الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحوال الفن والأدب بعد 69 عاما من ثورة 23 يوليو 1952

منى نوال حلمى

2021 / 7 / 26
الادب والفن



ومرت 69 عاما على قيام ثورة يوليو 1952 . مهما كانت تحفظاتنا على بعض السلبيات التى تلت عهد الثورة ، ورغم تراجع الأحلام التى واكبت الثورة ، ولم تتحقق ، وهذا يحدث فى كل الثورات ، لكننا لا نستطيع انكار نقاط قوتها ، وايجابياتها .
وثورة 23 يوليو 1952 ، مثل كل الثورات فى التاريخ ، فى العالم كله ، كان لها انجازات ، وكان هناك أيضا احباطاتها ، وعوائقها ، كان لها بريق ، وكان لها أيضا انطفاء . وهذا شئ طبيعى ، لأن الثورة انتاج أو صناعة بشرية ، والبشر بطبيعتهم ، يصيبون ، ويخطئون ، يتوقفون ، ويتحركون ، يضعفون ، ويقوون .
أهم شئ فى الثورات ، أن تكون ذات رؤية عادلة لكل المواطنين والمواطنات ،وأن تمنع تدخل الأديان فى الحياة والمجتمع والقوانين ، وأن تدرك أن استقلال الاقتصاد الوطنى ، هو مفتاح رئيسى للتحرر الحقيقى الدائم ، وأن ترفض التبعية للدول الأخرى ، وأن تعى أن كرامة الوطن من كرامة أبسط مواطن ، وأفقر مواطنة ، وأن تهتم بالفن ، وتستفيد من صفحات التاريخ ، ودروس الثورات السابقة .
وأعتقد أن من أهم النقاط المضيئة لثورة 23 يوليو 1952 ، هو النهضة المرموقة فى مجال الفن ، والثقافة ، بشكل عام .
كونى كاتبة ، أديبة ، شاعرة ، محبة للفنون ، والآداب ، أقول أن فترة بعد قيام الثورة ، فى الخمسينات والستينات وحتى عام النكسة 1967 ، كانت مصر فى أوج لحظاتها الثقافية والفنية والأدبية ، الراقية ، الواعية بدورها الثورى التنويرى .
عندما أقرأ ، وأتعرف ، على أحوال الفن ، والأدب ، والشِعر ، فى تلك الفترة ، وأقارنها بالوضح الحالى ، أشعر حقا بالحزن ، والغربة .
لقد عشقت الأدب .. ومن العشق ما قتل . قتلنى عشقى للأدب . أصابنى فى قلمى ، وفى قلبى . لم أعترض . فهو النوع الوحيد من القتل ، الذى يعيد لى الحياة ، ويجدد اليأس المعربد فى جيناتى الوراثية . كل قصيدة جديدة تلتف حول أصابعى ، تضئ بقعة مظلمة . وكل قصة تأبى الا أن أكتبها بدمى ، تعيد لى الثقة ،
بأننى لن أنتحر ، لن أدمن المخدرات ، لن تهزمنى اللاجدوى ، لن أفقد عقلى بسبب عدم منطقية الأشياء ، والأقدار . وأؤمن بما قاله فيلسوف القوة ، فردريك نيتشة ، 15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900 ، " أحب الكتابات التى خطها الانسان بدمه ".
هل هناك أجمل من أن تقتلنى موسيقى الأشعار ، ولذة صناعة الكلمات ؟.
الآن أين يذهب عشاق ، وعاشقات الأدب ، فى مناخ يضع الأدب فى " ذيل" الأولويات ، و " الضرورات " ، و " المهمات " ؟؟. أين يذهب عشاق ، وعاشقات الأدب ، فى مجتمع يرفع شعارات " أهمية الأدب " ، " سحر الأدب " . لكن الواقع يشهد على أن التعامل مع " الأدب " ، هو من باب سد الخانات ، وملء الفراغات ، وتحسين الصورة ، لخير أمة ُأنزلت على الأرض . ومن باب التسلية ، التى تدخل ضمن الكماليات ، والحياة المرفهة .
تهل ثورة 23 يوليو 1952 ، مرة أخرى هذا العام ، وقد أكملت عامها ال 69 ، لتذكرنا كيف أنها خالفت ما يحدث للأدب من تجاهل ، ووضع مقلوب ، حيث فى عهدها تم الاهتمام بالأدب ، وتم الاحتفاء بالأديبات والأدباء كما يليق بمكانتهم ، ودورهم ، ورسالتهم فى نهضة البلاد ، ومسايرة الروح الثورية الوليدة ، وعرف الأدب ، والشِعر ، والفن ، مع الثورة ، ازدهارا ، مازلنا نزهو به ، ونتحسر على فقدانه ، الا بالكلام ، والشعارات فقط .
يؤكد الواقع ، أن الأديبات والأدباء ، هم آخر ناس يتم الاحتفاء بهم الآن . حيث تحظى الممثلات ، والراقصات ، والمغنيات ، ولاعبو الكرة ، وملكات الجمال ، والمذيعات ، والداعيات الاسلاميات ، وزوجات الرجال المشهورين ، بكل الأضواء الاعلامية .
ان الأديبة ، الكاتبة ، الشاعرة ، خاصة لو كانت متمردة ، على السائد فى الأفكار والموروثات والشِعر ، لا تحظى بأى اهتمام اعلامى ، ولا تنعم بأى احتفاء ، حتى لو كان خبرا فى سطر ، عن كتابها الجديد ، وأحدث مجموعاتها الشِعرية .
لا أحد يفكر فى تسليط الضوء على فكرها الفلسفى ، ونظرتها للفن ، والشِعر ،وكيف يأتيها الهام الشِعر ، وكيف تتمرد على تقاليد الشِعر ، وما هى طقوس الكتابة حينما تجتمع وحدها ، بشيطان الشِعر ، فى خلوة شِعرية ، ومنْ تحب من الشاعرات والشعراء .
بل على العكس ، يتجاهلونها ، يكسرون مجاديفها ، وينتقدون أسلوب قصائدها ، وربما تصل الأمور ، الى عدم اعتبارها شاعرة أصلا .
وهنا أتذكر ، مثالا شهيرا ، على تجاهل الشِعر المتفرد الجديد المتمرد ، وكان من نصيب الشاعر الانجليزى " وليم بليك " ، 28 نوفمبر 1757 – 12 أغسطس 1827 . ووصل التجاهل الى اعتباره ليس شاعرا ، بل واحدا من المعتوهين الساعين فقط الى الشهرة . وظل هذا الوضع ، فى حياته ، وبعد رحيله لمدة نصف قرن ، حتى بدأوا بالاعتراف بعظمة أشعاره ، وكيف أنها تؤرخ لبدايات العصر الرومانسى فى انجاترا . ويعترف " جبران خليل جبران " 6 يناير 1883 – 10 أبريل 1931 ، أن " وليم بليك ، كان له أكبر الأثر ، فى نزعته الرومانسية ، فى الشِعر ، وأيضا فى الرسم . والأمثلة كثيرة ، فى التاريخ ، على مثل هذا التجاهل ، وعدم التقدير ، للشِعر ، والأدب ، عامة ، نساء ، ورجال ، من مختلف العالم . وأعتقد أننى سأكون واحدة من هؤلاء . لا أنكر أننى أصدر مؤلفاتى من حين لآخر ، وأنشر قصائدى فى مطبوعات أدبية لها سمعتها المرموقة . لكننى أقصد ما هو أعمق من ذلك . ألسنا نقول : " لا كرامة لنبى فى وطنه " . الشاعرة " نبية " ، ينزل عليها الوحى ، وخيالها يسرى بها ويعرج ، على متن المشاعر والعواطف . وكل قصيدة هى " نبوءة " ، بالضرورة ، تمشى على الأشواك ، وتُقذف بالحجارة ، ومشكوك فى أمرها ، وأمر كاتبتها . أجمل الأنبياء ، منْ لا يدافع عن نفسه .
هناك جرائد ، وصحف ، من أعرق الجرائد والصحف فى بلادنا ، وفى العالم العربى ، متخصصة فى هذا الطرد الاعلامى للشاعرات " اللى مش جايين على المزاج " ، بينما ينشرون لأردأ الشعراء والشاعرات ، أسبوعيا ، ويقومون بفرضهم على الناس ، وتلميعهم ، وبروزتهم . ثم يتكلمون بحرارة ، عن عدالة توزيع الشِعر،وديمقراطية النشر التى تسود تقاليدهم الراسخة .
فى الصحف على اختلافها ، نجد أن الصفحات المخصصة للأدب ، إما معدومة ، أو تقلصت فى " صفحة واحدة " يتيمة . وتُلغى هذه الصفحة الواحدة اليتيمة ، أو يُحذف نصفها ، لنشر إعلان طويل عريض ملون ، عن غسالة أوتوماتيك تقضى على التعاسة الزوجية ، أو إعلان عن أحدث علاج للعجز الجنسى ، أو عند افتتاح فندق عشر نجوم ، أو عن حفلة لمطرب لا يصلح للغناء ، وسعر التذكرة ألفين جنيه ، أو عن فتاوى شيوخ ، تنوى هدم الأهرامات ، وبناء مقابر للنساء الأحياء .
الأدب المبدع ، الخارج عن الشِلل ، والتنميطات النقدية المعلبة الذكورية ،المحبوسة ، المعتاد عليها ، منذ مئات السنوات ، يشق طريقه بصعوبة ، وتوضع أمامه ألاف العقبات الاعلامية والنقدية والثقافية .
