الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأركيولوجيا بين العلم والإيديولوجيا: العثور على أورشليم مثالاً(3)

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2021 / 7 / 22
القضية الفلسطينية


ترجمة: محمود الصباغ
الجزء الثاني
التراث الثقافي
يعتبر تراث القدس مزيجاً ثقافياً تم دمجه مؤخراً في خطاب يتمحور حول من يملك الماضي. وفي واقع الأمر، يدور جوهر هذا الجزء، حيث يلتقي العلم مع الإيديولوجيا، حول التساؤل عن ملكية الآثار وتحديد المعايير الدولية للمبادئ الثقافية والعلمية، والعرقية، ودراسة السبل التي تؤدي إلى إمكانية تطبيق هذه المبادئ وتوجيهها لمختلف الإداريين الدينيين والسياسيين. يرتبط هذا التحقيق في فهم كيفية اتخاذ القرارات بشأن مكان الكشف، وما الذي يجب الحفاظ عليه، وكيفية عرض اللقى والبقايا الأثرية القادرة على رواية قصتها. ويستطلع النقاش حول التراث الثقافي الأطراف التي تنتج المعرفة وكيف تُنشر المعلومات وكيف تُعرض وتُستهلك في الأماكن التعليمية وفي أماكن العرض العامة مثل المعالم والمواقع والحدائق والمتاحف. إن التراث الذي على المحك له صلة باليهود والمسيحيين والمسلمين، وله صلة أيضاً، لاسيما في الفترة الحديثة/ بالإسرائيليين والفلسطينيين، الذين لا يمثل أيا منهم مجموعات متجانسة أو أصحاب مصالح متجانسة.
الفصل الثالث: من الدمار إلى الحفظ
عندما زار ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية الحديثة، مدينة القدس في العام 1898، أعلن أن ما صدّه عن المدينة "مخزون عفن عمره ألفي سنة من الوحشية، والتعصب، والقسوة" يفوح "من الأزقة ذات الكريهة" للبلدة القديمة. وتعهد بأن أول ما سوف يفعله الصهاينة سوف يكون هدم معظم المدينة، حالما يسيطرون عليها، وسوف يبنون، مكانها، وحول الأماكن المقدسة "مدينة جديدة متجددة الهواء ومريحة وقنوات صرف صحي جيدة،"(1). ودعا دافيد بن غورن (مؤسس دولة إسرائيل وأول رئيس وزراء للبلاد، ولاحقاً عضو الكنيست) إلى ما يشبه هذا القول، عندما استولت إسرائيل على القدس الشرقية والبلدة القديمة في العام 1967، عندما طلب بهدم جدران المدينة، لأنها غير يهودية، وهي تهدد، بالتالي، التواصل البصري للسيطرة الإسرائيلية(2). ورغم عدم تحقيق رغبتيهما، إلا إن هذا لايعني أن المدينة بقيت سليمة، إذ تعرّضت أجزاء واسعة من الموروثات الثقافي للدمار المتعمد، في أعقاب قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في العام 1947. علماً أن العديد من الكنس وغيرها من المؤسسات اليهودية، لاسيما في الحي اليهودي [حارة اليهود]، هُجرت أو أُهملت أو هُدمت خلال فترة الحكم الأردني للبلدة القديمة، والقدس الشرقية بين عامي 1948 و1967(3) وبعد حرب 1967 مباشرة، وفي الساعات القليلة التي تلت الهدنة، أجلت السلطات الإسرائيلية سكان حي المغاربة الذي يقع قرب الحائط الغربي، وقامت بهدم وتجريف المنطقة التاريخية وإفساح المكان لإنشاء ساحة واسعة مفتوحة ستُضم لحارة اليهود(4). كما حصل بعض الدمار الإضافي في أمكان متفرقة في حارة اليهود (الحي اليهودي). وما حصل هنا، في واقع الأمر، أن البلدية استبدلت الأزقة والمباني التي تعود للقرون الوسطى، بمناظر مدينة جديدة تماماً، بدل الحفاظ على الطابع الأصلي للحارة، مما أدى إلى فصل متعمد -إثني وديني وثقافي ومعماري- بين المنطقة التي تم تجديدها وبين الأحياء الأخرى من البلدة القديمة(5). وتواصلت الحملات الرامية إلى تدمير المعالم التاريخية الهامة منذ احتلال القدس الشرقية في العام 1967. فحاولت، على سبيل المثال، جماعة أمناء جبل الهيكل Temple Mount Faithful والجماعات المتطرفة الأخرى في عديد من المرات تدمير الأضرحة الإسلامية المقدسة، واستعادة السيطرة اليهودية على المنطقة كخطوة أولى نحو إعادة بناء الهيكل في موقع المسجد، أي قبة الصخرة(6). وشهدت المواقف الفردية والعامة والمؤسسية، على مدار القرن الماضي، تغيرات وتطورات مهمة على صعيد البنية المفاهيمية والعملية تجاه نماذج ومشاكل التراث الثقافي والحفاظ عليه. ورغم التقدم الملحوظ في الخطاب العام والأكاديمي، حول التراث الثقافي، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، مازال التقييد يعتري تنفيذ سياسات تقدمية في إسرائيل، لاسيما في الحوض التاريخي للقدس، ومازال تنفيذ مثل هذه السياسات يعاني ،أيضاً، من إعاقات عدة نتيجة الصراع السياسي(7)
ولعل أهم الدلالات التي تؤشر لهذا التقدم في تنفيذ تلك السياسات "التقديمة" من عدمه، فيما يتعلق في الاحتفاء بالإرث المعماري المتنوع في القدس يتمثل في أنه أحد أهم مشاريع الصيانة الحالية لهيئة الآثار الإسرائيلية، والتي تلفت نظرنا من جديد نحو أسوار المدينة، فبعد خمسين عاماً بالضبط من اقتراح هدمها كما جاء على لسان بن غوريون، حددت سلطة الآثار الإسرائيلية التحصينات العثمانية باعتبارها أحد "أصول التراث الثقافي الأكثر أهمية في المدينة"(8). وأُطلق مشروع الحفاظ على أسوار مدينة القدس في العام 2007 بهدف استخدام الأسوار العثمانية لتسليط الضوء على التاريخ الحديث لدولة إسرائيل، فضلاً عن الحفاظ على البناء الأصلي الذي يعود للقرن السادس عشر وتثبيته. من الجدير ذكره الإشارة إلى تعرض بعض الأحجار المحيطة ببوابة صهيون [ باب النبي داود أو باب حارة اليهود] للضرر، أثناء محاولة الهاغاناه (منظمة يهودية شبه عسكرية كانت نشطة في فترة الانتداب البريطاني، أصبحت فيما بعد أساس الجيش الإسرائيلي) اقتحام الحي اليهودي [حارة اليهود] في أيار -مايو 1948 (انظر الشكل 14). وأصبحت البوابة المرشقة بطلقات الأسلحة الرشاشة إحدى السمات المميزة لـ "القدس الموحدة" بعد حرب 1967، وهو ما قررت سلطة الآثار الإسرائيلية الحفاظ عليه، أي الرمز، ووصفه بـ "الحدث الوحيد الأكثر أهمية الذي ترك بصمته على واجهة البوابة في عامها الـ468(9). بعبارة أخرى، سواء اعتبرت أسوار المدينة العثمانية عقبة أمام بناء مدينة يهودية جديدة، أم عقبة توحيد المدينة باسم "القدس الموحدة" أو حتى وسيلة لإحياء ذكرى الرواية الإسرائيلية لـ "فتح" المدينة القديمة، فقد لعبت على الدوام دوراً عاماً في الخطاب الإيديولوجي حول القدس اليهودية.
واحتلت الفكرة القائلة باعتبار البقايا المادية للماضي، سواء كانت سليمة أو متضررة أو حتى مدمرة إلى حد كبير، تراثاً بشرياً مشتركاً وحمايتها من الاستغلال من قبل الدول القومية، مكانة ذات أهمية متزايدة في المناقشات الأكاديمية والعامة حول التراث الثقافي(10). وتبدو مهمة الحفاظ على الموروثات المادية وغير المادية للأمم أو الشعوب دون تعزيز الحماس الديني، أو دعم الخطاب الأيديولوجي، أو تأييد الأجندات الوطنية، مهمة معقدة وصعبة بشكل خاص لمدينة متنازع عليها مثل مدينة القدس.
الاتفاقيات والمبادئ التوجيهية والمواثيق الدولية
حُدد مفهوم حماية الممتلكات الثقافية من آثار الحرب لأول مرة في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 وفي معاهدة واشنطن للعام 1935(11). وبسبب زيادة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالممتلكات والمباني الثقافية خلال الحرب العالمية الثانية باتت الضرورة الملحة تتعلق في الحاجة إلى وضع مبادئ وإرشادات توجيهية وقوانين أكثر فعالية لحماية التراث الثقافي، لا سيما في المناطق التي عانت من أضرار جسيمة في زمن الحرب. وعبّرت ديباجة اتفاقية لاهاي للعام1954 عن هذه الضرورة حين استخدمت لأول مرة مفهوم التراث الإنساني المشترك، كمعنى مطابق للمقصود بـ الممتلكات الثقافية(12)، وأعقبها اتفاقية اليونيسكو في العام 1970 بعنوان" حظر ومنع الاستيراد والتصدير والنقل غير المشروع للممتلكات الثقافية"(13).
ونصت اتفاقية التراث العالمي للعام 1972، بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، على التزام الدول -أو الأطراف التي تعمل كدول- تقديم تقارير منتظمة إلى لجنة التراث العالمي بشأن الحفاظ على ممتلكات التراث العالمي الخاصة بها. وكانت هذه الاتفاقية واحدة من أنجح مساعي اليونسكو، وانعكس ذلك بتوقيع 167 دولة عليها. غطت معاهدات حماية التراث الثقافي في زمن السلم والحرب، وتخطت الحدود الوطنية للدول، ووضعت قواعد للتراث الطبيعي والثقافي. وكانت مهمتها الأساسية "تحديد التراث العالمي والحفاظ عليه من خلال وضع قائمة بالمواقع التي ينبغي الحفاظ على قيمها البارزة للبشرية جمعاء وضمان حمايتها من خلال تعاون أوثق بين الأمم"(14). وأعقب اتفاقية التراث العالمي للعام 1972 المصادقة، في العام 1995، على اتفاقية الممتلكات الثقافية المسروقة والمصدرة بطرق غير مشروعة التي أقرها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (UNIDROIT). وأخيراً حُررت اتفاقية اليونسكو للعام 2001 بخصوص حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. وتتفق هذه المبادرات، مجتمعة، على تأكيد القناعة بعدم اعتبار التراث الثقافي هبة محلية أو إثنية أو قومية محضة، بل، ينبغي النظر إليه، والتعامل معه، على أنه ملكية ثقافية للبشرية، وبالتالي ينبغي خدمته مسبقاً. ونشر المجلس الدولي للآثار والمواقع الأثرية (ICOMOS) وهو منظمة غير حكومية، ميثاقه الخاص بحماية وإدارة التراث الأثري، في العام 1990، عرض فيه بعض الإرشادات اللازمة لإدارة التراث الثقافي بتنوّعه وأشكاله كافة(15). ويمثل هذا إجماعاً توصل إليه الأكاديميون والمهنيون في مجال الحفاظ على الثقافة برغم عدم تمتع الميثاق بوضعية معاهدة دولية، كما ينص الميثاق صراحةً على أنه "يجب أن يستند التشريع إلى مفهوم التراث الأثري باعتباره تراثًا للبشرية ومجموعات الشعوب، ولا يقتصر على أي فرد أو أمة"(16). ولاشك أن جميع ما سبق له آثار معينة على مدينة القدس، ولكن، لا يبدو، في الحقيقة، لمثل هذه الإرشادات والاتفاقيات الدولية تأثيراً على واقع العمل الميداني الأثري والحفاظ عليه، وإن كان لها بعض التأثير على الخطاب الأكاديمي العام.
التراث الثقافي في القدس
عكس، مع مرور الوقت، تطور وتغير التصورات حول ما يشكل التراث الثقافي للقدس وتبنيها لوجهات نظر مختلفة وأحيانًا متعارضة، العديد من المجموعات الثقافية والإثنية والدينية والوطنية التي تدعي ملكية ماضي المدينة وحاضرها. وأُنشأ العديد من الهيئات الإدارية المحلية والدولية -سواء غير حكومية أو حكومية، تمثل مختلف الجماعات الدينية والعلمانية والسياسية وغير السياسية -لضمان الحفاظ على تراث المدينة. ويمكن تصنيف الكثير من التراث الثقافي في المدينة على أنه تراث ثقافي علماني(17)، على الرغم من أن بعض المعالم والمواقع الأكثر أهمية في القدس لها مكانة مقدسة، وهي سمة، أي القدسية، تزداد أهميتها بمرور الوقت. ولو وضعنا أماكن العبادة والأماكن المقدسة والآثار المقدسة والتحف المقدسة جانباً، فالمقصود بالجانب العلماني للمدينة هو المباني والأشياء والتقاليد -في كل من المجالين الخاص والعام للمدينة- التي ليس لها سمات دينية أو روحية، بما في ذلك المساكن والمنشآت الصناعية والأدوات والأسلحة أو مختلف التذكارات الأدبية والفنية، مثل الأغاني والقصائد الشعرية والصور.
ودفع التقدير المتزايد للآثار، خلال القرن التاسع عشر، السلطات العثمانية إلى صياغة المبادئ القانونية الأولى لحماية التراث الثقافي للمنطقة. وكرّس القانون العثماني للعام 1884 اعتبار جميع القطع الأثرية في الإمبراطورية تراثاً وطنياً، وحاول تنظيم الوصول العلمي إلى الآثار والمواقع من خلال تقديم تصاريح التنقيب. ولم يعد بالإمكان خروج القطع الأثرية من أراضي الإمبراطورية، وأصبحت، تلقائياً، ملكاً لـ المتحف الإمبراطوري (Müze-i Hümayun) في القسطنطينية، مما يدل على الشكل القانوني الأكثر رسوخاً للإمبريالية الثقافية(18). وظهر إطار أكثر صرامة على التنقيب وتصدير والآثار، في العام 1918، نتيجة ما يعرف بـ إعلان الآثار الانتدابي البريطاني British Mandate Antiquities Proclamation الذي أيد أهمية التراث الثقافي للمنطقة. ومنح قانون الآثار، استناداً إلى قانون الآثار العثماني، ملكية التراث الثقافي المنقولة وغير المنقولة للحكومة المدنية في فلسطين، وهكذا صارت حماية التراث الثقافي في المنطقة ومراقبته تدار، لأول مرة، محلياً وليس من عاصمة إمبراطورية(19).
على الرغم من محافظة القدس الشرقية على أهميتها الدينية في ظل الحكم الهاشمي، إلا أنها توقفت مؤقتاً عن كونها عاصمة(20). بغض النظر عن استثمار الأردن في صورة القدس كنقطة جذب للحجاج والسياح المسيحيين والمسلمين، وعانت المدينة اقتصادياً بسبب فقدانها الوصول المباشر إلى الساحل ،وبالتالي، لم يكن ترميم الآثار القديمة ذات الأهمية التاريخية والدينية مصدر اهتمام رئيسي، بصرف النظر عن ترميم قبة الصخرة في الفترة من 1952 إلى 1964(21). وبعد هذه الفترة من الإغفال النسبي، عادت المدينة إلى واجهة الأحداث، حيث تعرضت لأضرار جسيمة خلال الصراع العسكري في العام 1967، وخاصة حارة اليهود في البلدة القديمة. وترافقت السيطرة الإسرائيلية على المدينة مع تحوّلٍ جذري في تاريخ التنقيب عن الآثار والحفاظ عليها، فصار مجال التراث الثقافي ساحة معركة بين اليهود والعرب، بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونُفذت مشاريع حفر وترميم ضخمة في القدس منذ إنشاء دولة إسرائيل. كانت البداية في القدس الغربية، منذ العام 1948 ، ثم في القدس الشرقية، مع التركيز على الحوض التاريخي، منذ العام 1967. وتعاملت أطر العمل الإدارية، على النحو المحدد في القانون الإسرائيلي الذي أقرته هيئة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية Israel Nature and Parks Authority (INPA) وهيئة الآثار الإسرائيلية (وقبل عام 1990 IDAM)، مع النشاط الأثري والحفاظ على التراث الثقافي في القدس الشرقية والغربية كوحدة واحدة، بما يخدم، بالتالي، المفهوم السياسي للمدينة الكبرى والموحدة. أمّا من وجهة نظر دولية، وهو ما يتوافق مع المنظور الفلسطيني، فقد اعتبرت جميع الأعمال الآثارية في القطاع المحتل من المدينة بعد العام 1967 غير قانونية. وتصدت إسرائيل للضغوط الدولية وإدانة مشاريع التنقيب الضخمة في المناطق المحتلة من المدينة من خلال تأطير هذه المشاريع كعمليات إنقاذ. ولعل أكثر ما يستحق مصطلح عمليات الإنقاذ هو عمليات الترميم الهاشمية لمختلف الأماكن المقدسة في الحرم الشريف، بما في ذلك منبر صلاح الدين، بعد إحراق المسجد الأقصى في العام 1969، وترميمات إضافية لقبة المسجد الأقصى بين عامي 1992 و1994. وحتى العام 1978، ظل قانون الآثار الصادر في العام 1928 مرجعاً قانونياً أساسياً للتراث الثقافي، من الناحية البنيوية، بالإضافة إلى معظم التشريعات العامة التي أقرت خلال فترة الانتداب، عندما استُبدل بقانون الآثار الإسرائيلي(22). وفرضت الحقائق الجديدة للنمو الحضري والعمراني السريع، بالإضافة إلى أنشطة التنقيب الضخمة طرح بنية محدثة للإشراف على التراث الأثري، رغم التبني الإسرائيلي للعديد من الإجراءات الشكلية التي تنظم العمل الميداني التي كانت سائدة في ظل الحكم البريطاني. وظهرت قواعد عمل جديدة تتعلق باكتشاف الآثار والتعامل معها علمياً وتجارياً.
ومن الجدير ذكره، في هذا الصدد، التضحية بمعظم اللقى الأثرية العديدة التي عثر عليها أثناء المسوحات والحفريات الإسرائيلية المتواصلة في القدس الغربية، لصالح مشاريع التنمية الحضرية(23) رغم حفظ بعضها في مواقعه الأصلية أو في متاحف قريبة. ولا تعد هذه الصعوبة في الحفاظ على جميع الآثار أو معظمها مفاجئة أو غير عادية بالنظر إلى النمو الحضري السريع والمذهل للمدينة، ويبدو أن تكلفة الحفاظ عليها كانت باهظة وغير واقعية. وفي المقابل، تم التعامل مع مسألة الحفاظ على البقايا الأثرية في القدس الشرقية، وتحديداً في الحوض التاريخي، بشكل مختلف، وكانت الحكومة الإسرائيلية أكثر سخاءً في تخصيص الأموال البلدية والوطنية لعرض وحفظ الآثار(24). وأنشأت العديد من المتاحف والمتنزهات التي كانت تتوسع فوق وتحت سطح الأرض.
الإدارة الإسرائيلية
استندت السياسات الحكومية المتعلقة بمسائل التراث الثقافي، منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، إلى مفهومين تشريعيين: قانون حماية الأماكن المقدسة للعام 1967 وقانون الآثار للعام 1978. ويضمن القانون الأول، بموجب المادة 1، حماية الأماكن المقدسة "من التدنيس وأي انتهاك آخر وكل ما من شأنه أن ينتهك حرية وصول أفراد الديانات المختلفة إلى الأماكن المقدسة لهم أو لديهم مشاعرهم تجاه تلك الأماكن" واعترفت إسرائيل رسمياً بالوضع العثماني الراهن للأماكن المقدسة المسيحية وأجرت بعض التعديلات الطفيفة، فقط، على ترتيب الوضع الراهن الإلزامي فيما يتعلق بجبل الهيكل/ الحرم الشريف(25). أقرّ مرسوم الأماكن المقدسة في فلسطين لسنة، 1924 في عهد الانتداب البريطاني، بوجوب استبعاد جميع القضايا المتعلقة بالمصلين وأعضاء الطوائف الدينية والأماكن المقدسة من المحاكم المدنية، وبالتالي يمكن للمفوض السامي البريطاني أن ينقضها(26). وبعد السيطرة الإسرائيلية، في العام 1967، أحيل قانون حماية الأماكن المقدسة إلى وزير الشؤون الدينية الإسرائيلي، ولكن بعد حلّ وزارة الشؤون الدينية في العام 2004، أصبحت سلطة القرارات المتعلقة بالأماكن المقدسة في يد رئيس الوزراء(27). واستبعدت القضايا المتعلقة بالتراث الثقافي تدريجياً عن الأطر القانونية وصار التعامل معها بيد السلطات السياسية على نحو متزايد.
يلعب قانون الآثار لعام 1978 أيضاً دوراً رئيسياً في تحديد وحماية التراث الثقافي في إسرائيل. استناداً إلى الحكم الإلزامي لحماية الآثار الأصلية والمحافظة عليها -المعرَّفة بأنها "أي شيء صنعه الإنسان قبل العام 1700 م، أو أي بقايا حيوانية أو نباتية تعود لما قبل العام 1300 م" -وينص قانون الآثار على ملكية الدولة للمواقع الأثرية والآثار والتحف. ومن ثم، يمنح القانون لهيئة الآثار، كمؤسسة حكومية، سلطة التنقيب عن الاكتشافات الأثرية وحفظها ودراستها ونشرها. وتشمل هذه المسؤولية قرارات السياسة العامة الرئيسية المتعلقة بالتنمية والتخطيط العمراني حول مواقع التراث(28). ومن بين الجوانب الأكثر إشكالية لهذا القانون عدم توفيره الحماية القانونية للآثار التي تعود إلى ما بعد العام 1700 م، وبالتالي ترك ثلاثة قرون من التراث دون حماية(29). ولم يتم توثيق هذا التاريخ الحديث إلا مؤخراً. واحتفظت العديد من الحفريات الواسعة التي أجريت مباشرة بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، بتركيزها الأساسي على بقايا ما يسمى بفترتي الهيكل الأول والثاني، بما في ذلك تلك الموجودة في سلوان (حفريات مدينة داود) وفي الحي اليهودي وحول الزاوية الجنوبية الغربية للحرم الشريف (الحفريات الجنوبية في جبل الهيكل)(30). من ناحية أخرى، كانت الحفريات التي أجريت منذ منتصف التسعينيات تقريباً، أكثر دقة في كشف وتسجيل جميع طبقات البناء والودائع بشكل متساوٍ، وبالتالي تحقيق العدالة للمسؤول فئة العمل المنقذ. ومن الأمثلة على ذلك المبادرات الأخيرة التي نفذت في أنفاق الحائط الغربي وبالقرب من البوابة الجديدة، والتي تظهر أدلة على دمار حربي 1948 و 1967(31). ومع ذلك، لا تعكس ممارسات الحفظ والعرض هذا التطور المهني؛ فاستمرت الحفريات على العمل لإبراز الثقافة المادية وثيقة الصلة بالأصل اليهودي للمدينة. ويظهر بيان مهمة هيئة الآثار كيف يتم استثمار جهود كبيرة في الحفاظ على الآثار وعرضها. يهدف قسم الحفظ ( مينهال شيمور-מינהל שימור) إلى حماية الأصول الثقافية والتراث العمراني في إسرائيل "من وجهة نظر وطنية". ووفقاً للتعريف الرسمي "هذا التراث" ،"عبارة عن فسيفساء من الثقافات التي كانت موجودة في المنطقة منذ فجر الإنسانية حتى الوقت الحاضر"(32). وتقع السلطة النهائية للحفاظ على المواقع أو تدميرها في أيدي مدير هيئة الآثار- بشكل عام ويتطلب موافقة اللجنة الوزارية للأماكن المقدسة(33) Ministerial Com¬mittee for Holy Places. بمعنى آخر، يحتفظ الإطار الإداري الحالي بصلاحية تحديد جوانب التراث التي يجب إبرازها لهيئة حكومية، حيث يلعب الصوت الأثري المحترف دوراً هامشياً ليس إلّا. وظهر لوبي في الكنيست يهتم بالآثار في العام 1996، من أجل التأكيد وإضفاء الطابع الرسمي على الارتباط الحكومي بجميع الأنشطة الأثرية في البلاد، وينظر إلى نشاط هذا اللوبي كأحد الروافد التي تساعد هيئة الآثار على إنجاز مهامها. ويعتمد عمل اللوبي على وجهة النظر القائلة بأن المواقع الأثرية والتحف تشكّل التراث الثقافي لإسرائيل. ومن الناحية النظرية، يتبنى اللوبي التسامح تجاه أعضاء جميع المجموعات الدينية والثقافية، لكنه يحتفظ، على صعيد الممارسة العملية، بالتحكم واتخاذ القرارات المطلقة المتعلقة بحماية التراث الثقافي والحفاظ عليه باسم ومصلحة الدولة اليهودية، التي تعطي الأولوية للمواطنين اليهود وديانتهم وتقاليدهم وجذورهم الثقافية.
الجهود الفلسطينية
نظراً لعدم وجود بلدية رسمية يسيطر عليها الفلسطينيون في القدس، فقد تبنت هيئات إدارية مستقلة مختلفة وظائف اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تلبي احتياجات وعادات السكان المحليين غير اليهود(34). واشتملت جهود "الوقف" في خدمة المجتمع الإسلامي الفلسطيني في الحفاظ على التراث الثقافي. وتابعت مؤسسة الرعاية الفلسطينية [تعاون] هذا العمل، بدءً من [تأسيسها في] العام 1983، المكرس للتراث الثقافي لكل من السكان المسيحيين والمسلمين. أدى تقليص سلطة القيادة الإسلامية للمدينة بشكل كبير، في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، إلى وضع معقد للغاية فيما يتعلق بإدارة المواقع التي كانت تخضع سابقاً للملكية الإسلامية، والأهم من ذلك، في الحفاظ على آثار المدينة التي لها أهمية مقدسة بالنسبة المسلمون، محلياً وإقليمياً ودولياً(35). وساهم الصراع على السلطة، الذي لم يتم حله بين الأردن وإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى البروز المتزايد والدور المتنامي للحركة الإسلامية في إسرائيل في الحفاظ على التراث الثقافي(36). وتعود بدايات ظهور مؤسسات الوقف الإسلامي في القدس إلى منتصف القرن السابع. لم تبدأ هذه المؤسسات في لعب دور مهم في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية لمدينة القدس إلا في العصر الأيوبي. ومنذ العام 1967 -وهو الوقت الذي دمجت فيه مؤسسة وقف القدس في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف الأردنية المنشأة حديثاً -وهو معروف في الغالب بالسيطرة على المباني الإسلامية في الحرم وإدارتها، لكن ممتلكاتهم تشمل حوالي نصف المدينة القديمة، وبالتالي، فهي تحدد معظم المشهد العمراني والإطار المعماري(37). مارست إدارة الأوقاف، منذ زمن الحكم البريطاني، جهوداً معتبرة للحفاظ على الطابع العربي والإسلامي للمدينة. وكما ذكرنا سابقاً، بدأت العديد من مشاريع البناء في عهد الحاكم الأيوبي صلاح الدين، وطرأت زيادة كبيرة أخرى خلال الفترة المملوكية(38). وشكّل وقف أبو مدين أحد أهم الأصول في المدينة ويشمل معظم حي المغاربة الذي تأسس في العام 1320 م. ودمّر أثناء بناء حائط المبكى في العام 1967. أصبحت إدارة الوقف في القدس مسؤولة أمام وزارة الأوقاف في عمان، منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، ويشرف المدير العام في القدس على أقسامها المتعددة التي تشمل الآثار الإسلامية والهندسة والصيانة، ومشروع ترميم المسجد الأقصى، وشؤون الحج. وسلّمت إسرائيل، في العام 1967، إدارة وصيانة منصة الحرم وجميع المباني المرتبطة بها إلى الوقف، على الرغم من عدم اعترافها قانونياً بإدارة الوقف -مثلما ترفض إدارة الوقف الاختصاص [القانوني] الإسرائيلي-(39) . ولكن هذا لم يمنع أن يكون هناك تواصلاً غير رسمياً بين الطرفين على المستوى الفردي، لاسيما قبل الانتفاضة الثانية في أيلول-سبتمبر2000 . لكن هذا التعاون كان، منذ البداية، ضئيلاً فيما يتعلق بالأمور المتعلقة بالمحافظة على الممتلكات الثقافية(40). وكانت معظم مشاريع الترميم، التي نُفّذت تحت رعاية وقف القدس، تتعلق بالبنى المحلية، ضمن برنامج عمل شمل معظم الأماكن من قبل قسم الآثار أو وزارة الإسكان(41). وأحد مشاريع إدارة الوقف كان مشروع ترميم المسجد الأقصى، الذي نال في العام 1986 جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية. وتركّز على أعمال الزخارف المطلية التي تعود إلى القرن الرابع عشر للديكور الداخلي للقبة، باستخدام تقنية trateggio، وهي طريقة تستخدم فيها الخطوط العمودية الدقيقة لتمييز المناطق المعاد تشكيلها عن المناطق الأصلية.
تأسست في العام 1983 مؤسسة التعاون لدعم التنمية الفلسطينية في المنطقة. وهي منظمة فلسطينية غير حكومية، مقرها في جنيف، وتموّل وتنفّذ مشاريع ترميم في المدينة القديمة عن طريق فرعها التقني المعروف باسم المركز الاستشاري للتنمية (CDC) Center for Development Consultancy. وأطلقت المؤسسة في العام 1995، بالتعاون مع الوقف الإسلامي واليونسكو، برنامج إحياء مدينة القدس القديمة (OCJRP) Old City of Jerusalem Revitalization Program الطموح والمكرّس للحفاظ على المعالم التاريخية وخلق نوعية حياة أفضل للسكان. كما يهدف المشروع، بالإضافة إلى ترميم الآثار القديمة، إلى توفير فرص التدريب والتعليم للسكان المحليين، وزيادة الوعي العام بقيمة المباني التاريخية. ودعَم البرنامج، حتى الآن، أكثر من 160 مشروعاً، بما في ذلك هياكل المنازل -سواء كانت منازل فردية، من طابقين أو ثلاثة طوابق تضم أسرة واحدة أو اثنتين، أو مجمّعات سكنية تقليدية (حوش) تضم عدة وحدات مبنية حول فناء مركزي، يسكنها ما يصل إلى عشر عائلات. وبقية الأعمال الإضافية الأخرى كانت موجهة لترميم المباني العامة، العلمانية والدينية على حد سواء، بما في ذلك بيوت الضيافة والمدارس الدينية والكنائس والمساجد. وأحد المعالم العامة النموذجية هو مجمع دار الأيتام الإسلامية، الحائز أيضاً على جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية، والذي رُمّم بين عامي 1999 و2004. ويتكون المجمع من خمسة مبانٍ تعود للعصور المملوكية والعثمانية، يعود أقدمها إلى العام 1388. ويتعلق مشروع آخر، من برنامج إحياء مدينة القدس القديمة، بمبنى تكية الأميرة (خاصكي سلطان) ودار الست طنشق [المظفرية]، والتي تم دمجها في 1921-1922 وتحويلها إلى دار للأيتام. تخدم هذه المباني إلى جانب العديد من المباني الأخرى مجموعة متنوعة من الأغراض التعليمية. ومن الواضح أن المساهمة الفلسطينية في الحفاظ على التراث الثقافي في القدس تبدو مهمة صعبة. على عكس عمل البعثة الإسرائيلية، التي تسيطر عليها الحكومة وتديرها، بكفاءة، من خلال شبكة منظمة وموحدة. ولا تزال الجهود الفلسطينية مبعثرة نسبياً. علماً أن السلطات الإدارية المتنافسة، (الأردن، إسرائيل، منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤخراً الحركة الإسلامية في إسرائيل)، تعيق عمليات الحفاظ على الحرم، وهو أهم أثر إسلامي تاريخي وديني في المدينة. ولا يوجد برنامج موحد للحفاظ على الأصول الثقافية في القدس الشرقية، على الرغم من إحراز تقدم كبير في السنوات الأخيرة. كما أن وجود سلطات إدارية منفصلة متعلقة للتراث الإسلامي والمسيحي للمدينة يفسر، جزئياً على الأقل، غياب برنامج متماسك وإدارة مركزية. وطغت، أخيراً، المشاكل والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإنسانية على الاهتمام العام، المحلي منه والدولي على حد سواء، بالتراث الثقافي، حيث اعتبرت تلك المشاكل تحمل أولويات أعلى بين معظم الجهات التي تقدم الدعم المالي واللوجستي.
مبادرات اليونسكو
يغطي تعريف اليونسكو وتقديرها للتراث الثقافي للقدس نطاقاً زمنياً وموضوعياً واسعاً لإرث المدينة. وبعيداً عن التركيز الرئيسي لسلطة الآثار الإسرائيلية على "التراث الحفري والأثري والمعماري" للمدينة، ينصب اهتمام اليونسكو الرئيسي على السمات "المادية وغير المادية" لثقافات المدينة في الماضي والحاضر. وهي تكمّل أنشطة سلطة الآثار الإسرائيلية وتستثمر، في الواقع، بشكل أساسي في تلك المجالات ذات الأولوية المنخفضة للمؤسسات الحكومية الإسرائيلية. وكانت اليونيسكو قد أصدرت في وقت مبكر من العام 1968، بعد فترة وجيزة من استيلاء إسرائيل على القدس الشرقية، أول إدانتها للنشاط الأثري الإسرائيلي في البلدة القديمة، تعرب فيه عن اعتراضها على أيّة محاولة لتغيير "سماتها أو طابعها الثقافي والتاريخي، لا سيما فيما يتعلق بالمواقع الدينية المسيحية والإسلامية"(42). ومع هذا، لم يتم اعتماد نظام محدد يمكّن الدول الأعضاء من ترشيح مواقع لإدراجها في قائمة التراث العالمي (WHL) حتى التوقيع على اتفاقية اليونسكو للتراث العالمي في العام 1972. ووضعت هذه الطريقة لحماية وإدارة مواقع التراث الطبيعي والثقافي التي تعتبر ذات قيمة عالمية استثنائية. وأعلنت مدينة القدس القديمة كموقع تراث عالمي (WHS) في العام 1981، بمبادرة من الأردن، وأدرجت في العام التالي في قائمة التراث العالمي المعرضة للخطر(43) . تكمن أهمية إدراج المدينة القديمة في كلا الحالتين في أن هذا الإعلان يقدّم دعماً مبدئياً لاعتبار تراث مدينة القدس ملكاً للجميع, ويتطلب، بالتالي، حمايته من قبل المجتمع الدولي. وعُيّن أول ممثل رسمي لليونيسكو في المدينة في العام 1973، وكان مكلفاً بالإبلاغ عن تطور النسيج العمراني للمدينة. وكانت العلاقات بين إسرائيل واليونيسكو وديّة نسبياً في عقد السبعينيات، والتي تزامنت زمنياً وإلى حد ما إيديولوجياً مع فترة عمل البروفيسور ريموند لومير كمدير عام لممثل اليونيسكو الخاص في القدس بين عامي 1971 و1974(44). وعلى الرغم من دعم اليونيسكو أنشطة إسرائيل للحفاظ على المدينة القديمة، إلّا أنها انتقدت، منذ البداية، في العديد من المرات، الحفريات في الزاوية الجنوبية الغربية للحرم الشريف (الحفريات الجنوبية لجبل الهيكل)، والتي كان ينظر لها كحفريات غير قانونية وفقاً للرأي الدولي(45). كما شكّكت في مشروع النفق شمال القدس. Western Wall Plaza (حفر أنفاق الحائط الغربي)، سواء من حيث رسالته الإيديولوجية أو الأساليب العلمية المستخدمة، بالإضافة إلى التعبير عن قلقها من الحالة المزرية للتراث الإسلامي في القدس، وأنشأت في العام 1987، حساباً خاصاً لحفظ التراث الثقافي للمدينة، مع التركيز، بشكل خاص، على الآثار الإسلامية(46). وأدى هذا الجهد إلى تعاون ثلاثي بين اليونسكو، والأوقاف الإسلامية، ومؤسسة التعاون، الذي تحوّل إلى تعاون رسمي في العام 1997. وأتاحت هذه الشراكة تنفيذ برامج ترميم وتجديد مختلفة لتشجيع وزيادة الإقامة الدائمة للمسلمين الفلسطينيين في البلدة القديمة، بصورة أساسيّة(47). وتضمنت هذه الجهود، أيضاً، مسح ورسم خرائط للمباني التاريخية، وأعمال ترميم لقبة الصخرة والمسجد الأقصى، إلى جانب برامج تدريبية في طرق الحفظ والصيانة، وأخيراً برامج التواصل الاجتماعي المختلفة لدعم المجتمع المحلي.
دفعت التوترات السياسية المتصاعدة في المنطقة، خلال الانتفاضة الثانية والاشتباكات شبه اليومية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في القدس، اليونسكو إلى إرسال وفد خاص إلى المدينة لإعادة تقويم حالة الحفظ مرة أخرى. وأسفر التفتيش عن خطة عمل لحفظ التراث الثقافي للمدينة القديمة، إلى جانب الاعتراف الرسمي بأن التراث الثقافي للقدس لا يشمل مواقع التراث العالمي WHS فقط، بل يشمل، أيضاً، مجموعات المتاحف والأرشيفات، فضلاً عن التراث غير المادي للمدينة. والقيم الروحانية. وبدأت المرحلة الأولى من الخطة، التي تتكون من قاعدة بيانات موحدة تضم جميع موارد التراث في القدس، في كانون الثاني-يناير 2005 وتم الانتهاء منها منذ ذلك الحين. وأعلن عن انطلاق المرحلة الثانية في العام 2008، وهي المرحلة المصمّمة لدعم برنامج التدريب المهني لتدريب الحرفيين المحليين، الذي يستهدف في الغالب سكان القدس. وتشمل خطة العمل، من الناحية الهيكلية، على عدة مشاريع لترميم الآثار القديمة والشوارع والأماكن المفتوحة. وجددت، في هذا السياق، العديد من المباني السكنية والتجارية بهدف مزدوج هو الحفاظ على المشهد الحضري الفريد للمدينة وتحسين جودة المعيشة لسكانها. ومن الأمثلة الجديرة بالملاحظة إعادة تأهيل واجهات مجمع الساحة، ومشروع ترميم كنيسة القديس يوحنا المعمدان [المعروفة باسم كنيسة القديس يوحنا الرائد St. John Prodromos]، وإنشاء مركز لترميم المخطوطات الإسلامية الموجود بالمدرسة الأشرفية، وأخيراً صيانة وتجديد وتنشيط المتحف الإسلامي بالحرم الشريف ومجموعته. توفر معظم هذه الجهود فرص التعليم والتدريب للسكان المحليين. على الرغم من الجهود التعاونية العديدة بين اليونسكو والمنظمات الفلسطينية على مر السنين، لم يُمنح الفلسطينيون العضوية الكاملة في اليونسكو حتى تشرين الأول- أكتوبر 2011(48). امتازت محاولات اليونيسكو للتأثير على المبادرات الإسرائيلية بتواضعها في معظم المبادرات الاستباقية التي تعود بالفائدة، بصورة أساسية، على المجتمع الفلسطيني في القدس. ففشلت، على سبيل المثال، الجهود المبذولة لوقف الحفريات في مدينة داوود وباب المغاربة أو الإنشاءات المخطط لها لمركز كيديم קדם צנטר في سلوان ومبنى بيت هاليبا בבית הליבה בילדינג المقابل لحائط المبكى. وغالباً ما يُنظر إلى أنشطة اليونيسكو على أنها متحيزة، على الصعيدين المحلي والدولي بعكس ادعاءاتها، بأنها وكالة غير سياسية وتعمل للحفاظ على التراث الثقافي للبشرية جمعاء. ومن أبرز أعراض صعوبة الحفاظ على موقف محايد، مذكرة التفاهم الأخيرة حول التعاون بين اليونسكو وإسرائيل، وهي وثيقة تقرّ وتعترف بالتزامات الشراكة والتراث القائمة، الموقعة في العام 2008. وتمثل هذه الاتفاقية، بالنسبة للإسرائيليين، اعترافاً رسمياً لدورهم في القدس، في حين ينظر لها الفلسطينيون بأنها تعبر عن تمسك اليونسكو بعملية التطبيع السياسي، وإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي للمدينة. بدأت المناقشات والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية بين ممثلي اليونسكو والمسؤولين الإسرائيليين بشأن إمكانية توسيع المنطقة المدرجة في قائمة التراث العالمي WHL في نفس الوقت تقريباً، واقترح الإسرائيليون دمج جبل صهيون [جبل النبي داود] ومواقع أخرى خارج أسوار المدينة في المنطقة المحمية رسمياً(49).
وعلى الرغم من هذه المحاولات المنفردة للتعاون بين إسرائيل واليونيسكو، لا سيما فيما يتعلق بجهود الاتصال الشفوي أو الكتابي، تدهورت العلاقات بينهما بشكل أكبر على مدار العقدين الماضيين(50). وأظهر مؤشر صعوبة العلاقة في قدرة اليونسكو على اختيار الممثلين المقبولين لدى السلطات الإسرائيلية والتعيينات المتكررة قصيرة الأجل(51). بضاف إلى هذا انتقاد ليونيسكو الدائم والقاسِ للنشاط الأثري الإسرائيلي -إلى جانب دعمها الصريح للآثار الإسلامية، وإلى حد ما، للآثار المسيحية. يعتبر المجتمع الإسرائيلي، عموماً، أن دعم اليونيسكو للتراث الثقافي الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني الحي دليلاً على وجود أجندة مؤيدة للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل. وليس هناك شك في أن دور اليونسكو، كوسيط مستقل وحارس عالمي للتراث العالمي المهدد، قد تعرض للخطر بسبب المناخ الاجتماعي والسياسي الصعب في القدس(52). وينظر البعض إلى عجز اليونيسكو وعدم قدرتها على حماية التراث الثقافي للقدس، هو، في الواقع، أكثر وضوحاً من فعاليتها في الحفاظ على إرث المدينة المادي وغير المادي(53).
وكالات أخرى
تشمل المؤسسات المحلية الإضافية المخصصة للتراث الثقافي للمدينة: مؤسسة إلعاد Elad ومؤسسة تراث الحائط الغربي Western Wall Heritage Foundation، وتشارك كلتا المؤسستين، بنشاط، في التنقيب وعرض الاكتشافات الأثرية(54). وتتركز أنشطتهما حصرياً على السردية اليهودية (باستثناء التراث المسيحي والإسلامي) للمدينة القديمة، وغالباً ما تواجه مبادرات هاتين المؤسستين انتقادات دولية. وعلى الصعيد المحلي، تتصدى منظمة عمق شبيه עמק שווה لأنشطة إلعاد ومؤسسة تراث الحائط الغربي. وعمق شبيه، منظمة تضم مجموعة من علماء الآثار الإسرائيليين ونشطاء المجتمع الذي يشددون على "دور علم الآثار في المجتمع الإسرائيلي وفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". ويعتقدون، من وجهة نظرهم، إن "الثروة الثقافية للمواقع الأثرية، جزء لا يتجزأ من الأصول الثقافية للبلد وهي ملكية مشتركة لجميع المجتمعات والشعوب والجماعات الدينية التي تعيش هنا"(55). ومعظم مبادرات عمق شبيه مكرسة لمدينة القدس، بما في ذلك المحاضرات والجولات والمنشورات. كما يوجد منظمة محلية أخرى، سبق ذكرها، وهي الحركة الإسلامية في إسرائيل، والتي تعمل على الحفاظ على التراث الإسلامي للمدينة. ويبدو أن برنامج التراث الثقافي الذي تتبناه الحركة الإسلامية في إسرائيل يتمحور حول أجندة أيديولوجية وسياسية واضحة، على غرار الطريقة التي يتشابك بها التراث الثقافي والأيديولوجيا والسياسة بالنسبة للعديد من المنظمات التي نوقشت سابقاً(56). ويمكن أن نتطرق في الحديث عن منظمة دولية معنية بالتراث الثقافي للقدس، وهي التحالف من أجل استعادة التراث الثقافي في القدس ( آرتشARCH) Alliance to -restore- Cultural Heritage in Jerusalem ، التي تأسست في العام 2010 في جنيف، سويسرا. ويتركز نشاطها البحثي على الجوانب المادية وغير المادية للتراث الثقافي للمدينة، كما هو منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة(57). تشمل اهتمامات (آرتش ARCH): "علم الآثار والعمارة والآثار والمواقع المقدسة والآثار التاريخية والمخطوطات والمناظر الطبيعية ذات الأهمية الثقافية"، بالإضافة إلى الجوانب غير المادية للتراث الثقافي، مثل "اللغة واللهجات، والتاريخ الشفهي، والطقوس والاحتفالات التقليدية للاحتفال، والحرف اليدوية، والفولكلور، والموسيقى، والرقص، وغير ذلك من الفنون الأصلية"(58).
تراث ما تحت الأرض وما فوقها
تشترك العديد من المجتمعات والأمم والمنظمات المتعددة في الطموح للحفاظ على التراث الثقافي للمدينة، وهناك العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات التي تتعامل مع الجوانب المختلفة الأخرى للتراث الثقافي للمدينة، سواء جزئياً أو كلياً، بعكس احتكار إسرائيل المفروض على الحفريات في القدس، والتي تدار من خلال الوكالات الحكومية التابعة لسلطة الآثار الإسرائيلية (أو دائرة الآثارIDAM قبل العام 1990) وإدارة الطبيعة والمتنزهات INPA. فيعمل الوقف [الإسلامي] نيابة عن السكان المسلمين، وتعمل مؤسسة التعاون لصالح المجتمع الفلسطيني بشكل عام. وتكمّل اليونيسكو، باعتبارها تمثل المجتمع الدولي، جهود ومبادرات تلك المنظمات المحلية الكبرى. وعلى الرغم من الادعاء الشائع بأن هذه المبادرات ليست ذات دوافع سياسية، فقد ثبت أنه من الصعب، بل من المستحيل المناورة، دون التورط في الأجندات السياسية والأيديولوجية المتنوعة للمجموعات والمؤسسات المختلفة المتورطة في بناء سرديات القدس الأصلية والحفاظ على التراث الثقافي للمدينة.
يتمثل تركيز النشاط الإسرائيلي الذي يساهم في الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة في أعمال التنقيب الواسعة النطاق (أو يشكل متسق لمشاريع القدس الشرقية)، والتي تعرّفها إسرائيل، أو معظمها على أنها أعمال إنقاذ مكرسة للكشف عن البقايا المادية التي يمكن ربطها بما يقرب من ستمائة عام من تعطيل السيادة الإسرائيلية ومن ثم السيادة اليهودية لاحقاً في المدينة. ونظراً للمحدودية المتزايدة للأراضي المفتوحة فوق الأرض، على مدار العقدين الماضيين، تقوم العديد من الإجراءات تحت الأرض، مما يؤدي إلى إنشاء شبكة معقدة من الأنفاق والمساحات التي لا تخدم فقط كمساحة عمل للعديد من علماء الآثار والموظفين والعمال، ولكنها تلعب دوراً كواجهة سريعة النمو لاستقبال الزوار المحليين والسياح الدوليين. وتمت الإشارة بصورة متكررة وصريحة إلى تكريس رابط ملموس بين الماضي اليهودي للمدينة والعودة الصهيونية إلى الأراضي المقدسة. وأتاح هذا الارتباط المادي والإيديولوجي تبريراً ملموساً لمصادرة الأراضي، لا سيما في مجال السياسة الإسرائيلية لمشروع القدس الموحدة، وتشديد قيود البناء على السكان الفلسطينيين، وتطوير علم الآثار، والسياحة، ومبادرات البناء اليهودي في القدس الشرقية(59).
يتكرس النشاط الفلسطيني الداعم للتراث الثقافي للمدينة في الحفاظ على الحرم والعديد من المعالم الأثرية في الأحياء المسيحية والإسلامية في البلدة القديمة. ويتركز المحور الزمني بما مجموعه 1300 عام تقرباً من الحكم الإسلامي غير المنقطع ، بما في ذلك قبة الصخرة الأموية بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الكنائس والمساجد والمباني المحلية من العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية، والتي لا تزال تحدد إلى حد كبير الشخصية الحالية للمدينة القديمة. والهدف الرئيسي من هذا النشاط هو حماية المجتمع الحي، وزيادة الوعي بالتراث الثقافي الفلسطيني، وتحسين ظروف السكن، وتثقيف وتدريب السكان المحليين على تقنيات الحفظ والمحافظة(60). بينما يمكن اعتبار النشاط الأثري الإسرائيلي في القدس الشرقية المكرس في الغالب لكشف الطبقات المخفية عن طريق الحفر وإنشاء مستويات تحت الأرض، ليس سوى محاولة موضع شك للتعويض والتغلب على التراث المبني المكشوف، والذي غالباً ما يكون ذا أبعاد ضخمة ومسيحياً وإسلامياً في طبيعته في أغلب الحالات. ويبدو أن حماية التراث الثقافي للمدينة في غاية الصعوبة نظراً لغياب قرار سياسي وإجماع دولي بشأن وضع القدس، فضلاً عن عدم وجود تنسيق واتفاق بين مختلف الجهات المسؤولة أو المدافعة عن التراث الثقافي للمدينة، لتنفيذ خطة شاملة للقدس. علماً أن هناك اهتمام متزايد بقضايا التراث الثقافي في القدس، وتوافر العديد من المبادئ والمفاهيم القانونية المصممة بعناية والتي تنظم إجراءات التنقيب والعرض، وفضلاً عن أعداد كثيرة من الجمعيات والمؤسسات المكرسة لهذه المبادرات، ولكن هذه العوامل تعرقلها المصالح المتعارضة للاعبين الرئيسيين. إن الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الفلسطيني للمدينة مبعثرة للأسف، ونتيجة لذلك فهي غير فعّالة إلى حد كبير. وبطريقة مناقضة، تظهر جهود التدخلات الإسرائيلية للحفاظ على الإرث الإسرائيلي وبنائه منسقة ومركزة وقوية على نحو مطّرد.
ملاحظات:
يوجد في النص الأصلي مجموعة من الأشكال والمصورات يمكن الرجوع إليها لمن يرغب.
العنوان الأصلي: Finding Jerusalem Archaeology between Science and Ideology
المؤلف: Katharina Galor
الناشر: UNIVERSITY OF CALIFORNIA PRESS. 2017
هوامش الفصل الثالث
ا- بعد أيام قليلة، غير هرتزل رأيه. واقترح بناء مدينة علمانية جديدة خارج الأسوار وترك الأضرحة المقدسة في جيب خاص. لقد كان تعبيراً مثالياً عن المثل الأعلى العلماني: يجب حصر الدين في مجال منفصل، حيث سيصبح عاجلاً، عبارة قطعة في المتحف، T. Herzl, The Complete Diaries of Theodor Herzl, ed. R. Patai, 2 vols. (London and New York: Herzl Press with Thomas Yoseloff, 1960), 745.. وبعد عقدين من هرتزل، قدم عالم الآثار البريطاني، و. م. فليندرز بتري اقتراحاً مشابهاً بهدم جزء كبير من المدينة القديمة وإزالة بقايا العصور الوسطى واستعادة طبقات السكن اليهودية، Palestine Exploration Quarterly Statement 5, 1919, 3. See also S. Gibson, “British Archaeological Work in Jerusalem between 1865 and 1967: An Assess¬ment,” in Galor and Avni, Unearthing Jerusalem, 48.
2- انظر، Benvenisti, City of Stone, 136.
3- كان هناك حتى مطلع القرن العشرين حولي خمسين كنيساً ومعبداً يهودياً في حارة اليهود. المثير للدهشة أنه بحلول العام 1975، تم تجديد أربعة مباني فقط من المباني المدمرة كلياً أو جزئياً. وأشار كل من سلاي وكارك وشوفال Slae, Kark, and Shoval في In “Post-War Reconstruction and Conservation,” (382), إلى أنه بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، كان يُنظر إلى قيمة التراث المرتبط بالمؤسسات الدينية على أنه شأن عفا عليه الزمن
4- انظر، M. Dumper, The Politics of Sacred Space: The Old City of Jerusalem in the Middle East Conflict (Boulder, CO: Lynne Rienner, 2002), 175 and N. al-Jubeh, “Bab al-Magharibah.”
5- يوثق ريكا، فيما يتعلق بإعادة اختراع القدس، عملية إعادة الإعمار ويشرح التداعيات، المحلية والدولية، الثقافية والإيديولوجية، ويقارن إعادة إعمار الحي اليهودي بمبادرات ترميم حضرية معاصرة وبخلص إلى أنه لو اتبعت معايير دولية واستشارات لخبراء أجانب لكان من الممكن مدى الدمار الواسع، وفقاً لسلاي وكارك وشوفال ،اعتبر مائة مبنى ( الثلث) من المباني القديمة في الحي مناسب للترميم (“Post-War Reconstruction and Con¬servation,” 377).
6- انظر، See M. Inbari, Jewish Fundamentalism and the Temple Mount: Who Will Build the Third Temple? (Albany: State University of New York Press, 2009), 17–30. بعض من يدافع عن عودة المجمع دون بناء معبد.
7- يقارن م. دومير وسي. لاركن حالة التراث الثقافي في القدس بالمدن الأخرى ذات التكوين السياسي والديني المعقّد، مثل فاس وحلب وموستار وكوسوفو. راجع،“The Role of UNESCO in Jerusalem’s Old City,” Jerusalem Quarterly 39 (2009): 16–28.
8- هذا الاقتباس (والاقتباسات الأخرى في بقية هذه الفقرة) مأخوذ من “The Conservation of Jerusalem’s City Walls,” on the IAA website, https://www.antiquities.org.il/jerusa¬lemwalls/default-eng.asp.
9- انظر، https://www.iaa-conservation.org.il/article_Item_eng.asp?subject_id=42&id=118.
10- الأدبيات عديدة وواسعة. لحصول على بعض المنشورات المختارة الحديثة، انظر، T. Webb, “Ap¬propriating the Stones: The ‘Elgin Marbles’ an English National Taste,” in Barkan and Bush, Claiming the Stones, 51–96. C. C. Coggins, “Latin America, Native America, and the Poli¬tics of Culture,” in Barkan and Bush, Claiming the Stones, 97–115 L. Smith, Archaeological Theory and the Politics of Cultural Heritage (London: Routledge, 2004) and N. Moore and Y. Whelan, Heritage, Memory and the Politics of Identity. New Perspectives on the Cultural Landscape (Aldershot, England: Ashgate, 2008).
11- انظر، J. B. Scott, The Hague Conventions and Declarations of 1899 and 1907 (New York: Ox¬ford University Press, 1918). للحصول على إعادة تقويم حديثة للاتفاقيات W. C. Banks, New Battlefields/Old Laws: Critical Debates on Asymmetric Warfare (New York: Columbia University Press, 2011).
12- انظر، K. Jote, International Legal Protection of Cultural Heritage (Stockholm: Jurisförlaget, 1994), 19 and Ricca, Reinventing Jerusalem, 129.
13- كان هذا أول إطار قانوني دولي لمكافحة الاتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية في أوقات السلم.
14- انظر، S. Titchen, On the Construction of Outstanding Universal Value: UNESCO’s World Heritage Convention and the Identification and Assessment of Cultural Places for Inclusion in the World Heritage List (PhD diss., Canberra, Australian National University, 1995), 94.
15- تم إعداد الميثاق من قبل اللجنة الدولية لإدارة التراث الأثري(ICAHM) ووافقت عليه الجمعية العمومية التاسعة في لوزران
16- انظر، Article 3, on Legislation and Economy.
17- حول الطبيعة المتنازع عليها للأماكن المقدسة في القدس، انظر، see Dumper, Politics of Sacred Space Dumper, “The Palestinian Waqf ” S. Berkovitz, The Wars of the Holy Places: The Struggle over Jerusalem and the Holy Sites in Israel, Judea, Samaria and the Gaza District. (Jerusalem: Hed Arzi Publishing House and the Jerusalem Institute for Israel Studies, 2001) and D. E. Guinn, Protecting Jerusalem’s Holy Sites: A Strategy for Negotiating a Sacred Peace (Cambridge: Cambridge University Press, 2006).
18- انظر، M. M. Kersel, “The Trade in Palestinian Antiquities,” Jerusalem Quarterly 33 (2008): 24.
19- انظر، Kersel, “Trade in Palestinian Antiquities,” 25–26.
20- انظر، Katz, Jordanian Jerusalem, 144.
21- تفحص كاتس في Jordanian Jerusalem (1–15, 118–36) الجهود التي استثمرتها الدولة الأردنية الحديثة في الأماكن المقدسة ذات المعنى الوطني وكيف أثر ذلك على السياحة والحج إلى القدس، وتجادل كاتس بأن المواقع الإسلامية والمسيحية في المدينة أصبحت نقطة محورية في هوية الأردن. حول مساهمة الأسرة قبل الدولة في ترميم قبة الصخرة، انظر، Katz, chapter 4. On the Second Hashemite Restoration after the coronation of King Hussein, see https://www.kinghussein.gov.jo/islam_restoration.html.
22- انظر، Kersel, “Trade in Palestinian Antiquities,” 27.
23- للحصول على تحليل نقدي للنشاط الأثري الإسرائيلي في القدس بين 1967-2007 ودوره الإيديولوجي في دعم فكرة مدينة "موحدة"، انظر، For a critical analysis of Israeli archaeological activity in Jerusalem between 1967–2007 and its ideological role in support of a ‘unified’ city, see R. Greenberg, “Extreme Exposure: Archaeology in Jerusalem 1967–2007,” Conservation and Management of Archae¬ological Sites 11 (2009), 262–81. وحول الأدوار القومية والإيديولوجية لعلم الآثار الإسرائيلي في القدس، انظر، Abu El-Haj, “Translating Truths,” 168–85 and Abu El-Haj, Facts on the Ground, 130–62.
24- بالإضافة إلى الموارد الكبيرة التي أتاحتها إلعاد والأموال العادية لهيئة الآثار الإسرائيلية، وفرت الحكومة مليار شيكل _حوالي 270 مليون دولار) لإنفاقها على النشاط الأثري والتنمية السياحية في القدس الشرقية بين عامي 2005 و2013
25- انظر، S. Berkovitz, The Temple Mount and the Western Wall in Israeli Law, The Jerusa¬lem Institute for Israel Studies Series 90 (Jerusalem: JIIS and the Jerusalem Foundation, 2001), 13.
26- على الرغم من أن إسرائيل تعتبر نفسها قد ورثت هذا الحق، وأنها تتمتع بسلطة قضائية نهائية على جميع الأماكن المقدسة في المدينة، إلا أنها تنازلت ضمناً عن استقلال إداري محدود لمجمع الحرم لإدارة الوقف، وهذا يستثني بطبيعة الحال السيطرة المادية والترتيبات الأمنية التي لها علاقة بالموقع
27- انظر، See M. Dumper and C. Larkin, “The Politics of Heritage and the-limit-ations of In¬ternational Agency in Divided Cities: The Role of UNESCO in Jerusalem’s Old City,” Review of International Studies 38 (2012): 30.
28- للاطلاع على التعريف الرسمي الحالي لهيئة الآثار الإسرائيلية، انظر، https://www.antiquities.org.il. Dumper and Larkin, “The Politics of Heritage,” 6–7.
29- ناقش الجبة في N. al-Jubeh, “Palestinian Identity and Cultural Heritage,” in Temps et espaces en Palestine, Contemporain publications, no. 25, ed. R. Heacock (Beirut, Lebanon: Institut français du Proche-Orient, 2005), 26. الطبيعة الإشكالية للحماية القانونية فقط لتلك الآثار التي سبقت 1700 م.
30- تعلق أبو الحاج على التركيز الحصري على الفترة المحيطة بالهيكل الأول والثاني لكنه لا يعترف بالتغيير في علم الآثار الإسرائيلي منذ التسعينيات تقريباً، انظر، Abu El-Haj, “Translating Truths,” 172, 174, 176 and Abu El-Haj, “Producing (Arti) Facts,” Archaeology and Power during the British Mandate of Palestine.” Israel Studies 7.2 (2002): 46–47) . وعلى الرغم من على الرغم من التركيز العام على الهياكل الهيرودية في الحفريات التي قام بها بنيامين مزار، فقد تم الحفاظ على المجمع الأموي الحكومي عند سفح الركن الجنوبي الغربي للحرم وترميمه، وهو عمارة عن مجمع معماري إسلامي قديم، ويظهر بكل بارز في الحديثة الأثرية.
31- انظر على سبيل المثال، for example, B. Z. Kedar, S. Weksler-Bdolah, and T.Da’adli, “Madrasa Afdaliyya / Maqam Al- Shaykh ‘Id: An Example of Ayyubid Architecture in Jerusalem,” Revue Biblique 119 (2012): 271–87 A. Onn, S. Weksler-Bdolah, and R. Bar-Nathan, “Jerusalem, The Old City, Wilson’s Arch and the Great Causeway. Preliminary Report,” Hadashot Arkheologiyot 123 (2011)´-or-S. Weksler-Bdolah, A. Onn, B. Ouahnouna, and S. Isilevitz, “Jerusalem, the Western Wall Plaza Excavations, 2005–2009. Preliminary Report,”Hadashot Arkheologiyot 121 (2009).
32- حول الدور الموسع لقسم الحفظ في هيئة الآثار الإسرائيلية، انظر، https://www.iaa-conservation.org.il (in Hebrew)´-or-www.iaa-conservation.org.il/index_eng.asp (English version).
33- انظر، Dumper and Larkin, “Politics of Heritage,” 26.
34- انظر، منذ أن ألغت الحكومة الإسرائيلية البلدية العربية في العام 1967، كان هناك إجماع فلسطيني على مقاطعة الانتخابات البلدية الفلسطينية.
35- حول العلاقات المعقدة بين إسرائيل والأردن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وإدارة الوقف، لاسيما في القدس، بعد أوسلو، انظر، Larkin and Dumper, “In Defense of Al-Aqsa,” 34–35.
36- حول دور جمعية الأقصى، أو الإسلاميين الفلسطينيين، بقيادة الشيخ رائد صلاح والتزامهم بإعادة تأهيل وترميم "الأماكن المقدسة" في إسرائيل، وعلى وجه الخصوص في القدس الشرقية والحرم، انظر، Larkin and Dumper, “In Defense of Al-Aqsa,” 31–39.
37- بحسب Dumper (“The Palestinian Waqf,” 203–5) Dumper (“The Palestinian Waqf,” 203–5) ،يمتلك الوقف ما يقرب من 67% ، أو أكثر من ثلثي البلدة القديمة في القدس. يشير الاستطلاع الأخير لبرنامج إعادة إحياء القدس التابع لمؤسسة التعاون إلى أن 21.4% من المنازل السكنية مسجلة على أنها أوقاف إسلامية أو مسيحية ، في حين أن 24 % أخرى كانت أوقاف عائلية، (Welfare Association, Jerusalem: Heritage and Life: Old City Revitaliza¬tion Plan [Jerusalem and Ramallah: Welfare Association, 2004], 70 and 105–6). وحول تأسيس وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، انظر، Katz, Jordanian Jerusalem, 6.
38- انظر، Dumper, “The Palestinian Waqf,” 201.
39- حول إدارة أملاك الوقف في القدس، انظر، Y. Reiter, “The Adminis¬tration and Supervision of Waqf Properties in 20th Century Jerusalem,” Varia Turcica (Istan¬bul: Institut Français d’Études Anatoliennes 26, 1994), 169–82 Y. Reiter, Islamic Endowments in Jerusalem under British Mandate (London: Frank Cass, 1996), 146–206 and Y. Reiter, Islamic Institutions in Jerusalem: Palestinian Muslim Administration under Jordanian and Israeli Rule (The Hague, London and Boston: Kluwer Law International, 1997), 23–45.
40- كان لقسم الآثار الإسلامية التابع لإدارة الوقف اتصالات غير رسمية مع الأكاديميين الإسرائيليين، انظر Reiter, Islamic Institutions in Jerusalem, 208 Avni and Seligman, Temple Mount, 24–42.
41- كما أشارا- بحق- لاركين ودومير " إلى جانب لحفاظ على المعالم والمواقع الدينية، يجب ربط حفظ التراث بإعادة إحياء المناطق الحضرية، مع تحسين المرافق الاجتماعية، مثل الإسكان والمرافق الصحية وإمدادات المياه، انظر، Larkin and Dumper, “UNESCO and Jerusalem,” 21.
42- انظر، See General Conference of UNESCO Resolution on protection of cultural property in Jerusalem 15C/Resolutions 3 342 and 3.343 82 EX/Decision 4.4.2, 83 EX/Decision 4.3.1, 88 EX/Decision 4.3.1, 89 EX/Decision 4 4.1, 90 EX/Decision 4.3.1, and 17C/Resolution 3.422.
43- انظر، كان الترشيح من قبل الأردن مثار جدل كبير، حيث لم تعد المملكة تسيطر على المدينة واعتبر البعض الترشيح خطوة سياسية.
44- حول علاقة لومير مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، انظر، Ricca, Reinvent¬ing Jerusalem, 146–52.
45- كان لومير أول مدير عام للتراث الثقافي في القدس بين عامي 1971 و1997، تمت مناقشة دور لومير الداعم لمبادرات التراث الثقافي الإسرائيلي بالتفصيل من قبل ريكا، انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 119–20, 127, 140–53.
46- أشار لومير، في تقريره الأخير للعام 1997، إلى أن السلطات الإسرائيلية قامت ببناء عريشة معدنية وسط الفناء السابق لأحد القصور الأموية التي شوهت الموقع انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 142.
47- انظر، See Dumper, “The Palestinian Waqf.”
48- حددت لوائح التخطيط التابعة للانتداب البريطاني بالفعل منطقة ممتدة باعتبارها المنطقة الأثرية في القدس، بما في ذلك وادي قدرون وحديقة الجسمانية وبركة سلوام وجبل صهيوني [جبل النبي داود] ووادي هنوم [وادي جهنم] ومنطقة ممتدة تشمل جبل الزيتون وقرية بيت عنيا.
49- حدد ريكا ثلاث مراحل لطبيعة العلاقة بين إسرائيل واليونيسكو بين عامي 1967 و1999 انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 153–54.وحدد دومير ولاركين مرحلة رابعة منذ بداية الانتفاضة الثانية في أيلول-سبتمبر 2000، انظر، Dumper and Larkin, “Politics of Heritage,” 37.
50- بعد وفاة لومير في العام 1997، كانت التعيينات إما قصيرة أو فاشلة، تم إرسال البروفيسور ليون بريسوير في مهمة في العام 1999، ثم تبعه البروفيسور أوليغ غرابار في عامي 2000 و 2001، وفي العام 2004 أوكلت المهمة إلى فرانشيسكو باندارين، مدير مركز التراث العالمي لليونيسكو.
51- كانت اليونسكو أول وكالة تابعة للأمم المتحدة انضم إليها الفلسطينيون منذ أن تقدم الرئيس محمود عباس بطلب للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة في 23 أيلول (سبتمبر) 2011. وتمت الموافقة على طلب منح الفلسطينيين عضوية اليونسكو بأغلبية 107 أصوات مقابل 14، وامتنع 52 عضوا عن التصويت. والياس صنبر هو ترجمة: محمود الصباغ
الجزء الثاني
التراث الثقافي
يعتبر تراث القدس مزيجاً ثقافياً تم دمجه مؤخراً في خطاب يتمحور حول من يملك الماضي. وفي واقع الأمر، يدور جوهر هذا الجزء، حيث يلتقي العلم مع الإيديولوجيا، حول التساؤل عن ملكية الآثار وتحديد المعايير الدولية للمبادئ الثقافية والعلمية، والعرقية، ودراسة السبل التي تؤدي إلى إمكانية تطبيق هذه المبادئ وتوجيهها لمختلف الإداريين الدينيين والسياسيين. يرتبط هذا التحقيق في فهم كيفية اتخاذ القرارات بشأن مكان الكشف، وما الذي يجب الحفاظ عليه، وكيفية عرض اللقى والبقايا الأثرية القادرة على رواية قصتها. ويستطلع النقاش حول التراث الثقافي الأطراف التي تنتج المعرفة وكيف تُنشر المعلومات وكيف تُعرض وتُستهلك في الأماكن التعليمية وفي أماكن العرض العامة مثل المعالم والمواقع والحدائق والمتاحف. إن التراث الذي على المحك له صلة باليهود والمسيحيين والمسلمين، وله صلة أيضاً، لاسيما في الفترة الحديثة/ بالإسرائيليين والفلسطينيين، الذين لا يمثل أيا منهم مجموعات متجانسة أو أصحاب مصالح متجانسة.
الفصل الثالث: من الدمار إلى الحفظ
عندما زار ثيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية الحديثة، مدينة القدس في العام 1898، أعلن أن ما صدّه عن المدينة "مخزون عفن عمره ألفي سنة من الوحشية، والتعصب، والقسوة" يفوح "من الأزقة ذات الكريهة" للبلدة القديمة. وتعهد بأن أول ما سوف يفعله الصهاينة سوف يكون هدم معظم المدينة، حالما يسيطرون عليها، وسوف يبنون، مكانها، وحول الأماكن المقدسة "مدينة جديدة متجددة الهواء ومريحة وقنوات صرف صحي جيدة،"(1). ودعا دافيد بن غورن (مؤسس دولة إسرائيل وأول رئيس وزراء للبلاد، ولاحقاً عضو الكنيست) إلى ما يشبه هذا القول، عندما استولت إسرائيل على القدس الشرقية والبلدة القديمة في العام 1967، عندما طلب بهدم جدران المدينة، لأنها غير يهودية، وهي تهدد، بالتالي، التواصل البصري للسيطرة الإسرائيلية(2). ورغم عدم تحقيق رغبتيهما، إلا إن هذا لايعني أن المدينة بقيت سليمة، إذ تعرّضت أجزاء واسعة من الموروثات الثقافي للدمار المتعمد، في أعقاب قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين في العام 1947. علماً أن العديد من الكنس وغيرها من المؤسسات اليهودية، لاسيما في الحي اليهودي [حارة اليهود]، هُجرت أو أُهملت أو هُدمت خلال فترة الحكم الأردني للبلدة القديمة، والقدس الشرقية بين عامي 1948 و1967(3) وبعد حرب 1967 مباشرة، وفي الساعات القليلة التي تلت الهدنة، أجلت السلطات الإسرائيلية سكان حي المغاربة الذي يقع قرب الحائط الغربي، وقامت بهدم وتجريف المنطقة التاريخية وإفساح المكان لإنشاء ساحة واسعة مفتوحة ستُضم لحارة اليهود(4). كما حصل بعض الدمار الإضافي في أمكان متفرقة في حارة اليهود (الحي اليهودي). وما حصل هنا، في واقع الأمر، أن البلدية استبدلت الأزقة والمباني التي تعود للقرون الوسطى، بمناظر مدينة جديدة تماماً، بدل الحفاظ على الطابع الأصلي للحارة، مما أدى إلى فصل متعمد -إثني وديني وثقافي ومعماري- بين المنطقة التي تم تجديدها وبين الأحياء الأخرى من البلدة القديمة(5). وتواصلت الحملات الرامية إلى تدمير المعالم التاريخية الهامة منذ احتلال القدس الشرقية في العام 1967. فحاولت، على سبيل المثال، جماعة أمناء جبل الهيكل Temple Mount Faithful والجماعات المتطرفة الأخرى في عديد من المرات تدمير الأضرحة الإسلامية المقدسة، واستعادة السيطرة اليهودية على المنطقة كخطوة أولى نحو إعادة بناء الهيكل في موقع المسجد، أي قبة الصخرة(6). وشهدت المواقف الفردية والعامة والمؤسسية، على مدار القرن الماضي، تغيرات وتطورات مهمة على صعيد البنية المفاهيمية والعملية تجاه نماذج ومشاكل التراث الثقافي والحفاظ عليه. ورغم التقدم الملحوظ في الخطاب العام والأكاديمي، حول التراث الثقافي، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة، مازال التقييد يعتري تنفيذ سياسات تقدمية في إسرائيل، لاسيما في الحوض التاريخي للقدس، ومازال تنفيذ مثل هذه السياسات يعاني ،أيضاً، من إعاقات عدة نتيجة الصراع السياسي(7)
ولعل أهم الدلالات التي تؤشر لهذا التقدم في تنفيذ تلك السياسات "التقديمة" من عدمه، فيما يتعلق في الاحتفاء بالإرث المعماري المتنوع في القدس يتمثل في أنه أحد أهم مشاريع الصيانة الحالية لهيئة الآثار الإسرائيلية، والتي تلفت نظرنا من جديد نحو أسوار المدينة، فبعد خمسين عاماً بالضبط من اقتراح هدمها كما جاء على لسان بن غوريون، حددت سلطة الآثار الإسرائيلية التحصينات العثمانية باعتبارها أحد "أصول التراث الثقافي الأكثر أهمية في المدينة"(8). وأُطلق مشروع الحفاظ على أسوار مدينة القدس في العام 2007 بهدف استخدام الأسوار العثمانية لتسليط الضوء على التاريخ الحديث لدولة إسرائيل، فضلاً عن الحفاظ على البناء الأصلي الذي يعود للقرن السادس عشر وتثبيته. من الجدير ذكره الإشارة إلى تعرض بعض الأحجار المحيطة ببوابة صهيون [ باب النبي داود أو باب حارة اليهود] للضرر، أثناء محاولة الهاغاناه (منظمة يهودية شبه عسكرية كانت نشطة في فترة الانتداب البريطاني، أصبحت فيما بعد أساس الجيش الإسرائيلي) اقتحام الحي اليهودي [حارة اليهود] في أيار -مايو 1948 (انظر الشكل 14). وأصبحت البوابة المرشقة بطلقات الأسلحة الرشاشة إحدى السمات المميزة لـ "القدس الموحدة" بعد حرب 1967، وهو ما قررت سلطة الآثار الإسرائيلية الحفاظ عليه، أي الرمز، ووصفه بـ "الحدث الوحيد الأكثر أهمية الذي ترك بصمته على واجهة البوابة في عامها الـ468(9). بعبارة أخرى، سواء اعتبرت أسوار المدينة العثمانية عقبة أمام بناء مدينة يهودية جديدة، أم عقبة توحيد المدينة باسم "القدس الموحدة" أو حتى وسيلة لإحياء ذكرى الرواية الإسرائيلية لـ "فتح" المدينة القديمة، فقد لعبت على الدوام دوراً عاماً في الخطاب الإيديولوجي حول القدس اليهودية.
واحتلت الفكرة القائلة باعتبار البقايا المادية للماضي، سواء كانت سليمة أو متضررة أو حتى مدمرة إلى حد كبير، تراثاً بشرياً مشتركاً وحمايتها من الاستغلال من قبل الدول القومية، مكانة ذات أهمية متزايدة في المناقشات الأكاديمية والعامة حول التراث الثقافي(10). وتبدو مهمة الحفاظ على الموروثات المادية وغير المادية للأمم أو الشعوب دون تعزيز الحماس الديني، أو دعم الخطاب الأيديولوجي، أو تأييد الأجندات الوطنية، مهمة معقدة وصعبة بشكل خاص لمدينة متنازع عليها مثل مدينة القدس.
الاتفاقيات والمبادئ التوجيهية والمواثيق الدولية
حُدد مفهوم حماية الممتلكات الثقافية من آثار الحرب لأول مرة في اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907 وفي معاهدة واشنطن للعام 1935(11). وبسبب زيادة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالممتلكات والمباني الثقافية خلال الحرب العالمية الثانية باتت الضرورة الملحة تتعلق في الحاجة إلى وضع مبادئ وإرشادات توجيهية وقوانين أكثر فعالية لحماية التراث الثقافي، لا سيما في المناطق التي عانت من أضرار جسيمة في زمن الحرب. وعبّرت ديباجة اتفاقية لاهاي للعام1954 عن هذه الضرورة حين استخدمت لأول مرة مفهوم التراث الإنساني المشترك، كمعنى مطابق للمقصود بـ الممتلكات الثقافية(12)، وأعقبها اتفاقية اليونيسكو في العام 1970 بعنوان" حظر ومنع الاستيراد والتصدير والنقل غير المشروع للممتلكات الثقافية"(13).
ونصت اتفاقية التراث العالمي للعام 1972، بشأن حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، على التزام الدول -أو الأطراف التي تعمل كدول- تقديم تقارير منتظمة إلى لجنة التراث العالمي بشأن الحفاظ على ممتلكات التراث العالمي الخاصة بها. وكانت هذه الاتفاقية واحدة من أنجح مساعي اليونسكو، وانعكس ذلك بتوقيع 167 دولة عليها. غطت معاهدات حماية التراث الثقافي في زمن السلم والحرب، وتخطت الحدود الوطنية للدول، ووضعت قواعد للتراث الطبيعي والثقافي. وكانت مهمتها الأساسية "تحديد التراث العالمي والحفاظ عليه من خلال وضع قائمة بالمواقع التي ينبغي الحفاظ على قيمها البارزة للبشرية جمعاء وضمان حمايتها من خلال تعاون أوثق بين الأمم"(14). وأعقب اتفاقية التراث العالمي للعام 1972 المصادقة، في العام 1995، على اتفاقية الممتلكات الثقافية المسروقة والمصدرة بطرق غير مشروعة التي أقرها المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (UNIDROIT). وأخيراً حُررت اتفاقية اليونسكو للعام 2001 بخصوص حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه. وتتفق هذه المبادرات، مجتمعة، على تأكيد القناعة بعدم اعتبار التراث الثقافي هبة محلية أو إثنية أو قومية محضة، بل، ينبغي النظر إليه، والتعامل معه، على أنه ملكية ثقافية للبشرية، وبالتالي ينبغي خدمته مسبقاً. ونشر المجلس الدولي للآثار والمواقع الأثرية (ICOMOS) وهو منظمة غير حكومية، ميثاقه الخاص بحماية وإدارة التراث الأثري، في العام 1990، عرض فيه بعض الإرشادات اللازمة لإدارة التراث الثقافي بتنوّعه وأشكاله كافة(15). ويمثل هذا إجماعاً توصل إليه الأكاديميون والمهنيون في مجال الحفاظ على الثقافة برغم عدم تمتع الميثاق بوضعية معاهدة دولية، كما ينص الميثاق صراحةً على أنه "يجب أن يستند التشريع إلى مفهوم التراث الأثري باعتباره تراثًا للبشرية ومجموعات الشعوب، ولا يقتصر على أي فرد أو أمة"(16). ولاشك أن جميع ما سبق له آثار معينة على مدينة القدس، ولكن، لا يبدو، في الحقيقة، لمثل هذه الإرشادات والاتفاقيات الدولية تأثيراً على واقع العمل الميداني الأثري والحفاظ عليه، وإن كان لها بعض التأثير على الخطاب الأكاديمي العام.
التراث الثقافي في القدس
عكس، مع مرور الوقت، تطور وتغير التصورات حول ما يشكل التراث الثقافي للقدس وتبنيها لوجهات نظر مختلفة وأحيانًا متعارضة، العديد من المجموعات الثقافية والإثنية والدينية والوطنية التي تدعي ملكية ماضي المدينة وحاضرها. وأُنشأ العديد من الهيئات الإدارية المحلية والدولية -سواء غير حكومية أو حكومية، تمثل مختلف الجماعات الدينية والعلمانية والسياسية وغير السياسية -لضمان الحفاظ على تراث المدينة. ويمكن تصنيف الكثير من التراث الثقافي في المدينة على أنه تراث ثقافي علماني(17)، على الرغم من أن بعض المعالم والمواقع الأكثر أهمية في القدس لها مكانة مقدسة، وهي سمة، أي القدسية، تزداد أهميتها بمرور الوقت. ولو وضعنا أماكن العبادة والأماكن المقدسة والآثار المقدسة والتحف المقدسة جانباً، فالمقصود بالجانب العلماني للمدينة هو المباني والأشياء والتقاليد -في كل من المجالين الخاص والعام للمدينة- التي ليس لها سمات دينية أو روحية، بما في ذلك المساكن والمنشآت الصناعية والأدوات والأسلحة أو مختلف التذكارات الأدبية والفنية، مثل الأغاني والقصائد الشعرية والصور.
ودفع التقدير المتزايد للآثار، خلال القرن التاسع عشر، السلطات العثمانية إلى صياغة المبادئ القانونية الأولى لحماية التراث الثقافي للمنطقة. وكرّس القانون العثماني للعام 1884 اعتبار جميع القطع الأثرية في الإمبراطورية تراثاً وطنياً، وحاول تنظيم الوصول العلمي إلى الآثار والمواقع من خلال تقديم تصاريح التنقيب. ولم يعد بالإمكان خروج القطع الأثرية من أراضي الإمبراطورية، وأصبحت، تلقائياً، ملكاً لـ المتحف الإمبراطوري (Müze-i Hümayun) في القسطنطينية، مما يدل على الشكل القانوني الأكثر رسوخاً للإمبريالية الثقافية(18). وظهر إطار أكثر صرامة على التنقيب وتصدير والآثار، في العام 1918، نتيجة ما يعرف بـ إعلان الآثار الانتدابي البريطاني British Mandate Antiquities Proclamation الذي أيد أهمية التراث الثقافي للمنطقة. ومنح قانون الآثار، استناداً إلى قانون الآثار العثماني، ملكية التراث الثقافي المنقولة وغير المنقولة للحكومة المدنية في فلسطين، وهكذا صارت حماية التراث الثقافي في المنطقة ومراقبته تدار، لأول مرة، محلياً وليس من عاصمة إمبراطورية(19).
على الرغم من محافظة القدس الشرقية على أهميتها الدينية في ظل الحكم الهاشمي، إلا أنها توقفت مؤقتاً عن كونها عاصمة(20). بغض النظر عن استثمار الأردن في صورة القدس كنقطة جذب للحجاج والسياح المسيحيين والمسلمين، وعانت المدينة اقتصادياً بسبب فقدانها الوصول المباشر إلى الساحل ،وبالتالي، لم يكن ترميم الآثار القديمة ذات الأهمية التاريخية والدينية مصدر اهتمام رئيسي، بصرف النظر عن ترميم قبة الصخرة في الفترة من 1952 إلى 1964(21). وبعد هذه الفترة من الإغفال النسبي، عادت المدينة إلى واجهة الأحداث، حيث تعرضت لأضرار جسيمة خلال الصراع العسكري في العام 1967، وخاصة حارة اليهود في البلدة القديمة. وترافقت السيطرة الإسرائيلية على المدينة مع تحوّلٍ جذري في تاريخ التنقيب عن الآثار والحفاظ عليها، فصار مجال التراث الثقافي ساحة معركة بين اليهود والعرب، بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونُفذت مشاريع حفر وترميم ضخمة في القدس منذ إنشاء دولة إسرائيل. كانت البداية في القدس الغربية، منذ العام 1948 ، ثم في القدس الشرقية، مع التركيز على الحوض التاريخي، منذ العام 1967. وتعاملت أطر العمل الإدارية، على النحو المحدد في القانون الإسرائيلي الذي أقرته هيئة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية Israel Nature and Parks Authority (INPA) وهيئة الآثار الإسرائيلية (وقبل عام 1990 IDAM)، مع النشاط الأثري والحفاظ على التراث الثقافي في القدس الشرقية والغربية كوحدة واحدة، بما يخدم، بالتالي، المفهوم السياسي للمدينة الكبرى والموحدة. أمّا من وجهة نظر دولية، وهو ما يتوافق مع المنظور الفلسطيني، فقد اعتبرت جميع الأعمال الآثارية في القطاع المحتل من المدينة بعد العام 1967 غير قانونية. وتصدت إسرائيل للضغوط الدولية وإدانة مشاريع التنقيب الضخمة في المناطق المحتلة من المدينة من خلال تأطير هذه المشاريع كعمليات إنقاذ. ولعل أكثر ما يستحق مصطلح عمليات الإنقاذ هو عمليات الترميم الهاشمية لمختلف الأماكن المقدسة في الحرم الشريف، بما في ذلك منبر صلاح الدين، بعد إحراق المسجد الأقصى في العام 1969، وترميمات إضافية لقبة المسجد الأقصى بين عامي 1992 و1994. وحتى العام 1978، ظل قانون الآثار الصادر في العام 1928 مرجعاً قانونياً أساسياً للتراث الثقافي، من الناحية البنيوية، بالإضافة إلى معظم التشريعات العامة التي أقرت خلال فترة الانتداب، عندما استُبدل بقانون الآثار الإسرائيلي(22). وفرضت الحقائق الجديدة للنمو الحضري والعمراني السريع، بالإضافة إلى أنشطة التنقيب الضخمة طرح بنية محدثة للإشراف على التراث الأثري، رغم التبني الإسرائيلي للعديد من الإجراءات الشكلية التي تنظم العمل الميداني التي كانت سائدة في ظل الحكم البريطاني. وظهرت قواعد عمل جديدة تتعلق باكتشاف الآثار والتعامل معها علمياً وتجارياً.
ومن الجدير ذكره، في هذا الصدد، التضحية بمعظم اللقى الأثرية العديدة التي عثر عليها أثناء المسوحات والحفريات الإسرائيلية المتواصلة في القدس الغربية، لصالح مشاريع التنمية الحضرية(23) رغم حفظ بعضها في مواقعه الأصلية أو في متاحف قريبة. ولا تعد هذه الصعوبة في الحفاظ على جميع الآثار أو معظمها مفاجئة أو غير عادية بالنظر إلى النمو الحضري السريع والمذهل للمدينة، ويبدو أن تكلفة الحفاظ عليها كانت باهظة وغير واقعية. وفي المقابل، تم التعامل مع مسألة الحفاظ على البقايا الأثرية في القدس الشرقية، وتحديداً في الحوض التاريخي، بشكل مختلف، وكانت الحكومة الإسرائيلية أكثر سخاءً في تخصيص الأموال البلدية والوطنية لعرض وحفظ الآثار(24). وأنشأت العديد من المتاحف والمتنزهات التي كانت تتوسع فوق وتحت سطح الأرض.
الإدارة الإسرائيلية
استندت السياسات الحكومية المتعلقة بمسائل التراث الثقافي، منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، إلى مفهومين تشريعيين: قانون حماية الأماكن المقدسة للعام 1967 وقانون الآثار للعام 1978. ويضمن القانون الأول، بموجب المادة 1، حماية الأماكن المقدسة "من التدنيس وأي انتهاك آخر وكل ما من شأنه أن ينتهك حرية وصول أفراد الديانات المختلفة إلى الأماكن المقدسة لهم أو لديهم مشاعرهم تجاه تلك الأماكن" واعترفت إسرائيل رسمياً بالوضع العثماني الراهن للأماكن المقدسة المسيحية وأجرت بعض التعديلات الطفيفة، فقط، على ترتيب الوضع الراهن الإلزامي فيما يتعلق بجبل الهيكل/ الحرم الشريف(25). أقرّ مرسوم الأماكن المقدسة في فلسطين لسنة، 1924 في عهد الانتداب البريطاني، بوجوب استبعاد جميع القضايا المتعلقة بالمصلين وأعضاء الطوائف الدينية والأماكن المقدسة من المحاكم المدنية، وبالتالي يمكن للمفوض السامي البريطاني أن ينقضها(26). وبعد السيطرة الإسرائيلية، في العام 1967، أحيل قانون حماية الأماكن المقدسة إلى وزير الشؤون الدينية الإسرائيلي، ولكن بعد حلّ وزارة الشؤون الدينية في العام 2004، أصبحت سلطة القرارات المتعلقة بالأماكن المقدسة في يد رئيس الوزراء(27). واستبعدت القضايا المتعلقة بالتراث الثقافي تدريجياً عن الأطر القانونية وصار التعامل معها بيد السلطات السياسية على نحو متزايد.
يلعب قانون الآثار لعام 1978 أيضاً دوراً رئيسياً في تحديد وحماية التراث الثقافي في إسرائيل. استناداً إلى الحكم الإلزامي لحماية الآثار الأصلية والمحافظة عليها -المعرَّفة بأنها "أي شيء صنعه الإنسان قبل العام 1700 م، أو أي بقايا حيوانية أو نباتية تعود لما قبل العام 1300 م" -وينص قانون الآثار على ملكية الدولة للمواقع الأثرية والآثار والتحف. ومن ثم، يمنح القانون لهيئة الآثار، كمؤسسة حكومية، سلطة التنقيب عن الاكتشافات الأثرية وحفظها ودراستها ونشرها. وتشمل هذه المسؤولية قرارات السياسة العامة الرئيسية المتعلقة بالتنمية والتخطيط العمراني حول مواقع التراث(28). ومن بين الجوانب الأكثر إشكالية لهذا القانون عدم توفيره الحماية القانونية للآثار التي تعود إلى ما بعد العام 1700 م، وبالتالي ترك ثلاثة قرون من التراث دون حماية(29). ولم يتم توثيق هذا التاريخ الحديث إلا مؤخراً. واحتفظت العديد من الحفريات الواسعة التي أجريت مباشرة بعد احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، بتركيزها الأساسي على بقايا ما يسمى بفترتي الهيكل الأول والثاني، بما في ذلك تلك الموجودة في سلوان (حفريات مدينة داود) وفي الحي اليهودي وحول الزاوية الجنوبية الغربية للحرم الشريف (الحفريات الجنوبية في جبل الهيكل)(30). من ناحية أخرى، كانت الحفريات التي أجريت منذ منتصف التسعينيات تقريباً، أكثر دقة في كشف وتسجيل جميع طبقات البناء والودائع بشكل متساوٍ، وبالتالي تحقيق العدالة للمسؤول فئة العمل المنقذ. ومن الأمثلة على ذلك المبادرات الأخيرة التي نفذت في أنفاق الحائط الغربي وبالقرب من البوابة الجديدة، والتي تظهر أدلة على دمار حربي 1948 و 1967(31). ومع ذلك، لا تعكس ممارسات الحفظ والعرض هذا التطور المهني؛ فاستمرت الحفريات على العمل لإبراز الثقافة المادية وثيقة الصلة بالأصل اليهودي للمدينة. ويظهر بيان مهمة هيئة الآثار كيف يتم استثمار جهود كبيرة في الحفاظ على الآثار وعرضها. يهدف قسم الحفظ ( مينهال شيمور-מינהל שימור) إلى حماية الأصول الثقافية والتراث العمراني في إسرائيل "من وجهة نظر وطنية". ووفقاً للتعريف الرسمي "هذا التراث" ،"عبارة عن فسيفساء من الثقافات التي كانت موجودة في المنطقة منذ فجر الإنسانية حتى الوقت الحاضر"(32). وتقع السلطة النهائية للحفاظ على المواقع أو تدميرها في أيدي مدير هيئة الآثار- بشكل عام ويتطلب موافقة اللجنة الوزارية للأماكن المقدسة(33) Ministerial Com¬mittee for Holy Places. بمعنى آخر، يحتفظ الإطار الإداري الحالي بصلاحية تحديد جوانب التراث التي يجب إبرازها لهيئة حكومية، حيث يلعب الصوت الأثري المحترف دوراً هامشياً ليس إلّا. وظهر لوبي في الكنيست يهتم بالآثار في العام 1996، من أجل التأكيد وإضفاء الطابع الرسمي على الارتباط الحكومي بجميع الأنشطة الأثرية في البلاد، وينظر إلى نشاط هذا اللوبي كأحد الروافد التي تساعد هيئة الآثار على إنجاز مهامها. ويعتمد عمل اللوبي على وجهة النظر القائلة بأن المواقع الأثرية والتحف تشكّل التراث الثقافي لإسرائيل. ومن الناحية النظرية، يتبنى اللوبي التسامح تجاه أعضاء جميع المجموعات الدينية والثقافية، لكنه يحتفظ، على صعيد الممارسة العملية، بالتحكم واتخاذ القرارات المطلقة المتعلقة بحماية التراث الثقافي والحفاظ عليه باسم ومصلحة الدولة اليهودية، التي تعطي الأولوية للمواطنين اليهود وديانتهم وتقاليدهم وجذورهم الثقافية.
الجهود الفلسطينية
نظراً لعدم وجود بلدية رسمية يسيطر عليها الفلسطينيون في القدس، فقد تبنت هيئات إدارية مستقلة مختلفة وظائف اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تلبي احتياجات وعادات السكان المحليين غير اليهود(34). واشتملت جهود "الوقف" في خدمة المجتمع الإسلامي الفلسطيني في الحفاظ على التراث الثقافي. وتابعت مؤسسة الرعاية الفلسطينية [تعاون] هذا العمل، بدءً من [تأسيسها في] العام 1983، المكرس للتراث الثقافي لكل من السكان المسيحيين والمسلمين. أدى تقليص سلطة القيادة الإسلامية للمدينة بشكل كبير، في أعقاب الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، إلى وضع معقد للغاية فيما يتعلق بإدارة المواقع التي كانت تخضع سابقاً للملكية الإسلامية، والأهم من ذلك، في الحفاظ على آثار المدينة التي لها أهمية مقدسة بالنسبة المسلمون، محلياً وإقليمياً ودولياً(35). وساهم الصراع على السلطة، الذي لم يتم حله بين الأردن وإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلى البروز المتزايد والدور المتنامي للحركة الإسلامية في إسرائيل في الحفاظ على التراث الثقافي(36). وتعود بدايات ظهور مؤسسات الوقف الإسلامي في القدس إلى منتصف القرن السابع. لم تبدأ هذه المؤسسات في لعب دور مهم في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية لمدينة القدس إلا في العصر الأيوبي. ومنذ العام 1967 -وهو الوقت الذي دمجت فيه مؤسسة وقف القدس في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف الأردنية المنشأة حديثاً -وهو معروف في الغالب بالسيطرة على المباني الإسلامية في الحرم وإدارتها، لكن ممتلكاتهم تشمل حوالي نصف المدينة القديمة، وبالتالي، فهي تحدد معظم المشهد العمراني والإطار المعماري(37). مارست إدارة الأوقاف، منذ زمن الحكم البريطاني، جهوداً معتبرة للحفاظ على الطابع العربي والإسلامي للمدينة. وكما ذكرنا سابقاً، بدأت العديد من مشاريع البناء في عهد الحاكم الأيوبي صلاح الدين، وطرأت زيادة كبيرة أخرى خلال الفترة المملوكية(38). وشكّل وقف أبو مدين أحد أهم الأصول في المدينة ويشمل معظم حي المغاربة الذي تأسس في العام 1320 م. ودمّر أثناء بناء حائط المبكى في العام 1967. أصبحت إدارة الوقف في القدس مسؤولة أمام وزارة الأوقاف في عمان، منذ احتلال إسرائيل للقدس الشرقية، ويشرف المدير العام في القدس على أقسامها المتعددة التي تشمل الآثار الإسلامية والهندسة والصيانة، ومشروع ترميم المسجد الأقصى، وشؤون الحج. وسلّمت إسرائيل، في العام 1967، إدارة وصيانة منصة الحرم وجميع المباني المرتبطة بها إلى الوقف، على الرغم من عدم اعترافها قانونياً بإدارة الوقف -مثلما ترفض إدارة الوقف الاختصاص [القانوني] الإسرائيلي-(39) . ولكن هذا لم يمنع أن يكون هناك تواصلاً غير رسمياً بين الطرفين على المستوى الفردي، لاسيما قبل الانتفاضة الثانية في أيلول-سبتمبر2000 . لكن هذا التعاون كان، منذ البداية، ضئيلاً فيما يتعلق بالأمور المتعلقة بالمحافظة على الممتلكات الثقافية(40). وكانت معظم مشاريع الترميم، التي نُفّذت تحت رعاية وقف القدس، تتعلق بالبنى المحلية، ضمن برنامج عمل شمل معظم الأماكن من قبل قسم الآثار أو وزارة الإسكان(41). وأحد مشاريع إدارة الوقف كان مشروع ترميم المسجد الأقصى، الذي نال في العام 1986 جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية. وتركّز على أعمال الزخارف المطلية التي تعود إلى القرن الرابع عشر للديكور الداخلي للقبة، باستخدام تقنية trateggio، وهي طريقة تستخدم فيها الخطوط العمودية الدقيقة لتمييز المناطق المعاد تشكيلها عن المناطق الأصلية.
تأسست في العام 1983 مؤسسة التعاون لدعم التنمية الفلسطينية في المنطقة. وهي منظمة فلسطينية غير حكومية، مقرها في جنيف، وتموّل وتنفّذ مشاريع ترميم في المدينة القديمة عن طريق فرعها التقني المعروف باسم المركز الاستشاري للتنمية (CDC) Center for Development Consultancy. وأطلقت المؤسسة في العام 1995، بالتعاون مع الوقف الإسلامي واليونسكو، برنامج إحياء مدينة القدس القديمة (OCJRP) Old City of Jerusalem Revitalization Program الطموح والمكرّس للحفاظ على المعالم التاريخية وخلق نوعية حياة أفضل للسكان. كما يهدف المشروع، بالإضافة إلى ترميم الآثار القديمة، إلى توفير فرص التدريب والتعليم للسكان المحليين، وزيادة الوعي العام بقيمة المباني التاريخية. ودعَم البرنامج، حتى الآن، أكثر من 160 مشروعاً، بما في ذلك هياكل المنازل -سواء كانت منازل فردية، من طابقين أو ثلاثة طوابق تضم أسرة واحدة أو اثنتين، أو مجمّعات سكنية تقليدية (حوش) تضم عدة وحدات مبنية حول فناء مركزي، يسكنها ما يصل إلى عشر عائلات. وبقية الأعمال الإضافية الأخرى كانت موجهة لترميم المباني العامة، العلمانية والدينية على حد سواء، بما في ذلك بيوت الضيافة والمدارس الدينية والكنائس والمساجد. وأحد المعالم العامة النموذجية هو مجمع دار الأيتام الإسلامية، الحائز أيضاً على جائزة الآغا خان للعمارة الإسلامية، والذي رُمّم بين عامي 1999 و2004. ويتكون المجمع من خمسة مبانٍ تعود للعصور المملوكية والعثمانية، يعود أقدمها إلى العام 1388. ويتعلق مشروع آخر، من برنامج إحياء مدينة القدس القديمة، بمبنى تكية الأميرة (خاصكي سلطان) ودار الست طنشق [المظفرية]، والتي تم دمجها في 1921-1922 وتحويلها إلى دار للأيتام. تخدم هذه المباني إلى جانب العديد من المباني الأخرى مجموعة متنوعة من الأغراض التعليمية. ومن الواضح أن المساهمة الفلسطينية في الحفاظ على التراث الثقافي في القدس تبدو مهمة صعبة. على عكس عمل البعثة الإسرائيلية، التي تسيطر عليها الحكومة وتديرها، بكفاءة، من خلال شبكة منظمة وموحدة. ولا تزال الجهود الفلسطينية مبعثرة نسبياً. علماً أن السلطات الإدارية المتنافسة، (الأردن، إسرائيل، منظمة التحرير الفلسطينية، ومؤخراً الحركة الإسلامية في إسرائيل)، تعيق عمليات الحفاظ على الحرم، وهو أهم أثر إسلامي تاريخي وديني في المدينة. ولا يوجد برنامج موحد للحفاظ على الأصول الثقافية في القدس الشرقية، على الرغم من إحراز تقدم كبير في السنوات الأخيرة. كما أن وجود سلطات إدارية منفصلة متعلقة للتراث الإسلامي والمسيحي للمدينة يفسر، جزئياً على الأقل، غياب برنامج متماسك وإدارة مركزية. وطغت، أخيراً، المشاكل والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإنسانية على الاهتمام العام، المحلي منه والدولي على حد سواء، بالتراث الثقافي، حيث اعتبرت تلك المشاكل تحمل أولويات أعلى بين معظم الجهات التي تقدم الدعم المالي واللوجستي.
مبادرات اليونسكو
يغطي تعريف اليونسكو وتقديرها للتراث الثقافي للقدس نطاقاً زمنياً وموضوعياً واسعاً لإرث المدينة. وبعيداً عن التركيز الرئيسي لسلطة الآثار الإسرائيلية على "التراث الحفري والأثري والمعماري" للمدينة، ينصب اهتمام اليونسكو الرئيسي على السمات "المادية وغير المادية" لثقافات المدينة في الماضي والحاضر. وهي تكمّل أنشطة سلطة الآثار الإسرائيلية وتستثمر، في الواقع، بشكل أساسي في تلك المجالات ذات الأولوية المنخفضة للمؤسسات الحكومية الإسرائيلية. وكانت اليونيسكو قد أصدرت في وقت مبكر من العام 1968، بعد فترة وجيزة من استيلاء إسرائيل على القدس الشرقية، أول إدانتها للنشاط الأثري الإسرائيلي في البلدة القديمة، تعرب فيه عن اعتراضها على أيّة محاولة لتغيير "سماتها أو طابعها الثقافي والتاريخي، لا سيما فيما يتعلق بالمواقع الدينية المسيحية والإسلامية"(42). ومع هذا، لم يتم اعتماد نظام محدد يمكّن الدول الأعضاء من ترشيح مواقع لإدراجها في قائمة التراث العالمي (WHL) حتى التوقيع على اتفاقية اليونسكو للتراث العالمي في العام 1972. ووضعت هذه الطريقة لحماية وإدارة مواقع التراث الطبيعي والثقافي التي تعتبر ذات قيمة عالمية استثنائية. وأعلنت مدينة القدس القديمة كموقع تراث عالمي (WHS) في العام 1981، بمبادرة من الأردن، وأدرجت في العام التالي في قائمة التراث العالمي المعرضة للخطر(43) . تكمن أهمية إدراج المدينة القديمة في كلا الحالتين في أن هذا الإعلان يقدّم دعماً مبدئياً لاعتبار تراث مدينة القدس ملكاً للجميع, ويتطلب، بالتالي، حمايته من قبل المجتمع الدولي. وعُيّن أول ممثل رسمي لليونيسكو في المدينة في العام 1973، وكان مكلفاً بالإبلاغ عن تطور النسيج العمراني للمدينة. وكانت العلاقات بين إسرائيل واليونيسكو وديّة نسبياً في عقد السبعينيات، والتي تزامنت زمنياً وإلى حد ما إيديولوجياً مع فترة عمل البروفيسور ريموند لومير كمدير عام لممثل اليونيسكو الخاص في القدس بين عامي 1971 و1974(44). وعلى الرغم من دعم اليونيسكو أنشطة إسرائيل للحفاظ على المدينة القديمة، إلّا أنها انتقدت، منذ البداية، في العديد من المرات، الحفريات في الزاوية الجنوبية الغربية للحرم الشريف (الحفريات الجنوبية لجبل الهيكل)، والتي كان ينظر لها كحفريات غير قانونية وفقاً للرأي الدولي(45). كما شكّكت في مشروع النفق شمال القدس. Western Wall Plaza (حفر أنفاق الحائط الغربي)، سواء من حيث رسالته الإيديولوجية أو الأساليب العلمية المستخدمة، بالإضافة إلى التعبير عن قلقها من الحالة المزرية للتراث الإسلامي في القدس، وأنشأت في العام 1987، حساباً خاصاً لحفظ التراث الثقافي للمدينة، مع التركيز، بشكل خاص، على الآثار الإسلامية(46). وأدى هذا الجهد إلى تعاون ثلاثي بين اليونسكو، والأوقاف الإسلامية، ومؤسسة التعاون، الذي تحوّل إلى تعاون رسمي في العام 1997. وأتاحت هذه الشراكة تنفيذ برامج ترميم وتجديد مختلفة لتشجيع وزيادة الإقامة الدائمة للمسلمين الفلسطينيين في البلدة القديمة، بصورة أساسيّة(47). وتضمنت هذه الجهود، أيضاً، مسح ورسم خرائط للمباني التاريخية، وأعمال ترميم لقبة الصخرة والمسجد الأقصى، إلى جانب برامج تدريبية في طرق الحفظ والصيانة، وأخيراً برامج التواصل الاجتماعي المختلفة لدعم المجتمع المحلي.
دفعت التوترات السياسية المتصاعدة في المنطقة، خلال الانتفاضة الثانية والاشتباكات شبه اليومية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، في القدس، اليونسكو إلى إرسال وفد خاص إلى المدينة لإعادة تقويم حالة الحفظ مرة أخرى. وأسفر التفتيش عن خطة عمل لحفظ التراث الثقافي للمدينة القديمة، إلى جانب الاعتراف الرسمي بأن التراث الثقافي للقدس لا يشمل مواقع التراث العالمي WHS فقط، بل يشمل، أيضاً، مجموعات المتاحف والأرشيفات، فضلاً عن التراث غير المادي للمدينة. والقيم الروحانية. وبدأت المرحلة الأولى من الخطة، التي تتكون من قاعدة بيانات موحدة تضم جميع موارد التراث في القدس، في كانون الثاني-يناير 2005 وتم الانتهاء منها منذ ذلك الحين. وأعلن عن انطلاق المرحلة الثانية في العام 2008، وهي المرحلة المصمّمة لدعم برنامج التدريب المهني لتدريب الحرفيين المحليين، الذي يستهدف في الغالب سكان القدس. وتشمل خطة العمل، من الناحية الهيكلية، على عدة مشاريع لترميم الآثار القديمة والشوارع والأماكن المفتوحة. وجددت، في هذا السياق، العديد من المباني السكنية والتجارية بهدف مزدوج هو الحفاظ على المشهد الحضري الفريد للمدينة وتحسين جودة المعيشة لسكانها. ومن الأمثلة الجديرة بالملاحظة إعادة تأهيل واجهات مجمع الساحة، ومشروع ترميم كنيسة القديس يوحنا المعمدان [المعروفة باسم كنيسة القديس يوحنا الرائد St. John Prodromos]، وإنشاء مركز لترميم المخطوطات الإسلامية الموجود بالمدرسة الأشرفية، وأخيراً صيانة وتجديد وتنشيط المتحف الإسلامي بالحرم الشريف ومجموعته. توفر معظم هذه الجهود فرص التعليم والتدريب للسكان المحليين. على الرغم من الجهود التعاونية العديدة بين اليونسكو والمنظمات الفلسطينية على مر السنين، لم يُمنح الفلسطينيون العضوية الكاملة في اليونسكو حتى تشرين الأول- أكتوبر 2011(48). امتازت محاولات اليونيسكو للتأثير على المبادرات الإسرائيلية بتواضعها في معظم المبادرات الاستباقية التي تعود بالفائدة، بصورة أساسية، على المجتمع الفلسطيني في القدس. ففشلت، على سبيل المثال، الجهود المبذولة لوقف الحفريات في مدينة داوود وباب المغاربة أو الإنشاءات المخطط لها لمركز كيديم קדם צנטר في سلوان ومبنى بيت هاليبا בבית הליבה בילדינג المقابل لحائط المبكى. وغالباً ما يُنظر إلى أنشطة اليونيسكو على أنها متحيزة، على الصعيدين المحلي والدولي بعكس ادعاءاتها، بأنها وكالة غير سياسية وتعمل للحفاظ على التراث الثقافي للبشرية جمعاء. ومن أبرز أعراض صعوبة الحفاظ على موقف محايد، مذكرة التفاهم الأخيرة حول التعاون بين اليونسكو وإسرائيل، وهي وثيقة تقرّ وتعترف بالتزامات الشراكة والتراث القائمة، الموقعة في العام 2008. وتمثل هذه الاتفاقية، بالنسبة للإسرائيليين، اعترافاً رسمياً لدورهم في القدس، في حين ينظر لها الفلسطينيون بأنها تعبر عن تمسك اليونسكو بعملية التطبيع السياسي، وإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي للمدينة. بدأت المناقشات والاجتماعات الرسمية وغير الرسمية بين ممثلي اليونسكو والمسؤولين الإسرائيليين بشأن إمكانية توسيع المنطقة المدرجة في قائمة التراث العالمي WHL في نفس الوقت تقريباً، واقترح الإسرائيليون دمج جبل صهيون [جبل النبي داود] ومواقع أخرى خارج أسوار المدينة في المنطقة المحمية رسمياً(49).
وعلى الرغم من هذه المحاولات المنفردة للتعاون بين إسرائيل واليونيسكو، لا سيما فيما يتعلق بجهود الاتصال الشفوي أو الكتابي، تدهورت العلاقات بينهما بشكل أكبر على مدار العقدين الماضيين(50). وأظهر مؤشر صعوبة العلاقة في قدرة اليونسكو على اختيار الممثلين المقبولين لدى السلطات الإسرائيلية والتعيينات المتكررة قصيرة الأجل(51). بضاف إلى هذا انتقاد ليونيسكو الدائم والقاسِ للنشاط الأثري الإسرائيلي -إلى جانب دعمها الصريح للآثار الإسلامية، وإلى حد ما، للآثار المسيحية. يعتبر المجتمع الإسرائيلي، عموماً، أن دعم اليونيسكو للتراث الثقافي الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني الحي دليلاً على وجود أجندة مؤيدة للفلسطينيين ومعادية لإسرائيل. وليس هناك شك في أن دور اليونسكو، كوسيط مستقل وحارس عالمي للتراث العالمي المهدد، قد تعرض للخطر بسبب المناخ الاجتماعي والسياسي الصعب في القدس(52). وينظر البعض إلى عجز اليونيسكو وعدم قدرتها على حماية التراث الثقافي للقدس، هو، في الواقع، أكثر وضوحاً من فعاليتها في الحفاظ على إرث المدينة المادي وغير المادي(53).
وكالات أخرى
تشمل المؤسسات المحلية الإضافية المخصصة للتراث الثقافي للمدينة: مؤسسة إلعاد Elad ومؤسسة تراث الحائط الغربي Western Wall Heritage Foundation، وتشارك كلتا المؤسستين، بنشاط، في التنقيب وعرض الاكتشافات الأثرية(54). وتتركز أنشطتهما حصرياً على السردية اليهودية (باستثناء التراث المسيحي والإسلامي) للمدينة القديمة، وغالباً ما تواجه مبادرات هاتين المؤسستين انتقادات دولية. وعلى الصعيد المحلي، تتصدى منظمة عمق شبيه עמק שווה لأنشطة إلعاد ومؤسسة تراث الحائط الغربي. وعمق شبيه، منظمة تضم مجموعة من علماء الآثار الإسرائيليين ونشطاء المجتمع الذي يشددون على "دور علم الآثار في المجتمع الإسرائيلي وفي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". ويعتقدون، من وجهة نظرهم، إن "الثروة الثقافية للمواقع الأثرية، جزء لا يتجزأ من الأصول الثقافية للبلد وهي ملكية مشتركة لجميع المجتمعات والشعوب والجماعات الدينية التي تعيش هنا"(55). ومعظم مبادرات عمق شبيه مكرسة لمدينة القدس، بما في ذلك المحاضرات والجولات والمنشورات. كما يوجد منظمة محلية أخرى، سبق ذكرها، وهي الحركة الإسلامية في إسرائيل، والتي تعمل على الحفاظ على التراث الإسلامي للمدينة. ويبدو أن برنامج التراث الثقافي الذي تتبناه الحركة الإسلامية في إسرائيل يتمحور حول أجندة أيديولوجية وسياسية واضحة، على غرار الطريقة التي يتشابك بها التراث الثقافي والأيديولوجيا والسياسة بالنسبة للعديد من المنظمات التي نوقشت سابقاً(56). ويمكن أن نتطرق في الحديث عن منظمة دولية معنية بالتراث الثقافي للقدس، وهي التحالف من أجل استعادة التراث الثقافي في القدس ( آرتشARCH) Alliance to -restore- Cultural Heritage in Jerusalem ، التي تأسست في العام 2010 في جنيف، سويسرا. ويتركز نشاطها البحثي على الجوانب المادية وغير المادية للتراث الثقافي للمدينة، كما هو منصوص عليه في قرارات الأمم المتحدة(57). تشمل اهتمامات (آرتش ARCH): "علم الآثار والعمارة والآثار والمواقع المقدسة والآثار التاريخية والمخطوطات والمناظر الطبيعية ذات الأهمية الثقافية"، بالإضافة إلى الجوانب غير المادية للتراث الثقافي، مثل "اللغة واللهجات، والتاريخ الشفهي، والطقوس والاحتفالات التقليدية للاحتفال، والحرف اليدوية، والفولكلور، والموسيقى، والرقص، وغير ذلك من الفنون الأصلية"(58).
تراث ما تحت الأرض وما فوقها
تشترك العديد من المجتمعات والأمم والمنظمات المتعددة في الطموح للحفاظ على التراث الثقافي للمدينة، وهناك العديد من المؤسسات والهيئات والمنظمات التي تتعامل مع الجوانب المختلفة الأخرى للتراث الثقافي للمدينة، سواء جزئياً أو كلياً، بعكس احتكار إسرائيل المفروض على الحفريات في القدس، والتي تدار من خلال الوكالات الحكومية التابعة لسلطة الآثار الإسرائيلية (أو دائرة الآثارIDAM قبل العام 1990) وإدارة الطبيعة والمتنزهات INPA. فيعمل الوقف [الإسلامي] نيابة عن السكان المسلمين، وتعمل مؤسسة التعاون لصالح المجتمع الفلسطيني بشكل عام. وتكمّل اليونيسكو، باعتبارها تمثل المجتمع الدولي، جهود ومبادرات تلك المنظمات المحلية الكبرى. وعلى الرغم من الادعاء الشائع بأن هذه المبادرات ليست ذات دوافع سياسية، فقد ثبت أنه من الصعب، بل من المستحيل المناورة، دون التورط في الأجندات السياسية والأيديولوجية المتنوعة للمجموعات والمؤسسات المختلفة المتورطة في بناء سرديات القدس الأصلية والحفاظ على التراث الثقافي للمدينة.
يتمثل تركيز النشاط الإسرائيلي الذي يساهم في الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة في أعمال التنقيب الواسعة النطاق (أو يشكل متسق لمشاريع القدس الشرقية)، والتي تعرّفها إسرائيل، أو معظمها على أنها أعمال إنقاذ مكرسة للكشف عن البقايا المادية التي يمكن ربطها بما يقرب من ستمائة عام من تعطيل السيادة الإسرائيلية ومن ثم السيادة اليهودية لاحقاً في المدينة. ونظراً للمحدودية المتزايدة للأراضي المفتوحة فوق الأرض، على مدار العقدين الماضيين، تقوم العديد من الإجراءات تحت الأرض، مما يؤدي إلى إنشاء شبكة معقدة من الأنفاق والمساحات التي لا تخدم فقط كمساحة عمل للعديد من علماء الآثار والموظفين والعمال، ولكنها تلعب دوراً كواجهة سريعة النمو لاستقبال الزوار المحليين والسياح الدوليين. وتمت الإشارة بصورة متكررة وصريحة إلى تكريس رابط ملموس بين الماضي اليهودي للمدينة والعودة الصهيونية إلى الأراضي المقدسة. وأتاح هذا الارتباط المادي والإيديولوجي تبريراً ملموساً لمصادرة الأراضي، لا سيما في مجال السياسة الإسرائيلية لمشروع القدس الموحدة، وتشديد قيود البناء على السكان الفلسطينيين، وتطوير علم الآثار، والسياحة، ومبادرات البناء اليهودي في القدس الشرقية(59).
يتكرس النشاط الفلسطيني الداعم للتراث الثقافي للمدينة في الحفاظ على الحرم والعديد من المعالم الأثرية في الأحياء المسيحية والإسلامية في البلدة القديمة. ويتركز المحور الزمني بما مجموعه 1300 عام تقرباً من الحكم الإسلامي غير المنقطع ، بما في ذلك قبة الصخرة الأموية بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الكنائس والمساجد والمباني المحلية من العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية، والتي لا تزال تحدد إلى حد كبير الشخصية الحالية للمدينة القديمة. والهدف الرئيسي من هذا النشاط هو حماية المجتمع الحي، وزيادة الوعي بالتراث الثقافي الفلسطيني، وتحسين ظروف السكن، وتثقيف وتدريب السكان المحليين على تقنيات الحفظ والمحافظة(60). بينما يمكن اعتبار النشاط الأثري الإسرائيلي في القدس الشرقية المكرس في الغالب لكشف الطبقات المخفية عن طريق الحفر وإنشاء مستويات تحت الأرض، ليس سوى محاولة موضع شك للتعويض والتغلب على التراث المبني المكشوف، والذي غالباً ما يكون ذا أبعاد ضخمة ومسيحياً وإسلامياً في طبيعته في أغلب الحالات. ويبدو أن حماية التراث الثقافي للمدينة في غاية الصعوبة نظراً لغياب قرار سياسي وإجماع دولي بشأن وضع القدس، فضلاً عن عدم وجود تنسيق واتفاق بين مختلف الجهات المسؤولة أو المدافعة عن التراث الثقافي للمدينة، لتنفيذ خطة شاملة للقدس. علماً أن هناك اهتمام متزايد بقضايا التراث الثقافي في القدس، وتوافر العديد من المبادئ والمفاهيم القانونية المصممة بعناية والتي تنظم إجراءات التنقيب والعرض، وفضلاً عن أعداد كثيرة من الجمعيات والمؤسسات المكرسة لهذه المبادرات، ولكن هذه العوامل تعرقلها المصالح المتعارضة للاعبين الرئيسيين. إن الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الفلسطيني للمدينة مبعثرة للأسف، ونتيجة لذلك فهي غير فعّالة إلى حد كبير. وبطريقة مناقضة، تظهر جهود التدخلات الإسرائيلية للحفاظ على الإرث الإسرائيلي وبنائه منسقة ومركزة وقوية على نحو مطّرد.
ملاحظات:
يوجد في النص الأصلي مجموعة من الأشكال والمصورات يمكن الرجوع إليها لمن يرغب.
العنوان الأصلي: Finding Jerusalem Archaeology between Science and Ideology
المؤلف: Katharina Galor
الناشر: UNIVERSITY OF CALIFORNIA PRESS. 2017
هوامش الفصل الثالث
ا- بعد أيام قليلة، غير هرتزل رأيه. واقترح بناء مدينة علمانية جديدة خارج الأسوار وترك الأضرحة المقدسة في جيب خاص. لقد كان تعبيراً مثالياً عن المثل الأعلى العلماني: يجب حصر الدين في مجال منفصل، حيث سيصبح عاجلاً، عبارة قطعة في المتحف، T. Herzl, The Complete Diaries of Theodor Herzl, ed. R. Patai, 2 vols. (London and New York: Herzl Press with Thomas Yoseloff, 1960), 745.. وبعد عقدين من هرتزل، قدم عالم الآثار البريطاني، و. م. فليندرز بتري اقتراحاً مشابهاً بهدم جزء كبير من المدينة القديمة وإزالة بقايا العصور الوسطى واستعادة طبقات السكن اليهودية، Palestine Exploration Quarterly Statement 5, 1919, 3. See also S. Gibson, “British Archaeological Work in Jerusalem between 1865 and 1967: An Assess¬ment,” in Galor and Avni, Unearthing Jerusalem, 48.
2- انظر، Benvenisti, City of Stone, 136.
3- كان هناك حتى مطلع القرن العشرين حولي خمسين كنيساً ومعبداً يهودياً في حارة اليهود. المثير للدهشة أنه بحلول العام 1975، تم تجديد أربعة مباني فقط من المباني المدمرة كلياً أو جزئياً. وأشار كل من سلاي وكارك وشوفال Slae, Kark, and Shoval في In “Post-War Reconstruction and Conservation,” (382), إلى أنه بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، كان يُنظر إلى قيمة التراث المرتبط بالمؤسسات الدينية على أنه شأن عفا عليه الزمن
4- انظر، M. Dumper, The Politics of Sacred Space: The Old City of Jerusalem in the Middle East Conflict (Boulder, CO: Lynne Rienner, 2002), 175 and N. al-Jubeh, “Bab al-Magharibah.”
5- يوثق ريكا، فيما يتعلق بإعادة اختراع القدس، عملية إعادة الإعمار ويشرح التداعيات، المحلية والدولية، الثقافية والإيديولوجية، ويقارن إعادة إعمار الحي اليهودي بمبادرات ترميم حضرية معاصرة وبخلص إلى أنه لو اتبعت معايير دولية واستشارات لخبراء أجانب لكان من الممكن مدى الدمار الواسع، وفقاً لسلاي وكارك وشوفال ،اعتبر مائة مبنى ( الثلث) من المباني القديمة في الحي مناسب للترميم (“Post-War Reconstruction and Con¬servation,” 377).
6- انظر، See M. Inbari, Jewish Fundamentalism and the Temple Mount: Who Will Build the Third Temple? (Albany: State University of New York Press, 2009), 17–30. بعض من يدافع عن عودة المجمع دون بناء معبد.
7- يقارن م. دومير وسي. لاركن حالة التراث الثقافي في القدس بالمدن الأخرى ذات التكوين السياسي والديني المعقّد، مثل فاس وحلب وموستار وكوسوفو. راجع،“The Role of UNESCO in Jerusalem’s Old City,” Jerusalem Quarterly 39 (2009): 16–28.
8- هذا الاقتباس (والاقتباسات الأخرى في بقية هذه الفقرة) مأخوذ من “The Conservation of Jerusalem’s City Walls,” on the IAA website, https://www.antiquities.org.il/jerusa¬lemwalls/default-eng.asp.
9- انظر، https://www.iaa-conservation.org.il/article_Item_eng.asp?subject_id=42&id=118.
10- الأدبيات عديدة وواسعة. لحصول على بعض المنشورات المختارة الحديثة، انظر، T. Webb, “Ap¬propriating the Stones: The ‘Elgin Marbles’ an English National Taste,” in Barkan and Bush, Claiming the Stones, 51–96. C. C. Coggins, “Latin America, Native America, and the Poli¬tics of Culture,” in Barkan and Bush, Claiming the Stones, 97–115 L. Smith, Archaeological Theory and the Politics of Cultural Heritage (London: Routledge, 2004) and N. Moore and Y. Whelan, Heritage, Memory and the Politics of Identity. New Perspectives on the Cultural Landscape (Aldershot, England: Ashgate, 2008).
11- انظر، J. B. Scott, The Hague Conventions and Declarations of 1899 and 1907 (New York: Ox¬ford University Press, 1918). للحصول على إعادة تقويم حديثة للاتفاقيات W. C. Banks, New Battlefields/Old Laws: Critical Debates on Asymmetric Warfare (New York: Columbia University Press, 2011).
12- انظر، K. Jote, International Legal Protection of Cultural Heritage (Stockholm: Jurisförlaget, 1994), 19 and Ricca, Reinventing Jerusalem, 129.
13- كان هذا أول إطار قانوني دولي لمكافحة الاتجار غير المشروع للممتلكات الثقافية في أوقات السلم.
14- انظر، S. Titchen, On the Construction of Outstanding Universal Value: UNESCO’s World Heritage Convention and the Identification and Assessment of Cultural Places for Inclusion in the World Heritage List (PhD diss., Canberra, Australian National University, 1995), 94.
15- تم إعداد الميثاق من قبل اللجنة الدولية لإدارة التراث الأثري(ICAHM) ووافقت عليه الجمعية العمومية التاسعة في لوزران
16- انظر، Article 3, on Legislation and Economy.
17- حول الطبيعة المتنازع عليها للأماكن المقدسة في القدس، انظر، see Dumper, Politics of Sacred Space Dumper, “The Palestinian Waqf ” S. Berkovitz, The Wars of the Holy Places: The Struggle over Jerusalem and the Holy Sites in Israel, Judea, Samaria and the Gaza District. (Jerusalem: Hed Arzi Publishing House and the Jerusalem Institute for Israel Studies, 2001) and D. E. Guinn, Protecting Jerusalem’s Holy Sites: A Strategy for Negotiating a Sacred Peace (Cambridge: Cambridge University Press, 2006).
18- انظر، M. M. Kersel, “The Trade in Palestinian Antiquities,” Jerusalem Quarterly 33 (2008): 24.
19- انظر، Kersel, “Trade in Palestinian Antiquities,” 25–26.
20- انظر، Katz, Jordanian Jerusalem, 144.
21- تفحص كاتس في Jordanian Jerusalem (1–15, 118–36) الجهود التي استثمرتها الدولة الأردنية الحديثة في الأماكن المقدسة ذات المعنى الوطني وكيف أثر ذلك على السياحة والحج إلى القدس، وتجادل كاتس بأن المواقع الإسلامية والمسيحية في المدينة أصبحت نقطة محورية في هوية الأردن. حول مساهمة الأسرة قبل الدولة في ترميم قبة الصخرة، انظر، Katz, chapter 4. On the Second Hashemite Restoration after the coronation of King Hussein, see https://www.kinghussein.gov.jo/islam_restoration.html.
22- انظر، Kersel, “Trade in Palestinian Antiquities,” 27.
23- للحصول على تحليل نقدي للنشاط الأثري الإسرائيلي في القدس بين 1967-2007 ودوره الإيديولوجي في دعم فكرة مدينة "موحدة"، انظر، For a critical analysis of Israeli archaeological activity in Jerusalem between 1967–2007 and its ideological role in support of a ‘unified’ city, see R. Greenberg, “Extreme Exposure: Archaeology in Jerusalem 1967–2007,” Conservation and Management of Archae¬ological Sites 11 (2009), 262–81. وحول الأدوار القومية والإيديولوجية لعلم الآثار الإسرائيلي في القدس، انظر، Abu El-Haj, “Translating Truths,” 168–85 and Abu El-Haj, Facts on the Ground, 130–62.
24- بالإضافة إلى الموارد الكبيرة التي أتاحتها إلعاد والأموال العادية لهيئة الآثار الإسرائيلية، وفرت الحكومة مليار شيكل _حوالي 270 مليون دولار) لإنفاقها على النشاط الأثري والتنمية السياحية في القدس الشرقية بين عامي 2005 و2013
25- انظر، S. Berkovitz, The Temple Mount and the Western Wall in Israeli Law, The Jerusa¬lem Institute for Israel Studies Series 90 (Jerusalem: JIIS and the Jerusalem Foundation, 2001), 13.
26- على الرغم من أن إسرائيل تعتبر نفسها قد ورثت هذا الحق، وأنها تتمتع بسلطة قضائية نهائية على جميع الأماكن المقدسة في المدينة، إلا أنها تنازلت ضمناً عن استقلال إداري محدود لمجمع الحرم لإدارة الوقف، وهذا يستثني بطبيعة الحال السيطرة المادية والترتيبات الأمنية التي لها علاقة بالموقع
27- انظر، See M. Dumper and C. Larkin, “The Politics of Heritage and the-limit-ations of In¬ternational Agency in Divided Cities: The Role of UNESCO in Jerusalem’s Old City,” Review of International Studies 38 (2012): 30.
28- للاطلاع على التعريف الرسمي الحالي لهيئة الآثار الإسرائيلية، انظر، https://www.antiquities.org.il. Dumper and Larkin, “The Politics of Heritage,” 6–7.
29- ناقش الجبة في N. al-Jubeh, “Palestinian Identity and Cultural Heritage,” in Temps et espaces en Palestine, Contemporain publications, no. 25, ed. R. Heacock (Beirut, Lebanon: Institut français du Proche-Orient, 2005), 26. الطبيعة الإشكالية للحماية القانونية فقط لتلك الآثار التي سبقت 1700 م.
30- تعلق أبو الحاج على التركيز الحصري على الفترة المحيطة بالهيكل الأول والثاني لكنه لا يعترف بالتغيير في علم الآثار الإسرائيلي منذ التسعينيات تقريباً، انظر، Abu El-Haj, “Translating Truths,” 172, 174, 176 and Abu El-Haj, “Producing (Arti) Facts,” Archaeology and Power during the British Mandate of Palestine.” Israel Studies 7.2 (2002): 46–47) . وعلى الرغم من على الرغم من التركيز العام على الهياكل الهيرودية في الحفريات التي قام بها بنيامين مزار، فقد تم الحفاظ على المجمع الأموي الحكومي عند سفح الركن الجنوبي الغربي للحرم وترميمه، وهو عمارة عن مجمع معماري إسلامي قديم، ويظهر بكل بارز في الحديثة الأثرية.
31- انظر على سبيل المثال، for example, B. Z. Kedar, S. Weksler-Bdolah, and T.Da’adli, “Madrasa Afdaliyya / Maqam Al- Shaykh ‘Id: An Example of Ayyubid Architecture in Jerusalem,” Revue Biblique 119 (2012): 271–87 A. Onn, S. Weksler-Bdolah, and R. Bar-Nathan, “Jerusalem, The Old City, Wilson’s Arch and the Great Causeway. Preliminary Report,” Hadashot Arkheologiyot 123 (2011)´-or-S. Weksler-Bdolah, A. Onn, B. Ouahnouna, and S. Isilevitz, “Jerusalem, the Western Wall Plaza Excavations, 2005–2009. Preliminary Report,”Hadashot Arkheologiyot 121 (2009).
32- حول الدور الموسع لقسم الحفظ في هيئة الآثار الإسرائيلية، انظر، https://www.iaa-conservation.org.il (in Hebrew)´-or-www.iaa-conservation.org.il/index_eng.asp (English version).
33- انظر، Dumper and Larkin, “Politics of Heritage,” 26.
34- انظر، منذ أن ألغت الحكومة الإسرائيلية البلدية العربية في العام 1967، كان هناك إجماع فلسطيني على مقاطعة الانتخابات البلدية الفلسطينية.
35- حول العلاقات المعقدة بين إسرائيل والأردن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وإدارة الوقف، لاسيما في القدس، بعد أوسلو، انظر، Larkin and Dumper, “In Defense of Al-Aqsa,” 34–35.
36- حول دور جمعية الأقصى، أو الإسلاميين الفلسطينيين، بقيادة الشيخ رائد صلاح والتزامهم بإعادة تأهيل وترميم "الأماكن المقدسة" في إسرائيل، وعلى وجه الخصوص في القدس الشرقية والحرم، انظر، Larkin and Dumper, “In Defense of Al-Aqsa,” 31–39.
37- بحسب Dumper (“The Palestinian Waqf,” 203–5) Dumper (“The Palestinian Waqf,” 203–5) ،يمتلك الوقف ما يقرب من 67% ، أو أكثر من ثلثي البلدة القديمة في القدس. يشير الاستطلاع الأخير لبرنامج إعادة إحياء القدس التابع لمؤسسة التعاون إلى أن 21.4% من المنازل السكنية مسجلة على أنها أوقاف إسلامية أو مسيحية ، في حين أن 24 % أخرى كانت أوقاف عائلية، (Welfare Association, Jerusalem: Heritage and Life: Old City Revitaliza¬tion Plan [Jerusalem and Ramallah: Welfare Association, 2004], 70 and 105–6). وحول تأسيس وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، انظر، Katz, Jordanian Jerusalem, 6.
38- انظر، Dumper, “The Palestinian Waqf,” 201.
39- حول إدارة أملاك الوقف في القدس، انظر، Y. Reiter, “The Adminis¬tration and Supervision of Waqf Properties in 20th Century Jerusalem,” Varia Turcica (Istan¬bul: Institut Français d’Études Anatoliennes 26, 1994), 169–82 Y. Reiter, Islamic Endowments in Jerusalem under British Mandate (London: Frank Cass, 1996), 146–206 and Y. Reiter, Islamic Institutions in Jerusalem: Palestinian Muslim Administration under Jordanian and Israeli Rule (The Hague, London and Boston: Kluwer Law International, 1997), 23–45.
40- كان لقسم الآثار الإسلامية التابع لإدارة الوقف اتصالات غير رسمية مع الأكاديميين الإسرائيليين، انظر Reiter, Islamic Institutions in Jerusalem, 208 Avni and Seligman, Temple Mount, 24–42.
41- كما أشارا- بحق- لاركين ودومير " إلى جانب لحفاظ على المعالم والمواقع الدينية، يجب ربط حفظ التراث بإعادة إحياء المناطق الحضرية، مع تحسين المرافق الاجتماعية، مثل الإسكان والمرافق الصحية وإمدادات المياه، انظر، Larkin and Dumper, “UNESCO and Jerusalem,” 21.
42- انظر، See General Conference of UNESCO Resolution on protection of cultural property in Jerusalem 15C/Resolutions 3 342 and 3.343 82 EX/Decision 4.4.2, 83 EX/Decision 4.3.1, 88 EX/Decision 4.3.1, 89 EX/Decision 4 4.1, 90 EX/Decision 4.3.1, and 17C/Resolution 3.422.
43- انظر، كان الترشيح من قبل الأردن مثار جدل كبير، حيث لم تعد المملكة تسيطر على المدينة واعتبر البعض الترشيح خطوة سياسية.
44- حول علاقة لومير مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، انظر، Ricca, Reinvent¬ing Jerusalem, 146–52.
45- كان لومير أول مدير عام للتراث الثقافي في القدس بين عامي 1971 و1997، تمت مناقشة دور لومير الداعم لمبادرات التراث الثقافي الإسرائيلي بالتفصيل من قبل ريكا، انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 119–20, 127, 140–53.
46- أشار لومير، في تقريره الأخير للعام 1997، إلى أن السلطات الإسرائيلية قامت ببناء عريشة معدنية وسط الفناء السابق لأحد القصور الأموية التي شوهت الموقع انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 142.
47- انظر، See Dumper, “The Palestinian Waqf.”
48- حددت لوائح التخطيط التابعة للانتداب البريطاني بالفعل منطقة ممتدة باعتبارها المنطقة الأثرية في القدس، بما في ذلك وادي قدرون وحديقة الجسمانية وبركة سلوام وجبل صهيوني [جبل النبي داود] ووادي هنوم [وادي جهنم] ومنطقة ممتدة تشمل جبل الزيتون وقرية بيت عنيا.
49- حدد ريكا ثلاث مراحل لطبيعة العلاقة بين إسرائيل واليونيسكو بين عامي 1967 و1999 انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 153–54.وحدد دومير ولاركين مرحلة رابعة منذ بداية الانتفاضة الثانية في أيلول-سبتمبر 2000، انظر، Dumper and Larkin, “Politics of Heritage,” 37.
50- بعد وفاة لومير في العام 1997، كانت التعيينات إما قصيرة أو فاشلة، تم إرسال البروفيسور ليون بريسوير في مهمة في العام 1999، ثم تبعه البروفيسور أوليغ غرابار في عامي 2000 و 2001، وفي العام 2004 أوكلت المهمة إلى فرانشيسكو باندارين، مدير مركز التراث العالمي لليونيسكو.
51- كانت اليونسكو أول وكالة تابعة للأمم المتحدة انضم إليها الفلسطينيون منذ أن تقدم الرئيس محمود عباس بطلب للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة في 23 أيلول (سبتمبر) 2011. وتمت الموافقة على طلب منح الفلسطينيين عضوية اليونسكو بأغلبية 107 أصوات مقابل 14، وامتنع 52 عضوا عن التصويت. والياس صنبر هو حالياً الممثل الفلسطيني في اليونيسكو.
52- انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 127–55.
53- انظر، Dumper and Larkin, “Politics of Heritage,” 42.
54- على عكس إلعاد (وهي منظمة غير حكومية)، تعمل مؤسسة تراث الحائط الغربي تحت رعاية مكتب رئيس وزراء إسرائيل وهيئة الشركات الحكومية (GCA).
55- حول مهمة المنظمة انظر بينها على الموقع Emek Shaveh’s website: https://www.alt-arch.org ، أسس المنظمة رافائيل غرينبرغ أستاذ علم الآثار في جامعة تل أبيب ويوناثان مزراحي الموظف السابق في هيئة الآثار لإسرائيلية
56- حول دور جمعية الأقصى ، أو الإسلاميين الفلسطينيين ، بقيادة الشيخ رائد صلاح والتزامهم بإعادة تأهيل واستعادة "الأماكن المقدسة" في إسرائيل، وعلى وجه التحديد في القدس الشرقية والحرم، انظر، Larkin and Dumper, “In Defense of Al-Aqsa,” 31–39.
57- وتشمل هذه قرارات الجمعية العامة 181 و303 وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 476 وقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رقم 13-8 .
58- انظر موقع ARCH: https://www.archjerusalem.com. هدفهم هو تحدي الخطط الإسرائيلية لتحويل موقع القرية التاريخي كحي سكني-تجاري فاخر إلى ما يشبه عالم ديزني "Disneyfy" وصياغة اتفاقية جنيف الدولية الأولى بشأن التراث الثقافي الضعيف ذي القيمة العالمية الاستثنائية
59- وفقاً لـ S. Scham and A. Yahya, “Heritage and Reconciliation,” Journal of So¬cial Archaeology 3 (2003): 403 يعتبر الحفاظ على التراث في المدينة القديمة أداة عملية لتأمين وإضفاء الشرعية عل الوجود المادي والملكية والحق في الأرض.
60- إن تعزيز التراث الثقافي الفلسطيني يسهم في إثراء الهوية الفلسطينية التي تشترك في العديد من جذورها مع التراث الثقافي اليهودي في المنطقة، وهي حقيقة يتم تجاهلها في كثير من الأحيان. حول أصول الهوية الفلسطينية، انظر . al-Jubeh, “Palestinian Identity,” 5–20 and on the role of cultural heritage in identity formation, see al-Jubeh, “Pal¬estinian Identity,” 21–22.

حالياً الممثل الفلسطيني في اليونيسكو.
52- انظر، Ricca, Reinventing Jerusalem, 127–55.
53- انظر، Dumper and Larkin, “Politics of Heritage,” 42.
54- على عكس إلعاد (وهي منظمة غير حكومية)، تعمل مؤسسة تراث الحائط الغربي تحت رعاية مكتب رئيس وزراء إسرائيل وهيئة الشركات الحكومية (GCA).
55- حول مهمة المنظمة انظر بينها على الموقع Emek Shaveh’s website: https://www.alt-arch.org ، أسس المنظمة رافائيل غرينبرغ أستاذ علم الآثار في جامعة تل أبيب ويوناثان مزراحي الموظف السابق في هيئة الآثار لإسرائيلية
56- حول دور جمعية الأقصى ، أو الإسلاميين الفلسطينيين ، بقيادة الشيخ رائد صلاح والتزامهم بإعادة تأهيل واستعادة "الأماكن المقدسة" في إسرائيل، وعلى وجه التحديد في القدس الشرقية والحرم، انظر، Larkin and Dumper, “In Defense of Al-Aqsa,” 31–39.
57- وتشمل هذه قرارات الجمعية العامة 181 و303 وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 476 وقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رقم 13-8 .
58- انظر موقع ARCH: https://www.archjerusalem.com. هدفهم هو تحدي الخطط الإسرائيلية لتحويل موقع القرية التاريخي كحي سكني-تجاري فاخر إلى ما يشبه عالم ديزني "Disneyfy" وصياغة اتفاقية جنيف الدولية الأولى بشأن التراث الثقافي الضعيف ذي القيمة العالمية الاستثنائية
59- وفقاً لـ S. Scham and A. Yahya, “Heritage and Reconciliation,” Journal of So¬cial Archaeology 3 (2003): 403 يعتبر الحفاظ على التراث في المدينة القديمة أداة عملية لتأمين وإضفاء الشرعية عل الوجود المادي والملكية والحق في الأرض.
60- إن تعزيز التراث الثقافي الفلسطيني يسهم في إثراء الهوية الفلسطينية التي تشترك في العديد من جذورها مع التراث الثقافي اليهودي في المنطقة، وهي حقيقة يتم تجاهلها في كثير من الأحيان. حول أصول الهوية الفلسطينية، انظر . al-Jubeh, “Palestinian Identity,” 5–20 and on the role of cultural heritage in identity formation, see al-Jubeh, “Pal¬estinian Identity,” 21–22.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة جزئية للعمل بمستشفى الأمل في غزة بعد اقتحامه وإتلاف محت


.. دول أوروبية تدرس شراء أسلحة من أسواق خارجية لدعم أوكرانيا




.. البنتاغون: لن نتردد في الدفاع عن إسرائيل وسنعمل على حماية قو


.. شهداء بينهم أطفال بقصف إسرائيلي استهدف نازحين شرق مدينة رفح




.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال