الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهية الفداء

راندا شوقى الحمامصى

2021 / 7 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" إن لَمْ تَقَع حَبَّةُ الحِنْطَة في الأرض وتَمُت فهِيَ تَبقَى وحدَها ..ولكن إذا ماتت تأتِ بثمر كثير" يوحنا 12 - 24
" كلمة الفداء " في أصل معناها اللغوي تدل على جعل شيء فدية لشيء ومقابلاً لتحقيقه .
ومادة الفداء في لغة العرب تدل على جعل شيء مكان شيء حِمىً له ، تقول : فديته أفديه ، كأنك تحميه بنفسك أو بشيء يعوّض عنه ، فيُقال : فَدَيتُه بمالي وفدَيتُه بأبي وأمّي ، كأنه اشتراه بما قَدَّم ، ومن هنا جاءت كلمة الفدية وهي ما يقي به الإنسان نفسه ...
وهناك كلمات تُستعمل بمعنى كلمة " الفداء " مثل كلمة " البَذْل " .
وكذلك تُستعمل كلمة " التضحية " بمعنى الفِداء والضحِيَّة أو الأُضْحِيَة في الشرع هي الذبيحة التي يقدمها الإنسان لمقصد ديني ، ولعل استعمال كلمة " التضحية " بمعنى
" الفِداء " كان على تشبيه الإنسان الذي يقدم روحه فداءاً لعقيدته
وكلمة " الكفارة " ( في اللغة القبطية ) مشتقة من كلمة " الرحمة " ، وهي مأخوذة ايضاً من كلمة covering أي تغطية أو ستر ، وبذلك نقول كفّرها أي غفرها أو
غطّاها . والفعل " كفَر" ( بوجود فَتحَة على الفاء ) يراد به في اللغتين العبرية والعربية معاً " سَتَر " . فنحن نقول كفَر الفلاح الحبوب ، أي " سترها " بالتراب ، والفعل " كفَّر " أما إذا استعمل حرف الجر " عن " بعد الفعل الأخير " كَفّر" أي "كفر عن" فيكون المراد به تقديم التعويض اللازم عن الخطيئة أو عن إنسان مُذْنِب
والفداء أو الأضحية أو الكفارة هي تعبيرات عن التضحية والمقصود بها بذل شئ ثمين غالي طلبا لشئ أغلى وأهم فنرى عبر الأديان تُقدم القرابين لله طلبا لمرضاته فمن يرضى عنه يقبل قربانه أما إذا لم يقبل قربانه فهذا يدل على عدم رضاه عمن قدمها، أو يقدم الفداء طلبا لغفران الخطيئة وأعظم خطيئة هي في عصيان الله "لكن الإنسان عَصَى الله وأخطأ فطُرد من الجنة ورُدَّ إلى أسفل سافلين" ( التين/4 ) .. فنرى ما آل إليه حال آدم وحواء عند عصيانهما لأوامر الله وظلت القرابين تقدم لله من أبناء آدم على هيئة ذبائح تكفيرا عن هذه الخطيئة وهذا العصيان "فَقَرَّبَ قابيل حِزمة من زرع وكان صاحب زرع ، وقَرَّب هابيل جذعة سمينة وكان صاحب مواشٍ ، فنزلت نارٌ فأكلت قربان هابيل دون قابيل" (توراة) ،" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ " (قرآن) وكان ذلك سبب الشَّر بينهما ، وهذا هو المشهور فكان هابيل أول إنسان من أولاد آدم تقرب إلى الله بذبيحة . فقَبِله تعالى ورضي عنه . وأما قايين أخوه ، فلما أراد أن يتقرب بغير ذبيحة أي بحِنطة ( زرع ) رفضه الله مع تقدِمَته . فكانت الذبيحة للإنسان البِدائي درس عملي فيه يعرف أنه بدون سفك دَم لا تحصل مغفرة .وجاء في ( الصافات /107 ) : " وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ " . ثم يتكلم القرآن عن ذبيحة موسى ( البقرة / 67-73 ) ، وذبيحة إيليا ( آل عمران /183 ) ، وذبيحة الأضحى ( البقرة /195 ) ، (الحِجّ/28 ، 36 ، 37 ) . وعن عمل الذبيحة وأهميتها وفاعليتها " جاء في ( الحِج/36 ) : ".. لَكُمْ فِيْهَا خَيْر .. "
إلى أن طُلب من سيدنا إبراهيم أن يكون القربان هو إبنه ذاته فنرى هنا مثال فريد للطاعة من الأب والإبن فكافأهما الله بالفداء الذي نتبعه ليومنا هذا [ وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيْم ] أي جعلنا هذا المَذبوح فِداءً لَه ، وخلصناه به من الذَّبح "
ويتفضل حضرة بهاءالله :
( ,, تفكروا ما هو السبب بأن تسرع نفسا الى مشهد فداء المحبوب ولم تذبح ولكنه ألبس خلع ذبيح الله وزين بطراز القبول فلا شك أنه بسبب الكلمة الإلهية فاز بهذا المقام والخلعة العظمى ..) ترجمة (أمر وخلق) وهذا يعني أنه بالذبح أو بدونه تم تحقيق مقام الفداء
اليهـــودية : " لأن الدم يُكَفر عن النفس " ( لاويين 17 : 11 ) .
المسيحية : " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عبرانيين 9 : 22 ) .
الإســـلام : " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحِرْ " ( الكوثر /2 ) .
البهائية :"يا ابن الإنسان اكتب كل ما ألقيناك من مَداد النور على لوح الروح وإن لن تقدر على ذلك فاجعل المداد من جوهر الفؤاد وإن لن تستطيع فاكتب من المداد الأحمر الذي سفك في سبيلي إنه أحلى عندي من كل شيء ليثبت نوره إلى الأبد"
"مالم يضع الإنسان قدمه في مقام الفداء، يكون محروما من كل موهبة، ومقام الفداء هو مقام الفناء والعدم كي تتجلى الوجود الإلهي...(مترجم - منتخباتي از مكاتيب ج 1 ص 74)
"لَعَمْرُکَ إنِ اطَّلَعْتَ بِسرِّ الشَّهادةِ فی سَبيلِ اللّه وَ سِرِّ القُربانِ فی مَحَبَّةِ اللّه لَسَرَعْتَ مُنْجَذِباً إِلی مَيْدانِ الفِداءِ مُنادياً اَلْوَحا اَلْوَحا إِلَی الْمَوهِبَةِ الکُبْری اَلْبَدارْ اَلْبَدارْ إِلَی الرَّحْمَةِ العُظْمی اَلْعَجَلْ اَلْعَجَلْ إِلَی الغَنِيْمَةِ العُليا و لکنّ اللّه سَتَرَ هذَا النُّورَ و کَتَمَ هذَا السِّرَّ المکنونَ و الرَّمْزَ الْمَصونَ إِجلالاً لِأمرِه و صَوْناً لمقاماتِ قدسِ أحِبَّتِهِ حتّی يَظْهَرَ سِرُّ الاختصاصِ و يُشرقَ انوارُ المَوْهِبَةِ فی مِشْکاةِ الخاصِّ إِنَّهُ يَهَبُ مَنْ يَشاءُ وَيُعْطِی مَنْ يَشاءُ وَ يَمْنَعُ عَمَّنْ يَشاءُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يشاءُ و يُوَفِّقُ عَلَی الانفاقِ بِفَضْلِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الکَرِيمُ الفَّضال."
الفداء أو الأضحية تدل على الحب حيث يعبر بها الإنسان لخالقه أنه يختار أثمن ما لديه ليقدمه لإلهه حيث كان يشترط أن تكون الأضحية من أجود القطيع وأصحها والقبول يدل على رضا الله عن فعل الإنسان أو تضحيته فهل نرى في المقابل محبة الله لنا بما يقدمه للإنسان من أضحية؟ ألا نرى تضحيته من أجلنا ومن أجل تهذيبنا وتوجيهنا لكل ما هو خير لنا فيمن يرسلهم لنا من رسل مع علمه بما سيقاسوه من أجل أداء رسالتهم هذه من أجل إرشادنا ومساعدتنا على فهم الحياة والغرض من خلقنا وما فيه صالحنا وما يؤدي لهلاكنا، فالله يرسل لنا برسله عبر تاريخ الإنسان متمثلا في شخص يختاره ليؤدي هذه الرسالة وهذا الشخص يكون دائما ملتزما بدوره لا يستطيع تغييره ويتحمل في سبيله كل صد وعداء وأذى ممن أتى خصيصا إليهم فلم نجد رسولا منهم كان دوره سهلا أو يسيرا أو نجده لاقى ترحابا من قومه ومع ذلك يصمد للنهاية مهما كان الصد والاعتراض والتاريخ يحكي لنا معاناة أقرب رسل نعيها منذ سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء ونرى أوائل المؤمنين في زمان كل منهم يقومون بالفداء بأرواحهم عن قناعة وطيب خاطر في ألم وتعذيب في أغلب الأحيان وعلى هذا الفداء المتبادل من الله وأخلص مؤمنيه تقوم الأديان كلها عبر العصور ولولاه ما أرسيت قواعد الرسالات
ولأن الله خلق الإنسان من جسد وروح وهو الوحيد من بين مخلوقات الله روحه لها حياة أبدية وحياته الجسدية مرحلة من مراحل هذه الروح تمتحن فيها وتدخل في اختبارات تترقى من خلالها الروح لتستطيع اكتساب أدواتها التي تمكنها من الاستمرار في العوالم الإلهية ويبعث الله رسله لتعليم الإنسان كيف يمر بمرحلة حياته الجسدية فيبصّره بما ينفع روحه ويرقيها وبما يحط من شأنها ويجعلها لا تتعدى حياة الجسد فيصبح كالحيوان ويحكي لنا الله جزاء عصيان أوامره في قصة آدم وحواء حيث أدت إلى حرمانه من النعيم والقرب من الله وبالتالي يرشدنا الله إلى عبء الجسد على الروح وينبهه ويحذره ألا تطغى متطلبات الجسد على احتياجات الروح فيميتها وهذا المقصود بخطيئة آدم التي ورثها أبناؤه فليس من العدل الإلهي أن يرث الأبناء أخطاء آبائهم ويحاسبون عليها ولكن لأن هذه مشكلة الإنسان وتجربته في الحياة ألا يستجيب لمتطلبات الجسد بدرجة تستعبده فيصبح أسير رغباته ويؤثر على ترقي روحه هكذا نرى أن الرسل جاءوا منذ آدم لهذا الغرض وسواء قتلوا في سبيل رسالتهم هذه أم لم يقتلوا فقد كانت حياتهم فداءً لتعليم الإنسان
فمن مفاوضات حضرة عبد البهاء نرى توضيح لهذه النقطة: " أمّا أنّ حضرة المسيح كان كلمة اللّه وفدى نفسه فلها معنيان: معنى ظاهريّ ومعنى حقيقيّ، فالمعنى الظّاهريّ أنّه لمّا كان مقصد حضرة المسيح أن يقوم بأمر يكون فيه تربية العالم الإنسانيّ وإحياء بني آدم وهداية عموم الخلق والقيام بأمرٍ عظيمٍ كهذا فيه مخالفة لجميع العالم ومقاومة لسائر الملل والدّول ولا بدّ أن يؤدّي ذلك إلى القتل والصّلب وإهدار الدّم، لهذا فدى حضرة المسيح روحه حينما أظهر أمره وعد الصّليب سريراً والجرح مرهماً والسّمّ شهداً وسكّراً، وقام بتعليم النّاس وتربيتهم يعني فدى بنفسه حتّى يهب روح الحياة وفنى بجسده ليحيي الآخرين بالرّوح، أمّا المعنى الثّاني للفداء فهو أنّ حضرة المسيح كان مثل حبّة ضحّت صورتها لتنمو الشّجرة منها وتعلو، ولو أنّ صورة الحبّة تلاشت إلاّ أنّ حقيقتها ظهرت على هيئة الشّجرة بكمال العظمة واللّطافة" (مفاوضات عبدالبهاء.)
" إِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيْسَىْ إِنِّيْ مُتَوَفِّيْكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وجَاعِلُ الَّذِيْنَ اتَّبَعُوْكَ فَوْقَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ " ( آل عمران/55 ) .
معنى الفداء أو الايثار في البهائية:
"سر الفداء أو الإيثار أمر عظيم جدا ولايتناهى، خلاصة الكلام أن الفراشة تفدي نفسها للشمعة، المعَين يفدي الإنسان العطشان، العاشق الصادق يفدي نفسه للمعشوق، والطالب المشتاق يفدي نفسه للمطلوب. جوهر الموضوع هو: أن ينسى الانسان نفسه بالمره...ويطلب رضاء الحق ويسلك سبيل الحق.. هذه اولى مرتبة الفداء. المرتبة الثانية للفداء هو أن الإنسان يجب أن يكون مثل الحديد الذي يُرمى في النار، وتنتفي صفات الحديد مثل السواد والصلابة والبرودة تلك الصفات المتعلقة بعالم المُلك وتكتسب صفات النار مثل الحرارة والاحمرار تلك الصفات المتعلقة بعالم الملكوت. لهذا قطعة الحديد تفدي نفسها للصفات والمدارج النارية وكسب فضائلها." (مترجم مضمون بيان حضرة عبدالبهاء ص 353 ج 2 tablets of Abdul-Baha
ولأنه واضح ومشهود بآيات القرآن أن هناك رسلا لاقت الموت في سبيل رسالتها "ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون" البقرة 87 فإن الفداء هذا مثبوت
أما الغرض من التخلص من الأنبياء هو أنهم يكرهون أن يخرجوا عما ألفوه ويودون التخلص من ذلك الذي يود أن يخرجهم عن دين آبائهم وما اعتادوه من أحكام وأعراف وتدلنا الآية القرآنية الآتية على ما اعتاد عليه كل قوم من مقاومة الرسالة الجديدة إلى أن يسلموا ويؤمنوا بها فيتمسكون بها رافضين أي شئ غيرها مدعين أن الله لن يرسل من بعده أحدا وليس أدل على هذا المعنى من قوله تعالى في القرآن الكريم"ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا" (غافر 34) وهكذا كان ما لاقاه حضرة الأعلى المبشر بالدين البهائي والذي لم تدم مدة رسالته سوى ست سنوات استشهد فيها عشرون ألف مؤمن وختمت بمقتله هو بسبب أن يتخلصوا منه فاصطفت فرقة من 750 جندي اطلقوا الرصاص على جسده فتحول إلى كتلة من اللحم والعظم وقد رافقه مختارا أنيسه المخلص الذي اختار أن يقتل معه ويلاقي نفس مصيره وبالرغم من هذا وقف حضرته يحذرهم من موقفهم هذا وما سوف يلاقوه من ندم في مستقبل الأيام من فعلتهم هذه فخاطبهم قائلا:"أيها الجيل الملتوي لو آمنتم بي لأصبح كل واحد منكم يضحي بنفسه في سبيلي مثل هذا الشاب الذي سوف تعترفون بي فيه وفي ذلك اليوم لا أكون معكم"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح