الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجمهورية الجديدة.. بين الحلم والواقع

ماهر عزيز بدروس
(Maher Aziz)

2021 / 7 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في واحدة من دُرَّاتِه النادرة بمسرحه الفكرى العميق استطاع توفيق الحكيم أن يقدم ببراعته الأدبية الحالة الواقعية للانتقال الحضارى المفتقر لمقوماته، والمغترب عن دعائم إنسانيته وارتقائه، فصور حالة الفلاح الذى تحسنت ظروف حياته فانتقل من البيت المبنى بالطين والروث، الذى ينام على أرضيته الترابية في حضن بقرته وحماره، وترعى فيه الدواب والحيوانات الأليفة والطيور، ويتعايش فيه مع الحشرات بأركان البيت، أقول فانتقل من حياة بدائية تمتزج بالأرض امتزاجاً كاملاً، إلى حياة أخرى يسكن فيها بيتاً من الطوب والخرسانة، والتشطيبات المعمارية الأنيقة، والأثاث الفاخر.. بيتاً يرفل في أسباب النظافة والتحضر والرقى؛ فإذا به يربى الكتاكيت تحت سريره، وتتجول الأرانب في غرفة نومه، وينعق الحمار في بلكونه، ويؤذن الديك فوق دولابه، وتضع الدجاجة بيضها على التليفزيون الموجود في صالونه.

ولقد استطاع الكاتب الكبير أن يطلق رسالته على نحو بليغ، فيكشف عن جوهر الانتقال الحضارى المقصود، ويشجب التغيرات والتنميات الظاهرة بينما الروح بدائية.

ويتكرر ذلك بحذافيره على مستوى مصر بأكملها، مع اتجاه الطموح الوطنى نحو إعلان الجمهورية الثانية للمضى قدماً في التحديث الجذرى للدولة المصرية، تحديثاً يغير وجه الحياة تغييراً جوهرياً تتبدل به الحياة تماماً من أحوال العالم البدائى الكهفى إلى طبائع العالم المتقدم.

لقد بدأت الجمهورية الأولى في حياة المصريين منذ نَيِّف وخمس وستين سنة ثبتت خلالها في مجملها على جوهر واحد للحياة وظواهر أساسية رغم تعاقب ستة رؤساء عليها.

لم يفارق هذا الجوهر الواحد أسس الحياة التي أعطت الغلبة للجهل والخرافة على العلم، والشعوذة والدجل على العقل، والاستعباد والإذلال على الكرامة، واسترقاق المرأة ونخاستها على الحرية، والتمييز العنصرى على المساواة الإنسانية.. بل رفعتها جميعها إلى مقام الدوجما العقيدية التي جمعت كلا من الجهل والخرافة والشعوذة والدجل والاستعباد والإذلال والرق والعنصرية والجور والظلم في ضفيرة مقدسة هائلة تمكنت من الدستور والقانون والتشريع والتطبيق بمرتبة العقيدة التي يعاقب الإله دونها كل من ينحرف عنها.

والإجراء الحالي الذى تمضى فيه الدولة نحو اكتساب ملامح الجمهورية الجديدة لا يتجاوز التحديث المدنى، الذى ينعكس في هياكل البنى الأساسية الجديدة، التي تعيد صياغة الطرق والكبارى والسكك الحديدية، والقوى المحركة، والمصانع، والمزارع، والأمن المائى والغذائى والطاقى، والتحول عن العشوائيات إلى الإسكان الراقى، وتحديث كل شرايين الحياة التي تضخ دماء جديدة في جسد الاقتصاد والمجتمع والبيئة.

والجهد المكثف كله لتثبيت أوتاد الجمهورية الجديدة ينطلق ليبنى ويعمر في كل اتجاه مستهدفاً فقط القبض على الزمن الذى ضاع، والوقت الذى هرب، والأيام التي انصرمت ليستعوضها بقامة شامخة وأمل متجدد وعزيمة لا تلين وحسب..

لكن الروح لاتزال بدائية..

وبدائية الروح التي تكرس الطبائع القديمة كلها تقف بالمرصاد لكل تحديث ظاهرى، لترده على الفور في جوهره إلى العصور البدائية، وتقضى قضاء مبرماً على أحلام الجمهورية الجديدة..

بل حتى مظاهر التحديث الحضارى العصرى لا تأتى مكتملة أبداً في أي موقع وأى مكان، لوقوعها في أسر الروح البدائية أصلاً وجوهراً..
• فالتوكتوك والميكروباصات التي تستهزئ بقواعد المرور تجرى وتمرح في الشوارع الحديثة..
• والعربات الفارهة تكسر قواعد القانون تحت حماية التغاضى عن تطبيقه في المواقف الحرجة.. والذين يقتلون الأبرياء في الشوارع يفلتون من العقاب..
• ومهما تعبدت الطرق فإن أحجاراً مخلوعة من الطوار توجد ملقاة على جوانب الطريق دون كلل ولا ملل البتة..
• والزبالة كعهدها الأبدى ترفل مبعثرة فى أي مكان وكل مكان..
• والدولاب الحكومى مشلول بالبيروقراطية المحصنة بعفن العقيدة الإدارية الفاسدة التي ما فتئت تخرب كل اقتراب من أي نجاح محتمل أو ممكن..
• ومهما وُضِع من قواعد لتنظيم الحياة في أي مجال هنالك إصرار باطنى عميق لدى الناس جميعاً على السخرية منها والتنكيل بالالتزام بها بتلذذ تخلفى عجيب..
• والقفز على القانون وتخريبه متجذر في الروح البدائية للجميع كأنه مجد الحياة المستهزئة أبداً بالإدارة والقانون وقواعد الدولة..
ذلك لأنه لا يوجد "قانون" واحد دون استثناء، ولا توجد "إدارة" واحدة دون محاباة، ولا توجد "قواعد دولة" واحدة دون خرق وتمزيق..
• والعدل في المحاكم مشلول بالعنصرية المقدسة التي ينذهل البشر لأحوالها الضنينة النادرة بالحكم العادل كأنه من الخوارق التي لم يعتدها الناس..
• ومحاصرة الكثيرين من الشجعان الساعين للكرامة والإنسانية وإحباطهم وإخماد شعلتهم تنتشر على قدم وساق لمجرد الظن المتربص بأمان الدولة تجنياً وافتراءً في غالب الأحوال..
• والأبواق الناعقة المحرضة للناس على النجاسة والاستباحة والتحرش وخيانة الوطن والتربص به يُفْسَحُ المجال أمامها لترتع دون حساب..
• وتحاط المناهج المنحطة في التعليم بالقداسة والورع حتى ليكون مجرد التفكير في الاقتراب منها بالتغيير والتنقية والكرامة جريمة يُفْتَرَس من يتجرأ عليها افتراساً دون رحمة..
• والضمائر التي خربتها الدوجما المقدسة، حتى في الصفوة العليا من المجتمع، لا تجد غضاضة البتَّة في قتل الأبرياء – حتى الأطفال منهم – والتجارة بأعضائهم بقلب ميت واستحلال سلفى، وروح رجعية بدائية دونها روح الشياطين..

الحق إن مأزق الجمهورية الجديدة الآن هو أنها لم تتعد مجرد إعلان للحلم الذى لن يمكن أن يتحقق إلا بزلزال ثقافى تعليمى قيمى بنيوى يهز الجذور ليخلعها من أعماقها البعيدة ويطرح مكانها جذوراً جديدة..

إن أول ما يتعين على الجمهورية الجديدة أن تقتلعه اقتلاعاً من الواقع المصرى الراهن هو هذا الدولاب الكابح الذى يعوق التحول..

إن مقومات جوهرية تصنع الجمهورية الجديدة لابد وأن تخترق سريعاً أساسات الأرض المصرية كلها، وهذه المقدمات الجوهرية هي هذه:

أولاً: تغيير فلسفة الحكم جوهريا تجاه المدنية والحقوقية والحداثة

إن استقراراً حضارياً وتقدمياً لمصر لن يُقَدَّر له أن يكون ويتعمق إلا إذا تبدلت فلسفة الحكم جوهرياً نحو مقومات الدولة المدنية الحديثة.

إن المقومات الأساسية للدولة المدنية الحديثة -كما هو معروف للكافة- هى الحرية، والديموقراطية، والفصل بين السلطات، وفصل الدين عن الدولة، وسيادة الدستور والقانون.

إن المواطنة فى الدولة الحديثة هى عماد السلام المجتمعى وتماسك الأمة..

لا مواطنة دون مساواة مطلقة أمام القانون.. ودون تكافؤ الفرصة مطلقاً..

إن تكافؤ الفرصة يتعين أن يُقَوِّض دعاوى التمييز العنصرى والفرز..

إن تكافؤ الفرصة كى يفعل فعله الآن فى الإصحاح المجتمعى للجمهورية الجديدة يحتاج حتماً تشريعات تمكينية صريحة، حتى يتأصل ليصبح سمة طبيعية للأمة.. وذلك وحده الضامن حقاً لتماسك الدولة ووحدة شعبها..

... ...

لن تسود المواطنة بمصر على أسس قويمة إن لم يدعمها التشريع الصارم الشامل الذى لا يترك شيئاً البتة دون مشاركة جميع المواطنين على الأرض المصرية.

ويتعين أن يبدأ ذلك بتطهير الدستور من المواد الدينية والعنصرية كافة.. التى تكرس للفرقة والانقسام، والجور على الحقوق، والفرز المجتمعى الذى يقصم ظهر الأمة، ويكسر تماسكها، ويبطل تقدمها..

كذلك يتعين أن يترسخ ذلك بتعميق سيادة القانون على هيكلية قانونية واحدة لا تترك لأحد -مهما كان- أن يحتكم لهيكليات قانونية أخرى من نسج قناعاته الخاصة..

ويتعين ألا يأتى داع -مهما كان- ليتجاهل الأوضاع المتأزمة التى تكرسها عنصرية الدستور الحالى، وتعوق التقدم الحقيقى لمصر على مدارج الجمهورية الجديدة..

إن ذلك وحده هو المدخل الصحيح نحو سيادة القانون دون تفرقة، وإقرار الحقوق وحمايتها للجميع على قدم المساواة، وترسيخ الديموقراطية الحقة على دعامات قوية من الفصل بين السلطات، وفصل الدين عن الدولة، والدخول لاحقاً إلى الجمهورية الجديدة.

إن رسالات السماء كلها فى جوهرها كانت ثورات إنسانية استهدفت شرف الإنسان وسعادته.. وإن واجب المفكرين الدينيين الأكبر هو الاحتفاظ للدين بجوهر رسالته.

فإذا سألنا : وما هو جوهر الدين؟
فإننا نجيب: شرف الإنسان وسعادته.

وتلك هى الدائرة التى يجب أن ينشغل بها كل من يعمل فى خدمة الدين في الجمهورية الجديدة من داخل دور العبادة فقط، دون تديين للمجال العام.

... ...

إن الدولة المدنية الحديثة ترفض على نحو قاطع كل الخطاب الذى يستند إلى قيم القبيلة والعُصْبَة والجماعة المنغلقة..

لكن الدولة الحديثة في الجمهورية الجديدة تتسق حتماً وتتناغم مع الخطاب العلمى الحداثى الذى يقوم على الوقائع والحقائق، والنقد العادل، والتوجيه المخطط..

فالثقة فى الدولة المدنية لا تنبع سوى من الشفافية، والعَلَن، والمحاسبة، والامتثال للقانون.

... ...

فى الدولة المدنية الحديثة للجمهورية الجديدة تنعدم الانتقائية فى تطبيق القانون، بينما تقوض الانتقائية الحاضرة القانون كله، وتُسْقِط هيبته وفعله، وتنشر مناخاً عاماً بسقوط الانضباط والردع..

إن سيادة الجريمة وسطوتها فيما يسمى بالأحداث الطائفية تدمر سلطة القانون فى الدولة كلها..

فليست هنالك جرائم طائفية وأخرى غير طائفية، الجريمة هى الجريمة.. وهى خرق لقانون البلاد.. وأى خرق للقانون لو لم يخضع لسيف القانون ينهار الانضباط فى الدولة كلها، وهو ما يحدث الآن فى مصر، ويتعين أن يتوقف فوراً.

... ...

فى الجمهورية الجديدة دور الشرطة الرئيسى هو حماية الناس..

فإن لم يكن دور الشرطة الرئيسى هو حماية الناس فقد أخطأت سبيلها وصارت عدواً للناس..

لكن الشرطة لن تنجح فى حماية الناس إن لم توجهها قرارات وقوانين صارمة تتغيا المساواة والعدل..

فليكن القبض على المجرمين مهدفاً لا عشوائياً.. ولا يُزَجُّ فى السجن سوى بالمجرمين والمخربين وأعداء الوطن.

ثانياً: إنفـــاذ القانـــون

كل مظاهر الحياة على أرضنا لا تزال يعتورها مثالب متوطنة، وعاهات مستديمة، تصح كلها فى لحظة لو تم إنفاذ القانون!!

فهل تلعن الجمهورية الثانية رخاوة الدولة المُهْلِكَة، وتشهر سيف قانونها العاطل؟

إنفاذ القانون هو السبيل الوحيد لاسترداد الانضباط الغائب فى كل مفاصل المجتمع وأركانه..

إنفاذ القانون يتحتم أن يشمل الجميع فى كل الدرجات، وكل المستويات، وكل الفئات، وكل الانتماءات، بالعدل الناجز السريع، وبالمساواة المطلقة دون أية مرجعيات عنصرية..

إن وصفاً مخاتلاً مراوغاً "كأحداث طائفية" يعطل إنفاذ القانون، فيموت العدل، وينتشر الاحتقان بما يهدد الوطن، ويُدُّسُّ فى أرجائه انفجارات مهيأة للاشتعال فى أي لحظة.

إن الوصف "بطائفية" هو وصف ذميم وظالم، ينزع عن الوطن وحدته وتماسكه وانسجامه، لأنه يُقَسِّم الناس ويفصلهم ويفتت وجودهم.

الصحيح الصحيح عند أية "اعتداءات إجرامية" أن تُصَنَّف هكذا.. فالناس على أرض الوطن كتلة واحدة.. وإذا اعتدى معتدٍ من بينهم فهو مجرم يقع تحت طائلة القانون.

وإنفاذ القانون عندئذ هو وحده الذى يعلن هيبة الدولة، وانضباط المجتمع، وسواء الحياة على أرض الوطن..

ولتسقط في الجمهورية الجديدة حكمة "التوازنات" الجائرة التى تنشر الظلم والاحتقان، وتقتل العدل وكرامة الأمة.. التوازنات الجائرة التى تتبناها الأجهزة المسئولة فخربت المجتمع بادعاء احتفاظها بالأمن الظاهرى الهش.. يخفى فى طياته الظلم والقهر وسقوط هيبة الدولة وسقوط القانون.. فينتصر المعتدى والظالم والمجرم، بسحق إنفاذ القانون، بما يشيع الرخاوة، وكسر الانضباط، وكسر الاستقامة فى الدولة كلها..

إذا حوسب المجرمون على نحو انتقائى - كما هو حادث في الجمهورية الأولى - فذلك انهيار مطلق لسيادة القانون، ينشر روح الاستهتار والاستهانة والتبجح فى الخطأ، والخروج على الانضباط والنظام العام، والتغول فى تهديد الدولة فى المجتمع كله..

تسقط هيبة الدولة بسقوط روح القانون والإذعان له فى المجتمع كله.

إن صلاحاً عظيماً للجمهورية الجديدة يكمن الآن فى إنفاذ القانون..

وبناءً قوياً ومتماسكاً للمجتمع يتوقف الآن على إنفاذ القانون..

ليتبدل المجتمع تماماً من التهرؤ والتفسخ والانقسام والحضيض، إلى الانضباط والتماسك والرقى والشعور بالعدل.

ثالثاً: اجتثاث الأصولية

مصر أمام عدو أبدى متفاقم الوحشية والبدائية.. تنين بألف رأس أفعى.. ووحش بألف شيطان رجيم..

وهذا العدو متغلغل الآن بعد عملية التمكين الخطيرة منذ السبعينيات فى كل شبر بأرض مصر.. فى المصالح الحكومية والدواوين.. فى المصانع والمتاجر وبيوت المال.. فى المنازل والشوارع والحوارى والأسواق والأزقة.. فى أحياء المدن والمحليات والقرى والنجوع والدساكر.. فى الأقسام والمحاماة والقضاء وبيوت العدالة.. فى الصحافة والإعلام والمنابر ومنابع الفكر والتوجيه..

فى كل شبر وكل ذرة تراب هم مشروع للخراب، والأرض لاتزال ملعونة بهم..

لن ينتهى شرهم أبداً..

إذا فاتهم تدمير البلاد وتخريب الوطن وتمزيقه والتمثيل بأهله فى واقعة معينة يحاولون واقعة أخرى.. وإذا فاتهم واقعة أخرى يحاولون فى واقعة ثالثة.. وإذا فاتهم واقعة ثالثة يحاولون فى أية واقعة يجدونها ملائمة، ويحاولون هكذا أبد الدهر.. أبد الدهر.. دون ملل ولا كلل ولا انحسار.

لهم فى تاريخهم الأسود هذا العناد اللدود وذلك السعى الخطير، وتدلهم تجربتهم الآثمة تحت أي مسمى سلفى أنهم استطاعوا فى غفلة من الزمن أن يعتلوا سدة الحكم!!!

فلن يهدأوا أبداً.. ولن يرجعوا أبداً.. ولن يتوبوا أو ينخرطو فى الوطن أبداً.. لكن سيف القانون البتار الحازم للجمهورية الجديدة -الذى يتعين ألا يعرف هوادة ولا رخاوة ولا تخاذلاً- هو وحده الكفيل بسحق شرهم إلى الأبد.

عنادهم فى الشر والمؤامرة لن يفارقهم أبداً، لكن الإصلاحات الجذرية بيد الجمهورية الجديدة للحياة فى المجتمع تقوض هذا العناد تماماً من جذوره..

وأن تلعن الجمهورية الجديدة رخاوة الدولة المذهلة.. وتشهر سيف قانونها العاطل كفيل بأن يقى البلاد شرهم.

رابعاً: اطلاق التنوير والإصحاح المجتمعى

لن ينتشر التنوير فى المجتمع إلا من خلال: (1) التعليم، و(2) الثقافة، و(3) الإعلام، و(4) الممارسات السليمة، و(5) التشريع الذى يحميها كلها فى اتجاه الإنسانية النبيلة..

1- التعليم

يواجه التعليم مشكلة كبرى بوجود منظومة التعليم الموازى إلى جانب التعليم الرسمى.. وتواجه المنظومتان معاً مأزقاً تربوياً بمدخلاتهما الأصولية التى تسجن النشء كله فى وحشية التعليم الداعشى..

لقد نجحوا نجاحاً مروعاً فى شحن التعليم كله بمدخلاتهم السلفية التى تعود للعصور الوسطى فى أزمنة الجهل والعبودية والوحشية والخرافة، وقالوا إن ذلك هو الدين الذى يختلف مطلقاً عن الدين!!

يخدعون بمدخلاتهم الخاصة التعليم كله، ويدسون سمومهم فيه..

فالمسيطر على التعليم كله هو دين غير الدين.. وعقيدة غير العقيدة.. وسموم تنخر فى جسد الفضيلة والحياة.. فَلْيُنْزَع دينهم هذا المغاير للدين من التعليم كله.. وَلْيُنْزَعُوا هم أيضاً كاملاً عنه.

الدين المنتشر الآن فى التعليم فى جميع المناهج -سواء فى منظومة التعليم الرسمى أو منظومة التعليم الموازى- يربى النشء على الوحشية، والاستهانة بالوطن، والتنكر لكل جهد صالح وبناء.. الدين المنتشر فى التعليم الآن فى جميع المناهج يربى الدواعش، ويبخس كل شئ شريف ونبيل حقه، ويسفه قيم القيادة والجيش والشرطة والوطن، ويعلى صفات الشر والنكران والخديعة والخيانة فى النشء كله..

الدين المنتشر فى التعليم الآن فى جميع المناهج يجب عزله تماماً ليعود الدين الحق إلى دور العبادة فقط نبيلاً سامياً..

الدين المنتشر الآن فى التعليم كله لا يغرس الفضيلة..
وليس هنالك من حل أولاً سوى عزل الدين تماماً عن التعليم..

الملايين من المصريين باقون على عدم خذلان الدولة..

لكن أولئك الملايين إذا وقف وسطهم أصولى جاهل أمى مُشَعْوِذ ونادى عليهم: الجهاد الجهاد، والوطن تراب عفن.. فى التو ينقلبون..

إنهم فى قبضة آلاف الأصوليين الجهال ينتشرون فى كل مصر، وكل منهم أخطر من ألف قنبلة مهيأة للانفجار، هؤلاء كثيرون من رواد معاهد منظومة التعليم الموازى، وهؤلاء كثيرون من المعلمين فى كل منظومة التعليم الرسمى، وهؤلاء كثيرون من الدعاة فى بيوت العبادة فى المدن والقرى والنجوع والدساكر.

لن يمكن تصحيح ما هو قائم البتة..
الإصلاح الجذرى هو هدم الهيكل القائم للجمهورية الأولى، وإقامة هيكل جديد للجمهورية الجديدة..

وفى هذا الهيكل الجديد للتعليم يتعين أن تُحَلّ مشكلة التعليم الموازى حلاً نهائياً لمستقبل الوطن..

لقد ثبت بالأدلة القاطعة التى لا يداخلها الشك من أمام أو من خلف أن الإغراق فى التدين ينشر الرذيلة فى المجتمع، ويضع المجتمع فى قبضة الجهال والمشعوذين.

إجراءات عاجلة مطلوبة لترسيخ الفضيلة فى المجتمع من مداخل الإنسانية السامية، وليس من التدين النفاقى الخديع.

وَلْتَخِفّ جرعة التدين الشكلى السائدة فى المجتمع، التى تقوده إلى أشكال لم تُسْبَق من الجريمة، لتحل محلها القيم العليا التى أحد منابعها الدين، وأحد منابعها العليا السامية..

الوجه البرئ السافر والفستان الوقور الجميل لطالبة جامعة طنطا الذى تحرشوا بها عليه حين ذهابها للامتحان، هو وجه وزِىّ مصر الحقيقى الذى خسفته داعشية الجمهورية الأولى، ويتعين أن يعود وجه مصر الحقيقى للجمهورية الثانية وذلك ما يجب أن تكرسه كل أجهزة الدولة.

لِنَحْفَظ للدين مكانته وأثره فى القلوب، وليتراجع التدين النفاقى الشكلى..

فارق كبير بين الدين والتدين..

الدين هو مبادئ اللـه السامية فى القلب تقود الناس للفضيلة..
التدين هو الاتجار بالدين فتسود الرذيلة..

والشائع بالمجتمع الآن هو التدين الذى ينشر الرذيلة..

فليتراجع في الجمهورية الجديدة سلطان الجهل والشعوذة، ولترفرف أعلام العلم والثقافة والفن على المجتمع كله..

2- الثقافة والفن

إن عهداً ثقافياً جديداً يجب أن يبدأ على الفور..

وهذا العهد الثقافى الجديد يستند ولاشك إلى إعادة هيكلة التعليم تماماً..

إن الثقافة لا يمكن أن تزدهر فى مناخ تعليمى رجعى شعوذى متخلف يحض على العنف.

وكذلك الفن أيضاً..

عهد جديد للفن العظيم الذى يهذب النفوس ويرقيها لن يمكنه أن ينمو إلا إذا أزيلت تماماً منظومة التعليم الرجعى الشعوذى المتخلف، الذى يحض على العنف والجريمة..

لكن التعليم إذا انصلح، والثقافة الرفيعة إذا انتشرت، والفن الراقى إذا سرى فى المجتمع.. لن تؤتى جميعها نهضتها الحقيقية إلا إذا وطنتها ممارسات صحيحة حية، تنشرها الجمهورية الثانية الجديدة ذاتها، حتى لو اقتضى الأمر إنفاذها بتشريع عاجل يحميها.

تحدث لدينا في ظل الجمهورية الأولى انتهاكات للإنسانية واسعة كل يوم: فى المترو والشارع والأمكنة.. ولم يفكر أحد بعد أن يصدر قراراً يسترد إنسانية مصر بعد تحكُّم ثيؤقراطى طويل لم تشهد له البشرية مثيلاً.

فنحن الذين علمنا البشرية إنسانيتها مرتدون في جمهوريتنا الأولى إلى سلفية ثيؤقراطية باطشة تقتل الإنسانية الحرة فينا..

ولن تسترد مصر إنسانيتها إلا أن تلعن الجمهورية الثانية رخاوة الجمهورية الأولى المُخَرِّبَة، وتشهر سيف قانونها العاطل.

دول عديدة فى العالم وفى منطقتنا اتخذت قراراً جريئاً بحظر الثياب التى تغطى الإنسان من هامة الرأس إلى أخمص القدم، لما تمثله من خطر فادح على أمن الناس وأمان المجتمع، بينما تركت جمهوريتنا الأولى المجال حتى الآن لكل قاضى أصولى أن يُسْرِفَ فى منع الحظْر رغم الأهوال التى يعانيها الشعب بسببها من خطف الأطفال، وهروب الإرهابيين، وتحركهم الخفى الذى يهدد كل مصر.

هذه الإجراءات لها رمزيتها فى أمن الناس وأمانهم للجمهورية الجديدة.. لكنها لا تزال معطلة بعد.. والقانون عاطل تماماً عن الإنفاذ؟

3- الإعـــلام

صار الإعلام هو أخطر وسيلة تشكيل لحظية للعقول والتوجهات والإرادات، وأقوى موجه يومى للمحتوى الفكرى والوجدانى، فضلاً عن تشكيل العقل الجمعى.

ولذا فإن تغييراً ثورياً جذرياً ينتظره الإعلام المصرى كله نحو الحق والخير والجمال، والإنسانية السامية، والوطنية بعمقها الموضوعى لا الدعائى المفرغ من جوهره.

إن إحلالاً كاملاً لجميع الوجوه الشائعة في الإعلام يجب أن يتم فوراً..

ووجوه مغايرة تماماً من الشباب المثقف النابه تبدأ في الحال ممارسة موضوعيتها التحليلية الأمينة الجريئة الصادقة بعيداً عن جهل الجهال والمهرجين و"المطبلاتية".

إن قيماً إعلامية جديدة يجب أن يشعر بها الناس الآن لتشكيل وعيهم ووجدانهم بشفافية وصدق.

إن عزلاً كاملاً للبرامج الدينية عن كافة القنوات الإعلامية يجب أن يسود، ولا يبقى إلا الآذان للصلاة وآى الذكر الحكيم فى أوقاتها..فالتجربة البشرية شاهدة أنه كلما زادت المواد الدينية كلما فقد الناس ضمائرهم بزيادة النفاق الدينى.. والناس كانوا أفضل بما لا يقاس عندما لم تكن هنالك أية برامج أو قنوات دينية، وذلك كان واقعاً قريباً بمصر ليس أكثر من بضع عشرات من السنين.

لقد ثبت بالدليل القاطع الذى لا يداخله شك أن هبوط الإعلام وإنحداره خلال السنوات الأخيرة كلها.. وفتح أبوابه على مصراعيها للداعين بالجهل والخرافة والخزعبلات والعنصرية واستباحة المرأة من طفولتها إلى مثواها.. قد أفضى بالمجتمع إلى الإنحلال وانهيار القيم.. وإن عودة عاجلة بالمجتمع إلى إنسانيته الأولى صارت ركناً جوهرياً فى الثورة الإعلامية المرتقبة للجمهورية الجديدة.

4- الممارســـات

مهما انتعشت النهضة بمشروعات عظمى كالتى تتم كل يوم على يدى السيد الرئيس فإن الخطر كامن طالما غشيت السلفية الجاهلية الثيؤقراطية وجه مصر..

الناس يراقبون بابتهاج جهود الرئيس لكن امتلاكهم الحاضر والمستقبل لا يزال بعيداً عنهم..

ولن يكون هنالك ضامن لأمن مصر وأمانها إلا أن يمتلك الشعب كله حاضره ومستقبله، وهذا ما يمتنع الآن امتناعاً مُهَدِّداً للحاضر والمستقبل معاً، طالما امتلكت السلفية الثيؤقراطية عقول الناس وقلوبهم.

لكن سؤالاً خطيراً يبقى لا يزال يُلِّح:

"وحتى لو انحسر الدين إلى دور العبادة.. فمن ذا الذى سيعتلى المنابر ويعلم الناس؟"

حصون الأصولية المنيعة لا تزال تَشْمُخ.. ولن تنجو مصر في جمهوريتها الجديدة إلا بدك الحصون..

على أن الإصحاح المجتمعى كله لن يتم البتة إلا إذا أمكن دفع مجموعة مُخططة مُعَدَّة على نحو منسق شامل من برامج وطنية عاجلة لمحاصرة ظواهر الإنحلال والتدنى.

لقد صارت الجمهورية الجديدة الآن على المحك..
ويتعين التوجه العاجل الآن لضرب أعمدتها وأسسها في الأرض المصرية لتنمى -من ثَمّ-َ حقيقياً مستهدفاتها وغايتها..

فليس يكفى أبداً أن يُرْفَع شعار "الجمهورية الجديدة" لتبلغ مصر التحول الكامل والحقيقى للجمهورية الجديدة.

لن تكون الجمهورية الثانية إلا أن تخلع عنها أردية الجمهورية الأولى..

فكيف تكون الجمهورية الثانية والروح البدائية التي طبعت الجمهورية الأول هي هي ذاتها لا تزال مسيطرة؟

وإلا فستكون هي الجمهورية الأولى ذاتها، ويتعاقب عليها الرئيس السابع ليس غير..

وستظل عبارة "الجمهورية الجديدة" التي يضعها التليفزيون الرسمي للدولة شعاراً على شاشته - ملازماً قائماً لا يبرحها - مجرد إعلان لحلم عصى المنال لا يتحقق أبداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إيران لإسرائيل: كيف غيرت قواعد اللعبة؟| بتوقيت برلين


.. أسو تخسر التحدي وجلال عمارة يعاقبها ????




.. إسرائيل تستهدف أرجاء قطاع غزة بعشرات الغارات الجوية والقصف ا


.. إيران قد تراجع -عقيدتها النووية- في ظل التهديدات الإسرائيلية




.. هل ستفتح مصر أبوابها للفلسطينيين إذا اجتاحت إسرائيل رفح؟ سام