الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونس بين ديمقراطية الفساد وديمقراطية الاصلاح

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2021 / 7 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تونس بين ديمقراطية الفساد وديمقراطية الإصلاح
د. جاسم الصفار
26-07-2021
تطور الوضع في تونس بسرعة تجاوزت إمكانية المتابعين على مجاراته وتوقع متغيراته. ففي يوم الأحد 25 يوليو / تموز اندلعت في عدد من المدن التونسية أعمال احتجاجية، يشار الى أنها عفوية. وانصب غضب المحتجين، غير الراضين عن تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد على خلفية تفشي الوباء، على حزب النهضة الحاكم. لذا تم الهجوم على مقر الحزب وطالب المتظاهرون بحل البرلمان وتغيير النظام السياسي ومحاكمة المتهمين بتدهور الوضع الوبائي والاجتماعي والاقتصادي في الجمهورية. وفي مساء نفس اليوم، دون انتظار انتشار أعمال الشغب في العاصمة بعد وصولها الى ضواحيها، أعلن رئيس الدولة قيس سعيد تعليق أعمال مجلس نواب الشعب (البرلمان). وسحبت قطعات من القوات العسكرية التونسية يوم الاثنين إلى العاصمة.
حسب وكالات الانباء العالمية فان القوات العسكرية التونسية سيطرت مباشرة على وسط العاصمة وحاصرت مبنى البرلمان ومنعت الدخول اليه. وبقرار من رئيس الجمهورية قيس سعيد أقيل رئيس الحكومة، من حزب النهضة، هشام المشيشي من منصبه ليتولى قيس سعيد مهامه إلى أجل غير مسمى. كما رفع الرئيس، بقرار منه، الحصانة الدبلوماسية عن النواب، وبالتالي يمكن اعتقالهم دون أي مانع قانوني في أول محاولة للمقاومة.
حزب النهضة لم يخرج من تأثير المفاجأة بعد، ولم يواجه المتظاهرين المهاجمين لمقراته، سوى بمقاومة ضعيفة لم تخلو من ممارسات إجرامية فردية. في غضون ذلك، أعلن زعيم هذا الحزب، المخضرم في السياسة التونسية، راشد الغنوشي، أن رئيس الجمهورية قيس سعيد نفذ انقلابًا على الديمقراطية. ودعا أعضاء حزبه إلى الاحتجاج السلمي.
يتفق الكثيرون مع تقييم الغنوشي للإجراءات التي أقدم عليها الرئيس دون أن يأخذوا بنظر الاعتبار حيثيات تلك الإجراءات وأهدافها وكذلك شعبيتها. الا أنه من الجهة الأخرى كان الرئيس واثقا من عدالة موقفه ودستوريته، ففي كلمته التي القاها عبر التلفزيون، قال قيس سعيد "لقد اتخذت قرارًا كان عليَ اتخاذه قبل بضعة أشهر، وهو تجميد جميع وظائف البرلمان"، مبررا لجوئه للتجميد دون الحل، بأن "دستور البلاد لا يسمح بحل البرلمان لكنه لا يمنع تجميد أنشطته."
وتجدر الإشارة الى أن النخبة السياسية التي يتصدرها النهضويون لم تتمكن طيلة السنوات العشر التي انقضت على الثورة التي أطاحت ببن علي، من حل المشاكل الاقتصادية التي كانت السبب في اندلاع الثورة وسقوط سلطة بن علي. فلا يزال الشباب المتعلم بلا عمل ولا آفاق مستقبلية في بلدهم، ولا يزال مستوى المعيشة متدنياً، ومستوى الفساد، على العكس من ذلك، مرتفع. ومما "زاد الطين بله" كما يقول المثل العراقي، تفشي الوباء وتوقف تدفق السياح، علماً بان الاقتصاد التونسي يرتكز بالأساس على السياحة والمنتجات الصناعية واليدوية المرتبطة بهذا القطاع.
بالمناسبة، فان قيس سعيد هو الشخص الأكثر ملاءمة لدور إعادة تحديث الديمقراطية بتخليصها من هيمنة الإسلاميين. إنه ليس رجلاً عسكريًا، ولا شرطيًا، بل أستاذ قانون. في عام 2019، فاز سعيد بالانتخابات الرئاسية بشكل غير متوقع. وكان من المنتظر أن يصوت الناس لمرشح حزب النهضة عبد الفتاح مورو المرشح الأوفر حظا في الانتخابات، والذي تم اقصائه في الجولة الأولى من الانتخابات. وفي الجولة الثانية، تم إقصاء نبيل قروي، المرشح الإسلامي الاخر.
يقول الخبراء إن فوز قيس سعيد في تلك الانتخابات كان وراءه نفس الشباب التونسي الذي أطاح ببن علي. كان سعيد الامل الأخير للشباب التونسي المحتج، مع علمهم بأن سلطات الرئيس في تونس محدودة بشكل كبير بموجب القانون. وهذا ما يفسر سعادة حركة الشباب الاحتجاجية بالإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية.
تمر الديمقراطية في تونس الآن باختبار صعب. فمع تأييد الاتحاد العام التونسي للشغل لإجراءات الرئيس وتفهمه لأسبابها الا أنه، في نفس الوقت أكد في بيانه الصادر اليوم، على أن تكون تلك الإجراءات ضمن خطة عمل محدودة في زمنها، تعود بعدها الحياة الديمقراطية في البلاد الى وضعها الطبيعي. ومن جهته وعد الرئيس بأن تجميد البرلمان اجراء مؤقت. ومع أني لا أتمنى أن ينطبق على هذا الوعد المثل الروسي المعروف "ليس هنالك أكثر دواما من الإجراءات المؤقتة"، فاني مؤمن بأن الديمقراطية ليست سوى وسيلة غايتها سعادة الانسان ورفاهه الروحي والمادي، فان انحرفت هذه الوسيلة عن هدفها لابد من حل لإصلاحها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست