الطويل الامد" في إسرائيل، ما لم يحصل الفلسطينيين على دولتهم المستقلة.
رابعاً، أمر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة بصفة دائمة، لتحديد ظروف جميع الانتهاكات للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان التي حدثت قبل وبعد 13 أبريل / نيسان 2021. بما في ذلك التمييز والقمع المنهجي على أساس الانتماء القومي أو الإثني أو العرقي أو الديني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل نفسها.
وفقاً لجيفري ساكس، مستشار الأمين العام للأمم المتحدة، وهو اقتصادي أمريكي معروف، يهودي من حيث الديانة، "إذا كانت إدارة بايدن تريد دعم حقوق الإنسان وفقا للقانون الدولي، فلا يمكنها أولا توجيه أصابع الاتهام إلى الصين ثم التغاضي عن أفعال إسرائيل، الدولة التي تعتمد على الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة ودعمها المالي. "
هذه القرارات والتصريحات من مؤسسات وشخصيات مهتمة بحقوق الانسان لم تولد من رحم الاحداث الأخيرة وحدها، رغم دورها في بلورتها. ففي عام 2018، تم تبني أحد القوانين الأساسية لدولة إسرائيل، والذي ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. أعطى هذا القانون للشعب اليهودي الحق الحصري في تقرير المصير القومي في إسرائيل. وكان عامي 2018 و2019 عامان قياسيان لهدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية.
تعليقا على هذا التحول في موقف مؤسسات الأمم المتحدة المتخصصة بحقوق الانسان قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين إن "العالم انقلب رأسًا على عقب".
سادساً، لأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني أصبح الوقت يلعب ضد إسرائيل. رأي المجتمع الدولي آخذ في التغير، ولن يغفروا بعد الآن أعمال القوة غير المتناسبة. اللاعبون الناشئون في المنطقة سيحدون من طموحات إسرائيل. وحماس نفسها تعزز امكانياتها وتكتسب المزيد من الاستقلالية على المنصات الدولية، وتتحول أخيرًا في نظر المجتمع الدولي من منظمة إرهابية إلى قوة سياسية مهمة للمنطقة.
ختاماً، يتعين على إسرائيل اليوم أن تعترف بأن ألزمن قد تغير، ولم تعد القوة الغاشمة، دون الحق، قادرة على أن تكسب حروب لا نهاية لها، وأن الحرب الأخيرة هي النذير بأن العد العكسي لوجود الكيان الصهيوني قد بدأ. وكما قال المؤرخ والمفكر اليهودي الكبير إسحاق دويتشر: "يمكن لإسرائيل أن تهزم الفلسطينيين إلى ما لا نهاية، لكنها لا تستطيع التغلب عليهم. لا يمكن لهذه الدولة أن تقدم للفلسطينيين أي شيء سوى العنف، لكن من المستحيل ببساطة أن تجلس على الحراب إلى الأبد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة