الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلى والذئب-ذات الرداء الأحمر

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2021 / 7 / 20
الادب والفن


قصة "ذات القبعة الحمراء" أو ليلى والذئب ‏،هي حكاية خرافية شهيرة عن فتاة تلتقي مع ذئب، وقد تغيرت القصة إلى حد كبير عبر تاريخها وخضعت للعديد من التعديلات الحديثة والقراءات ونشرت أول مرة من قبل شارل بيرو بفرنسا سنة 1698، حيث تنتهي القصة بالتهام الذئب لليلى. في القرن التاسع عشر قام الأخوان غريم الألمانيان بإعادة كتابة القصة مع بعض التعديلات. حيث قام الذئب بالتهام ليلى وجدتها ، لكن الصياد يقوم بشق بطن الذئب وإخراجهما منه.
تظهر القصة في كثير من الصور المعاصرة، ويقوم بعض الكتّاب بإجراء تحديثات على النص الأصلي لتلائم روح العصر. فالعنف الذي يظهر في التهام الذئب لأبطال القصة، والعنف الآخر حين يقوم الصياد بقص بطن الذئب، لم يعد مستساغاً على الإطلاق. بالنسبة للطفولة المبكرة . والذي قد يؤثر في شخصيتها بطريقة سلبية.
إلا أن كثيراُ من القصص الخيالية الجميلة التي استمتعت بها أجيال متلاحقة من الأطفال قد تحمل الكثير من إشارات الاستفهام حول العواقب النفسية أو الأخلاقية التي تثيرها في نفس الطفل.
فحسب مقالة جريدة الغارديان 7-03-2020، : "إن العناوين الستة لقصص الأطفال التي كتبها الأمريكي ثيودور جيزل ، باسمه المستعار دكتور سوس ، والتي نُشرت بين عامي 1937 و 1976 ، ستتوقف شركة سوس عن طباعتها ، لأنها تحتوي على صور نمطية ذات طبيعة عنصرية واضحة".
ويجدر ذكره هنا أن مبيعات قصص د. سوس حول العالم تجاوزت 700 مليون نسخة.
يمكن عربياً وصف قصة علي بابا والأربعين حرامي بأنها قصة تقدم أمثولة أخلاقية سيئة . وينبغي ألا يتم الاحتفاء بهذه القصة عن
طر يق الترويج الاعلامي في أفلام كرتون وكوميكس وغيرها. إنها قصة تحث الطفل على السرقة. فحين وجد علي بابا الكنوز في المغارة التي سرقها اللصوص ، لم يتورع عن سرقة هذه الكنوز بدوره. لم يقم مثلاً بإبلاغ الشرطة، أو لم يقم مثلاً بمحاولة إعادتها إلى أصحابها.
إن تطور أدب الاطفال العالمي يدين في أحد وجوهه إلى الدراسات النفسية والتربوية التي أجريت على الأطفال في المراحل العمرية المختلفة. وهكذا صار نموذج أدب الطفل للمرحلة العمرية المبكرة مختلفاً عن نموذج أدب الطفل في المرحلة العمرية المتوسطة . ويمكن لنا وفق بعض المعايير الحديثة لأدب الطفل، النفسية والتربوية أن نعود إلى حكاية ليلى والذئب لاستخلاص العواقب الأخلاقية منها.
العاقبة الأولى هي ضرورة عدم الثقة بالغرباء. وهي عاقبة مازالت مهمة. بل ازدادت أهميتها في ضوء التواصل الكثيف الذي فرضته الحياة المعاصرة بين الأطفال ومختلف الشرائح الاجتماعية الأخرى. تقود هذه العاقبة إلى عاقبة أخرى وهي ضرورة عدم مشاركة الغرباء المعلومات الشخصية، كما فعلت ليلى حين أخبرت الذئب بوجهتها. وهذا أمر أيضاً شديد الأهمية بسبب استخدام الاطفال لوسائل التواصل الاجتماعي ومشاركة حياتهم الخاصة دون قيود.
العاقبة الثالثة هي ضرورة إطاعة الوالدين. فليلى لم تستمع لنصيحة والدتها بضرورة توخي الحذر. وهي أيضاً عاقبة أخلاقية يجب التشجيع عليها.
من جهة أخرى تظهر في القصة بعض الارتباكات للأطفال في المراحل العمرية المبكرة. فالذئب في القصة هو شخصية تتجاوز مظهر الحيوان . هو رمز لكائن شرير ووحشي وخبيث. لكن هذا المفهوم التجريدي لا يدركه الطفل إلا بعد عمر الثانية عشرة كما تشير توصيات اليونسيف بهذا الخصوص. إذاً فالذئب في القصة بالنسبة لطفل في العاشرة هو حيوان حقيقي وهو حيوان شرير يحب التهام لحوم البشر، ويحب الاعتداء على غيره، وتجب معاقبته بالقتل. وهذه العاقبة كما هو واضح لا تليق بالمعرفة العلمية التي يملكها الأطفال والكتّاب على حد سواء حول الحيوانات. فالحيوانات ليست شريرة بطبعها، وهي لا تحب الاعتداء على الآخرين. وكل ما يهمها هو إيجاد الطعام والمأوى. إن أنسنة الذئب في القصة القديمة غير موفقة. وهي مجحفة حقيقة في عالم حديث يريد للأطفال تربية بيئية سليمة. ومن أهم مبادئها احترام جميع الكائنات الحية من نباتات وحيوانات.
لكن الأمر معقد فعلياً ! وكثير من قصص الأطفال المعاصرة ، تجعل الحيوان مصدراً للشر. وهذا برأيي مطب بيئي وأخلاقي وتربوي خطير. لأن الشر لا يمكن تمثيله بمصدر خارجي. الشر هو حالة أخلاقية ، يكتشفها الطفل من خلال محاكمة بعض الظواهر الاجتماعية البسيطة والمواقف التي يتعرض لها في حياته العادية.
لقد عدلت كثيرٌ من النسخ المحدثة لقصة ليلى والذئب النهاية الدرامية التي جاء بها الأخوان غريم. فقد هربت ليلى من الذئب وتم إنقاذها بواسطة الحطاب، الذي أخرج جدتها أيضاً من الخزانة التي كانت مختبئة فيها. وهذه نهاية غير عنيفة ولا تحمل أي إيحاءات بضرورة استخدام العنف لحل المشكلات. كما أن المهم فيها هو أنها تلغي فكرة القصة الأصلية من ضرورة أن يكون العقاب مطابقاً للجريمة. (قتل الذئب مقابل التهامه لليلى وجدتها) . إن مبدأ العين بالعين والسن وبالسن هو المسؤول عن إشعال الحروب في عالمنا المتحضر. ولا يوجد أنبل من فكرة تحارب هذه الفكرة ، حتى لو كانت حكاية رمزية خيالية لن يستطيع الطفل الصغير استيعاب رموزها التي يتقصدها الكاتب إلا في بداية سنوات المراهقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج