الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب الديمقراطى والحب الديكتاتورى

منى نوال حلمى

2021 / 7 / 24
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات



دائما ما يتم تناول الديمقراطية ، فى علاقتها بالتعددية السياسية ، والحريات العامة ، وحقوق الانسان . لكننا لا نتطرق الى قضية الديمقراطية ، فى علاقتها بالحب ، أو العاطفة الخاصة بين الرجل والمرأة . بل إن الكثيرين سوف يندهشون من مجرد تصور رابطة ما ، بين الديمقراطية والحب .لكن حقيقة الأمر ، أن الحب بين الرجل والمرأة ، باعتباره أكثر أشكال الحب تكثيفا وتحريكا للمشاعر،هو التربة الخصبة لغرس بذور الديمقراطية .
بمعنى آخر ، فان القدرات النفسية التى يفجرها الحب بين الرجل والمرأة ، هى القدرات نفسها التى تستلزمها الديمقراطية .
إن الحب فى جوهره طاقة عاطفية ، خرجت من نطاق الذاتية الضيق المحدود ، للانفتاح على ذات اخرى .
فى الحب ،يتعلم الإنسان الدرس الاول فى الديمقراطية ، ألا وهو وهو كيف يتقبل ، ويحترم ( الآخر ) ، الذى هو بالضرورة مختلف عنه . فى الحب يفاجأ الانسان ، أنه أصبح منشغلا بكل ما يجعل ( الآخر ) المختلف عنه ، ينمو ، ويتطور ، ويتفتح ويتألق ويتحرر. أليس فى هذا أجمل تدريب على الديمقراطيه ؟ .
هل الديمقراطية شئ أخر ، إلا هذا التوجه المنفتح نحو كيان غير ذاتى ؟ .
الحب لا يعرف ، ولا يعترف بالفروق المصطنعه ، بين البشر ، الحب يذيب جميع الفروق ، ويعبر كل الحواجز ، ويحلق بعيدا فوق كل الاختلافات الطبقية العرقية ، والدينية ، والفكرية ، والعمرية ، والجغرافية ، والعنصرية ، الموروثة .
فالحب يمكن أن يجمع بين امرأة ثرية ، ورجل فقير ، أو بين امرأه ذات ديانة معينة ، ورجل من ديانه مختلفة ، والحب يمكن أن يلم شمل الشامى على المغربى ، ويربط بين رجل له بشرة بيضاء ، وامرأة ذات بشرة سوداء ، وبين رجل فى العقد الثالث من العمر وامرأة تعدت الخمسين أو الستين ، أهناك ديمقراطية اكثر ، وأرقى من هذه التى يجسدها الحب ؟!!!
وإذا تأملنا الواقع ، نجد أن الفشل فى علاقات الحب يكمن بالتحديد فى افتقاد هذا ( التوجه الديمقراطى ) المنفتح تجاه الآخر . فالرجل قد تكون لديه مشاعر صادقة ، وجميلة ، للمرأة، لكنه ( عاجز ) عن التعامل معها ، ككيان مستقل ، لها طموحاتها وشخصيتها الحرة المنفصلة عنه . والمرأة قد تكون مخلصة فى عواطفها تجاه الرجل ، لكنها هى الأخرى ( عاجزة ) عن رؤيته ، فى اطار فى إطار يضمن له الحرية ، والاستقلال عنها .
مشكلة الحب ليست غياب المشاعر ، او العواطف ، ولكنها فى غياب (الإحساس الديمقراطى العاشق ) . وهو يأتى منذ الطفولة ، من تربية الأب ، والأم ، اللذان يجب أن يكون كل منهما ، حرا ، ومستقلا ، ويحترم مساحة الآخر ، وخصوصياته .
كل يوم ، هناك نساء ، ورجال ، فى العالم كله ، يقعون فى الحب. لكنـه حب مريض ، متسـلط ، غير ديمقراطى التوجه ، ديكتاتورى النزعة ، يجنح الى تملك الآخر ، واخضاعه ، بدرجات وأشكال مختلفة ، الى أن تصل الى أقصاها ، والغاء شخصية أحد الطرفين .
ولأن العالم هو عالم ذكورى ، فان الطرف الذى يعانى أكثر من نزعات التملك ، والسيطرة ، والشروط ، والقيود ، هو " المرأة " .
والنتيجة هو أسرة مضطربة ، أحد أطرافها هو " الأعلى " ، والطرف الآخر ، هو " الأدنى " . وهذا التقسيم ، لا ينتج سعادة حقيقية . وان ظهرت على السطح مظاهر كاذبة مزيفة على السعادة .
ويظل الطرفان يتباكيان على بدايات الحب الجميلة ، ويتسائلان أين ذهبت بهجة الأحاديث ، وأين اختفى فرح اللقاءات ؟؟.
طبعا المعيشة المشتركة اليومية ، تنقص من البهجة ، والتوهج ، والفرح ، واشتياقات المقابلات الأولى . لكنها لا تسبب التعاسة ، أو الاكتئاب . الشئ الوحيد الحقيقى الذى يدمر ، ويخرب ، هو أن يشعر أحد الطرفين ، أن الزواج بعد الحب الجميل ، المشتعل ، قد أفقده " حريته " ، و " خصوصيته " ، أو " شخصيته " بالكامل . والعيادات النفسية ،ممتلئة بهذه النماذج البائسة .
إن الحب بين الرجال والنساء هو ( الحزب السياسى ) الأمثل ، الذى يمكنه تعليم الديمقراطية دون خطب . أو مواعظ ، أو شعارات .
وليس المجتمع الديمقراطى ، إلا تحصيل حاصل لمجتمع نساءه ورجاله قادرون على الحب المنفتح تجاه الآخر . هذه هى البداية التى يجهلها . أو يتجاهلها الكثيرون ، وهى البداية المنطقية . لأن الإنسان العاجزعن تقبل ( الآخر ) الذى يقيم معه علاقة عاطفية ، خاصة وحميمة ، سيكون أكثر عجزا عن تقبل ( الآخر ) البعيد عنه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عقلية الذكر
ماجدة منصور ( 2021 / 7 / 25 - 10:52 )
أينما كنا...في الشرق أو الغرب ...ستكون عقلية الذكر عينها دائما0
الحب الديمقراطي--و هو مصطلح رائع و حديث--و الذي تتكلم عنه الأستاذة الكاتبة هو حب لا وجود له و أكاد أن أجزم بأن الرجل ومهما كانت درجة ثقافته و وعيه لن يقبل هذا الحب الديمقراطي0
تحت إسم الحب يرتكب الرجل جنايات كثيرة و أولها سلب حرية المرأة و حب تملكها 0
الرجل الذي يؤمن بالحب الديمقراطي لن يولد بعد0
الأنانية و حب التملك هما غريزتان رئيسيتان قد تمكنتا من الرجل لدرجة كبيرة0
أعتقد بأنه لا توجد علاقة حب حقيقي مالم تحقق المرأة إستقلالها المالي أولا و قبل كل شيئ0
المقال يحتاج لأبحاث مطولة لأنه يمس أقدس علاقة تربط بين المرأة و الرجل
شكرا للأستاذة الكاتبة


2 - أعتقد أنت بحاجة لدروس إجتماعية
عادل الخياط ( 2021 / 7 / 25 - 20:15 )
لدروس إجتماعية ونفسية وسياسية لكي تركني على مفهوم ثقافي جامع لتلك التوليفة المضحكة التي تتحدثين عنها .. حاولي في ضخ الحياة أكثر يا صديقتي


3 - الحب الرومانسي
منير كريم ( 2021 / 7 / 26 - 07:04 )
تحية للدكتورة المتمكنة منى حلمي
شكرا على مقالك الرائع
انا اعتقد ان العلاقة بين الزوجين يجب ان تكون رومانسية والعلاقات داخل الاسرة ديمقراطية
شكرا

اخر الافلام

.. موجز أخبار الواحدة - منظمة دولية: غزة أصبحت مقبرة للنساء وال


.. رنا.. امرأة جريئة بادرت وطلبت يد ابن صديقتها




.. حديث السوشال | اعتقال امرأة بسبب عدم التزامها بالحجاب في إير


.. دراسة جديدة تُشير إلى ارتفاع معدل وفيات النساء تحت رعاية الأ




.. صباح العربية | سر غريب.. دراسة تفسر سبب صدق الرجال مع النساء