الآن ، لابد أن يكون لى قناة على اليوتيوب ، - موضة العصر للشهرة – حتى أستطيع القاء الضوء على أفكارى ، وقصائدى . لا بد أن يكون لى " شِلة " ، من النقاد ، فى مطبوعات الأدب والشِعر ، نتبادل المصالح ، ونسهر للعشاء معا ، وغير ذلك ، لا أمل .
الآن ، دور النشر الكبرى ، والصغرى ، تتجنب نشر الدواوين الشِعرية ، لأن الشِعر " مبيجيبش فلوس " فى بلادنا .
ولا نريد أن نظلم بلادنا ، فالشاعرة الأميركية لويز جلوك ، لم تسلط عليها الأضواء الاعلامية ، ولم يكن لها شهرة تذكر ، الا بعد أن فازت بجائزة نوبل فى الأدب العام الماضى ، 2020 ، وعمرها 78 عاما .
وأخذ النقاد فى أمريكا ، وفى العالم ، وفى مصر بلادنا ، يكتبون عنها مقالات الغزل ،والمديح ، ويستشهدون بمواطن الجمال فى قصائدها .
وكم من شاعرات كثيرات فى كل أنحاء العالم ، وأصغر سنا ، من لويز جلوك ، يكتبن أفضل ، وأعمق ، أو فى مستواها ، ولكل واحدة أسلوبها ، ومذاقها المختلف بالضرورة . لكن عليهن الانتظار ، حتى يبلغن آخر العمر ، وتسلط عليهن الأضواء . هذا مع تحفظاتى الكثيرة على جائزة نوبل ، وأهدافها ، وايديلوجيتها ، والدور المرسوم لها . ولهذا نجد أدباء عظماء رفضوها ، مثل جورج برنارد شو ، وجان بول سارتر .
لماذا نحتفل بالثورات ومنها ثورة 1952 ؟؟. نحتفل لنتذكر نقاطها المضيئة .
الاحتفال والتذكر ، لأن لها ايجابيات لابد أن نفعلها ، ونمشى على خطاها ، ونستلهم فلسفتها . ولا شك أن مكانة الأدب ، والأديبات والأدباء ، واحدة كبرى من هذه الايجابيات التى ضاعت . بل ان ثورة 1952 ، غير أنها غيرت الوجه السياسى والاقتصادى لمصر ، كانت ثورة من الطراز الرفيع من الناحية الثقافية .
نظل فقط نردد " الشِعر ديوان العرب " ، مع اننى أكره تعبير " ديوان " . لكنه فى الحقيقة ، الآن ، أصبح من مخلفات العرب ، أو نفايات العرب ، أو مهملات العرب ، خاصة اذا كتبته نساء ينتقدن تاريخ العرب ، وأخلاق العرب ، وموروثات العرب ، وغزوات العرب ، وجهاد العرب فى سبيل الله ، وانفاق العرب الخرافى على المنشطات الجنسية ، والدجل ، والشعوذة ، وأحلامهم مدفوعة الأجر لاستعادة الخلافة العربية الاسلامية ، وتفكير العرب المنصب على النصف الأسفل من الجسد ، خاصة جسد المرأة ، والأعلى منه يُغطى ، وشتيمة العرب لغير المسلمين والتحريض على قتلهم ،
وتكفير العرب لمنْ ينتقدهم ، واتهام الغرب بالكفر والانحلال وضرورة أسلمته ، وهم يعيشون على خيرات هذا الغرب الكافر ، الذى قدم لهم كرم الضيافة ، والحرية ، والأمان .
مع تغير الأحوال ، والاهتمام المتضخم لتغطية شًعر المرأة ، لابد أن يتغير المثل العتيق المضلل ، ويصبح " اشًعر ديوان العرب " ، بفتح الشين ، وليس كسرها .
أنا شخصيا لا أكترث بالنقد ، ايجابيا ، أو سلبيا . أحب ألا يكون بين كتاباتى ، وقصائدى ، وبين القارئات والقراء ، " وسطاء " . لابد أن تكون العلاقة شخصية ، لا أحد يتدخل فيها . لا مدارس نقدية ، لا نظريات نقدية . فقط ، ملكة التذوق على تنوعها ، بينى وبين منْ يقرأون قصائدى . كل ما يعنينى ، أن أكتب قصائدى ، بكامل شغفى ، وطاقتى ، وأعصابى ، ودمى ، وخبراتى ، وأفراحى ، وأحزانى ، وأحلامى ، وقناعاتى ، وخيالى المنطلق دون حدود .
من مقولات جان كوكتو ، 5 يوليو 1889 – 11 أكتوبر 1963 ، أحد الأدباء المفضلين عندى ، مقولتان أحبهما كثيرا ، ويتناغمان مع قلبى ، وعقلى .
الأولى : " الشاعر لا يبالى باعجاب الناس ، يريد فقط أن يصدقونه " .
الثانية : " الشِعر ضرورة لا غنى عنها ، لكننى لا أعرف لأى شئ ".
----------------------------------------------------------------------








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع